المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفصل الرابع: شيوخه وتلاميذه - البيهقي وموقفه من الإلهيات

[أحمد بن عطية الغامدي]

الفصل: ‌الفصل الرابع: شيوخه وتلاميذه

‌الفصل الرابع: شيوخه وتلاميذه

شيوخه

لقد كان العلماء في ذلك العصر يحرصون على بذل أقصى جهدهم من أجل تحصيل أكبر قدر من العلم، لذلك نرى الكثرة في مشايخ كل منهم ظاهرة طبيعية، والبيهقي رحمه الله معروف بأنه واسع العلم، كثير الاطلاع، موفور الإنتاج ومن أبرز الأسباب التي وصل بها إلى تلك المكانة السامقة، تتبعه لعلماء عصره، وأخذه عن المبرزين منهم، فأكثر من المشايخ الذين كان لهم الأثر البالغ في حياته العلمية، فيذكر تاج الدين السبكي أن شيوخه يبلغون أكثر من مائة شيخ1.

واستقصاء ذكر شيوخه ليس من غرضنا، وكثرتهم تحول دون ذلك - إن أردناه - لذلك أكتفي بذكر ترجمة موجزة لأبرز المؤثرين في مجرى حياته وتكوينه العلمي.

والبيهقي رحمه الله كما برز في الحديث، فإنه أنتج في الفقه والعقيدة، وبرز فيهما أيضاً، لذلك سنأخذ بعين الاعتبار أبرز مشايخه الذين تأثر بهم في كل مجال.

1 طبقات الشافعية4/9.

ص: 56

فأمّا الحديث فأجمع المؤرخون على أن أشهر أساتذته فيه الحاكم أبو عبد الله محمّد بن عبد الله الحافظ.

كما ذكر السبكي أن أكبر شيخ له في هذا المجال أبو الحسن محمد نجده الحسين العلوي، وأنه سمع الكثير منه1.

وذكر السمعاني أنه تفقه على ناصر العمري المروزي2.

أما في العقيدة فقد عاصر الكثير من أساطين المتكلمين، وأخذ عنهم مذهب الأشعري، إلا أن أبرزهم الشيخ أبو بكر بن فورك الذي وصفه الذهبي بأنه كان أشعرياً رأساً في فن الكلام3.

ويعد أبرز مشايخه الذين تأثر بهم من الناحية العقدية.

لذلك سوف أقتصر هنا على ذكر ترجمة موجزة لهؤلاء الشيوخ الأربعة:

1 -

أبو الحسن العلوي 4:

هو: محمّد بن الحسين بن داود بن علي بن الحسين بن عيسى بن محمّد بن الحسن بن زيد، بن الحسن، بن علي بن أبي طالب5.

1 طبقات الشافعية4/9.

2 الأنساب1/ل 101.

3 سير أعلام النبلاء11/ل 48.

4 قال ابن الأثير: "العلوي بفتح العين واللام وفي آخرها الواو - هذه النسبة إلى أربعة رجال، أحدهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وفي أولاده كثرة.." انظر اللباب2/353. فالنسبة هنا لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه.

5 كذا ساق السبكي نسبه نقلاً عن الحاكم. انظر طبقات الشافعية 3/148.

ص: 57

وقال ابن العماد: "أبو الحسن العلوي الحسني النيسابوري

شيخ الأشراف، سمع أبا حامد الشرقي، ومحمد بن إسماعيل المروزي صاحب علي بن حجر وطبقتهما، وكان سيداً نبيلاً صالحاً"1.

وهو أكبر مشايخ البيهقى، لأنه بدأ السماع منه وهو ابن خمس عشرة سنة، وكان ذلك بخراسان2.

ويعني ذلك أنه كان سنة تسع وتسعين وثلاثمائة.

ويذكر ابن العماد أن وفاته كانت فجأة في جمادى الآخرة سنة إحدى وأربعمائة3.

ولا ريب أنه كان صاحب أثر عظيم في توجيه البيهقي، وفي خط سير حياته العلمية، الحافلة بالثراء العلمي، وذلك باعتباره أوّل موجه له، وأنه سمع منه الكثير، فرحمه الله رحمة واسعة.

