المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المطلب الثاني: مشروعية التأمين للمأموم - التأمين عقب الفاتحة في الصلاة

[عبد الله بن إبراهيم الزاحم]

الفصل: ‌المطلب الثاني: مشروعية التأمين للمأموم

‌المطلب الثاني: مشروعية التأمين للمأموم

اختلف العلماء ـ رحمهم الله تعالى ـ في مشروعية التأمين للمأموم، إذا جهر الأمام بالقراءة. على قولين:

القول الأول: يُشرع للمأموم التأمين مطلقاً. سواء كانت الصلاة جهرية، أم سرِّية.

وإلى هذا القول ذهب: جمهور العلماء، وَهَمُ القائلون بمشروعية التأمين للإمام، منهم: أصحاب المذاهب الأربعة: “ أبو حنيفة1، ومالك في رواية2، والشافعي في الأصح3، وأحمد في المشهور4“) .

القول الثاني: يُشرع للمأموم التأمين مطلقاً في الصلاة السرية. وفي الجهرية إذا سمع إمامه يقول في قراءته: {وَلا الضَّالِّينَ} 5.

1 انظر: بدائع الصنائع 1/207، الهداية 1/48، البحر الرائق 1/331، تحفة الملوك ص 71، تنوير الأبصار وحاشية ابن عابدين 1/492.

2 انظر: أحكام القرآن لابن العربي 1/7.

تنبيه: هذا القول يشمل رواية المدنيين، ورواية ابن القاسم، لأن اختلاف الروايتين إنما هي في تأمين الإمام، لا في تأمين المأموم. لكنها تختلف عن الرواية المشهورة عند المتأخرين.

3 انظر: الوسيط 2/119، المهذب 1/73، المجموع 3/373، روضة الطالبين 1/247، المنهج القويم 1/194، قال الشافعي في الأم 1/109:(فإذا فرغ الإمام من قراءة أم القرآن. قال: آمين، ورفع بها صوته، ليقتدي به من كان خلفه. فإذا قالها، قالوها وأسمعوا أنفسهم) .

4 انظر: الإرشاد ص 55، مختصر الخرقي 19، المقنع مع الشرح الكبير 3/447، شرح الزركشي 1/551، المحرر 1/54، منتهى الإرادات 1/210، زاد المستقنع مع شرحه 2/30، التوضيح 1/304، كشاف القناع 1/395.

5 المراد بسماع الإمام: سماع قوله في قراءتة: {وَلا الضَّالِّينَ} . وهل يُفهم من ذلك: أنه إذا لم يسمعه لا يؤمّن؟ وإذا سمعه قبل ذلك هل يتحرى؟

قال الدردير في الشرح الصغير 1/450: (ومأموم في الجهر إن سمع إمامه يقول: {وَلا الضَّالِّينَ} لا إن لم يسمعه يقولها. ولا يتحرى) . وقال الصاوي في حاشيته عليه: “قوله (ولا يتحرى)(أي: على الأظهر، لأنه لو تحرى لربما أوقعه في غير موضعه) . وقال المواق: (فإن لم يسمعه. فقال ابن عبدوس: يتحرى. وروى الشيخ: لا يؤمّن. وصوّبه ابن رشد) .

انظر: حاشية الدسوقي مع الشرح الكبير 1/248، التاج والإكليل 1/538، شرح منح الجليل 1/156.

ص: 216

وإلى هذا القول ذهب: مالك وأصحابه في المشهور 1.

القول الثالث: لا يُشرع للمأموم التأمين مطلقاً.

وإلى هذا القول ذهب: طائفة من العلماء 2.

القول الرابع: لا يُشرع للمأموم التأمين، إذا جهر الإمام به.

وإلى هذا القول ذهب: الشافعي في الجديد 3.

القول الخامس: لا يُشرع للمأموم التأمين في الصلاة السرية، ولو سمع

1 انظر: القوانين الفقهية ص 68، الشرح الكبير 1/248، التاج والإكليل 1/538، شرح منح الجليل 1/156.

