الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث إلا من طريق محمد بن فضيل بهذا الإسناد، ولما ذكر تخريج الترمذي له وقوله عقبه: حسن صحيح غريب قال الحافظ ابن حجر: قلت وجه الغرابة فيه ما ذكرته من تفرد محمد بن فضيل وشيخه وشيخ شيخه وصحابيه انتهى. ومثل هذا الحديث في ذلك الحديث الذي جعله البخاري رحمه الله فاتحة كتابه وهو حديث: إنما الأعمال بالنيات، فانه فرد مطلق أيضا، تفرد بروايته عن عمر علقمة بن وقاص الليثي، وتفرد به عن علقمة محمد بن إبراهيم التيمي، وتفرد به عن محمد بن إبراهيم يحي بن سعيد الأنصاري، ثم اشتهر عن يحمى ابن سعيد، ففاتحة صحيح البخاري فرد مطلق وخاتمته فرد مطلق.
6-
حديث أبى هريرة رضي الله عنه هذا هو آخر حديث أورده البخاري في الجامع الصحيح، فهو خاتمة صحيحه، وقد تبعه بعض المصنفين في الحديث: في جعله خاتمة كتبهم، ومن هؤلاء الحافظ المنذري ختم به كتابه الترغيب والترهيب، ومنهم الحافظ ابن حجر العسقلاني ختم به كتابه بلوغ المرام من أدلة الأحكام.
المبحث الرابع: شرح الحديث
.
1-
قوله: "كلمتان حبيبتان إلى الرحمن الخ" كلمتان خبر مقدم مبتدؤه. سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم، والنكتة في تقديم الخبر تشويق السامع إلى المبتدأ، وكلما طال الكلام في وصف الخبر حسن تقديمه، لأن كثرة الأوصاف الجميلة تزيد السامع شوقا، قاله الحافظ ابن حجر في فتح الباري.
2-
أوصاف الخبر الثلاثة حبيبتان وخفيفتان وثقيلتان.. الأول حبيبة بمعنى محبوبة والثاني والثالث فعيلة بمعنى فاعلة.
3-
قوله: "حبيبتان إلى الرحمن" قال الحافظ ابن حجر: وخص لفظ الرحمن بالذكر لأن المقصود من الحديث بيان سعة رحمة الله تعالى على عباده حيث يجازى على العمل القليل بالثواب الجزيل.
4-
قوله: "خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان" قال الحافظ ابن
حجر: وصفهما بالخفة والثقل لبيان قلة العمل وكثرة الثواب.
5-
قوله: "ثقيلتان في الميزان" هو من نصوص الوعد التي يعول عليها المرجئة معرضين عن نصوص الوعيد، ويقابلهم الخوارج والمعتزلة الذين يغلبون نصوص الوعيد ويغفلون عن نصوص الوعد، ومذهب أهل السنة والجماعة وسط بين الطرفين المتناقضين، طرف الإفراط وطرف التفريط، فهم يأخذون بنصوص الوعد والوعيد معا، يجمعون بين الخوف والرجاء، ولا يقولون كما تقول المرجئة: إنه لا يضر مع الإيمان ذنب كما لا ينفع مع الكفر طاعة، ولا يقولون كما تقول الخوارج والمعتزلة بخروج مرتكب الكبيرة من الإيمان في الدنيا وخلوده في النار في الآخرة وإنما يرون أن العاصي مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته فليس عندهم من أهل الإيمان المطلق (الكامل) ولا يمنعونه مطلق الاسم، بل هو مؤمن ناقص الإيمان، هذا حكمه عندهم في الدنيا، أما في الآخرة فكل ذنب دون الشرك فأمر صاحبه إلى الله إن شاء عفا عنه وأدخله الجنة من أول وهلة، وإن شاء عذبه في النار عقوبة لجريمته ثم يخرجه منها ويدخله الجنة، فماله إلى الجنة ولابد، ولهذا يجمع الله بين الترغيب والترهيب في كتابه العزيز فيقول {نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الأَلِيمُ} ويقول {إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} ويقول {اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} يرشد بذلك عباده إلى أن يخافوه ويرجوه، فلا يأمنون مكر الله لرجائهم المجرد عن الخوف، ولا يقنطون من رحمته لخوفهم المجرد عن الرجاء، بل كما قال الله تعالى عن أوليائه {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} وقال تعالى {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ}
وقد نقل الحافظ ابن حجر في شرحه لهذا الحديث عن ابن بطال أنه قال: هذه الفضائل الواردة في فضل الذكر إنما هي لأهل الشرف في الدين والكمال كالطهارة من الحزام والمعاصي العظام فلا تظن أن من أدمن الذكر
وأصر على ما شاءه من شهواته وانتهك دين الله وحرماته أنه يلتحق بالمطهرين المقدسين ويبلغ منازلهم بكلام أجراه على لسانه ليس معه تقوى ولا عمل صالح انتهى.
