المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الشريعة خيرٌ كلها إن الشريعة الإسلامية ما شرعت إلا لتحقيق مصالح العباد - شريعة الله لا شريعة البشر

[شحاتة صقر]

فهرس الكتاب

- ‌أقوال ليست عابرة

- ‌مقدمة

- ‌مفهوم الإفسادوالإصلاح في الإسلام

- ‌شرع الله، لا شرع البشرشرع الخالق، لا شرع المخلوقالشريعة الإسلامية لا العَلَمانية

- ‌حتى لا تنحرف صحوة الشعب في مصر عن مسارها الصحيح:

- ‌خصائص الشريعة الإسلامية (الإسلام):

- ‌الخصيصة الأولى: أنه من عند الله:

- ‌الخصيصة الثانية: الشمول:

- ‌الخصيصة الثالثة: العموم:

- ‌الخصيصة الرابعة: الجزاء في الإسلام:

- ‌الخصيصة الخامسة: المثالية والواقعية:

- ‌نِظام الحُكم في الإسلام:

- ‌شروط الحاكم المسلم:

- ‌الدولة الإسلامية دولة قانونية:

- ‌مقاصد الحكم في الإسلام:

- ‌الشورى:

- ‌في أي شيء تجري الشورى:

- ‌الشورى لا الديمقراطية:

- ‌من آفات الديمقراطية:

- ‌في تطبيقالشريعة الهدايةوالبركة لجميع المسلمين

- ‌ديناسمه العَلَمانية

- ‌الأفكار والمعتقدات:

- ‌بعض الثمار الخبيثة التي أنتجتها العلمانية في بلاد المسلمين، وإلا فثمارها الخبيثة أكثر من ذلك بكثير:

- ‌لماذا يرفض المسلمون العلمانية:

- ‌مفهومالدولة المدنيةحتى لا تخدعنا الشعارات

- ‌الدولة الثيوقراطية ليست من مصطلحاتنا:

- ‌ما هي عناصر الدولة المدنية؟ وما علاقة ذلك بالإسلام

- ‌شبهاتحول تطبيق الشريعة

- ‌قبل الرد:

- ‌الشبهة الأولى: أنتم أعلم بأمر دنياكم:

- ‌الشبهة الثانية:شبهة التدرج:

- ‌الشبهة الثالثة:أثر عمر رضي الله عنه في عدم قطع يد السارق في عام المجاعة:

- ‌الشبهة الرابعة:من الشبهات التي يعترض بها البعض أن القول بإسلامية الدولة يعني عدم إمكانية سؤال الحاكم أو محاسبته:

- ‌الشبهة الخامسة:من الشبهات أن الدولة الإسلامية أو الشرعية أو الدينية يترتب عليها ظلم المخالفين في الدين

- ‌الشبهة السادسة:من الشبهات: أن يقال أن الدولة الإسلامية أو الدينية تحمل المخالفين على تغيير دينهم:

- ‌الشبهة السابعة:ومن الشبهات: أن حقوق المواطنة لا يمكن الحفاظ عليها إلا في ظل دولة لا تتخذ من الدين مرجعية لها

- ‌الشبهة الثامنة:ومن الشبهات أيضًا حيادية الدولة:

- ‌الشبهة التاسعة:العقوبات الشرعية قديمة وجامدة قد عفّى عليها الزمان

- ‌الشبهة العاشرة:أن العقوبات الشرعية تتسم بالقسوة والهمجية التي تبعث على الاشمئزاز ولا تتناسب وروح هذا العصر، وإنسانيته، وحمايته لحقوق الإنسان وكرامته

- ‌الشبهة الحادية عشرة:شبهة في قالب شعري:

- ‌الشبهة الثانية عشرة:المقاصد والمصالح وكلمات حق يراد بها باطل:

- ‌ثلاثة أمثلة لدعوى بعض أصحاب الخطاب العلماني بتعارض النص مع المصلحة، وبيان زيفها:

