الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَأخرجه مُسلم هَكَذَا، وَقَالَ: حَدثنِي نصر بن عَليّ الْجَهْضَمِي حَدثنَا عبد الْأَعْلَى عَن عبيد الله بن عمر عَن نَافِع عَن ابْن عمر عَن سعيد المَقْبُري عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم بِمثل مَعْنَاهُ.
71 -
(بابٌ إذَا وقَعَ الذُّبَابُ فِي شَرَابِ أحَدِكُمْ فَلْيَغْمِسْهُ فإنَّ فِي إحْدَى جَنَاحَيْهِ دَاءٌ وَفِي الأخْرَى شِفَاءً)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ إِذا وَقع الذُّبَاب
…
إِلَى آخِره، وَترْجم هَذَا الْبَاب بِنَصّ الحَدِيث الَّذِي سَاقه فِي هَذَا الْبَاب، وَإِنَّمَا وَقع هُنَا فِي رِوَايَة أبي ذَر عَن بعض شُيُوخه، وَحذف عِنْد البَاقِينَ، وحذفه أولى، لِأَن الْأَحَادِيث الَّتِي تَأتي بعد هَذَا الحَدِيث لَا تعلق لَهَا بذلك وَلَا مُطَابقَة بَينهَا وَبَين هَذِه التَّرْجَمَة، كَمَا ترَاهُ.
0233 -
حدَّثنا خَالِدُ بنُ مَخْلَد حدَّثنا سُلَيْمَانُ بنُ بِلَالٍ قَالَ حدَّثني عُتْبَةُ بنُ مُسْلِمٍ قَالَ أخْبَرَني عُبَيْدُ بنُ حُنَيْنٍ قَالَ سَمِعْتُ أبَا هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ يَقُولُ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إذَا وقَعَ الذُّبَابُ فِي شَرَابِ أحَدِكُمْ فَلْيَغْمِسْهُ ثُمَّ لِيَنْزِعْهُ فإنَّ فِي إحْدَى جَناحَيْهِ دَاءً والأُخْرَى شِفَاءً. (الحَدِيث 0233 طرفه فِي: 2875) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، فَإِنَّهُ لَا فرق بَينهمَا، غير أَنه لم يذكر فِي التَّرْجَمَة لفظ (ثمَّ لينزعه) .
ذكر رِجَاله وهم خَمْسَة: الأول: خَالِد بن مخلد، بِفَتْح الْمِيم واللَاّم وَسُكُون الْخَاء الْمُعْجَمَة وَفِي آخِره دَال: أَبُو الْهَيْثَم البَجلِيّ الْكُوفِي. الثَّانِي: سُلَيْمَان بن بِلَال أَبُو أَيُّوب الْقرشِي التَّيْمِيّ. الثَّالِث: عتبَة، بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق، وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة: ابْن مُسلم مولى بني تَمِيم الْمَدِينِيّ. الرَّابِع: عبيد بن حنين، كِلَاهُمَا بِالتَّصْغِيرِ، و: حنين، بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة وَفتح النُّون الأولى: أَبُو عبد الله مولى زيد بن الْخطاب الْقرشِي الْعَدوي. الْخَامِس: أَبُو هُرَيْرَة.
ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الطِّبّ عَن قُتَيْبَة عَن إِسْمَاعِيل بن جَعْفَر، وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي الطِّبّ، قَالَ: حَدثنَا سُوَيْد بن سعيد، قَالَ: حَدثنَا مُسلم بن خَالِد عَن عتبَة بن مُسلم عَن عبيد بن حنين عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم، قَالَ:(إِذا وَقع الذُّبَاب فِي شراب أحدكُم فليغمسه فِيهِ ثمَّ ليطرحه، فَإِن فِي أحد جناحيه دَاء وَفِي الآخر شِفَاء) . وَأخرجه عَن أبي سعيد أَيْضا، وَقَالَ: حَدثنَا أَبُو بكر بن أبي شيبَة حَدثنَا يزِيد بن هَارُون عَن ابْن أبي ذِئْب عَن سعيد بن خَالِد عَن أبي سَلمَة، قَالَ: حَدثنِي أَبُو سعيد: أَن رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم، قَالَ:(أحد جناحي الذُّبَاب سم وَالْآخر شِفَاء، فَإِذا وَقع فِي الطَّعَام فامقلوه فِيهِ فَإِنَّهُ يقدم السم وَيُؤَخر الشِّفَاء) . وَأخرجه النَّسَائِيّ مُخْتَصرا، وروى الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث سعيد بن الْمسيب عَن سُلَيْمَان نَحوه، وَمن حَدِيث أنس بِإِسْنَاد ضَعِيف، وروى أَبُو دَاوُد أَيْضا من حَدِيث المَقْبُري عَن أبي هُرَيْرَة، قَالَ: قَالَ رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم:(إِذا وَقع الذُّبَاب فِي إِنَاء أحدكُم فليغمسه، فَإِن فِي أحد جناحيه دَاء وَالْآخر شِفَاء، وَإنَّهُ يتقى بجناحه الَّذِي فِيهِ الدَّاء فيغمسه كُله) . ويروى: فليغمسه كُله.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (إِذا وَقع الذُّبَاب) الذُّبَاب جمع ذُبَابَة، قَالَه ابْن التِّين وَفِي (الْمُنْتَهى) : الذب بِالضَّمِّ الذُّبَاب، وَجمع الذُّبَاب: ذبان، وَلَا تقل: ذبانة، وَالْجمع الْقَلِيل: أذبة، كغراب وأغربة وغربان، وَقَالَ أَبُو هِلَال العسكري: الذُّبَاب وَاحِد وَالْجمع ذبان، والعامة تَقول: ذبانة للْوَاحِد والذبان للْجمع، وَهُوَ خطأ، وَقَالَ أَبُو حَاتِم السجسْتانِي: تَقول: هَذَا ذُبَاب للْوَاحِد وذبابان فِي التَّثْنِيَة، وَلَا يُقَال ذُبَابَة وَلَا ذبانة، وَقَالَ ابْن سَيّده فِي (الْمُحكم) : لَا يُقَال: ذُبَابَة، إِلَّا أَن أَبَا عُبَيْدَة رَوَاهُ عَن الْأَحْمَر، وَالصَّوَاب ذُبَاب، وَفِي التَّنْزِيل:{وَإِن يسلبهم الذُّبَاب شَيْئا} (الْحَج: 37) . فسروه بِالْوَاحِدِ، وَحكى سِيبَوَيْهٍ عَن الْعَرَب: ذب، فِي جمع ذُبَاب، وَقَالَ الْجَوْهَرِي: الذُّبَاب مَعْرُوف، الْوَاحِدَة ذُبَابَة، وَلَا تقل: ذبانة، وَجمع الْقلَّة: أذبة، وَالْكَثْرَة: ذبان. وَقَالَ أَبُو عبيد: أَرض مذبة، ذَات ذُبَاب. وَقَالَ الْفراء: أراض مذبوبة، كَمَا يُقَال: موحوشة من الْوَحْش، والمذبة مَا يذب بِهِ الذُّبَاب، وَقَالَ الجاحظ: عمر الذُّبَاب أَرْبَعُونَ يَوْمًا وَهُوَ فِي النَّار، وَلَيْسَ تعذيباً لَهُ، وَإِنَّمَا يعذب بِهِ أهل النَّار لوُقُوعه عَلَيْهِم، فَإِنَّهُ لَا شَيْء أضرّ على المكلوم من وُقُوعه على كَلمه. قَوْله:(فِي شراب أحدكُم) ، الشَّرَاب هُنَا يدْخل فِيهِ كل الْمَائِعَات، قَالَ تَعَالَى:{يخرج من بطونها شراب} (النَّحْل: 96) . قلت: قد ذكرنَا آنِفا أَن فِي رِوَايَة أبي دَاوُد: إِذا وَقع الذُّبَاب فِي إِنَاء أحدكُم، والإناء يكون فِيهِ كل شَيْء من