المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الشبهة الثانية:شبهة التدرج: - شريعة الله لا شريعة البشر

[شحاتة صقر]

فهرس الكتاب

- ‌أقوال ليست عابرة

- ‌مقدمة

- ‌مفهوم الإفسادوالإصلاح في الإسلام

- ‌شرع الله، لا شرع البشرشرع الخالق، لا شرع المخلوقالشريعة الإسلامية لا العَلَمانية

- ‌حتى لا تنحرف صحوة الشعب في مصر عن مسارها الصحيح:

- ‌خصائص الشريعة الإسلامية (الإسلام):

- ‌الخصيصة الأولى: أنه من عند الله:

- ‌الخصيصة الثانية: الشمول:

- ‌الخصيصة الثالثة: العموم:

- ‌الخصيصة الرابعة: الجزاء في الإسلام:

- ‌الخصيصة الخامسة: المثالية والواقعية:

- ‌نِظام الحُكم في الإسلام:

- ‌شروط الحاكم المسلم:

- ‌الدولة الإسلامية دولة قانونية:

- ‌مقاصد الحكم في الإسلام:

- ‌الشورى:

- ‌في أي شيء تجري الشورى:

- ‌الشورى لا الديمقراطية:

- ‌من آفات الديمقراطية:

- ‌في تطبيقالشريعة الهدايةوالبركة لجميع المسلمين

- ‌ديناسمه العَلَمانية

- ‌الأفكار والمعتقدات:

- ‌بعض الثمار الخبيثة التي أنتجتها العلمانية في بلاد المسلمين، وإلا فثمارها الخبيثة أكثر من ذلك بكثير:

- ‌لماذا يرفض المسلمون العلمانية:

- ‌مفهومالدولة المدنيةحتى لا تخدعنا الشعارات

- ‌الدولة الثيوقراطية ليست من مصطلحاتنا:

- ‌ما هي عناصر الدولة المدنية؟ وما علاقة ذلك بالإسلام

- ‌شبهاتحول تطبيق الشريعة

- ‌قبل الرد:

- ‌الشبهة الأولى: أنتم أعلم بأمر دنياكم:

- ‌الشبهة الثانية:شبهة التدرج:

- ‌الشبهة الثالثة:أثر عمر رضي الله عنه في عدم قطع يد السارق في عام المجاعة:

- ‌الشبهة الرابعة:من الشبهات التي يعترض بها البعض أن القول بإسلامية الدولة يعني عدم إمكانية سؤال الحاكم أو محاسبته:

- ‌الشبهة الخامسة:من الشبهات أن الدولة الإسلامية أو الشرعية أو الدينية يترتب عليها ظلم المخالفين في الدين

- ‌الشبهة السادسة:من الشبهات: أن يقال أن الدولة الإسلامية أو الدينية تحمل المخالفين على تغيير دينهم:

- ‌الشبهة السابعة:ومن الشبهات: أن حقوق المواطنة لا يمكن الحفاظ عليها إلا في ظل دولة لا تتخذ من الدين مرجعية لها

- ‌الشبهة الثامنة:ومن الشبهات أيضًا حيادية الدولة:

- ‌الشبهة التاسعة:العقوبات الشرعية قديمة وجامدة قد عفّى عليها الزمان

- ‌الشبهة العاشرة:أن العقوبات الشرعية تتسم بالقسوة والهمجية التي تبعث على الاشمئزاز ولا تتناسب وروح هذا العصر، وإنسانيته، وحمايته لحقوق الإنسان وكرامته

- ‌الشبهة الحادية عشرة:شبهة في قالب شعري:

- ‌الشبهة الثانية عشرة:المقاصد والمصالح وكلمات حق يراد بها باطل:

- ‌ثلاثة أمثلة لدعوى بعض أصحاب الخطاب العلماني بتعارض النص مع المصلحة، وبيان زيفها:

- ‌الشريعةخيرٌ كلها

- ‌من محاسن الشريعة فَرْض الحجاب على المراة المسلمة ومَنْع الاختلاط بين النساء والرجال غير المحارم:

- ‌دعوات غربية لتطبيق الشريعة الإسلامية كحلٍ للأزمة المالية:

- ‌المادة الثانيةمن الدستور المصريبين التفعيل والتعطيل

- ‌مناقشة المادة الثانية مِن الدستور المصري، وخطورة التعرض لها بإلغاء أو تعديل إلى صيغة أضعف مما هي عليه الآن

- ‌ما هو الدستور

- ‌هل حَمَتْ المادة الثانية مصر مِن فساد الجهات التنفيذية؟ وهل أفادتها تشريعيًا

- ‌ما هو دورنا

- ‌حملة تطبيق الشريعة

- ‌حملة الدفاع عن هوية مصر الإسلامية

- ‌المراجع

الفصل: ‌الشبهة الثانية:شبهة التدرج:

كلا! لم يكن ليفعل ذلك. ولو فعل فما أدى إذن رسالة الله. والله هو الذي يقول له في مجال التكليف: قال تعالى: {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ (18)} (الجاثية: 18).

‌الشبهة الثانية:

شبهة التدرج:

القائلون بنظرية التدرج استدلّوا بقولهم أنّ الله حرّم الخمرة بالتدريج.

