الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولِيُتَبِّرُوا يُدَمِّرُوا مَا عَلَوْا مَا غُلِبُوا
أَشَارَ بِهِ إِلَى مَا فِي قَوْله تَعَالَى: {وليتبروا مَا علو تتبيراً} (الْإِسْرَاء: 7) . وَفسّر: ليتبروا، بقوله: يدمروا من التدمير من الدمار وَهُوَ الْهَلَاك، يُقَال: دمره تدميراً وَدَمرَ عَلَيْهِ بِمَعْنى، وَفسّر قَوْله: مَا علوا، بقوله: غلبوا، وَذكر هَذَا بطرِيق الإستطراد.
6043 -
حدَّثنا يَحْيَى بنُ بُكَيْرٍ حدَّثنا اللَّيْثُ عنْ يُونُسَ عنِ ابنِ شِهَابٍ عنْ أبِي سَلَمَةَ بنِ عَبْدِ الرَّحْمانِ أنَّ جابِرَ بنَ عَبْدِ الله رَضِي الله تَعَالَى عنهُما قَالَ كُنَّا مَعَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم نَجْنِي الكُبَاثَ وإنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ عَلَيْكُمْ بالأسْوَدِ مِنْهُ فإنَّهُ أطْيَبُهُ قَالُوا أكُنْتَ تَرْعَى الغَنَمَ قَالَ وَهَلْ مِنْ نَبِيٍّ إلَاّ وقَدْ رعَاهَا. (الحَدِيث 6043 طرفه فِي: 3545) .
قَالَ بَعضهم: مناسبته للتَّرْجَمَة غير ظَاهِرَة. وَقَالَ آخر: لَا مُنَاسبَة أصلا، وَقَالَ صَاحب (التَّوْضِيح) : مناسبته ظَاهِرَة لدُخُول مُوسَى، عليه الصلاة والسلام، فِيمَن رعى الْغنم. وَقَالَ الْكرْمَانِي: لَعَلَّ الْمُنَاسبَة من حَيْثُ إِن بني إِسْرَائِيل كَانُوا مستضعفين جُهَّالًا ففضلهم الله على الْعَالمين، وَسِيَاق الْآيَة يدل عَلَيْهِ أَي فِيمَا يتَعَلَّق ببني إِسْرَائِيل، فَكَذَلِك الْأَنْبِيَاء، عليهم السلام، كَانُوا أَولا مستضعفين بِحَيْثُ إِنَّهُم كَانُوا يرعون الْغنم. انْتهى. قلت: فِيهِ تعسف وتكلف وتوجيه غير طائل، وَيُمكن أَن تُوجد لَهُ الْمُطَابقَة وَإِن كَانَ لَا يَخْلُو أَيْضا عَن بعض تكلّف من حَيْثُ إِن هَذَا الْبَاب كَانَ مِمَّن غير تَرْجَمَة، وَكَذَلِكَ وَقع فِي رِوَايَة النَّسَفِيّ، وَهُوَ كالفصل للباب المترجم، كَمَا أَن الْأَبْوَاب الثَّلَاثَة الَّتِي قبل هَذَا الْبَاب كَذَلِك بِلَا تراجم كالفصول، فتوجد الْمُطَابقَة بَين حَدِيث جَابر وَبَين الْبَاب المترجم، وَهُوَ قَوْله بَاب قَول الله تَعَالَى:{وواعدنا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَة} (الْأَعْرَاف: 241) . لِأَن فِيهِ بَيَان حَالَة من حالات مُوسَى ومُوسَى يدْخل فِي عُمُوم قَوْله. قَوْله: (مَا من نَبِي إِلَّا رعاها) ، فَمن هَذِه الْحَيْثِيَّة تُوجد الْمُطَابقَة، على أَنه وَقع التَّصْرِيح برعي مُوسَى الْغنم فِي رِوَايَة النَّسَائِيّ أخرجه من طَرِيق أبي إِسْحَاق عَن نصر بن حزن، قَالَ: إفتخر أهل الْإِبِل وَالشَّاء، فَقَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم: بعث مُوسَى راعي غنم.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْأَطْعِمَة عَن سعيد بن عفير. وَأخرجه مُسلم فِي الْأَطْعِمَة عَن أبي الطَّاهِر بن السَّرْح. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الْوَلِيمَة عَن هَارُون بن عبد الله.
