المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الثالث: صيغة التأمين - التأمين عقب الفاتحة في الصلاة

[عبد الله بن إبراهيم الزاحم]

الفصل: ‌المبحث الثالث: صيغة التأمين

‌المبحث الثالث: صيغة التأمين

تقدّم أن المراد بالتأمين في اللغة، قول:(آمين)، وللتأمين ألفاظ وصيغ أخرى. منها 1:

1-

أمين. بقصر الألف، وتخيف الميم. على وزن: يمين 2.

2-

آمين. بمدّ الألف، وتخيف الميم. على وزن: ياسين، وعاصين. وهو أشهرها 3.

3-

آمين. بمد الألف، وتخيف الميم، مع الإمالة 4.

1 ستأتي الإشارة إلى صيغ أخرى في معرض بيان ما يجوز من صيغ التأمين.

2 حكاها ثعلب وآخرون. وأنكرها جماعة على ثعلب. وقالوا: المعروف المد. وإنما جاءت مقصورة في ضرورة الشعر. قال النووي: (وهذا جواب فاسد، لأن الشعر الذي جاء فيها فاسد من ضرورية القصر. انظر: المجموع 1/370.

3 ذهب ابن العربي إلى أن القصر هو الأشهر، وعليه الأكثر. فقال في أحكام القرآن 1/6:(والقصر، أفصح، وأخصر. وعليها من الخلق الأكثر) . وفي المصباح المنير 1/24: (أمين بالقصر، لغة أهل الحجاز، وبالمد لغة بني عامر. والمد إشباع، بدليل أنه لا يوجد في العربية كلمة على وزن فاعيل) . وفي نيل الأوطار 2/245: (آمين. هو بالمد والتخفيف في جميع الروايات، وعن جميع القراء) .

4 حُكي ذلك عن حمزة والكسائي. وفي الإمالة لغات أخرى شاذة: القصر، حكاه ثعلب. وأنشد له شاهداً. وأنكره ابن درستويه، وطعن في الشاهد، بأنه من ضرورة الشعر. ولذا قال ابن عابدين في حاشيته 1/492:(قوله: وإمالة. أي: في المد، لعدم تأتيها في القصر.. وحقيقة الإمالة: أن ينحى بالفتحة نحو الكسر، فتميل الألف إن كان بعدها ألف نحو الياء) .

ص: 180

1-

آمِّين. بالمد مع التشديد. من أمَّ الشيء. إذا قصده. لكن أكثر أهل اللغة لم يذكروا ذلك. بل قال ثعلب، والجوهري وغيرهما: تشديد الميم، خطأ. قال الفيومي: “الموجود في مشاهير الأصول المعتمدة: أن التشديد خطأ. وقال بعض أهل العلم: التشديد لغة. وهو وهَمٌ قديم. وذلك أن العباس، أحمد بن يحي قال: وآمين، مثال عاصين، لغة. فتوهم أن المراد صيغة الجمع، لأنه قابله بالجمع. وهو مردود بقول ابن جني وغيره: أن المراد موازنة اللفظ، لا غير. قال ابن جني: وليس المراد حقيقة الجمع. ويؤيده قول صاحب التمثيل في الفصيح: والتشديد خطأ. ثم المعنى غير مستقيم على التشديد، لأن التقدير: ولا الضالين، قاصدين إليك. وهذا لا يرتبط بما قبله” 1.

2-

أمِّين. بالقصر، مع التشديد. وأكثر أهل اللغة على أن ذلك خطأ.

قال النووي: “في آمين لغات. قال العلماء: أفصحها، آمين، بالمد، وتخفيف الميم. والثانية، بالقصر. وهاتان مشهورتان. وثالثة، آمن، بالإمالة مع المد، حكاها الواحدي عن حمزة، والكسائي. والرابعة، بتشديد الميم مع المد، حكاها عن الحسن، والحسين بن الفضيل. قال: ويحقق ذلك ما روي عن جعفر الصادق. قال معناه: قاصدين نحوك، وأنت أكرم من أن تخيب قاصداً. هذا كلام الواحدي. وهذه الرابعة غريبة جداً، فقد عدّها أكثر أهل اللغة من لحن العوام. وقال جماعة من أصحابنا من قالها في الصلاة، بطلت صلاته”2.

