المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المطلب الأول: صفة تأمين الإمام - التأمين عقب الفاتحة في الصلاة

[عبد الله بن إبراهيم الزاحم]

الفصل: ‌المطلب الأول: صفة تأمين الإمام

‌المطلب الأول: صفة تأمين الإمام

اختلف العلماء القائلون بمشروعية التأمين للإمام في صفة تأمينه. هل يجهر به أم يُسر؟ اختلفوا في ذلك على ثلاثة أقوال:

القول الأول: إنه يَجْهر به فيما يجهر فيه بالقراءة، ويُخْفيه فيما يخفي فيه.

وإلى هذا القول ذهب: جمهور أهل الحديث، وهم القائلون بمشروعية التأمين له. منهم: مالك في رواية المدنيين1، والشافعي2، وأحمد3، وداود4. وهو مروي عن أبي هريرة، وابن الزبير رضي الله عنهم 5.

القول الثاني: إنه لا يجهر بالتأمين. بل السنة إخفاؤه.

وإلى هذا القول ذهب: أبو حنيفة6،

1 انظر: التمهيد 7/13، الاستذكار 4/252، الجامع لأحكام القرآن 1/129، بداية المجتهد 1/146، شرح الزرقاني 1/259. وصححها القرطبي.

2 انظر: الأم 1/109، المهذب 1/73، المجموع 3/371، روضة الطالبين 1/247،فتح الباري 2/264، المنهج القويم 1/194، الإقناع للشربيني 1/143، فتح الوهاب 1/74.

3 انظر: مسائل أبي داود ص32، مسائل عبد الله 1/256، الإرشاد ص 55، المغني 2/162، المحرر 1/54، غاية المنتهى 1/134.

تنبيه: قول المرداوي في الإنصاف 3/449: (يجهر بها الإمام والمأموم. هذا المذهب، وعليه الأصحاب، وهو من المفردات) . وانظر: منح الشفا 1/150. والمراد بكون هذا القول من المفردات، أي: القول بجهر الإمام والمأموم معاً. والله أعلم.

4 انظر: المحلى 3/264.

5 عزاه لهما صاحب المبسوط.

6 انظر: المبسوط 1/32، بدائع الصنائع 1/207، الهداية 1/48، البحر الرائق 1/331، تنوير الأبصار وحاشية ابن عابدين 1/492، 493، تحفة الملوك ص 71.

تنبيه: ذهب ابن الهمام في فتح القدير 1/295 إلى محاولة التوفيق بين رأي الحنفية، ورأي الجمهور، فقال:(ولو كان إليّ في هذا شيء لوفّقت: بأن رواية الخفض، يُراد بها: عدم القرع العنيف. ورواية الجهر، بمعنى قولها في زير الصوت وذيله. يدل على هذا ما في ابن ماجه: “ كان صلى الله عليه وسلم إذا تلا {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} قال: آمين. حتى يسمع مَن في الصف الأول، فيرتج بها المسجد “ وارتجاجه إذا قيل في الميم، فإنه الذي يحصل عنه دوي، كما يشاهد في المساجد، بخلاف ما إذا كان بقرع. وعلى هذا فينبغي أن يُقال على هذا الوجه: لا بقرع. كما فعله بعضهم) .

ص: 231

ومالك في المشهور1، وأحمد في رواية2، وعطاء3، والثوري4، والطبري5. وهو مروي عن عمر، وعلي، وابن مسعود رضي الله عنهم 6.

القول الثالث: أنه مخير بين الجهر وعدمه.

وإلى هذا القول ذهب: ابن بكير من المالكية 7.

1 انظر: التمهيد 7/13، الاستذكار 4/254، أحكام القرآن لابن العربي 1/7، الجامع لأحكام القرآن 1/129، التاج والإكليل 1/538، أقرب المسالك مع الشرح الصغير 1/449 شرح منح الجليل 1/156، الشرح الكبير 1/248.

2 انظر: المبدع 1/440، الإنصاف 3/450.

3 أخرجه عبد الرزاق 2/99 (2653) من طريق ابن جريج، قال: قلت لعطاء: أرأيت إذا قرأ الإمام بأم القرآن في الآخرة من المغرب، والآخرتين من العشاء، كيف يؤمّن؟ قال: يُخافت بآمين في نفسه.

4 انظر: المجموع 3/373، المحلى 3/264.

5 انظر: التمهيد 7/13، الاستذكار 4/254.

6 رواه عن: عمر، وعلي، الطبري في تهذيب الآثار. انظر: الجوهر النقي 2/12، وعزاه ابن حزم في المحلى 3/264: لعمر، وابن مسعود. وعزاه في المبسوط 1/32: لعلي، وابن مسعود.

7 انظر: أحكام القرآن لابن العربي 1/7، الجامع لأحكام القرآن 1/129.

