المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

ال‌ ‌مقدمة الحمد لله الذي وفق من شاء من عباده لعبادته، وهدى - التأمين عقب الفاتحة في الصلاة

[عبد الله بن إبراهيم الزاحم]

الفصل: ال‌ ‌مقدمة الحمد لله الذي وفق من شاء من عباده لعبادته، وهدى

ال‌

‌مقدمة

الحمد لله الذي وفق من شاء من عباده لعبادته، وهدى من شاء للتمسك بسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة أرجو برها والنجاة بها يوم الدين، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن اهتدى بهداه واستن بسنته إلى يوم الدين. أما بعد:

فإن الصلاة شأنها عظيم، وأمرها خطير، فهي أهم أركان الإسلام بعد الشهادتين، وآكد شرائع الإسلام العملية، ولذا اختصها الله سبحانه وتعالى بخصائص دون غيرها من الأركان والشعائر.

فكان الواجب العناية بأمرها، والاهتمام بشأنها، وتعظيم قدرها، والحرص على أدائها، كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤديها أمام أصحابه رضي الله عنهم، وقد حضهم صلى الله عليه وسلم على أن يترسموا هديه في أدائها، وأن يصلوها كما علمهم أداءها، حتى إنه صلى الله عليه وسلم صلى مرة على المنبر: يقوم عليه، ويركع، ثم قال لهم:"إنما صنعت هذا لتأتموا بي ولتعلموا صلاتي" 1، وقد أمرنا بالاقتداء والتأسي به في صلاته ، فقال:"صلوا كما رأيتموني أصلي" 2، ومن أجل ذلك اهتم العلماء قديما وحديثا بالكتابة في جوانب متعددة من الصلاة، فمنهم من كتب في تعظيم قدرها وبيان أهميتها، ومنهم من كتب في الخشوع فيها، ومنهم من كتب في الأخطاء

1 متفق عليه. جزء من حديث سهل بن سعد، أخرجه البخاري في الجمعة، باب الخطبة المنبر 1/220، ومسلم في المساجد، باب جواز الخطوة والخطوتين في الصلاة 5/32.

2 جزء من حديث مالك بن الحويرث، أخرجه البخاري في الأذان، باب الأذان للمسافر إذا كانوا جماعة 1/155.

ص: 163

التي يقع فيها بعض المصلين

، فضلا عما جاء في بيان أحكامها وأفعالها في ثنايا تفسير الآيات وشروح الأحاديث، أو ما أورده الفقهاء في مصنفا تهم.

فرأيت أن أدلي بدولي في جانب من تلك الجوانب التي لم أر من أفرد الحديث عنها 1، مع أهميته واختلاف الناس فيه، بل اختلاف المذاهب الفقهية في ذلك، ألا وهو: التأمين عقب الفاتحة في الصلاة. وقد أشار في فهرس المغني2، إلى مسائل التأمين، وأنها ثلاث: اثنتان منها في الصلاة، والثالثة خارجها. وهي:

1-

التأمين عقب الفاتحة: للإمام، والمأموم، والمنفرد.

2-

تأمين المأموم في القنوت.

3-

التأمين عقب صلاة الاستسقاء، ويوم الجمعة والإمام يخطب، يدعو الإمام ويؤمّن الناس.

والتأمين شِعار الصلاة الجهرية، وإظهار لسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم قال ابن القيم: “التأمين من زينة الصلاة كرفع اليدين الذي هو زينة الصلاة، واتباع للسنة، وتعظيم أمر الله” 3.

وقد اعتنى علماء السنة وأئمة الحديث والأثر بمسألة التأمين عقب الفاتحة في الصلاة، فأفردوها بأبواب، وخصوها بتراجم، فمن ذلك صنيع البخاري في جامعه الصحيح، إذ عقد لها أربعة أبواب: ثلاثة منها في كتاب الأذان، وهي:

1 من الرسائل والبحوث المتداولة، وقد ذكر صاحب كشف الظنون 1/425 عنوانا في الموضوع، وهو: التعيين في التأمين. لمحمد بن أبي بكر ابن أحمد المستشري. إلا أني لم أقف عليه.

2 ص 582.

3 الصلاة وحكم تاركها ص 206.

ص: 164

1) باب جهر الإمام بالتأمين.

2) باب فضل التأمين.

3) باب جهر المأموم بالتأمين 1. والرابع في كتاب الدعوات، وهو:

4) باب التأمين 2.

وقريبا منه فعل النسائي، إذ ترجم لها بثلاث تراجم في كتاب الافتتاح. هي:

5) جهر الإمام بآمين.

6) باب الأمر بالتأمين خلف الإمام.

7) فضل التأمين. وغيرهما من أصحاب كتب السنة ومصنفاتها.

وذكرها ابن القيم في الأمثلة التي تُرِك فيها المحكم للمتشابه. فقال: “ المثال السابع والخمسون: ترك السنة المحكمة الصحيحة في الجهر بآمين في الصلاة

3.