1 المصباح المنبر 1/25.

2 التبيان ص 67.

ص: 181

وقد اختلفت المذاهب الفقهية فيما يجوز من صيغ التأمين، وما لا يجوز منها.

وفيما يلي بيانٌ لأقوال المذاهب الفقهية، ثم أتبعها بخلاصة تلك الأقوال، وبيان مواضع الاتفاق، والاختلاف. فأقول مستعيناً بالله:

* مذهب الحنفية:

ذهب الحنفية إلى أن هناك ألفاظاً يحصل بها سنة التأمين، وألفاظاً أخرى يحصل بها التأمين، دون سنته، وألفاظاً أخرى تفسد بها الصلاة. وقد لخصها الحصكفي بقوله: “وأمّن. بمدّ، وقصر، وإمالة. ولا تفسد بمد مع تشديد، أو حذف ياء، بل بقصر مع أحدهما، أو بمد معهما. ثم قال: وهذا مما تفردت بتحريره”1. وبيان ذلك، فيما يلي:

أولاً: ما تحصل به سنة التأمين. وهي ثلاثة صيغ:

1-

آمين. بالمد، والتخفيف.

2-

أمين. بالقصر، والتخفيف.

3-

آمين. بالمد، والتخفيف، مع الإمالة.

ثانياً: ما يحصل به التأمين، دون سنته. وهما صيغتان:

1-

آمِّين. بالمد، مع التشديد، بلا حذف.

قال ابن عابدين: “فلا يفسد. على المفتى به عندنا2، لأنه لغة فيها. حكاها الواحدي، ولأنه موجود في القرآن، لأنه له وجهاً، كما قال الحلواني: إن معناه، ندعوك قاصدين إجابتك. لأن معنى آمّين: قاصدين. وأنكر جماعة من مشايخنا كونها لغة، وحكم بفساد الصلاة “3.

1 الدر المختار 1/492.

(فائدة) قال ابن عابدين في حاشيته1/490: (لفظة الفتوى، آكد وأبلغ من لفظة المختار) .

3 حاشية ابن عابدين 1/492. وقال المرغيناني في الهداية 1/49: (والتشديد خطأ فاحش) . قال ابن الهمام في شرحه 1/296: (في التجنيس: تفسد به، لأنه ليس بشيء. وقيل: عندهما لا تفسد، وعليه الفتوى) .

ص: 182

1-

آمن. بالمد، مع حذف الياء بلا تشديد. فلا تفسد به الصلاة. قال ابن عابدين: “ لوجوده في قوله تعالى: {وَيْلَكَ آمِنْ} 1.

ثالثاً: ما تفسد بها الصلاة. وهي عدّة صيغ:

1-

آمِّن. بالجمع بين التشديد، وحذف الياء، مع المد.

2-

أمِّن. بالقصر، مع التشديد، وحذف الياء. وحكى ابن عابدين عن صاحب الحلية، قوله: “ويظهر أن الأشبه، فساد الصلاة بها”2.

3-

أمن. بالقصر، مع حذف الياء، بلا تشديد. قال ابن عابدين:“وفيه نظر، لوجوده في قوله تعالى:{فَإِنْ أَمِنَ} ”3

4-

آمِّين. بالقصر، مع تشديد الميم بلا حذف 4.

قال ابن عابدين: “وحاصل ما ذكره ـ أي الحصكفي ـ ثمانية أوجه: خمسة صحيحة، وثلاثة مفسدة، وبقي تاسع. وهو (أمِّن) بالقصر، مع التشديد، والحذف. وهو مفسد، لعدم وجوده في القرآن

، قلت: وقد ذكر هذا التاسع، مع الثامن، في البحر. وقال: ولا يبعد فساد الصلاة فيهما”5.

1 حاشية ابن عابدين 1/492.

2 حاشية ابن عابدين 1/492. وانظر: البحر الرائق 1/332، حاشية الطحطاوي ص 175.

3 حاشية ابن عابدين 1/492.