الجواب:

أولًا: بغضّ النظر عن كيفية تحريم الخمرة، فإنها منذ نزول آية:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (المائدة: 90)، صارت حرامًا، وستبقى كذلك إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، ولا يجوز أبدًا لأحد أن يستبيحها أو أن يعود ليحرّمها تدريجيًا ـ كما يدّعي القائلون بالتدرج ـ لأن زمن الوحي قد انتهى.

ولا يجوز للحاكم أن يُسقط الحد عن شاربها، إلاّ إذا كان هناك رخصة شرعية كالاضطرار ـ مثلًا ـ لقوله تعالى: {فَمَنِ

ص: 129

اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (المائدة: 3).

ثانيًا: يقول الله تعالى في كتابه العزيز: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ (44)} (المائدة: 44)، فكيف يوفِّق القائلون بالتدرّج بين هذه الآية وقولهم.

فقولهم بجواز التدرج معناه جواز الحكم بغير ما أنزل الله مرحليًا، أي أنه لن يحكم بما أنزل الله في بعض المسائل، فيدخل تحت آية {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} (المائدة: 45 (، أو آية: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} (المائدة:44)، أو آية وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} (المائدة: 47).

فهل يجوز تطبيق بعض أحكام الكفر مرحليًا للوصول إلى تطبيق أحكام الإسلام كاملة؟! أم أنه ينطبق علينا حينذاك قوله تعالى: {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} (البقرة: 85).

ص: 130

ثالثًا: قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (97) إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا (98) فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا (99) وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} (النساء:97).

هذه الآية هذه تُلزِمُ كُلَّ مسلم ـ حاكمًا كان أو محكومًا ـ بأن يجتنب كلَّ ما حرَّمه الله عليه، وبأن يقوم بكل ما فرضه الله عليه، ولو اقتضى منه ذلك أن يخسر بلده وأرضه وماله وبيته وأقاربه ويهاجر إلى حيث يستطيع أن يؤدّي ما ألزمه به الشرع.

والأصل أنه إذا كان القائل بالتدرّج حاكمًا فإنه طليق اليد في الحكم بأحكام الشرعية الإسلامية، فإن لم يفعل، أو خلط أحكام الكفر بأحكام الإسلام، كان أشدَّ ظلمًا لنفسه من الذين ذكرتهم هذه الآيات.

ص: 131

رابعًا: ولعلّ النقطة الأبرز في بحث القائلين بالتدرّج تكمن في الاستطاعة، فالذي يقول بالتدرّج إنّما يستند إلى قوله تعالى:{لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} (البقرة: 286).

وفي رأيه لن يستطيع المسلمون اليوم إذا وصلوا إلى السلطة أن يطبّقوا الإسلام تطبيقًا شاملًا، لأن ذلك من شأنه إقامة الفتنة وإثارةُ البلبلة في المجتمع الإسلامي الناشئ.

ونقول ردًّا على هؤلاء: إن الاستطاعة الشرعيّة التي تلجئ إلى الحرام ـ وهو هنا تطبيق غير ما أنزل الله ـ معروفة شرعًا ومحدّدة، وهي غير ما يُتوهّم من فتن واضطرابات، فمظنة وقوع الفتنة لأجل تطبيق الإسلام لا تشكِّل عذرًا شرعيًا للوقوع في الحرام، وهو تطبيق أحكام الكفر ـ مع الإيمان بعدم صلاحها ـ وقد أجمع الصحابة أيام الخليفة أبي بكر الصديق سدد خطاكم على محاربة مانعي الزكاة من المرتدّين، وقد كان أحرى بأبي بكر سدد خطاكم أن يتجنّب الفتنة، وأن يحقن دماء المسلمين، وأن لا يُقْدِم على محاربة غالبية قبائل العرب، والتي كانت قد منعت الزكاة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم لقلّة إمكاناته، لكنه ـ والصحابة معه رضي الله عنهم لم يقبل تعطيل

ص: 132

حكم واحد من أحكام الشرع الإسلامي، رغم الخطر المحقّق الذي سيقع على الدولة الإسلامية فيما لو حارب القبائل.

لذلك، على المسلمين تطبيق أحكام الإسلام كاملة تطبيقًا شاملًا، حالما يتوصلون إلى سُدّة الحكم، وعليهم حينذاك ـ أي على الخليفة ـ أن يواجهوا الأخطار والفتن التي قد تنشأ من جرّاء ذلك.

طبعًا لا نستطيع أن ننكر أن تطبيق الإسلام في مجتمع أفراده مؤمنون بتطبيقه، مطيعون لله ورسوله ومجاهدون في سبيله، أفضل بكثير من تطبيقه في مجتمع لا يؤمن أفراده بالإسلام وصلاحيته، لذلك لا بد من إقناع الناس في المجتمع بالإسلام أولًا قبل محاولة تطبيقه عليهم، ورغم ذلك، إذا بويع لخليفة في أي ظرف، فإن عليه تطبيق الإسلام كاملًا غير منقوص.

إذًا، لا يجوز التدرج في تطبيق أحكام الإسلام، و «حلال محمد صلى الله عليه وآله وسلم حلال إلى يوم الدين، وحرام محمد صلى الله عليه وآله وسلم حرام إلى يوم الدين» ، ولا يجوز أن نحلّ حرامًا ولو لدقيقة، ولا أن نحرّم حلالًا ولو لدقيقة، إلا فيما رخّص به الشرع.

ص: 133