الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ما سأتناوله في المطلبين التاليين:
المطلب الأول: متى يؤمّن المأموم؟
المطلب الثاني: المراد بموافقة الملائكة في التأمين.
المطلب الأول: متى يؤمّن المأموم
؟
اختلف العلماء رحمهم الله هل يكون تأمين المأموم موافقاً لتأمين الإمام، أم يأتي به بعده؟
اختلفوا في ذلك على ثلاثة أقوال:
القول الأول: إن تأمين المأموم يكون موافقاً لتأمين الإمام. فيؤمِّنان معاً في وقت واحد. لا يسبق أحدهما الآخر، ولا يتأخر عنه.
وإلى هذا القول ذهب: جمهور العلماء. سواء أكانوا من القائلين بمشروعية تأمينهما جهراً، كالحنابلة1، والشافعية في الأصح2.
1 انظر: الكافي 1/292، شرح الزركشي 1/552، المبدع 1/440، التوضيح 1/304، زاد المستقنع مع شرحه 2/30، غاية المنتهى 1/134، الإنصاف 3/447.
2 انظر: روضة الطالبين1/247، إعانة الطالبين1/148، الإقناع 1/143، الوسيط2/121، فتح الباري 2/264، دقائق المنهاج 1/43، فتح الوهاب1/74، مغني المحتاج 1/161.
تتمة: ذهب أكثر الشافعية إلى أن المأموم يؤمّن، ولو كان مشغولاً بقراءة الفاتحة. ثم اختلفوا: هل تنقطع بذلك الموالاة؟ على وجهين: أصحهما لا تنقطع، لأنه مأمور بذلك لمصلحة الصلاة، وكالسؤال في آية الرحمة والاستعاذة من النار في آية العذاب فيما يقرأ في صلاته منفرداً. وهو قول: القفال، والقاضي أبي الطيب الطبري. وصححه الغزالي، والشاشي، والرافعي. والآخر، تنقطع القراءة، كما لو قطعها بقراءة غيرها، وكالحمد للعاطس. وهو قول: أبي حامد الإسفرائيني، والمحاملي. وصححه صاحب التتمة. قال النووي في المجموع 3/359، 360:(والأحوط في هذه الصور أن يستأنف الفاتحة، ليخرج من الخلاف. وأعلم أن الخلاف مخصوص بمن أتى بذلك عامداً عالماً. أما من أتى به ساهياً، أو جاهلاً، فلا تنقطع قراءته بلا خلاف. صرح به صاحب التتمة وغيره) وانظر: المهذب 1/72، فتح الباري 2/264.
أم كانوا من القائلين بتأمينهما سراً، وهم الحنفية1. قال النووي:(يُستحب أن يقع تأمين المأموم مع تأمين الإمام، لا قبله، ولا بعده، لقوله صلى الله عليه وسلم: “ فمن وافق تأمينه تأمين الملائكة، غُفِر له ما تقدم من ذنبه “. فينبغي أن يقع تأمين: الإمام، والمأموم، والملائكة دفعة واحدة)2. وصرّح الشافعية بأنه إن فاته التأمين معه، أتى به بعده 3.
وقال ابن عابدين: (إن قيل: كيف تتحقق الموافقة بين الإمام والمأموم مع الإسرار بها؟ فالجواب: أن ذلك يُعلم إما بتمام قراءة الفاتحة، لحديث “ إذا قال الإمام {وَلا الضَّالِّينَ} فقولوا: آمين “. وإما بالسماع من الإمام أو غيره من المبلغ، أو القريب منه، ولو في السرية. فمناط تأمينه العلم بتأمين الإمام.
وهل يُعتد بتأمين الإمام في الصلاة السرية؟ اختلف العلماء في ذلك بناء على عدم الاعتداد بمثل هذا التأمين) 4.
القول الثاني: إن تأمين المأموم يكون عقب تأمين الإمام.
1 انظر: الدر المختار وحاشية ابن عابدين 1/493، البحر الرائق 1/331.
تتمة: يرى الحنفية أن مقارنة المأموم للإمام تكون في التكبير والسلام أيضاً. انظر: بدائع الصنائع 1/200.
2 المجموع 3/372.
3 انظر: المجموع 3/372، نهاية المحتاج 1/490، مغني المحتاج 1/161، فتح الوهاب 1/74.
4 حاشية ابن عابدين 1/493.
وإلى هذا القول ذهب: أحمد في رواية 1.
القول الثالث: إن المأموم له الخيار في موافقة الإمام في التأمين، أو الإتيان به بعده.
وإلى هذا القول ذهب: الشافعية في وجه 2.
الأدلة:
استدل أصحاب القول الأول، القائلون: بأن تأمين المأموم يكون موافقاً لتأمين الإمام. بما يلي:
1-
بحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “ إذا أمّن الإمام، فأمّنوا. فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة، غُفِر له ما تقدّم من ذنبه “.
والاستدلال بهذا الحديث على موافقة تأمين المأموم للإمام من وجهين:
أ. تعليق تأمين المأموم على تأمين الإمام. فالجملة شرطية. ومقتضاها تعليق حصول الجواب عند حصول شرطه. فدلّ ذلك على أنهما يكونان في وقت واحد3. واستدل بهذا الحديث أيضاً الحنفية. وأما وجه استدلالهم منه، فقالوا: إن موضع التأمين معلوم، فإذا سمع لفظة {وَلا الضَّالِّينَ} كفى، لأن الشارع طلب من الإمام التأمين بعده، فصار من التعليق بمعلوم الوجود، فلا يتوقف على سماعه منه. بل يحصل بتمام الفاتحة بدليل “ إذا قال الإمام {وَلا الضَّالِّينَ} فقولوا: آمين “ 4.