4 في شرح الزرقاني 1/259: (ومن قصر وشدد، هي كلمة عبرانية، أو سريانية) .

5 حاشية ابن عابدين 1/492.

ص: 183

* مذهب المالكية:

اقتصر المالكية على بيان ما يجوز من صيغ التأمين. وهما:

1-

آمين. بالمد، والتخفيف.

2-

أمين. بالقصر، والتخفيف.

قال ابن جزي: “ويجوز: آمين. بالمد، والقصر، مع تخفيف الميم”1. ولم يفصلوا فيما لا يجوز من الصيغ الأخرى. ولكن ظاهر التنصيص على بعضها بالجواز، دليل على عدم جواز غيرها. وهل القول بعدم الجواز يقتضي بطلان الصلاة بغير تلك الألفاظ الجائزة؟

ظاهر القول بعدم الجواز، بطلان الصلاة بذلك. إلا أن للجهل تأثيراً في عدم القول بالبطلان. والله أعلم.

* مذهب الشافعية:

ذهب الشافعية إلى أن صيغ التأمين مختلفة الأحكام، فمنها ما يصح بها التأمين، ومنها ما لا يصح بها التأمين. وبيانها على النحو التالي:

1-

آمين. بالمد والتخفيف. وهي أشهر اللغتين، وأفصحهما. قال النووي: “في آمين، لغتان مشهورتان. أفصحهما، وأشهرهما، وأجودهماعند العلماء: آمين. بالمد بتخفيف الميم، وبه جاءت روايات الحديث”2.

2-

أمين. بالقصر، والتخفيف 3.

1 القوانين الفقهية لابن جزي ص 44. وانظر: الاستذكار 4/251، مواهب الجليل 1/538.

2 المجموع 3/370. وانظر: شرح السنة 3/63، تحرير ألفاظ التنبيه ص 65، المنهج القويم 1/194، الإقناع للشربيني 1/143، مقدمة فتح الباري ص 73.

3 انظر: شرح السنة 3/63، المجموع 3/370، تحرير ألفاظ التنبيه ص 65، المنهج القويم 1/194، مقدمة فتح الباري ص 73.

ص: 184

1-

آمين. بالمد، والتخفيف، مع الإمالة. قال النووي: “وحكى الواحدي لغة ثالثة: آمين. بالمد، والإمالة، مخففة الميم. وحكاها عن حمزة والكسائي”1.

2-

آمِّين. بالمد، مع التشديد. وهي لغة شاذة منكرة.

والجمهور على أنها لا تجوز2. إلا أنهم اختلفوا في إبطال الصلاة بها. قال النووي: “قال جماعة من أصحابنا: من قالها في الصلاة، بطلت صلاته”3.

وقال الشربيني: “ولو شدده، لم تبطل صلاته، لقصده الدعاء”4.

1 انظر: المجموع 3/370.

2 انظر: تحرير ألفاظ التنبيه ص 65، المنهج القويم 1/194، الإقناع للشربيني 1/143، مقدمة فتح الباري ص 73.

3 التبيان ص 66، 67. وقال ابن حجر في فتح الباري 2/265:(صرّح المتولي من الشافعية بأن من قاله هكذا، بطلت صلاته) . وقال في المجموع 3/370: (وحكى الواحدي آمين بالمد أيضاً، وتشديد الميم. قال روي ذلك عن الحسن البصري، والحسين بن الفضل. قال: ويؤيده أنه جاء عن جعفر الصادق أن تأويله: قاصدين إليك، وأنت أكرم من أن تُخيّب قاصداً. وحكى لغة الشد أيضاً، القاضي عياض، وهي شاذة منكرة مردودة. ونص ابن السكيت وسائر أهل اللغة على أنها من لحن العوام. ونص أصحابنا في كتب المذهب على أنها خطأ. قال القاضي حسين في تعليقه: لا يجوز تشديد الميم. قالوا: وهذا أوّل لحن سُمع من الحسين بن الفضل البلخي، حين دخل خراسان. وقال صاحب التتمة: لا يجوز التشديد، فإن شدد متعمداً، بطلت صلاته. وقال الشيخ أبو محمد الجويني: لا تعرفه العرب، وإن كانت الصلاة لا تبطل به، لقصده الدعاء. وهذا أجود من قول صاحب التتمة) .

