المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المطلب الثاني: المراد بموافقة الملائكة في التأمين - التأمين عقب الفاتحة في الصلاة

[عبد الله بن إبراهيم الزاحم]

الفصل: ‌المطلب الثاني: المراد بموافقة الملائكة في التأمين

‌المطلب الثاني: المراد بموافقة الملائكة في التأمين

اختلف العلماء وإلى هذا القول ذهب: في المراد بموافقة الملائكة في التأمين. على أقوال عدّة:

1) فقيل: الموافقة في الإجابة.

2) وقيل: الموافقة في الزمن.

3) وقيل: الموافقة في الصفة، من إخلاص الدعاء.

4) وقيل: الحث على الدعاء للمؤمنين والمؤمنات في الصلاة.

وحكى الأقوال الثلاثة الأول، القرطبي1، واستدل للثالث منها بقوله صلى الله عليه وسلم: “ ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة. واعلموا أن الله لا يستجيب دعاء من قلب غافل لاه “ 2.

1 الجامع لأحكام القرآن 1/127.

2 أخرجه الترمذي في الدعوات، باب (66) 5/179 (3545) من حديث أبي هريرة. وقال: حديث غريب، لا نعرفه إلا من هذا الوجه. والحاكم 1/493. وقال: هذا حديث مستقيم الإسناد. تفرد به صالح المري، وهو أحد زهاد أهل البصرة، ولم يخرجاه. وتعقّبه الذهبي، فقال: صالح متروك. وأخرجه الطبراني في الأوسط 5/211 (5109) ، وابن عدي في الكامل في ضعفاء الرجال 4/62، والمنذري في الترغيب والترهيب 2/322 (2555) . كلهم من طريق صالح الْمُرِّي عن هشام بن حسّان، عن محمد بن سيرين به. وله شاهد من حديث عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “ القلوب أوعية وبعضها أوعى من بعض. فإذا سألتم الله عز وجل أيها الناس، فاسألوه وأنتم موقنون بالإجابة، فإن الله لا يستجيب لعبد دعاه عن ظهر قلب غافل “ أخرجه 2/177. وفي سنده ابن لهيعة، عبد الله بن عقبة، قال عنه ابن حجر في التقريب ص 538: صدوق خلط بعد احتراق كتبه. وأورده المنذري في الترغيب (2554) وقال: رواه أحمد بإسناد حسن.

ص: 257

وصرّح ابن حبان بترجيح هذا الثالث من هذه الأقوال، وهو أن المراد بموافقة تأمين أهل الأرض لتأمين أهل السماء، الموافقة في الإخلاص. فقال: “معنى قوله صلى الله عليه وسلم: “ فمن وافق تأمينه تأمين الملائكة “. أن الملائكة تقول: آمين. من غير علة رياء وسمعة، أو إعجاب. بل تأمينهما يكون خالصاً لله. فإذا أمّن القارئ لله من غير أن يكون فيه علة من إعجاب، أو رياء، أو سمعة، كان موافقاً تأمينه في الإخلاص تأمين الملائكة، غُفر له حينئذ ما تقدّم من ذنبه”1.

إلا أن ابن عبد البر ضعّف هذا القول واستبعده، فقال: “وأما قوله في الحديث: “ من وافق تأمينه تأمين الملائكة، غُفر له ما تقدّم من ذنبه “ ففيه أقوال، منها:

أنه يحتمل أن يكون أراد: فمن أخلص في قوله: (آمين) بنية صادقة، وقلب صاف، ليس بساه، ولا لاه، فيوافق الملائكة الذين في السماء، الذين يستغفرون لمن في الأرض، ويدعون بنيات صادقة، ليس عن قلوب لاهية، غُفر له، إذا أخلص في دعائه. واحتجوا بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إذا دعا أحدكم، فليجتهد وليخلص. فإن الله لا يقبل الدعاء من قلب لاه” 2. وقال: “ اجتهدوا في الدعاء، فقمن أن يُستجاب لكم “ 3. فكأنه أراد بقوله صلى الله عليه وسلم: “فمن وافق تأمينه تأمين الملائكة” الذين يُخلصون في الدعاء،

1 انظر: الإحسان 3/146. وتعقبّه الزيلعي في نصب الراية 1/368، فقال: (هذا يندفع بما في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: “ إذا قال أحدكم: آمين. وقالت الملائكة في السماء، فوافقت إحداهما الأخرى، غُفر له ما تقدم من ذنبه “) .