ص: 232

الأدلة:

استدل أصحاب القول الأول، القائلون: إن الإمام يجهر بالتأمين، بأدلة مضى جُلُّها في مشروعية التأمين للإمام. منها:

1-

عن وائل بن حُجر رضي الله عنه قال: “ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قرأ {وَلا الضَّالِّينَ} قال: آمين. ويرفع بها صوته “. وفي رواية “ ومدّ بها صوته “. وفي رواية “ يجهر بها “. وفي رواية “ رفع صوته بآمين، وطوّل بها “ 1.

2-

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: “ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من أم القرآن، رفع صوته فقال: آمين “.

3-

وعنه رضي الله عنه قال: ترك الناس آمين. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قال: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} قال: آمين. حتى يسمعها أهل الصف الأول، فيرتج بها المسجد “.

4-

وعن أم الحصين أنها صلت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما قال: {وَلا الضَّالِّينَ} قال: آمين. فسمعته، وهي في صفّ النساء “ 2.

5-

وقال ابن شهاب: ” وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: آمين. “ 3.

وجه الاستدلال منها:

هذه الأحاديث نصوص صحيحة صريحة في أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجهر

1 ممن استدل به الموفق ابن قدامة في الكافي 1/291، وابن مفلح في المبدع 1/440، والبهوتي في كشاف القناع 1/395 وغيرهم.

2 أخرجه إسحاق بن راهويه في مسنده. وفي نيل الأوطار 2/244: (عند الطبراني الكبير، وفيه إسماعيل بن مسلم المكي. وهو ضعيف) . وانظر: الدراية 1/139.

3 أخرجه البخاري تعليقاً مجزوماً به لابن شهاب. وقد تقدم تخريجه في المبحث الثاني، مع حديث أبي هريرة. وقد وصله عبد الرزاق 2/95 (2632) .

ص: 233

بالتأمين، ويرفع بها صوته. فدلّ ذلك على أن السنة للإمام الجهر بقول: آمين. ورفع الصوت بها 1.

1-

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “ إذا أمّن الإمام، فأمّنوا. فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة، غُفِر له ما تقدّم “.

2-

وعنه رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “ إذا أمّن القارئ، فأمنوا. فإن الملائكة تؤمّن. فمن وافق تأمينه تأمين الملائكة، غُفِر له ما تقدّم من ذنبه “.

وجه الاستدلال منهما:

إن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالتأمين عند تأمين الإمام. فلو كان الإمام لا يجهر به، لم يُعلِّق النبي صلى الله عليه وسلم تأمين المأمومين بتأمين الإمام، ولكان حالة الجهر بالقراءة، كحالة الإخفاء. فدلّ ذلك على أن الإمام يجهر بالتأمين – حال جهره بالقراءة – بحيث يسمعه المأمومون 2. قال ابن عبد البر في هذا الحديث: (دليل على أن الإمام يجهر بآمين

، ولولا جهر الإمام بها ما قيل لهم: “إذا أمّن الإمام، فأمّنوا”. ومن لا يجهر، لا يُسمع. ولا يُخاطب أحد بحكاية من لا يَسمع قوله) 3.

3-

وقال عطاء: “ كنت أسمع الأئمة يقولون على إثر أم القرآن: آمين. هم أنفسهم. ومن وراءهم. حتى إن للمسجد للجة “ 4.

وقال منصور بن ميسرة: “ صلّيت مع أبي هريرة رضي الله عنه فكان إذا قال: {غَيْرِ

1 انظر: المغني 2/162، إعلام الموقعين 2/377، سبل السلام 1/173.

2 انظر: المغني 2/162، إحكام الأحكام 1/207، المهذب 1/73، إعلام الموقعين 2/377، فتح الباري 2/264.

3 الاستذكار 4/252.

4 تقدم تخريجه.

ص: 234

الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} قال: آمين. حتى يُسمعنا. فيؤمّن من خلفه..” 1.

10-

وقالوا: إن التأمين تابع للفاتحة، فيكون حكمه حكمها في الجهر والإسرار، كالسورة 2.

واستدل أصحاب القول الثاني. القائلون بأنه لا يجهر بها. بما يلي:

11-

بقوله تعالى: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً} قالوا: التأمين دعاء، فالمشروع إخفاؤه، لا إعلانه، والجهر به 3.

2-

وبحديث وائل بن حُجْر رضي الله عنه قال: “ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قرأ: {وَلا الضَّالِّينَ} قال: آمين. وخفض بها صوته “ 4.

3-

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ إذا قال الإمام: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} فقولوا: آمين. فإن الملائكة تقول: آمين. وإن الإمام يقول: آمين. فمن وافق تأمينه تأمين الملائكة، غُفِر له ما تقدّم من ذنبه “ 5.