4 الإقناع للشربيني 1/143. وانظر: فتح الوهاب 1/74، المنهج القويم 1/194. وقال في تحرير ألفاظ التنبيه ص 65: (وهو غريب ضعيف، لا يُلتفت إليه) . وقال الرملي في نهاية المحتاج 1/489: (وهو لحن. بل قيل: شاذ منكر، لكن لا تبطل به الصلاة، لقصده الدعاء) .

ص: 185

1-

أمِّين. بالقصر، مع التشديد. قال الشربيني: “وحكى التشديد، مع القصر، والمد. أي: قاصدين إليك، وأنت أكرم أن لا تخيب من قصدك. وهو لحن. بل قيل: إنه شاذ، منكر. ولا تبطل به الصلاة، لقصده الدعاء به، كما صححه في المجموع”1.

* مذهب الحنابلة:

ما يجوز التأمين به. اقتصر الحنابلة في أكثر المصادر على جواز التأمين بالصيغتين المشهورتين فقط. وزاد بعضهم ثالثة، وهي:

1-

آمين. بالمد، والتخفيف. وهي أرجح من القصر. قال مرعي: “آمين. بقصر، ومد، أولى”2.

2-

أمين. بالقصر، والتخفيف. قال ابن أبي موسى: “آمين. مخففة غير مشددة. إن شاء بالقصر، وإن شاء بالمد”3.

آمين. بالمد، والتخفيف، مع الإمالة. ذكر جواز التأمين بهذه الصيغة، البهوتي في شرح الإقناع. فقال: “والأولى في همزة آمين، المد. ذكره

1 مغني المحتاج 1/161.

(تنبيه) لم أر من ذكر التشديد مع القصر من الشافعية غير الشربيني. ولم يذكره النووي، كما أشار إليه. فلعله سبق قلم. وإن كان الحنفية قد ذكروه، كما سبق في بيان مذهبهم. والله أعلم.

2 غاية المنتهى 1/134. وقال في المبدع 1/439: (ويخير في مدّ همزته، وقصرها. والمد أولى، ذكره القاضي) .

3 الإرشاد ص 55. وقال الموفق في الكافي 1/396: (في آمين، لغتان: قصر الألف، ومدّها، مع التخفيف) . وانظر: الشرح الكبير 3/450، المبدع 1/439، في المنتهى 1/210، قال في كشاف القناع 1/396:(ويجوز القصر في آمين، لأنه لغة فيه) .

ص: 186

1-

القاضي. وظاهره، أن الإمالة وعدمها سيّان”1.

ما لا يجوز التأمين به. صرّح الحنابلة على عدم جواز التأمين ببعض الصيغ. وهي:

1-

آمِّين. بالمد، والتشديد. قال البعلي: “قال أصحابنا: ولا يجوز تشديد الميم، مع المد، لأنه يُخل بمعناه، فيجعله بمعنى: قاصدين”2. بل ذهبوا إلى حرمة ذلك، وبطلان الصلاة بها. قال البهوتي: “ويحرم تشديد الميم، لأنه يصير بمعنى قاصدين. قال في المنتهى: وحرم، وبطلت إن شدد ميمها”3.

الخلاصة:

بعد هذا التفصيل لمذاهب الفقهاء، وبيان صيغ التأمين الجائزة، وغير الجائزة. يمكن تلخيص ذلك فيما يلي:

أولاً: صيغ التأمين الجائزة باتفاق. وبها تحصل سنة التأمين. وهما صيغتان:

1-

آمين. بالمد، والتخفيف.

2-

أمين. بالقصر، والتخفيف.

ثانياً: صيغة ملحقة بالصيغ الجائزة. وهي:

1-

آمين. بالمد، والتخفيف، مع الإمالة. وقد صرّح بجواز التأمين بها أصحاب المذاهب الثلاثة، عدا المالكية. والذي يظهر: أنها ملحقة بصيغ المد الجائزة. والله أعلم.

1 كشاف القناع 1/396.

2 المطلع ص 74. وانظر: الكافي 1/293.