2-

أبو عبد الله الحاكم:

هو: محمّد بن عبد الله بن محمّد بن حمدويه بن نعيم بن الحكم الضبي الطهماني النيسابوري، الحافظ أبو عبد الله الحاكم، المعروف بابن البيع.

ولد سنة إحدى وعشرين وثلاثمائة بنيسابور، في شهر ربيع الأول، وكان أول سماعه سنة ثلاثين وثلاثمائة، واستملى على أبي حاتم بن حبان سنة أربع وثلاثين وثلاثمائة، وأكثر التجوال في سبيل طلب الحديث، فرحل إلى خراسان، والعراق، وما وراء النهر، وسمع من نحو ألفي شيخ، منهم نحو ألف شيخ بنيسابور وحدها.

1 شذرات الذهب3/162.

2 سير أعلام النبلاء11/ل 184، ومختصر طبقات المحدّثين ص:200.

3 شذرات الذهب3/162.

ص: 58

له تصانيف كثيرة في علم الحديث، من أشهرها: المستدرك على الصحيحين، كما أن له مصنفات أخرى مثل فضائل الشافعي، وتاريخ نيسابور توفي رحمه الله سنة خمس وأربعمائة1. وكان قد رمى بالتشيع، إلا أن السبكي رد هذا الاتهام، وبين عدم صحته2.

والإمام أبو عبد الله الحاكم عالم جليل، مبرز في الحديث، ولا أدل على ذلك من تلقيبه بالحاكم، الذي يعتبر أعلى لقب علمي في هذا المجال.

ويعد الحاكم الأستاذ الأوّل للبيهقي في الحديث، أكثر عنه وأفاد منه فائدة عظمى، ولذلك يقول الذهبي: "

وسمع من الحاكم أبي عبد الله الحافظ، فأكثر جداً، وتخرج به "3.

وقال السبكي: "البيهقي أجل أصحاب الحاكم"4.

ولا ريب أن أستاذاً بهذه المنزلة، سيكون صاحب أثر كبير في الاتجاه العلمي لتلميذه.

وكانت مؤلفات الحاكم موضع اهتمام كبير من البيهقي، إذ أفاد منها كثيراً في مؤلفاته الحديثية، يلمس ذلك كل من قرأ للبيهقي.

ولا أدل على عمق تأثير الحاكم في تلميذه البيهقي من أنه سار على منواله في تأليف كتاب مناقب الشافعي، حيث إن الحاكم قد سبقه إلى تأليف كتاب في الموضوع نفسه بعنوان فضائل الشافعي.

1 مصادر الترجمة: سير أعلام النبلاء11/ل36، وطبقات الشافعية4/155، وشذارت الذهب3/176.

2 طبقات الشافعية4/161 وما بعدعها.

3 سير أعلام النبلاء11/ل184.

4 طبقات الشافعية4/8.

ص: 59

3 -

أبو الفتح العمري:

هو: ناصر بن الحسين بن محمّد بن علي بن القاسم بن عمر بن يحيى ابن محمّد بن عبد الله بن سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، أبو الفتح العمري المروزي، أحد أئمة الدين، تفقه على القفال، وأبي الطيب الصعلوكي، وأبي طاهر الزيادي توفي في ذي القعدة سنة أربع وأربعين وأربعمائة بنيسابور وله مصنفات كثيرة1.

ويعد أبو الفتح العمري شيخ البيهقي في علم الفقه، كما ذكر ذلك السمعاني2.

وخص السبكي البيهقي بالذكر من بين الذين تفقهوا على يديه، حيث قال:"وتفقه به خلق منهم البيهقي"3.

وسعة علم البيهقي في الفقه يدلّ على أن شيخه هذا - الذي أخذ عنه - معين دفاق، ولا أدل على ذلك من الوصف السابق له بأنه أحد أئمة الدين.

4 -

ابن فورك:

محمّد بن الحسن بن فورك، أبو بكر الأنصاري الأصبهاني، كان ورعاً مهيباً، اشتغل بعلم الكلام حتى برز فيه، فأصبح - كما يقول الذهبي -: شيخ المتكلمين، وكان اشتغاله بعلم الكلام، وبروزه فيه على مذهب

1 انظر هذه الترجمة في طبقات الشافعية للسبكي5/35، وشذرات الذهب3/272.

2 الأنساب1/ل101.

