الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مقدمة
إِنَّ الْحَمْدَ لِلهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِىَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَاّ اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (102)} (آل عمران:102).
{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70)} . (الأحزاب:70).
أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ خَيْرَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وآله وسلم، وَشَرَّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِى النَّارِ.
إن الهجوم الشرس على المادة الثانية من الدستور، وشن الحرب على الدعوة والدعاة، وكثير من مظاهر التدين والمطالبة بدولة مدنية علمانية، إنما هو محاولة لطمس هوية مصر الإسلامية، وتفريغ الإسلام من محتواه بحيث يصبح اسمًا بلا رسم، إسلام معلَّب في واشنطن أو باريس أو لندن، إسلام مودرن ممسوخ يسير وفق أهواء البشر لا وفق حكم خالق البشر.
والمسلمون لا يقبلون الثنائيات: اشتراكية أو ديمقراطية أو ديكتاتورية، ولا نقبل المصطلحات الوقادة مثل الحكم بالحق الإلهي أو الثيوقراطية.
فنحن كمسلمين لا نرضى بالإسلام بديلًا، قال تعالى:{إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} (يوسف: 40)، ونريد أن نُحْكَم بكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولو حكمنا عبد حبشي بشرع الله سنقول له:«سمعًا وطاعة» .
والديمقراطية دين عند أهلها، وثن يعبد من دون الله، ونظام يوناني قديم يفترق عن الإسلام في المنشأ والغاية، والشورى فيه ليست كالشورى عند المسلمين.
ولا نقبل التكريس للديمقراطية بزعم أنها عبارة عن تولية الحاكم وعزله ومراقبة نظام الحكم، فالمناداة بما يكرِّس لحكم الأغلبية ولو بغير شرع الله، والحريات في النظام الديمقراطي عبارة عن حرية شخصية، يزني الشخصُ ويُزنى به بلا اعتراض، حرية المرأة، تبرج واختلاط وعرى وخلاعة، حرية رأى وتعبير، يُكْفَر بخالق الأرض والسماء، حرية تملك ولو بالربا.
تعلق المشانق، ويتهم بالخيانة العظمى، ويعاقب كل من خرج على دستور البلاد الوضعي، فكيف بمن كفر بالله، وخرج يصد عن سبيل الله.
وديننا لا فصل فيه بين الأرض والسماء، والدنيا والآخرة، ولا يصح الفصل بين رجال الدين ورجال الدولة، فالحكم الإسلامي موضوع لإقامة الدين وسياسة الدنيا به، وعندنا علماء أما مصطلح رجال الدين فمأخوذ من أوربا.
وكل مسلم مطالب أن يقيم الحق في نفسه وفي الخلق، وأن يحكم بشرع الله سواء كان حاكمًا أو محكومًا؛ في سياسته واقتصاده واجتماعه وأخلاقه وحياته الخاصة والعامة، لا فصل بين العلم والعمل، ولا يصح أن نؤمن ببعض الكتاب ونكفر بالبعض
الآخر قال تعالى: {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} (البقرة: 85).
وإن وجود بعض الهفوات أو الجنايات من الدول التي تطبق الإسلام أو من حكام المسلمين لا يقدح في مرجعيةِ الشريعة، ووجوبِ إقامةِ الدين، وسياسةِ الدنيا به؛ فكل إنسان يؤخذ منه ويترك إلا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، والحق مقبول من كل من جاء به والباطل مردود على صاحبه كائنًا من كان، والطبيب والمهندس قد يخطئ ولا نطالب بإلغاء مهنة الطب والهندسة فكذلك الأمر هنا.
وما سعد أهل الكتاب ـ ومنهم أقباط مصر ـ إلا في ظلال تطبيق الشريعة، ونحن نتركهم وما يدينون، فإن تحاكموا إلينا حكمنا فيهم بشرع الله، ولا مشكلة في أن يكون لهم قانونهم الخاص بأحوالهم الشخصية كالطلاق والزواج.
وما من دولة إلا وهي تطبق دستورها على جميع رعاياها، وقد أثبتت الأحداث الأخيرة أن المسلمين هم الذين قاموا بحماية
النصارى، وقاموا بإعانتهم، ولا نغالي لو قلنا أن الذي يمارس الطائفية ويسرق سفينة الوطن ويريدها فتنة هو العلماني والديمقراطي والليبرالي الذي يساوي بين المسلم والكافر، ويحارب الإسلام ويشن الحرب على المتدينين، ويقبل حكم الشيوعيين، وأن يتولى مَن لا خلاق له توجيه دفة التعليم والإعلام والثقافة في أمة مسلمة المفترض أن تحكم بإسلامها؛ فالإسلام يعلو ولا يُعلى عليه.
والإسلام المنزل من عند الله ـ هو دين الفطرة، الدين الذي يعرف أسرار الفطرة فيقدم لها ما يصلح لها وما يصلحها. الدين الذي يعالج الفطرة على أحسن وجه وأنسب طريقة، ليخرج منها بأقصى ما تستطيع أن تمنحه من الخير. الدين الذي يتلبس بالفطرة فيملؤها كلها ولا يترك فراغًا واحدًا لا ينفذ إليه.