1 انظر: المبدع 1/440، الإنصاف 3/448، 449.
2 انظر: فتح الباري 2/264، ونسبه للطبري.
3 انظر: إعانة الطالبين 1/148، فتح الوهاب 1/74، مغني المحتاج 1/161.
4 انظر: الدر المختار وحاشية ابن عابدين 1/394.
ب. تعليق المغفرة على موافقة تأمين الملائكة. فمقتضى ذلك اتفاق كلٍ من الإمام، والمأموم في وقت التأمين، ليكون موافقاً لتأمين الملائكة، فيترتب الأجر والجزاء بحصول المغفرة لهما. قال ابن حجر: “فيه فضيلة الإمام، لأن الإمام يوافق تأمين الملائكة، ولهذا شرعت للمأموم موافقته”1.
2-
وبحديث: “ إذا قال الإمام: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} فقولوا: آمين. فإن الملائكة تقول: آمين. وإن الإمام يقول: آمين. فمن وافق تأمينه تأمين الملائكة، غُفر له ما تقدم من ذنبه “.
3-
وبحديث: “ إذا قال أحدكم: آمين. وقالت الملائكة في السماء: آمين. فوافقت إحداهما الأخرى، غُفر له ما تقدم من ذنبه “ متفق عليه. وفي رواية لمسلم: “ إذا قال أحدكم في الصلاة “.
وجه الاستدلال منهما:
قالوا: ظاهر هذه الأحاديث الأمر بالمقارنة بأن يقع تأمين: الإمام، والمأموم، والملائكة دفعة واحدة 2. وأن قوله: “ إذا أمّن الإمام، فأمّنوا “ أي: إذا شرع، أو أراد. جمعاً بين الأحاديث 3.
4-
ولأن المأموم لا يؤمِّن لتأمين إمامه، بل لقراءته الفاتحة، وقد فرغت 4.
واستدل أصحاب القول الثاني، القائلون: بأن تأمين المأموم يكون بعد
1 فتح الباري 2/265، 266. وانظر: إعانة الطالبين 1/148.
2 انظر: نهاية المحتاج 1/490.
3 انظر: الشرح الكبير 3/449، شرح الزركشي 1/551، نهاية المحتاج 1/490.
4 انظر: الوسيط 2/121، المجموع 3/372، مغني المحتاج 1/161.
تأمين الإمام. بما يلي:
1-
بحديث أبي هريرة المتقدم: “إذا أمّن الإمام، فأمّنوا..” وقالوا دلّ الحديث على تأخير تأمين المأموم عن تأمين الإمام، لأنه رتّبه عليه بالفاء 1.
واستدل أصحاب القول الثالث، القائلون: بأن المأموم له الخيار في موافقة الإمام في التأمين، أو الإتيان به بعده. بما يلي:
1-
جمعوا بين الحديثين: حديث: “ إذا أمّن الإمام، فأمّنوا.. “ وحديث: “ إذا قال الإمام: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} فقولوا: آمين.. “.
فقالوا: يُؤخذ من الخبرين، تخيير المأموم في قولها مع الإمام، أو بعده 2.
* الرأي المختار:
ما ذهب إليه أصحاب القول الأول، القائلون: بأن تأمين المأموم يكون موافقاً لتأمين الإمام، فيؤمّنان معاً في وقت واحد، لا يسبق أحدهما الآخر، ولا يتأخر عنه. هو الرأي المختار.
فإن قيل: هذا مخالف لقوله صلى الله عليه وسلم: “ إذا أمّن الإمام، فأمّنوا
…
”. فجوابه: إنه ظاهر ما دلّ عليه الحديث الآخر: “ إذا قال الإمام: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} فقولوا: آمين.. “. وكلاهما في الصحيحين. فيجب الجمع بينهما:
فيحمل الأول على أن المراد: إذا أراد الإمام التأمين، فأمّنوا. ليجمع
1 انظر: فتح الباري 2/264، نيل الأوطار 2/244.
2 انظر: فتح الباري 2/264. وذكر وجهاً آخر للجمع بين الحديثين. فقال: (وقيل: الأول لمن قرب من الإمام. والثاني لمن تباعد عنه، لأن جهر الإمام بالتأمين أخفض من جهره بالقراءة. فقد يسمع قراءته من لا يسمع تأمينه. فمن سمع تأمينه، أمّن معه. وإلا يؤمّن إذا سمعه يقول {وَلا الضَّالِّينَ} لأنه وقت تأمينه) وانظر: نيل الأوطار 2/244.
بينهما. قال الخطابي وغيره: وهذا كقولهم: إذا رحل الأمير، فارحلوا. أي: إذا تهيأ للرحيل، فتهيأوا، ليكن رحيلكم معه.
وبيانه في الحديث الآخر: “ إذا قال أحدكم: آمين. وقالت الملائكة آمين. فوافق أحدهما الآخر “ فظاهره: الأمر بوقوع تأمين الجميع في حالة واحدة. فهذا جمع بين الأحاديث. وهو المتعين. والله أعلم 1.
1 انظر: الحاوي 2/112، المجموع 3/372.