قَوْله: (كُنَّا مَعَ رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم ، هَذِه الكينونة كَانَت بمر الظهْرَان، كَذَا جَاءَ فِي بعض الرِّوَايَات، قَوْله: (نجني)، من: جنى يجني جنياً، وَهُوَ أَخذ الثَّمر من الشّجر. قَوْله:(الكباث) ، بِفَتْح الْكَاف وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة وَبعد الْألف ثاء مُثَلّثَة، وَهُوَ ثَمَر الْأَرَاك، وَيُقَال ذَلِك للنضيج مِنْهُ، كَذَا نَقله النَّوَوِيّ عَن أهل اللُّغَة، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: هُوَ ثَمَر الْأَرَاك إِذا يبس وَلَيْسَ لَهُ عجم، وَقَالَ الْقَزاز: هُوَ الغض من ثَمَر الْأَرَاك والأراك هُوَ الخمط، وَقَالَ أَبُو زِيَاد: الكباث يشبه التِّين يَأْكُلهُ النَّاس وَالْإِبِل وَالْغنم. وَفِيه حرارة، وَفِي (الْمُحكم) هُوَ حمل ثَمَر الْأَرَاك إِذا كَانَ مُتَفَرقًا، واحده كباثة، وَقَالَ أَبُو حنيفَة، وَهُوَ فَوق حب الكزبرة وعنقوده يمْلَأ الْكَفَّيْنِ، وَإِذا التقمه الْبَعِير فضل عَن لقمته، والنضيج مِنْهُ يُقَال لَهُ: المرد. وَقَالَ صَاحب (الْمطَالع) : هُوَ حصرمه. قَوْله: (قَالُوا: كنت ترعى الْغنم؟)، أَي: قَالَت الصَّحَابَة لرَسُول الله، صلى الله عليه وسلم: هَل كنت ترعى الْغنم؟ وَإِنَّمَا قَالُوا ذَلِك لِأَن قَوْله لَهُم: (عَلَيْكُم بالأسود مِنْهُ) ، دَال على تَمْيِيزه بَين أَنْوَاعه، وَالَّذِي يُمَيّز بَين أَنْوَاع ثَمَر الْأَرَاك غَالِبا من يلازم رعي الْغنم على مَا ألفوه. فَإِن قلت: مَا الْحِكْمَة فِي هَذَا؟ قلت: قَالَ الْخطابِيّ: أَرَادَ أَن الله تَعَالَى لم يضع النُّبُوَّة فِي أَبنَاء الدُّنْيَا والمترفين مِنْهُم، وَإِنَّمَا جعلهَا فِي رعاء الشَّاء وَأهل التَّوَاضُع من أَصْحَاب الْحَرْف، كَمَا روى أَن أَيُّوب، عليه الصلاة والسلام، كَانَ خياطاً، وزكرياء كَانَ نجاراً:{وَالله أعلم حَيْثُ يَجْعَل رسَالَته} (الْأَنْعَام: 421) . وَقَالَ النَّوَوِيّ: الْحِكْمَة فِيهِ أَن يَأْخُذُوا لأَنْفُسِهِمْ بالتواضع وصفوا قُلُوبهم بالخلوة وينتقلوا من سياستها إِلَى سياسة أمّهم، وَقد مر بعض الْكَلَام من هَذَا الْقَبِيل فِي أَوَائِل كتاب الْإِجَارَة.