- ‌الشريعةخيرٌ كلها

- ‌من محاسن الشريعة فَرْض الحجاب على المراة المسلمة ومَنْع الاختلاط بين النساء والرجال غير المحارم:

- ‌دعوات غربية لتطبيق الشريعة الإسلامية كحلٍ للأزمة المالية:

- ‌المادة الثانيةمن الدستور المصريبين التفعيل والتعطيل

- ‌مناقشة المادة الثانية مِن الدستور المصري، وخطورة التعرض لها بإلغاء أو تعديل إلى صيغة أضعف مما هي عليه الآن

- ‌ما هو الدستور

- ‌هل حَمَتْ المادة الثانية مصر مِن فساد الجهات التنفيذية؟ وهل أفادتها تشريعيًا

- ‌ما هو دورنا

- ‌حملة تطبيق الشريعة

- ‌حملة الدفاع عن هوية مصر الإسلامية

- ‌المراجع

الفصل: ‌ ‌الشريعة خيرٌ كلها إن الشريعة الإسلامية ما شرعت إلا لتحقيق مصالح العباد

‌الشريعة

خيرٌ كلها

إن الشريعة الإسلامية ما شرعت إلا لتحقيق مصالح العباد في العاجل والآجل، أي في الدنيا والآخرة، ودرء المفاسد والاضرار عنهم في العاجل والآجل أيضًا، حتى إن بعض الفقهاء، قال ـ وقوله حق ـ:«إن الشريعة كلها مصالح، إما درء مفاسد أو جلب مصالح» .

ودرء المفسدة لا شك في أنه وجه من وجوه المصلحة؛ لأن المصلحة لها وجه إيجابي وهو جلب نفع لم يكن، ووجه سلبي وهو دفع ضرر أو مفسدة. وجميع الأحكام بلا استثناء مصالح لا يخرج منها أي حكم كان سواء أكان من أحكام الاعتقادات أو العبادات أو غير ذلك.

نعم، قد يجهل البعض تفاصيل المصلحة في حكم من الاحكام، ولكن هذا الجهل ليس بحجة على انتفاء المصلحة، فإن الانسان قد يجهل تفاصيل منفعة دواء ولكن جهله به لا يمنع من

ص: 183

تحقيق المصحلة فيه، فإذا كان هذا واقعيًا فيما يضعه إنسان فكيف لا يكون فيما يضعه خالق الانسان؟ هذه واحدة.

والثانية أن المصلحة المقصودة في التشريع الإسلامي لا تقتصر على مصالح الدنيا وإنما تتجاوزها الى مصالح الآخرة أي إلى إعداد الانسان للظفر بالسعادة الدائمة بالجنة.

ونكتفي هنا بذكر بعض الأدلة الجزئية على هذه الحقيقة:

1 -

قال تعالى في تعليل رسالة محمد صلى الله عليه وآله وسلم {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} (الأنبياء:107)، والرحمة تتضمن قطعًا رعاية مصالح العباد ودرء المفاسد عنهم، ولا يمكن أن تكون رحمة إذا أغفلت هذه المصالح.

2 -

قال تعالى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاأُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (البقرة:179 (، فالقصاص شرع لتحقيق هذه المصلحة وهي الحياة للناس، أي الأمن والاستقرار والاطمئنان وحقن الدماء بزجر من تسول له نفسه الاعتداء على أرواح الناس.

ص: 184

3 -

قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ (91)} (المائدة: 90 - 91).

فتحريم الخمر يمنع عن الناس مفسدة الصد عن ذكر الله وعن الصلاة.

4 -

تشريع الرخص عند وجود المشقات في تطبيق الأحكام اذا كانت هذه المشقات فوق طاقة البشر المعتادة، من ذلك اباحة النطق بكلمة الكفر عند الإكراه عليها بالتهديد بالقتل ونحوه، وإباحة المحرم عند الضرورة مثل أكل الميتة ولحم الخنزير عند التعرض للهلاك جوعًا، وإباحة الفطر في رمضان للمريض والمسافر. ولا شك أن دفع المشقة ضَرب من ضروب رعاية المصلحة ودرء المفسدة عن الناس.

5 -

من محاسن الشريعة الإسلامية ملاءمتها لفطرة الإنسان وتلبيتها لحاجاته البدنية والعقلية والروحية، فمن محاسن الشريعة أنها حرمت كل ما يضر ببدن الإنسان وعقله، ومن ذلك تحريم المسكر لضرره، وتحريم قليله الذي لا يسكر لأنه سبيل إلى تناول

ص: 185

كثيره، ولا يمكن لكل الناس التحكم في الكمية، والتشريع يكون للجميع، إلى غير ذلك من الحكم المعلومة والمجهولة.

6 -

بر الوالدين من محاسن الشريعة الإسلامية؛ ذلك أنه اعتراف بالجميل، وحفظ للفضل.

7 -

ويُعَدّ الوقف من محاسن الشريعة الإسلامية الغرّاء، حيث أثبتت الدراسات الاقتصادية أنه أنجح وسيلة لاستمرار المؤسسات العلمية والاجتماعية في أداء وظيفتها ورسالتها.

8 -

من محاسن الشريعة الإسلامية، أنها لم تُحرم شيئًا إلا عوضت خيرًا منه، مما يسد مسده، ويغني عنه، فالله ـ، لم يضيق على عباده من جانب، إلا وسَّع عليهم من جانب آخر، من جنسه، فإنه ـ لا يُريد بعباده عنتًا، ولا إرهاقًا، بل يُريد بهم اليُسرَ والخير والهداية والرحمة، فقد حرم الله عباده، الاستقسام بالأزلام، وعوضهم عنه دعاء الاستخارة، حرم عليهم الزنا، وأعاضهم عنه الزواج الحلال، حرم عليهم شرب المسكرات، وأعاضهم عنها بالأشربة اللذيذة.

ليس في الدين حرمان، كما يتوهم الجهلة، فكل شهوة أودعها الله في الإنسان، جعل لها قناةً نظيفةً تتحرك من خلالها،

ص: 186

وكل حاجة، ألجأ الله إليها عباده، جعل لهم، أكثر من سبب لتحقيقها، فالحلال يُغني عن الحرام، أيما غناء.

وهذا من محاسن الشريعة الإسلامية حيث أن البيوت المسلمة التي بُنيت على أساس الرضا والرغبة غالبا ما تكون أكثر استقرارا وطمأنينة.

9 -

والإسلام بتشريعه للطلاق يكون منسجمًا مع نهج التوسط بين الإفراط والتفريط، بخلاف غيره من الشرائع، والتي منها ما تبيح الطلاق على إطلاقه بلا محاذير ولو بغير سبب، ومنها ما يجعل الزواج مؤبدًا ولا تبيح الطلاق مطلقًا كما هو الحال في الغرب حيث عمت الفوضى في الحياة الاجتماعية وشاع اتخاذ الأخدان والعشيقات، فجاء الإسلام وجعل الطلاق حاجة من حاجات البشر لا يتم اللجوء إليها إلا عند الضرورة ووجود المبرر القوي لها.

10 -

ومن محاسن الشريعة الإسلامية أن جعلت الطلاق بيد الرجل، وذلك لأن المرأة سريعة الغضب شديدة التأثر وغالبًا تدفعها طبيعتها إلى الجري وراء عواطفها بلا تَرَوٍّ، ذلك لأنها خلقت على رقة في الطبع، وبها من الغرائز ما يصلح أن تكون

ص: 187

مصدرًا للحنان والأمومة، إذ لو جعل الطلاق بيدها ـ وهي على ما أسلفنا من رقة العاطفة وسرعة الانفعال ـ لانهارت كثير من العلاقات الأسرية والزوجية في لحظة طائشة وبمجرد خصام عارض وهذا لا يمنع أن تكون هنالك نساء يتصفن بالحكمة والتروي ولكن أحكام الشرع تبنى على غالب الأحوال.