تنبيه: قال ابن جزي: (وهو مستحب للفذ والمأموم مطلقاً) . وظاهر ذلك الإطلاق، سواء أكانت الصلاة سرية، أم جهرية. لكن هذا الإطلاق فيه خلاف، ولذا فقد قيّده خليل في الجهرية بالسماع فقال:(.. ومأموم بسرٍ، أو جهر، سمعه على الأظهر) . قال في منح الجليل: “ (إن سمعه) أي: المأموم قول الإمام: {ولا الضالين} وإن لم يسمع ما قبله، لا إن لم يسمعه، وإن سمع ما قبله، ولا يتحراه (على الأظهر) من الخلاف عند ابن رشد”

2 انظر: بدائع الصنائع 1/207. وقال: (وقال بعض الناس: لا يؤتى بالتأمين أصلاً) .

3 انظر: تفسير ابن كثير1/31.

ص: 217

تأمين الإمام.

وإلى هذا القول ذهب: أبو حنيفة في قول 1.

الأدلة:

استدل أصحاب القول الأول، القائلون بمشروعية التأمين للمأموم، بجملة الأدلة والأحاديث الواردة في الفرع السابق، ومنها:

1-

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “ إذا أمَّن الأمام، فأمّنوا. فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة غُفِر له ما تقدّم من ذنبه” قال ابن شهاب: “وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول آمين “.

2-

وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبنا فبيّن سنتنا، وعلّمنا صلاتنا..، وفيه: “ وإذا قال: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} فقولوا: آمين. يُجبكم الله “.

3-

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إذا قال الإمام: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} فقولوا: آمين. فإنه من وافق قوله، قول الملائكة غُفِر له ما تقدّم من ذنبه “.

وجه الاستدلال منها:

الأدلة السابقة جميعها فيها أمر النبي صلى الله عليه وسلم المأموم بالتأمين. وفي ذلك دلالة صريحة على مشروعية التأمين له. بل في حديث أبي موسى، وأبي هريرة دلالة على مشروعية التأمين للمأموم، ولو لم يؤمّن الإمام. قال ابن حجر: “ وقيل في الجمع

1 انظر: البحر الرائق 1/331، الدر المختار وحاشية ابن عابدين 1/492، 493. قال ابن عابدين:(وقيل: لا يؤمّن المأموم في السرية، ولو سمع الإمام، لأن ذلك الجهر لا عبرة به..، ويظهر من هذا أن من كان بعيداً عن الإمام لا يسمع قراءته أصلاً، لا يؤمّن كما في البحر، أي: لعدم سماعه موضع التأمين. اللهم إلا أن يسمع من مثله، كما في السرية) .

ص: 218

بينهما: المراد بقوله: “ إذا قال: {وَلا الضَّالِّينَ} فقولوا: آمين “ أي: ولو لم يقل الإمام آمين “1.

واستدل القائلون بعدم مشروعية التأمين للمأموم. بما يلي:

بقوله تعالى: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً} قالوا: التأمين دعاء، فالمشروع إخفاؤه، لا إعلانه والجهر به. قال الجصاص: (فيه الأمر بالإخفاء للدعاء. قال الحسن: في هذه الآية علّمكم كيف تدعون ربكم. وقال لعبد صالح رضي دعاءه: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً} وروى مبارك عن الحسن قال: كانوا يجتهدون في الدعاء، ولا يسمع إلا همساً. وروى موسى الأشعري رضي الله عنه قال: كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فسمعهم يرفعون أصواتهم. فقال: “ يا أيها الناس إنكم لا تدعون أصم ولا غائباً “ 2. وروى سعد بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “ خير الذكر الخفي، وخير الرزق ما يكفي “ 3. وروى بكر بن خنيس عن ضرار عن أنس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ عمل البر كله نصف العبادة، والدعاء نصف العبادة “ 4. وروى سالم عن أبيه عن

1 انظر: فتح الباري 2/264.

2 متفق عليه. أخرجه البخاري في الجهاد، باب ما يكره من رفع الصوت في التكبير (131) 4/16، وفي الدعوات، باب الدعاء إذا علا عقبة (50) 2/162. وفي القدر، باب لا حول ولا قوة إلا بالله (7) 7/213، وفي التوحيد، باب وكان الله سميعاً بصيراً (9) 8/168، ومسلم في الذكر، باب استحباب خفض الصوت بالذكر 17/25.

3 أخرجه أحمد 1/173، 180، 187، وابن حبان كما في الإحسان 2/89 (806) ، وأبو يعلى 2/81 (731) .

