الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الرابع: شرح الحديث
.
1-
قوله: "ألا إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم" ورد النهي عن الحلف بغير الله على صيغ مختلفة هذا أحدها.
ومنها قوله صلى الله عليه وسلم: " لا تحلفوا بآبائكم".
ومنها قوله: "ألا من كان حالفا فلا يحلف إلا بالله".
ومنها قوله: "لا تحلفوا بآبائكم ولا بأمهاتكم، ولا بأمهاتكم، ولا بالأنداد، ولا تحلفوا إلا بالله، ولا تحلفوا إلا وأنتم صادقون".
ومنها قول ابن عمر رضي الله عنه: لا تحلف بغير الله، فإني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول:"من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك".
2-
قوله: "من كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت " قال في الفتح: قال العلماء السر في النهي عن الحلف بغير الله أن الحلف بالشيء يقتضى تعظيمه، والعظمة في الحقيقة إنما هي لله وحده، وظاهر الحديث تخصيص الحلف بالله خاصة لكن قد اتفق الفقهاء أن اليمين تنعقد بالله وذاته وصفاته العلية وقال: وكأن المراد بقوله (بالله) الذات لا خصوص لفظ الله.
3-
السر في التنصيص على الآباء ومنع الحلف بهم مع أن الحكم شامل ولغيرهم أن الحلف بالآباء هو سبب الحديث، ولكونه عادة جاهلية كما في رواية البخاري في باب أيام الجاهلية ولفظه "ألا من كان حالفا فلا يحلف إلا بالله"، فكانت قريش تحلف بآبائها فقال:"لا تحلفوا بآبائكم".
4-
النهي عن الحلف بغير الله لا يعارضه ما ورد في القرآن من إقسامه تعالى ببعض مخلوقاته، فذاك خاص له سبحانه فهو سبحانه يقسم في كتايه بنفسه وبما شاء. من مخلوقاته وليس لغيره أن يقسم إلا به "من كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت".
5-
النهي عن الحلف بغير الله قد يعارضه ما ورد في حديث "أفلح وأبيه إن صدق"؟ والجواب عن ذلك ما قاله الحافظ ابن حجر في الفتح بعد إشارته إلى الحديث المشار إليه قال فان قيل ما الجامع بين هذا وبين النهي عن الحلف بالآباء؟ أجيب بأن ذلك كان قبل النهي أو بأنها كلمة جارية على اللسان لا يقصد بها الحلف كما جرى على لسانهم عقري حلقي. وما أشبه ذلك ثم ذكر وجوها أخرى وقال: وأقوى الأجوبة الأولان.
6-
جاء عن سلف هذه الأمة ما يبين سلامتهم من الحلف بغير الله وبعدهم عن التعلق بغيره سبحانه وبيان خطورة هذا الأمر، فأمير المؤمنين عمر ابن الخطاب رضي الله عنه يقول بعد أن قال له الرسول صلى الله عليه وسلم ما قال: فوالله ما حلفت بها منذ سمعت النبي صلى الله عليه وسلم ذاكرا ولا آثرا.
وقال الحافظ ابن حجر في الفتح: قال الشعبي: لأن أقسم بالله فأحنث أحب إلى من أن أحلف بغيره فأبر، ثم قال: وجاء مثله عن ابن عباس وابن مسعود وابن عمر.
وقال الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في كتاب التوحيد الذي هو حق الله على العبيد، في باب قول الله تعالى:{فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} قال: وقال ابن مسعود: لأن أحلف بالله كاذبا أحب إلي من أن أحلف بغيره صادقا
وقال حفيده الشيخ عبد الرحمن بن حسن في كتاب فتح المجيد: ومن المعلوم أن الحلف بالله كاذبا كبيرة من الكبائر لكن الشرك أكبر من الكبائر وإن كان أصغر، فإذا كان هذا حال الشرك الأصغر فكيف بالشرك الأكبر الموجب للخلود بالنار كدعوة غير الله والاستغاثة به والرغبة إليه وإنزال حوائجه به.
وقال حفيده الشيخ سليمان بن عبد الله في كتاب تيسير العزيز الحميد: وإنما رجح ابن مسعود رضي الله عنه الحلف بالله كاذبا على الحلف بغيره صادقا لأن الحلف بالله توحيد والحلف بغيره شرك، وإن قدر الصدق في الحلف بغير الله فحسنة التوحيد أعظم من حسنة الصدق، وسيئة الكذب أسهل من سيئة
الشرك، ذكره شيخ الإسلام يعنى ابن تيمية، ثم قال: وفيه دليل على أن الحلف بغير الله صادقا أعظم من اليمين الغموس، وفيه دليل على أن الشرك الأصغر أكبر من الكبائر، وفيه شاهد للقاعدة المشهورة وهى: ارتكاب أقل الشرين ضررا إذا كان لابد من أحدهما انتهى.
وهذا الأثر الذي أورده الشيخ محمد بن عبد الوهاب في كتاب التوحيد عن ابن مسعود رضي الله عنه قد ذكره الحافظ المنذري في كتاب الترغيب والترهيب في باب الترهيب من الحلف بغير الله فقال: وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: لأن أحلف بالله كاذبا أحب إلي من أن أحلف بغيره وأنا صادق، ثم قال: رواه الطبراني موقوفا ورواته رواة الصحيح.
7-
من فقه الحديث، وما يستنبط منه:
1-
النهي عن الحلف بالآباء وبكل من سوى الله.
2-
وجوب قمر الحلف على أن يكون بالله.
3-
قضاء الإسلام على العادات المذمومة في الجاهلية.
4-
الإشارة إلى عدم الإكثار من اليمين حيث قال: من كان حالفا.
5-
أن الإنسان عند الحلف أمامه أمران لا ثالث لهما: إما الحلف
بالله،. وإما السكوت وعدم الحلف بغيره ولو كان ذلك الغير بالغا من التعظيم اللائق به ما بلغ كأنبياء الله ورسله وملائكته والكعبة فلا يجوز أن يقول المسلم ق حلفه: والنبي، وجبريل، والكعبة، وبيت الله، وحياتي، وحياتك، وحياة فلأن وغير ذلك من المخلوقات لأن الحلف بغير الله لا يرضاه الله ولا يرضاه رسوله صلى الله عليه وسلم بل جاءت سنة المصطفي صلوات الله وسلامه عليه بتحريمه والتحذير منه وتقدم في الكلام على هذا الحديث ذكر بعض الأحاديث الصريحة في ذلك، وقد قال الله تعالى:{وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} وقد نهانا صلوات الله وسلامه عليه أن نحلف بغير الله فيتحتم علينا
الإنتها عن ذلك، وقال سبحانه وتعالى:{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً} وقال تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} الهم أرنا الحق حقا ًووفقنا لإتباعه وارنا باطلا ووفقنا لاجتنابه ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل.