الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الغرض من ذلك الإشارة إلى تعدد الطرق إلى همام، وأمر آخر وهو أن الثلاثة الذين رووا الحديث عن همام وهم حبان بن هلال ومحمد بن سنان وموسى بن إسماعيل بصريون، وحبان أشدهم تثبتا، قال فيه الإمام أحمد كما في تهذيب التهذيب: إليه المنتهي في التثبت بالبصرة انتهى. وقد روى الحديث عنه عبد الله بن محمد المسندي شيخ البخاري وقد قال عنه الحافظ ابن حجر في مقدمة الفتح: وهو من نبلاء مشايخه وإن كان قد لقي من هو أعلى إسنادا منه.
13-
صحابي الحديث هو أفضل البشر بعد الأنبياء والمرسلين. وقد اشتهر بكنيته كما اشتهر أبوه بالكنية فهو يعرف بأبي بكر بن أبى قحافه واسمه عبد الله واسم أبيه عثمان. وقد أسلم أبواه وأولاده رضي الله عنهم وعن سائر الصحابة أجمعين ومن تبعهم بإحسان.
المبحث الرابع، شرح الحديث:
1-
قول أبى بكر رضي الله عنه "كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في الغار" هو غار في جبل ثور، وذلك حين هاجرا من مكة إلى المدينة وقد نوه الله بذلك في كتابه العزيز فقال:{إِلاّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} وقد ورد ذكر ذلك في عدة أحاديث غير هذا الحديث منها حديث عائشة رضي الله عنها أخرجه البخاري في باب هجرة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى المدينة وفيه قالت: فلحق النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر بغار في جبل ثور فكمنا فيه ثلاث ليال، ومنها حديث أبى سعيد في قصة بعث أبى بكر إلى الحج، أخرجه ابن حبان وفيه:"أنت أخي وصاحبي في الغار". ومنها حديث ابن عباس في قصته مع ابن الزبير أخرجه البخاري في التفسير وفيه قول ابن عباس يعنى ابن الزبير: وأما جده فصاحب الغار، يريد أبا بكر رضي الله عنه ح ومنها حديث ابن عباس أيضاً أخرجه أحمد والحاكم من طريق عمرو بن ميمون عنه قال: كان المشركون يرمون عليا وهم يظنون أنه النبي صلى الله عليه وسلم فجاء أبو بكر فقال: يا رسول الله فقال له على: إنه انطلق
نحو بئر ميمون فأدركه قال: فانطلق أبو بكر فدخل معه الغار وروى عبد الله ابن أحمد في زيادات المسند عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبو بكر صاحبي ومؤنسي في الغار. الحديث ورجاله ثقات كما قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري. وقد ذكر جميع هذه الأحاديث فيه. وقال في ترجمته في الإصابة: والأحاديث في كونه كان معه في الغار كثيرة شهيرة ولم يشركه في هذه المنقبة غيره.
2-
قوله: فرأيت آثار المشركين، قلت: يا رسول الله لو أن أحدهم رفع قدمه رآنا، قال الحافظ. في الفتح: فيه مجيء "لو" الشرطية للاستقبال خلافا للأكثر واستدل من جوزه بمجيء الفعل المضارع بعدها كقوله: {لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ} وعلى هذا فيكون قاله حالة وقوفهم على الغار وعلى القول الأكثر يكون قاله بعد مضيهم شكراً لله تعالى على صيانتهما منهم.
3-
قوله: "ما ظنك باثنين، الله ثالثهما". قال الحافظ في الفتح: ومعنى ثالثهما ناصر هما ومعينهما وإلاّ فالله ثالث كل اثنين بعلمه، وقال النووي في شرح صحيح مسلم: معناه ثالثهما بالنصر والمعونة والحفظ والتسديد، وهو داخل في قوله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ} .
4-
من فقه الحديث وما يستنبط منه:
1-
في الحديث منقبة عظيمة لأبى بكر الصديق رضي الله عنه، قال النووي: وهي من أجل مناقبه، والفضيلة من أوجه: منها هذا اللفظ- يعنى ما ظنك باثنين الله ثالثهما- ومنها بذله نفسه ومفارقة أهله في طاعة الله تعالى ورسوله وملازمته النبي لصلى الله عليه وسلم ومعاداة الناس فيه، وصنها جعله نفسه وقاية عنه، وغير ذلك.
2-
بيان عظيم توكل النبي صلى الله عليه وسلم على ربه تعالى.
3-
بيان مدى شدة عداوة المشركين لرسول الله صلى الله عليه وسلم وإيذائهم له وحرصهم على قتله
4-
الأخذ بأسباب السلامة والاحتياط في ذلك، حيث كمن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبه في الغار.
5-
اتخاذ الرفيق في السفر واختياره من ذوى الفضل والصلاح.
6-
عناية الصاحب بصاحبه وطمأنته إياه وإدخاله السرور عليه.
7-
تسلية المقتفين لآثار المصطفي صلى الله عليه وسلم، وحثهم على الصبر على ما يلاقونه في سبيل نشر الدعوة تأسيا برسول الله صلى الله عليه وسلم.
8-
أن الداعي إلى الحق عرضة للأذى، وأن طريق الحق ليس مفروشا بالورد، بل الأمر كما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات.
9-
أن العاقبة لمن اتقى الله وأن الله ناصر من نصر دينه وأن الله مع أوليائه بالنصر والتأييد.
10-
تأدب أبى بكر رضي الله عنه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث عبر "بمع " الدالة على التبعية في قوله رضي الله عنه: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في الغار.
11-
تحدث الإنسان عما يجرى له ولأصحابه في السفر وغيره وذلك فيما إذا لم يكن هناك ما يستدعى الكتمان.
12-
في الحديث إثبات المعية لله تعالى، وهي على نوعين: معية عامة شاملة لجميع المخلوقات وهي المعية بالعلم، وقد دل على ذلك أدلة كثيرة منها قوله تعالى:{مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلاّ هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلاّ هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلاّ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} النوع الثاني معية خاصة وهي معية الله لرسله وأوليائه بالنصر والتأييد وأدلة هذا النوع كثيرة منها قوله تعالى فيما حكاه عن نبيه صلى الله عليه وسلم وصاحبه في الغار {لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} وقوله تعالى:
{إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ} وقوله: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} وقوله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث: "ما ظنك باثنين الله ثالثهما ".
وهذه النصوص لا تنافي النصوص الكثيرة الدالة على علوه وفوقيته فهو مع المخلوقات بعلمه ومع أوليائه بنصره وتأييده، وهو مستو على عرشه استواء يليق به، وقد جمع الله بين الاستواء على العرش ومعيته بعلمه لخلقه في قوله:{هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} .