11 -

من محاسن الشريعة الإسلامية تحريم الكذب لما فيه من مضار ومفاسد على الفرد والمجتمع.

12 -

مِنْ أَعْظَمِ مَحَاسِنَ الشَّرِيعَةِ إيجَابُ الْغُسْلَ مِنْ الْمَنِيِّ دُونَ الْبَوْلِ: فَإِنَّ الْمَنِيَّ يَخْرُجُ مِنْ جَمِيعِ الْبَدَنِ، وَلِهَذَا سَمَّاهُ الله ـ:«سُلَالَةً» ؛ لِأَنَّهُ يَسِيلُ مِنْ جَمِيعِ الْبَدَنِ، وَأَمَّا الْبَوْلُ فَإِنَّمَا هُوَ فَضْلَةُ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ الْمُسْتَحِيلَةِ فِي الْمَعِدَةِ وَالْمَثَانَةِ؛ فَتَأَثُّرُ الْبَدَنِ بِخُرُوجِ الْمَنِيِّ أَعْظَمُ مِنْ تَأَثُّرِهِ بِخُرُوجِ الْبَوْلِ.

وَأَيْضًا فَإِنَّ الِاغْتِسَالَ مِنْ خُرُوجِ الْمَنِيِّ مِنْ أَنْفَعِ شَيْءٍ لِلْبَدَنِ وَالْقَلْبِ وَالرُّوحِ، بَلْ جَمِيعُ الْأَرْوَاحِ الْقَائِمَةِ بِالْبَدَنِ فَإِنَّهَا تَقْوَى بِالِاغْتِسَالِ، وَالْغُسْلُ يَخْلُفُ عَلَيْهِ مَا تَحَلَّلَ مِنْهُ بِخُرُوجِ الْمَنِيِّ، وَهَذَا أَمْرٌ يُعْرَفُ بِالْحِسِّ.

ص: 188

وَأَيْضًا فَإِنَّ الْجَنَابَةَ تُوجِبُ ثِقَلًا وَكَسَلًا وَالْغُسْلُ يُحْدِثُ لَهُ نَشَاطًا وَخِفَّةً.

ولَوْ شُرِعَ الِاغْتِسَالُ مِنْ الْبَوْلِ لَكَانَ فِي ذَلِكَ أَعْظَمُ حَرَجٍ وَمَشَقَّةٍ عَلَى الْأُمَّةِ تَمْنَعُهُ حِكْمَةُ اللَّهِ وَرَحْمَتُهُ وَإِحْسَانُهُ إلَى خَلْقِهِ.

13 -

إن إباحة السَّلَم وتحريم الربا من محاسن الشريعة الكاملة، وقد أباح الله ـ السَّلَمَ لحاجة العباد إليه، وشرط فيه شروطا تخرجه عن المعاملات المحرمة، فهو عقد على موصوف في الذمة بصفات تميزه وتبعده عن الجهالة والغرر إلى أجل معلوم بثمن معجل في المجلس، يشترك فيه البائع والمشتري في المصلحة المترتبة على ذلك.

فالبائع ينتفع بالثمن في تأمين حاجاته الحاضرة والمشتري ينتفع بالمسلم فيه عند حلوله؛ لأنه اشتراه بأقل من ثمنه عند الحلول وذلك في الغالب، فحصل للمتعاملين في عقد السلم الفائدة من دون ضرر ولا غرر ولا جهالة ولا ربا.

أما المعاملات الربوية فهي مشتملة على زيادة معينة نص الشارع على تحريمها في بيع جنس بجنسه نقدا أو نسيئة، وجعله من أكبر الكبائر لما له ـ في ذلك من الحكمة البالغة، ولما للعباد

ص: 189

في ذلك من المصالح العظيمة والعواقب الحميدة التي منها سلامتهم من تراكم الديون عليهم، ومن تعطيلهم المشاريع النافعة والصناعات المفيدة اعتمادًا على فوائد الربا.

