الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مفهوم
الدولة المدنية
حتى لا تخدعنا الشعارات
منذ عهد الاستعمار الحديث الذي حل بربوع المسلمين، الذي سموه زورا وبهتانا بعصر التنوير، بدأت تطرق آذاننا ألفاظ لمسميات لم نسمع بها من قبل ذلك نحن ولا آباؤنا، من ذلك كلمة «الدولة المدنية» التي يبشر القائلون بها والداعون إليها، بأن كل أزمات المسلمين في العصر الحاضر من الاستبداد السياسي إلى التخلف التقني، إلى الفقر والبطالة وتدني الخدمات، أن كل ذلك سيزول بمجرد أن تتحول دولنا إلى دول مدنية، ولما كانت المنافع المعلقة على هذا التحول منافع كبيرة يحرص كل إنسان يريد الخير لأمته ومجتمعه على الحصول إليها، كان لا بد لنا من معرفة مدلول هذا اللفظ حقيقة قبل قبوله والدعوة إليه، حتى لا نذهب إليه ثم يتبين لنا ما فيه من الفساد العريض، لكن بعد أن يكون فات القطار، فماذا تعني الدولة المدنية؟
هل يراد بالدولة المدنية، التعليم الحديث واستخدام التقنية
المعاصرة في شتى مناحي الحياة والإدارة الحديثة، والتوسع في العمارة وإنشاء الطرق السريعة؟ قد يكون هذا بعض المطلوب، لكن هل هذا هو المطلوب أو كل المطلوب؟ وهل يكفي أم لا بد من شيء آخر؟ وهل الشيء الناقص يعد جوهريا أو ثانويا؟ ولما كان الحديث طويلا متشعبا لكثرة المتكلمين في ذلك فقد لا نتمكن من إيراد كل ما قيل في الموضوع، لكننا نأمل أن تكشف لنا هذه الورقة عن حقيقة ذلك الأمر.
الدولة المدنية في التراث الإسلامي:
بالتقليب في كتبنا السابقة التي تحدثت عن الأحكام السلطانية أو السياسة الشرعية لا نجد لهذا المصطلح وجودا مع أن مفرداته «الدولة» و «المدنية» هي من مفردات لغتنا، مما يتبين معه أن المصطلح مستورد من بيئة غير بيئتنا ـ وهذا في حد ذاته ليس عيبًا، لو كان لا يحمل مضمونا مخالفا لما هو مقرر في ديننا ـ وعليه فإن محاولة البحث عنه في تراثنا لن تُجْدِي شيئًا، وعلينا أن نبحث عن معناه في البيئة التي ورَّدته إلينا ثم ننظر في معناه في تلك البيئة هل يناسبنا فنقبله أم يتعارض مع ديننا فنرفضه؟.
الدولة المدنية في الثقافة الغربية:
هذا مفهوم مترجم ومعرب من الثقافة الغربية الحديثة ويقصد به: «الدولة التي تستقل بشئونها عن هيمنة وتدخل الكنيسة، فالدولة المدنية هي التي تضع قوانينها حسب المصالح والانتخابات والأجهزة والتي في نفس الوقت لا يخضع لتدخلات الكنيسة» والكنيسة في الغرب كانت هي راعية الدين والممثلة له، فاستقلال الدولة المدنية عن تدخل الكنيسة ووضعها للقوانين حسب المصالح، معناه عند القوم استقلالها عن الدين وهو ما يعني أن الدولة المدنية هي الدولة العلمانية.
فمن الناحية التاريخية إذا رجعنا إلى أصل اصطلاحها الغربي، نجد أن للدولة المدنية مفهوما فلسفيًا سياسيًا، مناقضًا للدولة الدينية (الثيوقراطية)، والتي يتأرجح مفهومها (نظريا) بين حكم رجال الدين وتحكيم الدين نفسه في السياسة، بغض النظر عن طبيعة من يحكم به! ويتمثل مفهومها عمليا بتنحية الدين عن السياسية مطلقا، باعتبار الدين هو مجموعة قوانين إلهية مميزة للدولة الدينية.
فكانت الدولة المدنية بمبدئها الرافض لتدخل الدين في
السياسة دولة علمانية. وأنها تمثل عبر التاريخ سواء في الشرق أو الغرب عند دعاتها إطارا سياسيا للعلمانية قابلا لتوظيف أي اتجاه فلسفي إيديولوجي في الحياة بشرط تنحية الدين عن السياسية.
فالحكومة المدنية في الفضاء المعرفي الغربي تعني تنظيم المجتمع وحكمه بالتوافق بين أبنائه بعيدا عن أي سلطة أخرى سواء دينية أو غيرها، أي إن شرط (العلمانية) أساسي في تلك الحكومات.
وهناك من يقابل بين الدولة المدنية والدولة البوليسية فيزعم أن كل دولة ليست مدنية هي دولة بوليسية قائمة على القمع والظلم بغض النظر عن أي انتماء عقدي.
وكلامه هنا يعني أن الدولة الإسلامية دولة بوليسية لا يمكن القبول بها، لأنها من وجهة نظره ليست دولة ديمقراطية فيقول: والدولة المدنية: نقيض الدولة العسكرية، وكل حكم سلطوي قمعي لا يقوم على الأسس الديمقراطية، هو حكم بوليسي سواء كان متسميا باسم الدولة الدينية أو بغيره من الأسماء التي مهما تنوعت.
فإن السلطة التي تحتكر الحكم عن طريق فئة واحدة وفكر