6-
قوله: "سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم" المعنى أنزه الله عن كل، مما لا يليق به قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري: وسبحان اسم منصوب على أنه واقع موقع المصدر لفعل محذوف تقديره: سبحت الله سبحانا كسبحت الله تسبيحا، ولا يستعمل غالبا إلا مضافا وهو مضاف إلى المفعول أي سبحت الله، ويجوز أن يكون مضافا إلى الفاعل أي نزه الله نفسه، والمشهور الأول، وقد جاء غير مضاف في الشعر كقوله: سبحانه ثم سبحانا أنزهه
وقال في قوله: "وبحمده" قيل الواو للحال والتقدير أسبح الله متلبسا بحمدي له من أجل توفيقه، وقيل عاطفة، والتقدير أسبح الله وأتلبس بحمده.
7-
قوله: "سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم" قال الحافظ ابن حجر فيما نقله عن شيخه أبى حفص عمر البلقيني في أواخر مقدمة الفتح قال: وهاتان الكلمتان معنا هما جاء في ختام دعاء أهل الجنان لقوله تعالى {دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} .
8-
من فقه الحديث، وما يستنبط منه:
1-
الحث على المواظبة على هذا الذكر والتحريض على ملازمته.
2-
إثبات صفة المحبة لله تعالى.
3-
الجمع بين تنزيه الله تعالى والثناء عليه في الدعاء.
4-
بيان الرسول صلى الله عليه وسلم لأمته الأسباب التي تقربهم إلى الله وتثقل موازينهم في الدار الآخرة.
5-
إثبات الميزان وجاء في بعض النصوص إثبات أن له كفتين.
6-
إثبات وزن أعمال العباد.
7-
التنبيه على سعة رحمة الله حيث يجازى على العمل القليل بالثواب الجزيل.
8-
الإشارة بخفة هاتين الكلمتين على اللسان إلى أن التكاليف شاقة
على النفس، ومن أجل ذلك قال صلى الله عليه وسلم: "حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات.
وقد جاء عن بعض السلف التعليل لثقل الحسنة وخفة السيئة فقال: لأن الحسنة حضرت مرارتها وغابت حلاوتها فلذلك ثقلت فلا يحملنك ثقلها على تركها، والسيئة حضرت حلاوتها وغابت مرارتها فلذلك خفت، فلا تحملنك خفتها على ارتكابها.
9-
إطلاق الكلمة مراداً بها الكلام.
10-
جواز السجع إذا وقع بغير كلفة.
11-
إيراد الحكم المرغب في فعله بلفظ الخبر لأن المقصود من سياق هذا الحديث الأمر بملازمة الذكر المذكور.
12-
الإشارة إلى امتثال قوله تعالى {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّك} .
هذا ما يسر الله صلى الله عليه وسلم وتحريره من الكلام على عشرين حديثا من صحيح الإمام أبى عبد الله محمد لن إسماعيلي البخاري، والتمهيد لها بتحريف موجز بالإمام البخاري وصحيحه والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
وكان الفراغ من ذلك في يوم السبت الموافق الحادي عشر من شهر صفر
سنة تسعين بعد الثلاثمائة والألف من الهجرة في المدينة المنورة على ساكنها أفضل الصلاة والسلام.
اللهم اجعلنا ممن أردت به الخير ففقهته في دينك، فسار على النهج القويم الذي بعثت به رسولك الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، اللهم أجرنا من مضلات الفتن ما ظهر منها وما بطن واختم لنا هذه الحياة بخاتمة السعادة، واجعلنا اللهم ممن يثقل ميزنه بالحسنات، إنك جواد كريم ملك بر رؤوف رحيم وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.