الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كان مشروعاً للجميع حتى يقتدي بهم من عرف أحوالهم وأعمالهم، والوتر أقله ركعة بين العشاء والفجر، وهو سبحانه وتر يحب الوتر، ويحب ما يوافق صفاته، فهو صبور يحب الصابرين، بخلاف العزة والعظمة، فالعباد يأخذون من صفاته ما يناسب العبد من كرم وجود وإحسان)) (1).
3 - وقت صلاة الوتر:
جميع أوقات الليل بعد صلاة العشاء على النحو الآتي:
أ- وقت الوتر الشامل: ما بين صلاة العشاء إلى طلوع الفجر الثاني؛ لحديث عبد الله بن عمرو بن العاص عن أبي بصرة الغفاري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الله عز وجل زادكم صلاة وهي الوتر، فصلُّوها فيما بين صلاة العشاء إلى صلاة الفجر)) (2). فظهر من هذا الحديث أن وقت الوتر ما
(1) سمعته من سماحته – رحمه الله – أثناء تقريره على بلوغ المرام، الحديث رقم 405.
(2)
أحمد في المسند، 6/ 397، و2/ 180، 206، 208، وصححه الألباني في إرواء الغليل، 2/ 258.
قلت: وله شاهد عن معاذ بن جبل رضي الله عنه في مسند أحمد، 5/ 242.
بين صلاة العشاء والفجر، وسواء صلى المسلم العشاء في وقتها أو صلاها مجموعة إلى المغرب جمع تقديم؛ فإن وقت الوتر يدخل من حين أن يصلي العشاء (1).
وقد ثبتت الأحاديث الصحيحة بتوكيد ذلك من فعل النبي صلى الله عليه وسلم وقوله، فعن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت:((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي فيما بين أن يفرغ من صلاة العشاء - وهي التي يدعو الناس العتمة - إلى الفجر إحدى عشرة ركعة، يسلِّم بين كل ركعتين، ويوتر بواحدة، فإذا سكت المؤذن من صلاة الفجر وتبين له الفجر وجاءه المؤذن قام فركع ركعتين خفيفتين، ثم اضطجع على شقه الأيمن حتى يأتيه المؤذن للإقامة)) (2).
وقد حدد النبي صلى الله عليه وسلم آخر وقت الوتر، فعن أبي سعيد رضي الله عنه
(1) انظر: المغني لابن قدامة، 2/ 595، وحاشية الروض المربع لابن قاسم، 2/ 184، وسمعت الإمام عبد العزيز بن عبد الله ابن باز – رحمه الله – يقول أثناء تقريره على الروض المربع، 2/ 184:((وقت الوتر يبدأ بعد صلاة العشاء ولو مجموعة مع المغرب تقديماً إلى طلوع الفجر))، وانظر: الشرح الممتع لابن عثيمين، 3/ 15.
(2)
مسلم، كتاب صلاة المسافرين، باب صلاة الليل وعدد ركعات النبي صلى الله عليه وسلم في الليل وأن الوتر ركعة وأن الركعة صلاة صحيحة، برقم، 736.
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((أوتروا قبل أن تُصبحوا)). وفي رواية: ((أوتروا قبل الصبح)) (1).
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((بادروا الصبح بالوتر)) (2). وهذا يدل على مسابقة طلوع الفجر بالوتر بأن يوقع الوتر قبل دخوله؛ ولهذا ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: ((صلاة الليل مثنى مثنى فإذا خشي أحدكم الصبح صلى ركعة واحدة توتر له ما قد صلَّى)) (3). وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من أدرك الصبح فلم يوتر فلا وتر له)) (4).
(1) مسلم، كتاب صلاة المسافرين، باب صلاة الليل مثنى مثنى والوتر ركعة من آخر الليل، برقم 754.
(2)
مسلم، كتاب صلاة المسافرين، باب صلاة الليل مثنى مثنى والوتر ركعة من آخر الليل، برقم 750.
(3)
متفق عليه: البخاري، كتاب الوتر، باب ما جاء في الوتر، برقم 990، ومسلم، كتاب صلاة المسافرين، باب صلاة الليل مثنى مثنى، والوتر ركعة من آخر الليل، برقم 749.