3كشاف القناع 1/396. وانظر: الشرح الكبير 3/450، المبدع 1/439، منتهى الإرادات 1/210، غاية المنتهى 1/134. وقال البهوتي في كشاف القناع 1/396: (مع أنه في شرح الشذور حكى ذلك لغة فيها عن بعضهم) .

ص: 187

ثالثاً: صيغ مختلف في جوازها، وفي بطلان الصلاة بها. وهما صيغتان:

1-

آمِّين. بالمد وتشديد الميم. واختلفوا في جواز التأمين بها:

أ. فذهب الحنفية إلى جواز التأمين بها.

ب. وذهب أصحاب المذاهب الأخرى (المالكية، والشافعية، والحنابلة) إلى عدم جواز التأمين بها، لكونها شاذة منكرة. واختلفوا في بطلان الصلاة بها:

- فذهب الشافعية إلىعدم بطلان الصلاة بها، في الأظهر.

- وذهب الحنابلة إلى بطلان الصلاة بها. وبه يقول المالكية فيما يظهر. وهو أظهر القولين. والله أعلم.

2-

آمن. بالمد والتخفيف مع حذف الياء. ذهب الحنفية إلى جواز التأمين بها. ولم يذكرها أصحاب المذاهب الأخرى (المالكية، والشافعية، والحنابلة) والذي يظهر: عدم جواز التأمين بها، وبطلان الصلاة بها، لعدم إفادتها المعنى المراد من التأمين على الدعاء. والله أعلم.

رابعاً: صيغ لا يجوز التأمين بها باتفاق. وفي بطلان الصلاة بها خلاف.

وهي:

1-

أمِّين. بالقصر، مع تشديد الميم بلا حذف.

اتفق أصحاب المذاهب على عدم جواز التأمين بها، لشذوذها، ونكارتها:

أ. وذهب الشافعية فيما ذكره الشربيني، إلى عدم بطلان الصلاة بها، لشبهها بنظيرتها آمِّين.

ب. وذهب الآخرون إلى بطلان الصلاة بها. وهو الأظهر. والله أعلم.

خامساً: صيغ تبطل الصلاة بها باتفاق. وهي:

1-

آمِّن. بالجمع بين التشديد، وحذف الياء، مع المد.

ص: 188

1-

أمِّن. بالقصر، مع التشديد، وحذف الياء.

2-

أَمن. بالقصر، مع حذف الياء، بلا تشديد.

هذه الصيغ ذكرها الحنفية ونبّهوا على عدم جوازها، وبطلان الصلاة بها، وهم أكثر المذاهب تفصيلاً في هذا الباب. فغيرهم أولى بهذا القول، لمنعهم صيغاً، وألفاظاً أجازها الحنفية. والله أعلم.

مسألة: الزيادة في لفظ التأمين

سبق بيان ألفاظ التأمين، وصيغه الجائزة. وفي هذا الفرع، أتناول الزيادة في لفظ التأمين، كأن يقول: بعد فراغه من الفاتحة: آمين رب العالمين. وقد اختلف العلماء في ذلك:

القول الأول: لا مانع من الزيادة في التأمين، إذا كانت تلك الزيادة من ذكر الله. بل هي زيادة حسنة.

وإلى هذا القول ذهب: الشافعية 1.

القول الثاني: لا يُستحب الزيادة على قول: آمين. وإن كانت الزيادة من ذكر الله. اعتباراً باللفظ الوارد في ذلك.

وإلى هذا القول ذهب: الحنابلة 2.

ويشهد لما ذهب إليه أصحاب القول الأول، بعض الآثار عن التابعين. فمن ذلك:

1 انظر: المجموع 3/373، روضة الطالبين 1/247، مغني المحتاج 1/161، فتح المعين 1/147. قال الشافعي الأم 1/109:(ولو قال مع آمين: رب العالمين. وغير ذلك من ذكر الله. كان حسناً. لا يقطع الصلاة شيء من ذكر الله) .

2 انظر: الفروع 1/366، المبدع 1/440، كشاف القناع 1/396، غاية المنتهى 1/134. قال صاحب المبدع:(إذا قال: آمين رب العالمين. فقياس على قول أحمد في التكبير: الله أكبر كبيرا. لا يُستحب) .