المأكولات والمشروبات. قَوْله:(فليغمسه) ، من غمسه فِي المَاء إِذا غطه فِيهِ وَأدْخلهُ، وَفِي رِوَايَة ابْن مَاجَه: فامقلوه فِيهِ، من الْمقل بِالْقَافِ وَهُوَ الغمس. قَالَ أَبُو عبيد: أَي اغمسوه فِي الطَّعَام أَو الشَّرَاب ليخرج الشِّفَاء كَمَا أخرج الدَّاء، وَذَلِكَ بإلهام الله تَعَالَى، وَفِي (الْمغرب) : فِي الحَدِيث: إِذا وَقع الذُّبَاب فِي طَعَام أحدكُم فامقلوه، فَإِن فِي أحد جناحيه سما وَفِي الآخر شِفَاء، هَكَذَا فِي الْأُصُول، وَأما: فامقلوه، ثمَّ انقلوه فمصنوع. قلت: فِي
غَالب كتب أَصْحَابنَا وَقع مثل مَا قَالَ، وَالصَّحِيح: فامقلوه فِيهِ، فَإِنَّهُ يقدم السم وَيُؤَخر الشِّفَاء، كَمَا فِي رِوَايَة ابْن مَاجَه وَغَيره، وَلَيْسَ فِيهِ: ثمَّ انقلوه، نعم، فِي رِوَايَة البُخَارِيّ: لم لينزعه، وَهُوَ يُؤَدِّي معنى: فانقلوه. قَوْله: (فَإِن فِي إِحْدَى جناحيه) ، الجناج حَقِيقَة للطائر، وَإِذا اسْتعْمل فِي غَيره يكون بطرِيق الِاسْتِعَارَة، قَالَ الله تَعَالَى:{واخفض لَهما جنَاح الذل} (الْإِسْرَاء: 42) . وَفِي غَالب النّسخ: فَإِن فِي أحد جناحيه دَاء وَالْآخر شِفَاء، بتذكير: أحد، وَوجه تأنيثها بِاعْتِبَار أَن جنَاح الطَّائِر يَده، والتأنيث بِاعْتِبَار الْيَد. قَوْله:(وَالْأُخْرَى شِفَاء) ، الثَّابِت فِي كثير من النّسخ، وَفِي الْأُخْرَى، بِإِعَادَة حرف الْجَرّ، وَتركهَا يدل على جَوَاز الْعَطف على عاملين، وَهُوَ رَأْي الْأَخْفَش والكوفيين، فَحِينَئِذٍ تكون: الْأُخْرَى، مجروراً عطفا على: فِي إِحْدَى، وَيكون نصب: شِفَاء، مثل نصب: دَاء، وَالْعَامِل فِي: إِحْدَى، حرف الْجَرّ الَّذِي هُوَ لفظ: فِي، وَالْعَامِل فِي: دَاء، كلمة: إِن، فقد شركت الْوَاو فِي الْعَطف على العاملين اللَّذين هما: فِي وان، وسيبويه لَا يجوّز ذَلِك، يُؤَيّدهُ رِوَايَة إِثْبَات حرف الْجَرّ فِي قَوْله: وَفِي الْأُخْرَى، وَقيل: يرْوى شِفَاء، بِالرَّفْع، فعلى هَذَا يخرج الْكَلَام عَن الْعَطف على عاملين، وَلكنه على هَذَا يحْتَاج إِلَى حذف مُضَاف تَقْدِيره: ذُو شِفَاء، لِأَن لفظ الآخر أَو الْأُخْرَى يكون مُبْتَدأ، وشفاء خَبره، وَلعدم صِحَة الْحمل يقدر الْمُضَاف، وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد المالقي فِي (جَامعه) : ذُبَاب النَّاس يتَوَلَّد من الزبل، فَإِن أَخذ الذُّبَاب الْكَبِير وَقطعت رؤوسها وَيحك بجسدها الشعرة الَّتِي فِي الأجفان حكاً شَدِيدا فَإِنَّهُ يُبرئهُ، وَإِن سحق الذُّبَاب بصفرة الْبيض سحقاً نَاعِمًا وضمدت بهَا الْعين الَّتِي فِيهَا اللَّحْم الْأَحْمَر من دَاخل فَإِنَّهُ يسكن فِي سَاعَته، وَإِن مسح لسعة الزنبور بالذباب سكن وَجَعه. انْتهى. قَالَ الْخطابِيّ مَا ملخصه: قَالَ بعض الجهلة المعاندين: كَيفَ يجْتَمع الدَّاء والشفاء فِي جناحي الذُّبَاب؟ وَكَيف تعلم الذُّبَاب ذَلِك من نَفسهَا حَتَّى تقدم الدَّاء وتؤخر الدَّوَاء؟ وَمَا أَدَّاهَا إِلَى ذَلِك؟ ورد عَلَيْهِم: بِأَن عَامَّة الْحَيَوَان جمعت فِيهَا بَين الْحَرَارَة والبرودة والرطوبة واليبوسة فِي أَشْيَاء متضادة إِذا تلاقت تفاسدت لَوْلَا تأليف الله لَهَا، وَالَّذِي ألهم النحلة وَشبههَا من الْحَيَوَان إِلَى بِنَاء الْبيُوت وادخار الْقُوت هُوَ الملهم للذباب مَا ترَاهُ فِي الْكتاب.