(4)
ابن حبان في صحيحه [الإحسان، 6/ 168، برقم 2408]، وابن خزيمة في صحيحه، 2/ 148، برقم 1092، والحاكم في المستدرك، 1/ 301 - 302، وصححه ووافقه الذهبي، وأخرجه البيهقي، 2/ 478، وصحح إسناده الألباني في الحاشية على صحيح ابن خزيمة، 2/ 148، وصححه شعيب الأرنؤوط في تخريجه لصحيح ابن حبان، 6/ 169.
ويؤكد ذلك حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا طلع الفجر فقد ذهب كلُّ صلاة الليل والوتر، فأوتروا قبل طلوع الفجر)) (1). قال الإمام الترمذي
رحمه الله: ((وهو قول غير واحد من أهل العلم، وبه يقول الشافعي، وأحمد، وإسحاق لايرون الوتر بعد صلاة الصبح)) (2).
ويزيد ذلك وضوحاً فعل النبي صلى الله عليه وسلم، فإن آخر وتره السحر؛ لحديث عائشة رضي الله عنها قالت:((من كل الليل قد أوتر رسول الله صلى الله عليه وسلم، من أول الليل، وأوسطه، وآخره، فانتهى وتره إلى السحر)) (3)، فظهر في جميع هذه الأحاديث أن وقت الوتر يبدأ بعد الانتهاء من صلاة العشاء،
(1) الترمذي، كتاب الصلاة، باب ما جاء في مبادرة الصبح بالوتر، برقم 469، وصححه الألباني في صحيح الترمذي، 1/ 146، وانظر: إرواء الغليل، 2/ 154.
(2)
سنن الترمذي، 2/ 333، آخر الحديث رقم 469.
(3)
متفق عليه: البخاري، كتاب الوتر، باب ساعات الوتر، برقم 996، ومسلم، بلفظه في كتاب صلاة المسافرين، باب صلاة الليل وعدد ركعات النبي صلى الله عليه وسلم في الليل وأن الوتر ركعة، برقم 745.
وينتهي بطلوع الفجر الثاني، ولا قول لأحد بعد قول رسول الله صلى الله عليه وسلم (1).
ب- الوتر قبل النوم مستحب لمن ظن أن لا يستيقظ آخر الليل؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: ((أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم بثلاث [لا أدعهن حتى أموت] صيام ثلاثة أيام من كل شهر، وركعتي الضحى، وأن أوتر قبل أن أنام)) (2)؛
(1) وهذا يرد قول من قال بجواز الإيتار بعد طلوع الفجر من السلف الصالح، كما ذكر عن عبد الله بن عباس، وعبادة بن الصامت، والقاسم بن محمد، وعبد الله بن عامر بن ربيعة، وعبد الله بن مسعود رضي الله عنهم أنهم كانوا يوترون بعد طلوع الفجر إذا فاتهم الوتر قبل الفجر، ثم يصلون الفجر بعد الوتر. انظر: موطأ الإمام مالك، كتاب الوتر، باب الوتر بعد الفجر، 2/ 126، وعن علي، وأبي الدرداء، وغيرهم، انظر: المصنف لابن شيبة، 2/ 286، ومسند أحمد، 6/ 242 - 223، وإرواء الغليل، 2/ 155، والشرح الممتع لابن عثيمين، 3/ 17، ومجموع فتاوى ابن باز، 11/ 305 - 308، قال الإمام مالك في الموطأ يعتذر لهؤلاء:((وإنما يوتر بعد الفجر من نام عن الوتر ولا ينبغي لأحد أن يتعمد ذلك حتى يضع وتره بعد الفجر))، 2/ 127. وانظر جامع الأصول، 6/ 59 - 61. وقال العلامة ابن عثيمين: ((فإذا طلع الفجر فلا وتر، وأما ما يروى عن بعض السلف أنه كان يوتر بين أذان الفجر وإقامة الفجر، فإنه عمل مخالف لما تقتضيه السنة ولا حجة في قول أحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم)) الشرح الممتع، 3/ 16.
(2)
متفق عليه: البخاري، كتاب الصوم، باب صيام البيض: ثلاث عشرة وأربع عشرة، وخمس عشرة، برقم 1981، وما بين المعقوفين من الطرف رقم 1178، ومسلم، كتاب صلاة المسافرين، باب استحباب صلاة الضحى، برقم 721.