3 للسبكي، المصدر السابق.

ص: 60

أبي الحسن الأشعري، مستمداً ذلك من شيخه أبي الحسن الباهلي الذي أخذ عنه بالعراق. ولم يكن متكلماً فحسب، بل كان محدثاً بارعاً، وفقيهاً بارزاً، ومن أبرز مشايخه الذين أخذ عنهم الحديث عبد الله بن جعفر بن فارس الأصبهاني. وكما أن له شيوخاً فإن له تلاميذ من أبرزهم: أبو بكر البيهقي وأبو القاسم القشيري، وله تصانيف كثيرة بلغت أكثر من مائة مصنف، من أبرزها كتاب (مشكل الحديث) الذي تناول فيه تأويل الأخبار الواردة في الصفات، وكتاب الجامع في أصول الدين، وغيرها.

توفي رحمه الله سنة ست وأربعمائة، وهو عائد من غزنة، ونقل إلى نيسابور، ودفن بالحيرة1.

وقد كان صاحب أثر كبير في الاتجاه العقدي لشيخنا البيهقي إذ الناظر في الكتب التي خصصها البيهقي لمسائل العقيدة كالأسماء والصفات، والاعتقاد، وغيرهما، يراها على اتفاق كبير مع ما ورد في كتاب ابن فورك (مشكل الحديث) من تأويل لأحاديث الصفات، سيما ما يتعلق بالصفات الخبرية. كما سيتضح ذلك أثناء بحثنا لها إن شاء الله.

فابن فورك الذي كان رأساً في فن الكلام - كما وصفه الذهبي - يعد أبرز مشايخ البيهقي في هذا الفن. ولم تكن استفادة البيهقي منه قاصرة على هذا المجال، بل استفاد منه كثيراً في الحديث أيضاً، كما هو ملموسة من رواياته الكثيرة عنه.

1 مصادر الترجمة: سير أعلام النبلاء11/48، وطبقات الشافعية للسبكي4/127، وشذرات الذهب3/181.

ص: 61

تلاميذه

بعد أن كان البيهقي تلميذاً يتلقى ما جاد به أساتذته عليه من علم وفير، حتى استوعبه، وحققه، وبرع في تصنيفه وتدوينه، ما لبث أن أصبح شيخاً بارزاً، يعطي تلاميذه بنفس البذل الذي أخذه من مشايخه.

وقد تواجد لسماع كتبه الكثير من تلاميذه، الذين حرصوا على ألا يفوتهم الأخذ عنه، لما له من مكانة علمية سامقة، فقد استدعي إلى نيسابور سنة إحدى وأربعين وأربعمائة لينشر العلم، فأجاب، وأقام بها مدة، وحدّث بتصانيفه1. بالإضافة إلى ما عقده من مجالس علمية في بلده بيهق، وغيرها من البلدان المجاورة.

ومن أبرز تلاميذه الذين أخذوا عنه، وكان له فيهم أثر كبير ابنه أبو علي إسماعيل بن أحمد الملقب بشيخ القضاة وحفيده أبو الحسن عبيد الله ابن محمّد بن أحمد، والفراوي أبو عبد الله محمد بن أفضل الصاعدي، وابن منده أبو زكريا يحيى بن عبد الوهاب بن الحافظ محمد بن إسحاق بن منده وغيرهم كثير. إلاّ أنني هنا أكتفي بترجمة موجزة لهؤلاء الأربعة من تلاميذه.

1 -

ابنه أبو علي:

إسماعيل بن أحمد بن الحسين الخسرو جردي، شيخ القضاة. ولد بخسرو جرد سنة ثمان وعشرين وأربعمائة، وسمع أباه، وأبا حفص بن مسرور وأبا عثمان الصابوني، وغيرهم.

1 طبقات الشافعية للأسنوي ص: 198.

ص: 62

كانت له رحلات كثيرة، إذ رحل إلى خوارزم، فسكن بها مدة وولي بها الخطابة، وتدريس مذهب الشافعي، كما ولي القضاء بما وراء جيحون، ثم سافر إلى بلخ، وأقام بها مدة، ثم عاد إلى بيهق بعد أن غاب عنها نحو ثلاثين سنة، وتوفي بها في جمادى الآخرة سنة سبع وخمسمائة.