1233 -
حدَّثنا الحَسَنُ بنُ الصَّبَّاحِ حدَّثنا إسْحَاقُ الأزْرَقُ حَدَّثنَا عَوْفٌ عنِ الحَسَنِ وابنِ سِيرِينَ عنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ عنْ رسُولِ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ غُفِرَ لإمْرَأةٍ مُومِسَةٍ مَرَّتْ بِكَلْبٍ عَلَى رَأسِ رَكِيٍّ يَلْهَثُ قَالَ كادَ يَقْتُلُهُ العَطَشُ فنَزَعَتْ خُفَّهَا فأوْثَقَتْهُ بِخِمَارِهَا فنَزَعَتْ لَهُ مِنَ المَاءِ فَغُفِرَ لَهَا بِذَلِكَ. (الحَدِيث 1233 طرفه فِي: 7643) .
لَا تتأتى الْمُطَابقَة هُنَا إلَاّ بَينه وَبَين التَّرْجَمَة الْمُتَقَدّمَة، وَلَيْسَ لَهُ مُطَابقَة بِهَذِهِ التَّرْجَمَة أصلا، وَقد ذكرنَا: أَن هَذِه التَّرْجَمَة سَاقِطَة عِنْد غير أبي ذَر وَالْحسن بن الصَّباح، بتَشْديد الْبَاء الْبَزَّار أَبُو عَليّ الوَاسِطِيّ، وَإِسْحَاق بن يُوسُف الْأَزْرَق الوَاسِطِيّ، وعَوْف الْمَشْهُور بالأعرابي، وَالْحسن الْبَصْرِيّ وَمُحَمّد بن سِيرِين.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْإِيمَان عَن أَحْمد بن عبد الله المنجوفي، وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن سَلام. وَفِي الْجَنَائِز عَن مُحَمَّد بن بشار، وَقَالَ صَاحب (التَّوْضِيح) : هَذَا الحَدِيث سلف فِي الشّرْب من حَدِيث أبي هُرَيْرَة: أَن رجلا فعل ذَلِك، وَكَذَا ذكره فِي الطَّهَارَة فِي: بَاب المَاء الَّذِي يغسل بِهِ شعر الْإِنْسَان، فلعلهما قضيتان. قلت: هَذَا الحَدِيث فِي الْمَرْأَة المومسة، وَالْحَدِيثَانِ الْمَذْكُورَان فِي الْبَابَيْنِ الْمَذْكُورين فِي الرجل، روى كليهمَا أَبُو صَالح عَن أبي هُرَيْرَة، وكل مِنْهُمَا حَدِيث مُسْتَقل بِذَاتِهِ، فَلَا وَجه لقَوْله: هَذَا الحَدِيث سلف، وَلَا لقَوْله: لعلهما قضيتان، بل هما قضيتان قطعا، فَإِن نَظرنَا إِلَى الظَّاهِر فَهِيَ ثَلَاث قضايا.