ولحديث أبي الدرداء رضي الله عنه قال: ((أوصاني حبيبي صلى الله عليه وسلم بثلاث، لن أدعهن ما عشت، بصيام ثلاثة أيام من كل شهر، وصلاة الضحى، وبأن لا أنام حتى أوتر)) (1). قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: ((وفيه استحباب تقديم الوتر على النوم، وذلك في حق من لم يثق بالاستيقاظ، ويتناول من يصلي بين النومين)) (2).
ومما يدل على أن الأمر على حسب أحوال الأشخاص وقدراتهم ما ثبت من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر: ((أيَّ حين توتر؟)) قال: أول الليل بعد العتمة، قال:((فأنتَ يا عمر؟))، فقال: آخر الليل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:((أما أنت يا أبا بكر فأخذت بالوثقى، وأما أنت يا عمر فأخذت بالقوة)) (3). وحديث
(1) مسلم، كتاب صلاة المسافرين، باب استحباب صلاة الضحى، برقم 722.
(2)
فتح الباري، 3/ 57.
(3)
ابن ماجه، كتاب إقامة الصلاة، باب ما جاء في الوتر أول الليل، برقم 1202، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه، 1/ 198.
أبي قتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي بكر: ((متى توتر؟)) قال: أوتر من أول الليل، وقال لعمر:((متى توتر؟))، فقال: آخر الليل، فقال لأبي بكر:((أخذ هذا بالحزم))، وقال لعمر:((أخذ هذا بالقوة)) (1).
ج- الوتر في آخر الليل أفضل لمن وثق بالاستيقاظ؛ لحديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من خاف أن لا يقوم من آخر الليل فليوتر أوله، ومن طمع أن يقوم آخره فليوتر آخر الليل؛ فإن صلاة آخر الليل مشهودة (2)، وذلك أفضل)). وفي رواية ((
…
ومن وثق بقيام من الليل فليوتر من آخره؛ فإن قراءة آخر الليل محضورة، وذلك أفضل)) (3). قال الإمام النووي - رحمه
(1) أبو داود، كتاب الوتر، باب في الوتر قبل النوم، برقم 1434، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 1/ 268.
(2)
مشهودة: أي تشهدها ملائكة الرحمة، وفيه دليلان صريحان على تفضيل صلاة الوتر وغيره آخر الليل. شرح النووي على صحيح مسلم، 6/ 281، وقيل: مشهودة محضورة: تشهدها ملائكة الليل والنهار، وتحضرها هذه صاعدة وهذه نازلة. جامع الأصول لابن الأثير، 6/ 58.
(3)
مسلم، كتاب صلاة المسافرين، باب من خاف أن لا يقوم من آخر الليل فليوتر أوله، برقم 755.
الله -: ((فيه دليل صريح على أن تأخير الوتر إلى آخر الليل أفضل، لمن وثق بالاستيقاظ آخر الليل، وأن من لا يثق بذلك فالتقديم له أفضل، وهذا هو الصواب، ويحمل باقي الأحاديث المطلقة على هذا التفصيل الصحيح الصريح، فمن ذلك حديث: ((أوصاني خليلي أن لا أنام إلا على وتر)). وهو محمول على من لا يثق بالاستيقاظ)) (1).
ومما يؤكد استحباب الوتر آخر الليل ما ثبت عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((ينزل ربنا تبارك وتعالى كلَّ ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول: من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني فأُعطيَهُ؟ من يستغفرني فأغفرَ له؟)) (2). وفي رواية لمسلم: ((فلا يزال كذلك حتى يضيء الفجر)) (3). وفي لفظ مسلم: ((
…
هل من
(1) شرح النووي على صحيح مسلم، 6/ 281.
(2)
متفق عليه: البخاري، كتاب التهجد، باب الدعاء والصلاة من آخر الليل، برقم 1145، وطرفاه برقم 6321، 7494، ومسلم، كتاب صلاة المسافرين، باب الترغيب في الدعاء والذكر في آخر الليل والإجابة فيه، برقم758.
(3)
مسلم، برقم169 - (758).