الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الأول: مشروعية التأمين للمأموم، إن تركه الإمام
مضى تقرير أن المالكية في المشهور عنهم، يرون عدم مشروعية التأمين للإمام. وأن الحنفية يرون عدم مشروعية الجهر له. فهذان المذهبان، يريان ترك التأمين، أو عدم الجهر به تعمداً.
فمسألتنا إنما هي على قول من يرى مشروعية جهر الإمام بالتأمين. فهل يُشرع للمأموم ـ إذا ترك الإمام التأمين، أو لم يجهر به نسياناً، أو تعمداً ـ الإتيان به، أو يتركه موافقة لإمامه؟ اختلف العلماء في ذلك على قولين:
القول الأول: يُشرع للمأموم الإتيان بالتأمين وإن تركه الإمام. بل يُشرع له رَفْع الصوت به، ليُسمع الإمام، فيأتي به.
وإلى هذا ذهب: الشافعية في قول، وهو الأصح1، والحنابلة في المشهور2.
ويشمل ذلك أيضاً: ما لو تأخر الإمام عن التأمين في وقته. فإن المأموم يؤمّن. قال زكريا الأنصاري: “وإن تأخر إمامه عن الزمن المسنون فيه التأمين، أمّن المأموم” 3.
القول الثاني: إذا ترك الإمام التأمين، فإن المأموم لا يؤمّن.
وإلى هذا القول ذهب: بعض الشافعية 4.
1 انظر: الأم 1/109، المهذب 1/73، إعانة الطالبين 1/148.
2 انظر: المغني 2/162، انظر: الشرح الكبير مع الإنصاف3/ 450،شرح الزركشي 1/551، المبدع 1/440، منتهى الإرادات 1/210، التوضيح 1/304.
3 فتح الوهاب 1/74.
4 انظر: فتح الباري 2/266.
الأدلة:
استدل القائلون بمشروعية التأمين للمأموم، وإن تركه الإمام. بما يلي:
1-
بحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “ إذا قال الإمام: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} فقولوا: آمين
…
“. استدل بهذا الحديث بعض العلماء على جهر المأموم بالتأمين، ولو تركه الإمام. فقالوا: أي: ولو لم يقل الإمام: آمين 1.
2-
وقالوا: إن التأمين سنة قولية، إذا تركها الإمام أتى بها المأموم، كالاستعاذة. قال البهوتي: “ (وإن تركه) أي: التأمين (إمام) عمداً، أو سهواً. أتى به مأموم، جهراً (أو أسرّه) الإمام عمداً، أو سهواً، لأتى به مأموم جهراً، ليُذكِّره. أي: يُذكّر الناسي. وكسائر السنن إذا تركها الإمام، أتى بها المأموم، ولم يتابعه في تركها) 2.
3-
وقالوا: إن المراد بقوله صلى الله عليه وسلم: “ إذا أمّن الإمام، فأمّنوا..” أي: إذا دخل وقت التأمين، فأمّنوا. قال البكري، بعد حكايته لذلك: “وهو أحسن، ليشمل ما إذا لم يؤمّن الإمام بالفعل، أو أخّره عن وقته المشروع فيه، فإنه يٌسن للمأموم التأمين في الحالتين”3.
4-
وقالوا: في جهر المأمومين بها بعد فراغ الإمام من قراءة الفاتحة، تذكير له للإتيان بها قبل فوات موضعها 4.
5-
وقال ابن خزيمة في صحيحه: “باب الدليل على أن الإمام إذا جهل فلم
1 انظر: فتح الباري 2/264.
2 كشاف القناع 1/396. وانظر: المغني 2/162، الشرح الكبير مع الإنصاف 3/450.
3 إعانة الطالبين 1/148.
4 انظر: المغني 2/162.
1-
يقل: آمين. أو نسيه، كان على المأموم إذا سمعه يقول:{وَلا الضَّالِّينَ} عند ختمه قراءة فاتحة الكتاب، أن يقول: آمين. إذ أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أمر المأموم أن يقول: آمين. إذا قال إمامه: {وَلا الضَّالِّينَ} كما أمره أن يقول: آمين. إذا قاله إمامه”1.
وأما أصحاب القول الثاني، القائلون: إذا ترك الإمام التأمين، فإن المأموم لا يؤمّن. فلم أقف لهم على استدلال، لكن يمكن أن يُستدل لهم بما يلي:
1-
بحديث: “ إذا أمّن الإمام، فأمّنوا..”. ففي هذا الحديث علّق النبي صلى الله عليه وسلم تأمين المأموم على تأمين الإمام، فدلّ ذلك على أن الإمام إذا ترك التأمين، فإن المأموم لا يؤمّن.
2-
ويمكن القول: إن المأموم تابع لإمامه، فإذا ترك الإمام التأمين، تابعه المأموم في تركه، كتركه الجلوس للتشهد الأول.
* الرأي المختار:
ما ذهب إليه أصحاب القول الأول، القائلون: بمشروعية التأمين للمأموم، وإن تركه الإمام، هو الرأي المختار، لما يلي:
1.
إن في هذا القول، إعمالاً للأدلة كلها. وهو أولى من إهمال بعضها.
2.
إن في تأمين المأموم تذكيراً للإمام حال نسيانه، ليتدارك الإتيان به قبل فوات وقته.
3.
إن في تأمين المأموم حال ترك الإمام له، إقامة للسنة، وإظهار لهذه الشعيرة. والله أعلم.
1 صحيح ابن خزيمة 1/288.