الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بجانبه ببرهان من الشرع ومِن ثَمّ تكون الدولة ضده وإن كان قويًا.
وإذا كانت الدولة الإسلامية دولة قانونية، خاضعة لسلطان الإسلام فإنَّ معنى ذلك أن الحكم الحقيقي والسلطان الحقيقي لمشرِّع هذا الإسلام وهو الله ـ قال تعالى:{إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ} (يوسف: 40).
مقاصد الحكم في الإسلام:
المقصد الأول: حراسة الدين:
ويقصد بالدين هنا بداهة الإسلام، فهو الدين المطلوب حراسته بالحكم. وحراسته تعني شيئين: حفظه وتنفيذه.
أولًا: حفظه:
وحفظ الإسلام يعني إبقاء حقائقه ومعانيه ونشرها بين الناس كما بلغها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وسار عليها صحابته الكرام رضي الله عنهم ونقلوها إلى الناس من بعده.
وعلى هذا لا يجوز أي تبديل أو تحريف في هذه الحقائق والمعاني؛ لأن التحريف والتبديل يدخلان في نطاق الابتداع المذموم في دين الله.
ولا يجوز التردد أبدًا في منع التبديل والتحريف بحجة حق الفرد في إبداء الرأي وحرية الفكر والاجتهاد؛ لأن الفرد إن كان مسلمًا فليس من حقه أن يبدل دين الله، وإذا اختار لنفسه الضلالة ولعقيدته الفساد فليس من حقه أبدًا أن يضل الآخرين أو يفسد عقائدهم.
وإن كان الفرد غير مسلم فليس من حقه أبدًا أن يخرج على نظام دار الإسلام ويشوه حقائق الإسلام وإلا كان ناقضًا لعقد الذمة.
ومع هذا فقد يقع المسلم في زيغ أو شبهة أو خطأ، نتيجة فهم سقيم أو تضليل خبيث فيجب على ولي الأمر ـ الخليفة أو نائبه ـ، أن يعمل على كشف الشبهة وإظهار الصواب بالدليل والبرهان حتى يظهر الحق وتقوم الحجة، فإن أصر المبطل على باطله وسعى ِإلى نشره في الناس منع من ذلك وأقيم عليه ما يوجبه الشرع.
ومِن لوازم حفظ الدين تحصين الثغور بالعدة المانعة والقوة الدافعة حتى لا تظهر الأعداء بغرة ينتهكون فيها محرمًا ويسفكون فيها لمسلم أو معاهدًا دمًا، والحقيقة أن دفع الأعداء عن دار
الإسلام ضروري لحفظ الدين وبقائه؛ لأن استيلاء الكفرة على دار الإسلام ضياع للإسلام وطمس لحقائقه وفتنة عظيمة للمسلمين وزعزعة لعقائدهم بسبب حكم الكفرة له وما يبذلونه لصرف المسلمين عن دينهم الحق بالوعد والوعيد والتلبيس والخداع والتضليل.
بل نستطيع القول إن من لوازم وتمام حفظ الدين إعلاءه وإظهاره على جميع أنظمة الكفر حتى لا يبقى للباطل حكم قائم ولا راية مرفوعة.
ثانيًا: تنفيذ الدين:
وأما تنفيذ الدين، الإسلام، وهو المظهر الثاني لحراسته، فيتحقق في أمور منها: تطبيق أحكامه في سائر معاملات الناس وعلاقاتهم فيما بينهم، وفي علاقاتهم مع الدولة، وفي علاقة الدولة ـ دار الإسلام ـ مع غيرها من الدول.
ومنها: حمل الناس على الوقوف عند حدود الله والطاعة لأوامره وترغيبهم في ذلك ومعاقبة المخالفين بالعقوبات الشرعية.
ومنها إزالة المفاسد والمنكرات من المجتمع كما يقضي به الإسلام، إذ لا يمكن الادعاء بحفظ الدين مع ترك المفاسد والمنكرات بلا إنكار ولا إزالة مع توفر القدرة على ذلك.
وقد أشار القرآن الكريم إلى هذا المقصد من مقاصد الحكم الإسلامي، قال تعالى:{الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ (41)} (الحج: 41).
المقصد الثاني: سياسة الدنيا بالدين:
إن هذا المقصد يعني أن الدنيا داخلة في نطاق الدين، محكومة به، غير خارجة عنه.
والقول الجامع في سياسة الدنيا بالدين هو إدارة شؤون الدولة والرعية على وجه يحقق المصلحة ويدرأ المفسدة، وهذا يتم إذا كانت إدارة شؤون الحياة وفقًا لقواعد الشريعة ومبادئها وأحكامها المنصوص عليها أو المستنبطة منها وفقًا لقواعد الاجتهاد السليم. فهذه هي السياسة الشرعية لأمور الدنيا بالدين.