قَوْله: (مومسة)، أَي: زَانِيَة وَيجمع على: مومسات وميامس وموامس، وَأَصْحَاب الحَدِيث يَقُولُونَ: مياميس، وَلَا يَصح إلَاّ على إشباع الكسرة لتصير: يَاء، وَقد اخْتلف فِي أصل هَذِه اللَّفْظَة، فبعضهم يَجعله من الْهمزَة، وَبَعْضهمْ يَجعله من الْوَاو، وَقَالَ ابْن الْأَثِير: كل مِنْهُمَا تكلّف لَهُ اشتقاقاً فِيهِ بُعْد، فذكرناها فِي حرف الْمِيم لظَاهِر لَفظهَا، ولاختلافهم فِي أَصْلهَا. قلت: قَالَ فِي بَاب الْمِيم: مومس، ثمَّ ذكر مَا ذَكرْنَاهُ، وَقَالَ ابْن قرقول: المياميس والمومسات: المجاهرات بِالْفُجُورِ، والواحدة مومسة، وَذكره أَصْحَاب الْعَرَبيَّة فِي
الْوَاو وَالْمِيم وَالسِّين، وَرَوَاهُ ابْن الْوَلِيد عَن ابْن السماك: المآميس، بِالْهَمْزَةِ فَإِن صَحَّ بِالْهَمْز فَهُوَ من مأس الرجل إِذا لم يلْتَفت إِلَى موعظة، ومأس بَين الْقَوْم أفسد. انْتهى. قلت: إِذا كَانَ لفظ: مومسة، من مأس، يَأْتِي إسم الْفَاعِل الْمُؤَنَّث: مائسة، وَلَا يَأْتِي من هَذَا الْبَاب: مومسة، وَالَّذِي يظْهر لي أَنه من: مومس، مثل: وسوس، وَالْفَاعِل مِنْهُ للمذكر مومس، وللمؤنث مومسة. قَوْله:(ركي)، بِفَتْح الرَّاء وَكسر الْكَاف وَتَشْديد الْيَاء: هُوَ الْبِئْر، وَيجمع على: ركايا. قَوْله: (بذلك)، أَي: بِسَبَب مَا فعلت من السَّقْي.
وَفِيه: دَلِيل على قبُول عمل المرتكب للكبائر من الْمُسلمين، وَأَن الله تَعَالَى يتَجَاوَز عَن الْكَبِيرَة بِالْعَمَلِ الْيَسِير من الْخَيْر تفضلاً مِنْهُ.
2233 -
حدَّثنا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الله قَالَ حدَّثنا سُفْيَانُ قَالَ حَفِظْتُهُ مِنَ الزُّهْرِيِّ كمَا أنَّكَ هَهُنَا قالَ أخبرَنِي عُبَيْدُ الله عنِ ابنِ عَبَّاسٍ عنْ أبِي طَلْحَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُمْ عنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَا تَدْخُلُ المَلائِكَةُ بَيْتاً فِيهِ كَلْبٌ وَلَا صُورَةٌ. .
عَليّ بن عبد الله الْمَعْرُوف بِابْن الْمَدِينِيّ، وسُفْيَان بن عُيَيْنَة، وَعبيد الله بن عبد الله، وَأَبُو طَلْحَة زيد بن سهل الْأنْصَارِيّ، والْحَدِيث مضى عَن قريب فِي: بَاب إِذا قَالَ أحدكُم: آمين، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ: عَن ابْن مقَاتل عَن عبد الله عَن معمر عَن الزُّهْرِيّ إِلَى آخِره. قَوْله: (كَمَا أَنَّك هَهُنَا)، يَعْنِي: كَمَا لَا شكّ فِي كونك فِي هَذَا الْمَكَان، كَذَلِك لَا شكّ فِي حفظي لَهُ.
3233 -
حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ يُوسُفَ قَالَ أخْبرَنا مالِكٌ عنْ نافِعٍ عنْ عَبْدِ الله بنِ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُما أنَّ رسُولَ الله صلى الله عليه وسلم أمَرَ بِقَتْلِ الكِلَابِ.