14 -

تعدد الزوجات من محاسن الشريعة الإسلامية، ومن رعايتها لمصالح المجتمع وعلاج مشكلاته، وقد تنبه بعض أعداء الإسلام لهذا الأمر، واعترفوا بحسن ما جاءت به الشريعة في هذه المسألة، رغم عداوتهم لها، إقرارا بالحق واضطرارًا للاعتراف به، فمن ذلك ما نقله صاحب المنار في الجزء الرابع من تفسيره صفحة (360) عن جريدة (لندن ثروت) بقلم بعض الكاتبات ما ترجمته ملخصًا: «لقد كثرت الشاردات من بناتنا، رغم البلاء، وقَلّ الباحثون عن أسباب ذلك، وإذ كنت امرأة، تراني أنظر إلى هاتيك البنات وقلبي يتقطع شفقة عليهن وحزنا، وماذا عسى يفيدهن بثي وحزني وتفجعي وإن شاركني فيه الناس جميعا، إذ لا فائدة إلا في العمل بما ينفع هذه الحالة الرجسة.

ولله در العالم توس فإنه رأى الداء ووصف له الدواء الكافل للشفاء، وهو الإباحة للرجل التزويج بأكثر من واحدة، وبهذه الواسطة يزول البلاء لا محالة، وتصبح بناتنا ربات بيوت،

ص: 190

فالبلاء كل البلاء في إجبار الرجل الأوروبي على الاكتفاء بامرأة واحدة، فهذا التحديد هو الذي جعل بناتنا شوارد، وقذف بهن إلى التماس أعمال الرجل، ولا بد من تفاقم الشر إذا لم يبح للرجل التزوج بأكثر من واحدة، أي ظن وخرص يحيط بعدد الرجال المتزوجين الذين لهم أولاد غير شرعيين، أصبحوا كَلًّا وعالة على المجتمع الإنساني.

فلو كان تعدد الزوجات مباحًا لما حاق بأولئك الأولاد وأمهاتهم ما هم فيه من العذاب والهوان، ولسلم عرضهن وعرض أولادهن، فإن مزاحمة المرأة للرجل ستحل بنا الدمار، ألم تروا أن حال خلقتها تنادي بأن عليها ما ليس على الرجل، وعليه ما ليس عليها، وبإباحة تعدد الزوجات تصبح كل امرأة ربة بيت وأم أولاد شرعيين».

وقال غوستاف لوبون: «إن نظام تعدد الزوجات نظام حسن يرفع المستوى الأخلاقي في الأمم التي تمارسه، ويزيد الأسر ارتباطا، وتمنح المرأة احتراما وسعادة لا تجدهما في أوروبا» .

15 -

ومن محاسن الشريعة أن الأصل الشرعي هو: الحل في المعاملات والشروط.

ص: 191

16 -

ومن محاسن الشريعة أَنَّ الْوَالِيَ وَالْقَاضِيَ وَالشَّافِعَ مَمْنُوعٌ مِنْ قَبُولِ الْهَدِيَّةِ (1)، وَهُوَ أَصْلُ فَسَادِ الْعَالَمِ، وَإِسْنَادُ الْأَمْرِ إلَى غَيْرِ أَهْلِهِ، وَتَوْلِيَةُ الْخَوَنَةِ وَالضُّعَفَاءِ وَالْعَاجِزِينَ، وَقَدْ دَخَلَ بِذَلِكَ مِنْ الْفَسَادِ مَا لَا يُحْصِيهِ إلَّا الله، وَمَا ذَاكَ إلَّا لِأَنَّ قَبُولَ الْهَدِيَّةِ مِمَّنْ لَمْ تَجْرِ عَادَتُهُ بِمُهَادَاتِهِ ذَرِيعَةٌ إلَى قَضَاءِ حَاجَتِهِ، وَحُبُّكَ الشَّيْءَ يُعْمِي وَيُصِمُّ، فَيَقُومُ عِنْدَهُ شَهْوَةٌ لِقَضَاءِ حَاجَتِهِ مُكَافَأَةً لَهُ مَقْرُونَةٌ بِشَرِّهِ وَإِغْمَاضٍ عَنْ كَوْنِهِ لَا يَصْلُحُ.