1 أخرجه عبد الرزاق 2/95، 96 (2634) .

2 انظر: المهذب 1/73.

3 انظر: المبسوط 1/32، الجامع لأحكام القرآن 1/130، 7/224.

4 تقدم تخريجه في الفرع الأول، من المبحث الثالث. وبيان أن هذه الرواية ضعيفة، لمخالفة شعبة غيره ممن هم أكثر، وأحفظ منه. إذ رووها بلفظ “ ورفع بها صوته “. وأورد هذا الدليل الكاساني بلفظ “ أن النبي صلى الله عليه وسلم أخفى بالتأمين “.

5 أخرجه النسائي في افتتاح الصلاة، باب جهر الإمام بآمين (33) 2/144 (927) ، عبد الرزاق 2/97 (2644) ، وأحمد 2/270، وابن حبان، كما في الإحسان 3/146 (1801) .

وأصل الحديث في الصحيحين من طريق مالك عن الزهري. وهو في غيرهما بدون زيادة “ وإن الإمام يقول: آمين “ والإخبار بأن الإمام يقولها، جاء في أحاديث أخر، سبق إيراد شيء منها في فرع:(مشروعية التأمين للإمام) وانظر: الدراية 1/138.

ص: 235

وجه الاستدلال من حديث أبي هريرة:

قالوا: دلّ الحديث على أن الإمام لا يجهر بالتأمين. وإنما يُسرِّه ويُخافت به. إذ لو كان الإمام يجهر بالتأمين، لكان مسموعاً، ولما احتيج إلى التنبيه إلى ذلك، والإعلام به 1.

1-

وبحديث: “ خير الدعاء الخفي، وخير الرزق ما يكفي “ 2.

2-

وبأثر ابن مسعود رضي الله عنه: “ أربع يُخفيهن الإمام: التعوذ، والتسمية، وآمين، وربنا لك الحمد “ 3.

3-

وقالوا: إن التأمين دعاء، فيُستحب إخفاؤه، لا الجهر به، كالتشهد 4.

4-

قالوا: والدليل على أنه دعاء، قوله تعالى:{قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا} وقد كان هارون يؤمّن على دعاء موسى. فسمّاهما الله داعِيَيْن 5.

وقالوا: إن ما جاء في بعض الأحاديث أنه رفع بها صوته. فالجواب عليه: إنه كان اتفاقاً، لا قصداً. أو كان لتعليم الناس أن الإمام يؤمّن كما يؤمّن القوم6.

1 انظر: المبسوط 1/32، بدائع الصنائع 1/207.

2 تقدم تخريجه من حديث سعد بن مالك. واستدل به في المبسوط 1/32.

3 قال ابن حجر في الدراية 1/131: (لم أجده هكذا..، ولكن روى ابن أبي شيبة عن ابن مسعود: “ أنه كان يخفي: التسمية، والاستعاذة، وربنا لك الحمد “) وأورده ابن حزم في المحلى 3/264 عن علقمة والأسود عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: “ يخفي الإمام ثلاثاً: التعوذ، وبسم الله الرحمن الرحيم، وآمين “ وقال عنه الزيلعي في نصب الراية 1/325:(غريب) . وفي الباب عن عمر بن الخطاب، وعلي رضي الله عنه. انظر: المحلى 3/264، الجوهر النقي 2/84، 58، فتح القدير 1/291.

4 انظر: المغني 2/162، الشرح الكبير 3/449، حاشية الدسوقي 1/248.

5 انظر: الجامع لأحكام القرآن 1/130، المبسوط 1/32، بدائع الصنائع 1/207.

6 انظر: المبسوط 1/32.

ص: 236

1-

قال الكاساني: “حديث وائل طعن فيه النخعي، وقال: أشَهِد وائل، وغاب عبد الله ـ ثم قال: ـ ولا حجة في الحديث الآخر، لأن مكانه معلوم، وهو ما بعد الفراغ من الفاتحة، فكان التعليق صحيحاً “ 1.

* الرأي المختار:

هو القول: بأن الإمام يجهر بالتأمين. وهذا ما رجّحه بعض المحققين من المالكية أيضاً، كابن العربي إذ قال: “والصحيح عندي: تأمين الإمام جهراً”2. وذلك لما يلي:

1.

قوّة ما استدل به أصحاب هذا القول، فإن الأدلة التي استدلوا بها نصوص صريحة صحيحة في أن الإمام يجهر بالتأمين.

2.

إن هذه السنة الثابتة إن خفيت على بعض الفقهاء، وتركها بعض الناس في وقت متقدم، فقد كان من يعلم بها من الصحابة، يعمل بها، ويُعلنها، ويدعو الناس إليها، ويُذكِّرهم بها. يدلّ لذلك:

أ - قول أبي هريرة رضي الله عنه: ترك الناس آمين

ب - وقول عطاء: “أمّن ابن الزبير ومن وراءه، حتى إن للمسجد لَلَجَّة”.