ولما كان التأمين شعار الصلاة، التي هي أهم شعائر المسلمين الظاهرة، فهم يؤدونها في المساجد خمس مرات في كل يوم وليلة، وينتقل صداها إلى آفاق بعيدة عبر مكبرات الصوت. ولا ريب أن كثيرا من علا مات الاستغراب، أو الإنكار أثارها تأمين المصلين خلف إمامهم، أو تركهم له. ففي بلدنا هذا ـ أدام الله حفظه، وظهور السنة فيه ـ كم تساءل أناس حين رأوا من بعض الوافدين وجوما وسكوتا بعد فراغ الإمام من قراءة الفاتحة، ويكون ذلك ظاهراً إن كانوا

1 صحيح البخاري (111- 113) 1/189، 190.

2 صحيح البخاري (63) 7/166.

3 إعلام الموقعين 2/396.

ص: 165

هم سواد أهل المسجد. وفي المقابل كم يجد الذاهب إلى بعض البلاد الإسلامية من نظرات الاستغراب أو الإنكار إذا دخل مسجدا ليصلي مع جماعته فلم يؤمّن في المسجد أحد سواه.

وقد ازداد هذا الأمر أهمية في هذه الأزمنة، إذ أصبحت الصلاة تنقل عبر وسائل الإعلام من: تلفاز، وإذاعة، وقنوات فضائيات.. إلى أقصى الشرق والغرب، ويُشاهد ذلك ويلحظه غير المسلمين، فيرون هذا الاختلاف في صورة الصلاة الظاهرة، فهذا يؤمّن، وذاك لا يؤمّن، وهؤلاء يرتج المسجد بتأمينهم، وأولئك صامتون كأن على رؤوسهم الطير. فيكون هذا الاختلاف مثارَ استغراب أو استنكار. لماذا هذا التباين والتغاير في العبادة الواحدة بين المسلمين؟ وقد يقول قائلهم: لم يزل المسلمون في خلاف واختلاف فيما بينهم، حتى في أهم عبادتهم وهي الصلاة! !

فمن هنا رأيت أن هذه المسألة جديرة بالبحث والبيان، وأنه ينبغي تجليتها، وكشف النقاب عنها، ليعلم المسلم السنة الصحيحة في ذلك، فيكون الاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم ، والاهتداء بسنته عليه الصلاة والسلام.

ولا ريب أن اتفاق المسلمين في شعائر صلاتهم، وصور عبادا تهم الظاهرة، له أثر في اتحاد قلوبهم، ووحدة كلمتهم، واجتماع شملهم، لأن لاتحاد الظاهر أثر كبير في اتحاد الباطن.

أسأل الله أن يجمع شمل المسلمين، ويوحد صفوفهم على كلمة الحق والهدى. إنه ولي ذلك والقادر عليه. وقد سميته بـ:(التأمين عقب الفاتحة في الصلاة. حكمه، وصفته) .

خطة البحث:

قسمت البحث إلى: مقدمة، وسبعة مباحث، وخاتمة. وبعض المباحث

ص: 166

تضمنت مطالب، ومسائل.

أما المقدمة: فقد ضمنتها الافتتاحية، وأهمية الموضوع، وخطة البحث، ومنهجه.

وأما المباحث، فهي:

المبحث الأول: وجعلته في معنى التأمين.

المبحث الثاني: وجعلته في فضل التأمين.

المبحث الثالث: وجعلته في صيغة التأمين.

المبحث الرابع: وجعلته في حكم التأمين.

المبحث الخامس: وجعلته في صفة التأمين.

المبحث السادس: وجعلته في وقت التأمين.

المبحث السابع: وجعلته في تدارك التأمين، وتكراره.

وأما الخاتمة: فقد ضمّنتها خلاصة البحث، ونتائجه.

منهج البحث:

سلكت في كتابة هذا البحث، وجمع مادته العلمية المنهج التالي:

1) جمعت الأقوال العلمية من مصادرها الأصلية، ونسبتها إلى أصحابها.

2) رقّمت الآيات القرآنية وعزوتها إلى سورها.

3) خرجت الأحاديث النبوية من كُتُب السنة المعتدة، فإن كان الحديث في الصحيحين أو أحدهما اكتفيت بتخريجه منهما، وإن كان في غيرهما اجتهدت في تخريجه من كتب السنة، مع بيان درجته صحة وضعفا مستعينا في ذلك بأقوال أهل الاختصاص قديما وحديثا.

4) وثّقت أقوال المذاهب الفقهية بالرجوع إلى المصادر المعتمدة في كل مذهب.

ص: 167

1) شرحت الكلمات الغربية الواردة بالرجوع إلى المعاجم اللغوية وغريب الحديث.

2) لم أترجم للأعلام الواردين في البحث، لعدم مناسبة ذلك في مثل هذه البحوث المختصرة.

3) أرفقت في آخر البحث ثبتاً بالمصادر التي ورد ذكرها في ثنايا البحث.

4) والله أسأل أن يجعل عملي خالصاً لوجه الكريم، وأن ينفعني به يوم الدين، وأن يغفر لي ولوالدي ولجميع المسلمين الأحياء منهم والميتين، وصلى الله وسلم على المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه أجمعين.

ص: 168