4 لم أجده. وأخرج الطبري في تفسيره 24/79 عن ثابت قال: “ قلت لأنس: يا أبا حمزة، أبلغك أن الدعاء نصف العبادة؟ قال: لا. بل هو العبادة كلها “.

ص: 219

1-

عمر رضي الله عنهم قال: “ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رفع يديه في الدعاء لا يردّهما حتى يمسح بهما وجهه “ 1. قال أبو بكر: (في هذه الآية وما ذكرنا من الآثار دليل على أن إخفاء الدعاء أفضل من إظهاره. لأن الخفية، هي البر. روي ذلك عن ابن عباس، والحسن. وفي ذلك دليل على أن إخفاء آمين بعد قراءة فاتحة الكتاب في الصلاة أفضل من إظهاره، لأنه دعاء..، وقال بعض أهل العلم: إنما كان إخفاء الدعاء أفضل، لأنه لا يشوبه رياء) 2.

2-

وقال الحسن البصري: لقد أدركنا أقواماً ما كان على الأرض عمل يقدرون على أن يكون سراً، فيكون جهراً أبداً. ولقد كان المسلمون يجتهدون في الدعاء، فلا يُسمع إن هو إلا الهمس بينهم وبين ربهم. وذلك أن الله تعالى يقول:{ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً} وذكر عبداً صالحاً رضي فعله، فقال:{إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيّاً} 3.

3-

قالوا والدليل على أنه دعاء، قوله تعالى:{قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا} وقد كان هارون يؤمّن على دعاء موسى، فسمّاهما الله داعيَيْن 4.

1 أخرجه الترمذي في الدعوات، باب ما جاء في رفع الأيدي عند الدعاء 5/131 (3446) وقال: هذا حديث صحيح غريب، لا نعرفه إلا من حديث حماد بن عيسى، وقد تفرد به، وهو قليل الحديث، وقد حدث عنه الناس. والطبراني في الأوسط 7/124 (7053) ، وأخرجه الحاكم في المستدرك 1/536، وتعقّبه الذهبي في سير أعلام النبلاء 16/67. فقال: لم يصب، حماد ضعيف. ووافقه ابن حجر في التقريب ص 269 على تضعيفه. وقال في بلوغ المرام 4/219 مع سبل السلام:(أخرجه الترمذي، وله شواهد منها حديث ابن عباس عند أبي داود وغيره، مجموعها يقضي بأنه حديث حسن) .

2 أحكام القرآن 4/208.

3 انظر: الجامع لأحكام القرآن 1/130، 7/224.

4 انظر: تفسير الطبري 11/161، الجامع لأحكام القرآن 1/130، 131، 8/375، 376، أحكام القرآن للجصاص 4/208.

ص: 220

واحتج القائلون بعدم تأمين المأموم في الصلاة السرية. بما يلي:

1-

بحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “ إذا أمّن الإمام، فأمّنوا “ الحديث. قالوا: علّق صلى الله عليه وسلم تأمين المأموم على تأمين الإمام. وفي الصلاة السرّية لا يُعلم تأمين الإمام. فلا يُشرع له التأمين. ولو سمع تأمينه، أو تأمين غيره، لأن هذا الجهر لا عبرة به 1.

* الرأي المختار:

ما ذهب إليه أصحاب القول الأول، وأنه يُشرع للمأموم التأمين مطلقاً. سواء كانت الصلاة جهرية، أم سرِّية. هو الرأي المختار. وذلك لما يلي:

1.

قوّة ما استدلوا به من أدلّة، إذ دلّت النصوص الصحيحة الصريحة، على أن المأمومين يؤمِّنون على قراءة الإمام. وأنهم يقولون خلفه: آمين.

2.

القول: بأن التأمين دعاء، وأن إخفاءه أولى. الجواب عنه: إن إخفاء الدعاء إنما كان أفضل لما يدخله من الرياء، وأما ما يتعلق بصلاة الجماعة، فشهودها إشهار شعار ظاهر، وإظهار حق. يُندب العباد إلى إظهاره. وقد نُدِب الإمام إلى إشهار قراءة الفاتحة المشتملة على الدعاء والتأمين في آخرها. فإذا كان الدعاء مما يُسن الجهر به، فالتأمين على الدعاء تابع له، وجار مجراه2. والله أعلم.

1 انظر: حاشية ابن عابدين 1/493.

2 انظر: الجامع لأحكام القرآن 1/130.

ص: 221