أما قولهم: إن التأمين دعاء، وإن إخفاءه أولى. فالجواب عليه: إن إخفاء الدعاء إنما كان أفضل لما يدخله من الرياء. وأما ما يتعلق بصلاة الجماعة، فشهودها، إشهارٌ، وشعار ظاهر، وإظهار حق. يُندب العباد إلى إظهاره. وقد نُدِب الإمام إلى إشهار قراءة الفاتحة المشتملة على الدعاء، والتأمين في آخرها. فإذا كان الدعاء مما يُسن الجهر به، فالتأمين على التأمين تابع

1 بدائع الصنائع 1/207.

2 أحكام القرآن 1/7.

ص: 237

1.

له، وجار مجراه 1.

2.

وأما قولهم: إن التأمين، كالتشهد، فيُستحب إخفاؤه. فالجواب عليه: إن التأمين تابع للقراءة، فيتبعها في الجهر. وأما دعاء التشهد فتابع له، فيتبعه في الإخفاء 2.

وقال أبو بكر ابن خزيمة: “في قول النبي صلى الله عليه وسلم: ” إذا أمّن الأمام، فأمّنوا “ ما بان وثبت أن الإمام يجهر بآمين. إذ معلوم عند من يفهم العلم، أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يأمر المأموم أن يقول: آمين.عند تأمين الإمام، إلا والمأموم يعلم أن الإمام يقوله. ولو كان الإمام يُسر آمين، لا يجهر به، لم يعلم المأموم أن إمامه قال: آمين. أو لم يقله. ومُحال أن يُقال للرجل: إذا قال فلان: كذا، فقل مثل مقالته، وأنت لا تسمع مقالته. وهذا عين المحال، وما لا يتوهمه عالم أن النبي صلى الله عليه وسلم يأمر المأموم أن يقول: آمين. إذا قاله إمامه، وهو لا يسمع تأمين إمامه. قال أبو بكر: فاسمع الخبر المصرح بصحة ما ذكرت أن الإمام يجهر بآمين عند قراءة فاتحة الكتاب – ثم ذكر حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: “ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من أم القرآن رفع صوته، فقال: آمين “3. وقال في موضع آخر: “باب فضل تأمين المأموم إذا أمّن إمامه، رجاء مغفرة ما تقدم من ذنب المؤمِّن إذا وافق تأمينه تأمين الملائكة، مع الدليل على أن على الإمام الجهر بالتأمين إذا جهر بالقراءة، ليسمع المأموم تأمينه. إذ غير جائز أن يأمر النبي صلى الله عليه وسلم المأموم بالتأمين إذا أمّن إمامه، ولا سبيل له إلى معرفة تأمين الإمام إذا أخفى

1 انظر: الجامع لأحكام القرآن 1/130، المغني 2/162، الشرح الكبير 3/449.

2 انظر: المغني 2/162.

3 صحيح ابن خزيمة 1/286.

ص: 238

الإمام التأمين”1.

وأختم ذلك بما أورده ابن القيم عن الشافعي. فقال: “قال الربيع: سئل الشافعي عن الإمام هل يرفع صوته بآمين؟ قال: نعم ويرفع بها من خلفه أصواتهم. فقلت: وما الحجة؟ فقال: أنبأنا مالك وذكر حديث أبي هريرة المتفق على صحته، ثم قال: ففي قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” إذا أمّن الإمام، فأمنوا “ دلالة على أنه أمر الإمام أن يجهر بآمين، لأن من خلفه لا يعرفون وقت تأمينه إلا بأن يسمع تأمينه، ثم بيّنه ابن شهاب فقال: ”كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: آمين “ فقلت للشافعي: فإنا نكره الإمام أن يرفع صوته بآمين. فقال: هذا خلاف ما روى صاحبنا وصاحبكم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو لم يكن عندنا وعندهم علم إلا هذا الحديث الذي ذكرناه عن مالك، فينبغي أن يستدل بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجهر بآمين، وأنه أمر الإمام أن يجهر بها. فكيف ولم يزل أهل العلم عليه؟ وروى وائل بن حجر: ” أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: آمين. يرفع بها صوته “ ويحكي مده إياها. وكان أبو هريرة يقول للإمام: ” لا تسبقني بآمين” وكان يؤذن له. أنبأنا مسلم بن خالد عن ابن جريج عن عطاء: ” كنت أسمع الأئمة ابن الزبير ومن بعده يقولون: آمين. ومن خلفهم آمين. حتى إن للمسجد للجة “2.

1 صحيح ابن خزيمة 3/37.

2 إعلام الموقعين 2/378، 379.

ص: 239