03 -
(بابٌ {وإذْ قالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إنَّ الله يَأْمُرُكُمْ أنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً} (الْبَقَرَة:
76) .)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ: {وَإِذ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ} (الْبَقَرَة: 76) . الْآيَة، وَلم يذكر فِي هَذَا الْبَاب غير بعض تَفْسِير أَلْفَاظ تتَعَلَّق بِقصَّة مُوسَى
الَّتِي وَقعت فِي الْقُرْآن من بعض قصصه، عليه الصلاة والسلام. قَوْله:(وَإِذ قَالَ)، أَي: أذكر يَا مُحَمَّد حِين قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ: {إِن الله يَأْمُركُمْ أَن تذبحوا بقرة} (الْبَقَرَة: 76) . وقصة الْبَقَرَة مَا ذكره ابْن أبي حَاتِم، فَقَالَ: حَدثنَا الْحسن بن مُحَمَّد بن الصَّباح حَدثنَا يزِيد بن هَارُون أخبرنَا هِشَام بن حسان عَن مُحَمَّد بن سِيرِين عَن عُبَيْدَة السَّلمَانِي، قَالَ: كَانَ رجل من بني إِسْرَائِيل عقيماً لَا يُولد لَهُ وَكَانَ لَهُ مَال كثير وَكَانَ ابْن أَخِيه وَارثه فَقتله ثمَّ احتمله لَيْلًا فَوَضعه على بَاب رجل مِنْهُم، ثمَّ أصبح يَدعِيهِ عَلَيْهِم حَتَّى تسلحوا وَركب بَعضهم على بعض، فَقَالَ ذُو الرَّأْي مِنْهُم: على مَا يقتل بَعْضكُم بَعْضًا وَهَذَا رَسُول الله فِيكُم؟ فَأتوا مُوسَى، عليه الصلاة والسلام، فَذكرُوا ذَلِك لَهُ، فَقَالَ:{إِن الله يَأْمُركُمْ أَن تذبحوا بقرة قَالُوا: أتتخذنا هزوا قَالَ أعوذ بِاللَّه أَن أكون من الْجَاهِلين} (الْبَقَرَة: 76) . قَالَ: فَلَو لم يعترضوا لأجزأت عَنْهُم أدنى بقرة، وَلَكنهُمْ شَدَّدُوا فَشدد الله عَلَيْهِم حَتَّى انْتَهوا إِلَى الْبَقَرَة الَّتِي أمروا بذبحها فوجدوها عِنْد رجل لَيْسَ لَهُ بقرة غَيرهَا فَقَالَ: وَالله لَا أنقصها من ملْء جلدهَا ذَهَبا فَأَخَذُوهَا بملء جلدهَا ذَهَبا فذكوها وضربوه بِبَعْضِهَا فَقَامَ، فَقَالُوا: من قَتلك؟ قَالَ هَذَا، لِابْنِ أَخِيه، ثمَّ مَال مَيتا فَلم يُعْط من مَاله شَيْئا، فَلَو يُورث قَاتل بعده. وَرَوَاهُ ابْن جرير من حَدِيث أَيُّوب عَن مُحَمَّد بن سِيرِين عَن عُبَيْدَة بِنَحْوِ ذَلِك، وَرَوَاهُ آدم بن أبي إِيَاس فِي (تَفْسِيره) من وَجه آخر، وَمُلَخَّصه: كَانَ رجل من بني إِسْرَائِيل غَنِيا وَلم يكن لَهُ ولد وَكَانَ لَهُ قريب وَهُوَ وَارثه فَقتله ليرثه ثمَّ أَلْقَاهُ على مجمع الطَّرِيق، وأتى مُوسَى، عليه الصلاة والسلام، فَقَالَ لَهُ: إِن قريبي قتل، ونادى مُوسَى فِي النَّاس: من كَانَ عِنْده فِي هَذَا علم يُبينهُ لنا؟ فَلم يكن عِنْدهم علم، وَقَالَ الْقَاتِل: أَنْت نَبِي الله، سل لنا رَبك أَن يبين لنا. فَسَأَلَ ربه، فَأوحى الله إِلَيْهِ {إِن الله يَأْمُركُمْ أَن تذبحوا بقرة
…