17 -

ومن محاسن الشريعة أَنَّهُ لَيْسَ لِلْقَاتِلِ مِنْ الْمِيرَاثِ شَيْءٌ، وَمَا ذَاكَ إلَّا لِأَنَّ تَوْرِيثَ الْقَاتِلِ ذَرِيعَةٌ إلَى وُقُوعِ هَذَا الْفِعْلِ؛ فَسَدَّ الشَّارِعُ الذَّرِيعَةَ بِالْمَنْعِ.

18 -

ومن محاسن الشريعة أَنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم نَهَى أَنْ يَخْطُبَ الرَّجُلُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ أَوْ يَسْتَامَ عَلَى سَوْمِ أَخِيهِ (2) أَوْ يَبِيعَ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ، وَمَا ذَاكَ إلَّا أَنَّهُ ذَرِيعَةٌ إلَى التَّبَاغُضِ وَالتَّعَادِي.

(1) عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ سدد خطاكم، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم قَالَ:«هَدَايَا الْعُمَّالِ غُلُولٌ» (رواه أحمد في المسند، وصححه الألباني).

(2)

المعنى: أَنْ يَكُون قَدْ اِتَّفَقَ مَالِكُ السِّلْعَةِ وَالرَّاغِبُ فِيهَا عَلَى الْبَيْع وَلَمْ يَعْقِدَاهُ، فَيَقُول الْآخَر لِلْبَائِعِ: أَنَا أَشْتَرِيه، وَهَذَا حَرَام بَعْد اِسْتِقْرَار الثَّمَن.

ص: 192

19 -

ومن محاسن الشريعة أَنَّها نَهَت الْمَرْأَةَ إذَا خَرَجَتْ إلَى الْمَسْجِدِ أَنْ تَتَطَيَّبَ أَوْ تُصِيبَ بَخُورًا، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ ذَرِيعَةٌ إلَى مَيْلِ الرِّجَالِ وَتَشَوُّفِهِمْ إلَيْهَا، فَإِنَّ رَائِحَتَهَا وَزِينَتَهَا وَصُورَتَهَا وَإِبْدَاءَ مَحَاسِنِهَا تَدْعُو إلَيْهَا؛ فَأَمَرَهَا أَنْ تَخْرُجَ تَفِلَةً، وَأَنْ لَا تَتَطَيَّبَ، وَأَنْ تَقِفَ خَلْفَ الرِّجَالِ، وَأَنْ لَا تُسَبِّحَ فِي الصَّلَاةِ إذَا نَابَهَا شَيْءٌ، بَلْ تُصَفِّقَ بِبَطْنِ كَفِّهَا عَلَى ظَهْرِ الْأُخْرَى، كُلُّ ذَلِكَ سَدًّا لِلذَّرِيعَةِ وَحِمَايَةً عَنْ الْمَفْسَدَةِ.

20 -

ومن محاسن الشريعة أَنَّها نَهَت أَنْ تُبَاعَ السِّلَعُ حَيْثُ تُبَاعُ حَتَّى تُنْقَلَ عَنْ مَكَانِهَا، وَمَا ذَاكَ إلَّا أَنَّهُ ذَرِيعَةٌ إلَى جَحْدِ الْبَائِعِ الْبَيْعَ وَعَدَمِ إتْمَامِهِ إذَا رَأَى الْمُشْتَرِي قَدْ رَبِحَ فِيهَا، فَيَغُرُّهُ الطَّمَعُ، وَتَشِحُّ نَفْسُهُ بِالتَّسْلِيمِ كَمَا هُوَ الْوَاقِعُ.