ويعد والده أهم مشايخه الذين أخذ عنهما الحديث والفقه.

وقد وصفه ابن الجوزي بأنه كان فاضلاً مرضي الطريقة1.

ولم أجد ذكراً لتصانيفه، ولم يشر أحد ممن ترجم له إلى أنه ألف في أيّ فن من الفنون التي اشتغل بها، مما يشير أنه لم يتجه إلى ذلك ولعل شهرته كانت مستمدة من شهرة والده وعظيم مكانته.

ويظهر لي من تلقيبه بشيخ القضاة أنه كان ذا أسلوب متميز في القضاء، جعله ينال رضا الناس، ويطلقون عليه هذا اللقب.

2 -

حفيده أبو الحسن:

عبيد الله بن محمّد بن أحمد، سمع الكتب من جده، ومن أبي يعلى الصابوني وجماعة، وحدث ببغداد، قال عنه ابن العماد:"كان قليل الفضيلة".

وقال ابن عساكر فيما حكاه عنه الذهبي: "سمع لنفسه تسميعاً طرئاً وما عدا ذلك فصحيح".

توفي في جمادى الأولى سنة ثلاث وعشرين وخمسمائة، وله أربع وسبعون سنة، أي: أن ولادته كانت سنة تسع وأربعين وأربعمائة2.

1 مصادر الترجمة: طبقات الشافعية للسبكي7/44، والمنتظم لابن الجوزي9/175، و176، والكامل لابن الأثير8/267، والبداية والنهاية لابن كثير12/176.

2 انظر: ميزان الاعتدال للذهبي3/15، وشذرات الذهب4/96.

ص: 63

3 -

أبو عبد الله الفراوي:

محمّد بن الفضل بن أحمد بن محمّد بن أحمد بن أبي العباس، أبو عبد الله الفراوي الصاعدي النيسابوري، ولد سنة إحدى وأربعين وأربعمائة تقريباً، كان شافعياً فقيهاً مناظراً، وقد لقب بفقيه الحرمين، لأنه أقام بهما مدة طويلة ينشر العلم، ويسمع الحديث، ويعظ الناس كما لقب أيضاً بمسند خراسان، أخذ الأصول والتفسير عن أبي القاسم القشيري، وتفقه على يد إمام الحرمين الجويني، وسمع من شيخ الإسلام أبي عثمان الصابوني ومن أبرز مشايخه الذين تتلمذ على أيديهم، واعتنى بمؤلفاتهم الشيخ أبو بكر البيهقي، إذ تفرد برواية بعض كتبه، مثل دلائل النبوة، والأسماء والصفات والدعوات، والبعث والنشور.

توفي سنة ثلاثين وخمسمائة عن عمر قارب تسعين عاماً1.

4 -

ابن منده:

أبو زكريا يحيى بن عبد الوهاب بن الحافظ محمد بن إسحاق بن منده العبدي الأصبهاني الحافظ، الحنبلي، مؤرخ حافظ للحديث، روى الكثر عن جماعة منهم أبوه وعماه، ودخل نيسابور للإفادة من علمائها، وكان على رأسهم البيهقي، فأخذ عنه الكثير.

دخل بغداد حاجاً، وحدّث بها، وأملى بجامع المنصور من كتبه تاريخ أصبهان، وكتاباً على الصحيحين في الحديث، ومناقب الإمام أحمد وغيرها. كان من بيت علم وفضل مشهور في أصبهان، وكانت ولادته ووفاته بها.

1 انظر: طبقات الشافعية للسبكي6/166، وشذرات الذهب4/96.

ص: 64

فأما ولادته فكانت سنة أربع وثلاثين وأربعمائة، وأما وفاته ففيها قولان: فقيل سنة إحدى عشرة، وقيل اثنتا عشرة وخمسمائة1.

وللبيهقي سوى هؤلاء تلاميذ كثيرون، لا يتسع المقام لذكرهم، وقد لاحظنا أن جميع تلاميذه لم يبلغ أحد منهم مبلغه، ولم يقاربه، إلا أنهم كانوا أصحاب فضل كبير في نشر كتب البيهقي وروايتها.

1 انظر: شذرات الذهب4/32، والأعلام للزركلي9/194.

ص: 65