الدين الذي يأخذ الفطرة كما هي كلًا واحدًا لا يتجزأ، كلًا يشمل الجسم والعقل والروح، فيعالجها العلاج الشامل الذي يأخذ في حسابه الجوانب كلها. ويأخذها مرتبطًا بعضها ببعض في نظام وثيق.
ومن ثم لا يأخذ شعور الإنسان ويترك سلوكه. لا يأخذ آخرته ويدع دنياه .. وإنما يعمل حساب ذلك كله في توجيهاته وتشريعاته سواء.
إن الإسلام يتناول الحياة كلها، بكل ما تشتمل عليه من تنظيمات. ويرسم للبشر صورة كاملة لما ينبغي أن تكون عليه حياتهم في هذه الأرض.
إنه يتناول الإنسان من يقظته في الصباح الباكر حتى يسلم جنبه للنوم في آخر المساء. يعلمه ويلقنه ماذا يصنع وماذا يقول أول مايفتح عينيه، ثم حين يقوم، ثم حين يقضي ضرورته، ثم حين يؤدي صلاته، ثم حين يضرب في مناكب الأرض باحثًا عن رزقه: زارعًا أو صانعًا أو عاملًا أو بائعًا أو شاريًا .. ثم حين يتناول طعامه، ثم حين يستريح من القيلولة، ثم حين يعود في آخر اليوم، ثم حين يلقى زوجه وأطفاله، ثم حين يضع جنبه، ثم حين يأخذ في النوم .. بل إذا صحا كذلك في وسط النوم فزعًا أو غير مفزّع!
وكما تناول الإنسان فردًا في جميع أحواله، فقد تناوله كذلك وهو يعيش في المجتمع مع غيره من الأفراد. فعلم المجتمع ولقنه
كيف تكون الصلات بين أفراده، وكيف تكون العلاقات. وكيف ينشئ تقاليده على المودة والإخاء والحب، والتكافل والتعاون. وكيف يشتري وكيف يبيع. وكيف يزرع وكيف يجني. وكيف يملك وكيف يوزع الثروة بين الأفراد.
وكما تناول الفرد والمجتمع تناول كذلك الدولة ممثلة المجتمع. فأعطى ولي الأمر حقوقًا وأوجب عليه واجبات. وعلمه ولقنه كيف يحكم الناس، وكيف يقيم بينهم العدل، وكيف يوزع المال بينهم، بأي نسب وعلى أي الفئات ومن أي الموارد. وكيف يعلن الحرب وكيف يقيم السلم، وكيف يتعامل مع الدول والجماعات والأفراد.
الحياة كلها بجميع دقائقها وتفصيلاتها. الحياة المادية والفكرية والروحية. الحياة الفردية والاجتماعية. الحياة بكل ما تشمله من مفاهيم. وكانت تلك هي طريقة الإسلام الفذة في إصلاح البشرية.
إن الإسلام به نظام اقتصادي عادل، ونظام اجتماعي متوازن، ونظام سياسي راشد محكم الرباط؟
هل البشر الذين يشرعون ما يخالف شرع الله يُدِلّون على الله بعلمهم؟ ويحسبون أنهم الذين أدرى من الله ـ الذي خلق الخلق سبحانه وتعالى عما يصفونه علوًا كبيرًا.
إن الإسلام قد بيَّن أن الحياة السليمة النظيفة المتكاملة لا يمكن أن تتم في داخل القلب معزولة عن واقع الحياة. لا يمكن أن تتم في الوجدان والمشاعر إن لم يكن لها رصيد مواز لها من العمل والسلوك. ومن ثم لم يجعل الدين عقيدة كامنة في الضمير. وإنما جعلها نظامًا قائمًا على عقيدة، ومجتمعًا قائمًا على هذا النظام.
إن الإسلام دين الفطرة وكلمة الله، ومن ثم يجعل في حسابه الباطن والظاهر، والشعور والعمل، والوجدان والسلوك.
من أجل ذلك يحرص الإسلام على واقع المجتمع أن يكون نظيفًا ليعاون الفرد على نظافة الضمير. ولن تكون نظافة المجتمع إلا بنظام اقتصادي عادل، ونظام اجتماعي متوازن، ونظام سياسي راشد محكم الرباط بالعقيدة الصحيحة والإيمان الصحيح (1).
(1) قبسات من الرسول صلى الله عليه وآله وسلم للأستاذ محمد قطب، باختصار وتصرف يسيرين.
ومن هذا المنطلق كانت هذه الرسالة التي جمعتها من كتاب الله ـ وكلام النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأقوال أهل العلم، تذكيرًا لإخواني المسلمين بهذه الشريعة الخالدة التي هي جزء من عقيدة المسلمين التي يكفر من أنكرها أو زعم أنها لا تصلح لهذا العصر.
هذه الشريعة فيها عزنا ومجدنا، قال تعالى:{لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ} (الأنبياء: 10).
وقال تعالى: {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ} (الزخرف: 44).
اللهم مكِّنْ لدينك في الأرض، وأفتح له قلوب الناس.
وأسأل الله عز وجل أن ينفعني والمسلمين بهذه الورقات وأن يرزقنا الإخلاص في السر والعلن، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ونبيه ـ سيدنا محمد ـ وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.
شحاتة محمد صقر
اقرأ (محمد) اقرأ (محمد) اقرأ (محمد)