} (الْبَقَرَة: 76) . الْآيَات، وَفِيه: أَنهم أعْطوا صَاحب الْبَقَرَة وَزنهَا عشر مَرَّات ذَهَبا فذبحوها وضربوه بالبضعة الَّتِي بَين الْكَتِفَيْنِ، فَعَاشَ فَسَأَلُوهُ فَبين الْقَاتِل، وَرَوَاهُ بِسَنَد من وَجه آخر عَن مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ وَمُحَمّد بن قيس أَن سبطاً من بني إِسْرَائِيل لما رَأَوْا كَثْرَة شرور النَّاس بنوا مَدِينَة فاعتزلوا شرور النَّاس فَكَانُوا إِذا أَمْسوا لم يتْركُوا أحدا مِنْهُم خَارج الْمَدِينَة إلَاّ أدخلوه، فَإِذا أَصْبحُوا قَامَ رئيسهم فَنظر وتشوف فَإِذا لم يَرَ شيْئَاً فتح الْمَدِينَة فَكَانُوا مَعَ النَّاس حَتَّى يمسوا، قَالَ: وَكَانَ رجل من بني إِسْرَائِيل لَهُ مَال كثير وَلم يكن لَهُ وَارِث غير أَخِيه فطالت عَلَيْهِ حَيَاته فَقتله ليرثه ثمَّ حمله فَوَضعه على بَاب الْمَدِينَة، ثمَّ كمن هُوَ وَأَصْحَابه: قَالَ: فتشوف رَئِيس الْمَدِينَة على بَاب الْمَدِينَة فَنظر فَلم ير شَيْئا، فَفتح الْبَاب فَلَمَّا رأى الْقَتِيل رد الْبَاب، فناداه أَخُو الْمَقْتُول وَأَصْحَابه: هَيْهَات، قَتَلْتُمُوهُ ثمَّ تردون الْبَاب؟ وَكَاد أَن يكون بَين أَخ الْمَقْتُول وَبَين أهل الْمَدِينَة قتال حَتَّى لبسوا السِّلَاح، ثمَّ كف بَعضهم عَن بعض، فَأتوا مُوسَى فشكوا لَهُ شَأْنهمْ، فَأوحى الله إِلَيْهِ أَن يذبحوا بقرة. . الْقِصَّة. وَقَالَ ابْن كثير: الرِّوَايَات فِيهَا مُخْتَلفَة، وَالظَّاهِر أَنَّهَا مَأْخُوذَة من كتب بني إِسْرَائِيل، وَهُوَ مِمَّا يجوز نقلهَا، لَكِن لَا يصدق وَلَا يكذب، فَلهَذَا لَا يعْتَمد عَلَيْهَا إلَاّ مَا وَافق الْحق.
قَالَ أَبُو العَالِيَةِ الْعَوَانُ النَّصَفُ بَيْنَ البِكْرِ والهَرِمَةِ
أَبُو الْعَالِيَة، بِالْعينِ الْمُهْملَة: رفيع بن مهْرَان الريَاحي، بِالْيَاءِ آخر الْحُرُوف، وَهُوَ فسر الْعوَان فِي قَوْله تَعَالَى:{إِنَّهَا بقرة لَا فارض وَلَا بكر عوان بَين ذَلِك} (الْبَقَرَة: 86) . وَرَوَاهُ الْقُرْطُبِيّ عَن سَلمَة عَن ابْن إِسْحَاق عَن الزُّهْرِيّ عَنهُ. قَوْله: {لَا فارض وَلَا بكر} (الْبَقَرَة: 86) . يَعْنِي: لَا هرمة وَلَا صَغِيرَة {عوان بَين ذَلِك} (الْبَقَرَة: 86) . أَي: نَصف بَين الْبكر والهرمة، وَالنّصف، بِفَتْح النُّون وَالصَّاد.
فاقِعٌ صَافٍ
أَشَارَ بِهِ إِلَى مَا فِي قَوْله تَعَالَى: {صفراء فَاقِع لَوْنهَا تسر الناظرين} (الْبَقَرَة: 96) . وَهَذِه الْجُمْلَة صفة لتِلْك الْبَقَرَة الْمَأْمُور بذبحها ولونها مَرْفُوع بفاقع، وَعَن سعيد بن جُبَير: صفراء فَاقِع صَافِيَة اللَّوْن، وَكَذَا عَن قَتَادَة وَالْحسن وَنَحْوه، وَقَالَ الْعَوْفِيّ فِي (تَفْسِيره) : عَن ابْن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فَاقِع لَوْنهَا شَدِيد الصُّفْرَة تكَاد صفرتها تبيض، وَعَن ابْن عمر كَانَت صفراء الظلْف، وَعَن سعيد بن جُبَير: كَانَت صفراء الْقرن والظلف، قَالَ ابْن أبي حَاتِم: حَدثنَا أبي حَدثنَا نصر بن عَليّ أخبرنَا أَبُو رَجَاء عَن الْحسن، فِي قَوْله:{صفراء فَاقِع لَوْنهَا} (الْبَقَرَة: 96) . قَالَ: سَوْدَاء شَدِيدَة السوَاد، وَهَذَا غَرِيب. قَوْله:{تسر الناظرين} (الْبَقَرَة: 96) . أَي: تعجبهم.
لَا ذَلُولٌ لَمْ يُذِلَّهَا العَمَلُ تُثِيرُ الأرْضَ لَيْسَتْ بِذَلُولٍ تُثِيرُ الأرْضَ ولَا تَعْمَلُ فِي الحَرْثِ