21 -

ومن محاسن الشريعة أَنَّها أَمَرَتْ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ الْأَوْلَادِ فِي الْمَضَاجِعِ، وَأَنْ لَا يُتْرَكَ الذَّكَرُ يَنَامُ مَعَ الْأُنْثَى فِي فِرَاشٍ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ قَدْ يَكُونُ ذَرِيعَةً إلَى نَسْجِ الشَّيْطَانِ بَيْنَهُمَا الْمُوَاصَلَةَ الْمُحَرَّمَةَ بِوَاسِطَةِ اتِّحَادِ الْفِرَاشِ وَلَا سِيَّمَا مَعَ الطُّولِ، وَالرَّجُلُ قَدْ يَعْبَثُ فِي نَوْمِهِ بِالْمَرْأَةِ فِي نَوْمِهَا إلَى جَانِبِهِ وَهُوَ لَا يَشْعُرُ.

ص: 193

22 -

ومن محاسن الشريعة أَنَّها نَهَتْ عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا، لِئَلَّا يَكُونَ ذَرِيعَةً إلَى أَكْلِ مَالِ الْمُشْتَرِي بِغَيْرِ حَقٍّ إذَا كَانَتْ مُعَرَّضَةً لِلتَّلَفِ، وَقَدْ يَمْنَعُهَا اللَّهَ.

23 -

ومن محاسن الشريعة أنها جَعَلَت لِلْقَاذِفِ إسْقَاطَ الْحَدِّ بِاللِّعَانِ فِي الزَّوْجَةِ دُونَ الْأَجْنَبِيَّةِ، وَكِلَاهُمَا قَدْ أَلْحَقَ بِهِمَا الْعَارَ، وهَذَا مِنْ أَعْظَمِ مَحَاسِنِ الشَّرِيعَةِ؛ فَإِنَّ قَاذِفَ الْأَجْنَبِيَّةِ مُسْتَغْنٍ عَنْ قَذْفِهَا، لَا حَاجَةَ لَهُ إلَيْهِ أَلْبَتَّةَ؛ فَإِنَّ زِنَاهَا لَا يَضُرُّهُ شَيْئًا، وَلَا يُفْسِدُ عَلَيْهِ فِرَاشَهُ، وَلَا يُعَلِّقُ عَلَيْهِ أَوْلَادًا مِنْ غَيْرِهِ، وَقَذْفُهَا عُدْوَانٌ مَحْضٌ، وَأَذًى لِمُحْصَنَةٍ غَافِلَةٍ مُؤْمِنَةٍ، فَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ الْحَدُّ زَجْرًا لَهُ وَعُقُوبَةً.

وَأَمَّا الزَّوْجُ فَإِنَّهُ يَلْحَقُهُ بِزِنَاهَا مِنْ الْعَارِ وَالْمَسَبَّةِ وَإِفْسَادِ الْفِرَاشِ وَإِلْحَاقِ وَلَدِ غَيْرِهِ بِهِ، وَانْصِرَافِ قَلْبِهَا عَنْهُ إلَى غَيْرِهِ؛ فَهُوَ مُحْتَاجٌ إلَى قَذْفِهَا، وَنَفْيِ النَّسَبِ الْفَاسِدِ عَنْهُ، وَتَخَلُّصِهِ مِنْ الْمِسَبَّةِ وَالْعَارِ؛ لِكَوْنِهِ زَوْجَ بَغْيٍ فَاجِرَةٍ، وَلَا يُمْكِنُ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ عَلَى زِنَاهَا فِي الْغَالِبِ، وَهِيَ لَا تُقِرُّ بِهِ، وَقَوْلُ الزَّوْجِ عَلَيْهَا غَيْرُ مَقْبُولٍ؛ فَلَمْ يَبْقَ سِوَى تَحَالُفِهَا بِأَغْلَظِ الْإِيمَانِ، وَتَأْكِيدِهَا بِدُعَائِهِ عَلَى نَفْسِهِ بِاللَّعْنَةِ وَدُعَائِهَا عَلَى نَفْسِهَا بِالْغَضَبِ إنْ كَانَا كَاذِبَيْنِ.

ص: 194