2 كذا أورده ابن عبد البر. ولعله أراد حديث أبي هريرة المتقدم.

3 جزء من حديث ابن عباس رضي الله عنه. أخرجه مسلم في الصلاة، باب النهي عن قراءة القرآن في الركوع 4/196.

ص: 258

1-

غُفر له. وهذا تأويل فيه بُعْد.

2-

وقال آخرون: إنما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: “ فمن وافق تأمينه تأمين الملائكة”. الحث على الدعاء للمؤمنين والمؤمنات في الصلاة. فإن الملائكة تستغفر للمؤمنين في الأرض. فمن دعا في صلاته للمؤمنين، غُفر له، لأنه يكون دعاؤه حينئذ موافقاً لدعاء الملائكة المستغفرين لمن في الأرض من المؤمنين. وفي قوله:{اهْدِنَا} دعاء للداعي، وأهل دينه إن شاء الله. والتأمين على ذلك. فلذلك ندب إليه. والله أعلم) 1.

وقال في موضع آخر: (والوجه عندي في هذا ـ والله أعلم ـ: تعظيم فضل الذكر، وأنه يحط الأوزار، ويغفر الذنوب. وقد أخبر الله عن الملائكة أنهم يستغفرون للذين آمنوا، ويقولون: {رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ} فمن كان منه من القول مثل هذا: بإخلاص، واجتهاد، ونيّة صادقة، وتوبة صحيحة، غُفرت ذنوبه ـ إن شاء الله ـ. ومثل هذه الأحاديث المشكلة المعاني، البعيدة التأويل عن مخارج لفظها، واجب ردّها إلى الأصول المجتمع عليها. وبالله التوفيق. وقد روي عن عكرمة ما يدل على أن أهل السماء يصلون في حين صلاة أهل الأرض على نحو صلاة أهل الأرض، ويؤمّنون أيضاً. فمن وافق ذلك منهم غُفِر له. والله أعلم. وكل ذلك ندب إلى الخير. وإرشاد إلى البر. وبالله التوفيق)2.

* الرأي المختار:

الذي يظهر والله أعلم: أن المراد بالموافقة هنا: الموافقة في الزمان. بأن

1 التمهيد 7/15، 16. وانظر: الاستذكار 4/255.

2 التمهيد 22/32.

ص: 259

يكون تأمين كلٍ من: الإمام، والمأموم، والملائكة في وقت واحد. وهذا ما اختاره جمع من المحققين، منهم:

1.

النووي، وأقرّه الشوكاني. إذ قال: “والمراد بالموافقة: الموافقة في وقت التأمين، فيؤمّن مع تأمينهم. قاله النووي. قال ابن المنير: الحكمة في إثبات الموافقة في القول والزمان: أن يكون المأموم على يقظة للإتيان بالوظيفة في محلها”1.

2.

وابن دقيق العيد. إذ قال: (وموافقة الإمام لتأمين الملائكة، ظاهره الموافقة في الزمان. ويقويه، الحديث الآخر: “ إذا قال أحدكم: آمين. وقالت الملائكة في السماء: آمين. فوافقت إحداهما الأخرى “ وقد يحتمل أن تكون الموافقة راجعة إلى صفة التأمين. أي: يكون تأمين المصلي، كصفة تأمين الملائكة في الإخلاص، أو غيره من الصفات الممدوحة. والأول، أظهر)2.

3.

وابن حجر. إذ ذهب إلى أن المراد بذلك الموافقة في القول، وفي الزمان. واستدل لذلك بما جاء في رواية يونس عن ابن شهاب عند مسلم، وابن عيينة عن ابن شهاب عند البخاري في الدعوات: “ فإن الملائكة تؤمّن “ قبل قوله: “ فمن وافق “ خلافاً لمن قال: المراد الموافقة في الإخلاص3.

1 نيل الأوطار 2/245.

2 شرح عمدة الأحكام 1/208.

3 فتح الباري 2/265.

ص: 260