الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العقاب الآجل الذي ينتظر المخالفين، قال تعالى:{يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ (30)} (آل عمران: 30). وقال تعالى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8)} (الزلزلة: 7 - 8 (.وفي هذا وذاك أعظم ضمان لزجر النفوس عن المخالفة والعصيان.
الخصيصة الخامسة: المثالية والواقعية:
المثالية في الإسلام:
الإسلام يحرص على إبلاغ الانسان الكمال المقدور له، وهذا يكون بجعل تصرفاته وأقواله وأفعاله وتروكه وقصوده وأفكاره وميوله وفق المناهج والأوضاع والكيفيات التي جاء بها الإسلام، وقد تحقق ذلك كله في رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولذلك أمرنا الله ـ بالتأسي به، قال تعالى:{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} (الأحزاب: 21).
وقوام هذه المثالية الاعتدال والشمول.
أولًا: الاعتدال:
ونقصد بالاعتدال عدم الإفراط والتفريط في أي شيء وإعطاء كل ذي حق حقه، يدل على ذلك قول الله تعالى:{وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا (67)} (الفرقان: 67).
ثانيا: الشمول:
والمثالية في الإسلام تتصف بالشمول، لان الإسلام يريد من المسلم أن يبلغ الكمال المقدور له بتناسق وفي جميع شؤونه، فلا يُقبِل على جانب واحد أو عدة جوانب ويبلغ فيها المستوى العالي من الكمال، بينما يهمل الجوانب الأخرى حتى ينزل فيها إلى دون المستوى المطلوب، إن مثله مثل من يقوي يديه ويترك سائر أعضائه رخوة هزيلة ضعيفة.
وعلى هذا الأساس فَهِمَ الصحابة الكرام مثالية الإسلام فلم تأسرهم عبادة ولم تقيدهم عادة، وإنما تقلبوا في جميع العبادات والأحوال، فلم يحبسوا نفوسهم في مكان ولا على نوع من العبادة ولا على نمط معين من الأعمال، وانما باشروا الجميع، فعند الصلاة كانوا في المسجد يصلون، وفي حلقات العلم
يجلسون معلمين أو متعلمين، وعند الجهاد يقاتلون، وعند الشدائد والمصائب يواسون ويساعدون، وهكذا كان شأنهم في جميع الأحوال.
الواقعية في الإسلام:
الإسلام لا يغفل طبيعة الإنسان وتفاوت الناس في مدى استعدادهم لبلوغ المستوى الرفيع الذي يرسمه لهم، وفي ضوء هذا النظر الواقعي جعل الإسلام حدًا أدنى أو مستوى أدنى من الكمال لا يجوز الهبوط عنه لأن هذا المستوى ضروري لتكوين شخصية المسلم على نحو معقول، ولأنه أقل ما يمكن قبوله من المسلم ليكون في عداد المسلمين ولأنه وضع على نحو يستطيع بلوغه أقل الناس قدرة على الارتفاع إلى مستوى الكمال.
إن هذا المستوى الأدنى يتكون من جملة من معانٍ يجب القيام بها وهي المسماة بالفرائض، كما يشمل جملة معانٍ يجب هجرها وهي المسماة بالمحرمات.
إن هذه الفرائض والمحرمات جُعِلَتْ بقدر طاقة أقل الناس استعدادًا لفعل الخير وابتعادًا عن الشر، ومِن ثَمَّ يستطيع كل واحد الوفاء بمقتضاه، ولا يُعذَر في التخلف عنها.