ص: 189

1-

عن مجاهد قال: إذا قال: {الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} فقل: الله إني أسألك الجنة، وأعوذ بك من النار 1.

2-

وكان إبراهيم النخعي يستحب إذا قال: {الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} أن يقال: اللهم اغفر لي. آمين 2.

3-

وكان الربيع بن خيثم إذا قال: {الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} فقال: اللهم اغفر لي. آمين 3.

* الرأي المختار:

هذه المسألة مخرّجة على الزيادة في التكبير، كما نبّه على ذلك صاحب المبدع4. فالأولى الاقتصار على قول: آمين. وعدم الزيادة عل ذلك، لما يلي:

1.

إن الاقتصار على قول: آمين. هو الثابت من قوله، وفعله صلى الله عليه وسلم. ففي الاقتصار عليه، وعدم الزيادة، التزام بهدي النبي صلى الله عليه وسلم، وامتثال لأمره، وتمسك بسنته.

2.

لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم الزيادة على قول: آمين. ولم يفعله أصحابه رضي الله عنهم حال حياته، لتثبت بذلك السنة. مع تكرر الصلاة في كل يوم وليلة في الفرائض وغيرها. ولا ريب أن الخير في التمسك بهدي النبي صلى الله عليه وسلم، والاقتداء بسنته.

من اقتصر على قول: آمين. لا يُعاب، ولا يُلام. ولا يُوصف فعله بعدم الاستحباب. بخلاف من أتى بالزيادة، فلا يخلو من إطلاق ذلك عليه.

1 أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه 2/188 (7970) .

2 أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه 2/187 (7968) .

3 أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه 2/187 (7966) .

4 قال النووي في المجموع 3/292: (فإن زاد: الله أكبر كبيرا، أو الله أكبر وأجل وأعظم. أجزأه بلا خلاف) . وقال الموفق ابن قدامة في المغني 2/129: (وإن قال: الله أكبر وأعظم وأجل، لم يُستحب. نص عليه) .

ص: 190

1.

وأقلّه القول: بعدم استحباب فعله. والله أعلم.

2.

ما دلّ عليه حديث رفاعة بن رافع رضي الله عنه وما في معناه من جواز الزيادة في الصلاة على الذكر الوارد، حيث روى أنه قال: “ كنا يوماً نصلي وراء رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رفع رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه من الركعة، وقال:"سمع الله لمن حمده". قال رجل وراءه ربنا ولك الحمد، حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه. فلما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"من المتكلم آنفاً"؟ قال الرجل: أنا يا رسول الله. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لقد رأيت بضعة وثلاثين ملكاً يبتدرونها أيهم يكتبهنّ أول “ 1. وقول ابن عبد البر: “إن الذكر كله من التحميد والتهليل والتكبير، جائز في الصلاة، وليس بكلام تفسد به الصلاة. بل هو محمود، ممدوح فاعله. بدليل حديث هذا الباب..، وفي حديث هذا الباب لمالك أيضاً دليل على أن الذكر كله، والتحميد والتمجيد، ليس بكلام تفسد به الصلاة. وأنه كله محمود في الصلاة المكتوبة والنافلة، مستحب مرغوب فيه. وفي حديث معاوية بن الحكم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “ إن صلاتنا هذه لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هو: التكبير، والتسبيح، والتهليل، وتلاوة القرآن “ 2.

فهذا مما دلت السنة على جواز الزيادة فيه من مواضع الذكر، وهو في القيام حال استفتاح الصلاة، وبعد الذكر، ومثله الجلوس بين السجدتين. وهو بخلاف التأمين. والله أعلم.

1 أخرجه البخاري في الأذان، باب حدثنا معاذ.. (126) 1/ 193، ومالك في الموطأ 1/211 (25) واللفظ له. وأخرج نحوه مسلم في المساجد، باب ما يُقال بين تكبيرة الإحرام والقراءة 5/97 من حديث أنس رضي الله عنه.

2 التمهيد 16/ 197- 199.

ص: 191