الحَدِيث أخرجه مُسلم أَيْضا فِي الْبيُوع عَن يحيى بن يحيى عَن مَالك. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الصَّيْد عَن قُتَيْبَة عَن مَالك، وَأخرجه ابْن مَاجَه فِيهِ عَن سُوَيْد بن سعيد عَن مَالك، وَأخذ مَالك وَأَصْحَابه وَكثير من الْعلمَاء جَوَاز قتل الْكلاب إلَاّ مَا اسْتثْنِي مِنْهَا، وَلم يرَوا الْأَمر بقتل مَا عدا الْمُسْتَثْنى مَنْسُوخا، بل محكماً. وَقَالَ الْإِجْمَاع على قتل الْعَقُور مِنْهَا، وَاخْتلفُوا فِي قتل مَا لَا ضَرَر فِيهِ، فَقَالَ إِمَام الْحَرَمَيْنِ أَمر الشَّارِع أَولا بقتلها كلهَا، ثمَّ نسخ ذَلِك وَنهى عَن قَتلهَا إلَاّ الْأسود البهيم، ثمَّ اسْتَقر الشَّرْع على النَّهْي عَن قتل جَمِيعهَا إلَاّ الْأسود، لحَدِيث عبد الله بن مُغفل الْمُزنِيّ: لَوْلَا أَن الْكلاب أمة من الْأُمَم لأمرت بقتلها، رَوَاهُ أَصْحَاب (السّنَن) الْأَرْبَعَة. وَمعنى: البهيم، شَيْطَان بعيد عَن الْمَنَافِع قريب من الْمضرَّة، وَهَذِه أُمُور لَا تدْرك بِنَظَر، وَلَا يُوصل إِلَيْهَا بِقِيَاس، وَإِنَّمَا يَنْتَهِي إِلَى مَا جَاءَ عَن الشَّارِع، وَقد روى ابْن عبد الْبر عَن ابْن عَبَّاس: أَن الْكلاب من الْجِنّ، وَهِي ضعفة الْجِنّ، وَفِي لفظ: السود مِنْهَا جن، والبقع مِنْهَا جن، وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: هم سفلَة الْجِنّ وضعفاؤهم، وَقَالَ ابْن عديس: يُقَال: كلب جني، وَرُوِيَ عَن الْحسن وَإِبْرَاهِيم أَنَّهُمَا يكرهان صيد الْكَلْب الْأسود البهيم، وَإِلَيْهِ ذهب أَحْمد وَبَعض الشَّافِعِيَّة، وَقَالُوا: لَا يحل الصَّيْد إِذا قَتله، وَعند أبي حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ: يحل. وَقَالَ أَبُو عمر: الَّذِي تختاره أَن لَا يقتل مِنْهَا شَيْء إِذا لم يضر، لنَهْيه أَن يتَّخذ فِيهِ روح غَرضا، وَلِحَدِيث: الَّذِي سقى الْكَلْب، وَلقَوْله: فِي كل كبد حر أجر، وَترك قَتلهَا فِي كل الْأَمْصَار، وفيهَا الْعلمَاء وَمن لَا يسامح فِي شَيْء من الْمُنكر والمعاصي الظَّاهِرَة، وَمَا علمت فَقِيها من فُقَهَاء الْمُسلمين جعل اتِّخَاذ الْكلاب جرحة، وَلَا رد قاضٍ شَهَادَة متخذها، وَمذهب الشَّافِعِي تَحْرِيم اقتناء الْكَلْب لغير حَاجَة.
وَقَالَ أَبُو عمر: فِي الْأَمر بقتل الْكلاب دلَالَة على عدم أكلهَا، ألَا ترى إِلَى الَّذِي جَاءَ عَن عمر وَعُثْمَان، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، فِي ذبح الْحمام وَقتل الْكلاب؟ وَفِيه: دلَالَة على افْتِرَاق حكم مَا يُؤْكَل وَمَا لَا يُؤْكَل، لِأَنَّهُ مَا جَازَ ذبحه وَأكله لم يجز الْأَمر بقتْله، وَمن ذهب إِلَى الْأسود مِنْهَا بِأَنَّهُ شَيْطَان فَلَا حجَّة فِيهِ، لِأَن الله تَعَالَى قد سمى من غلب عَلَيْهِ الشَّرّ من الْإِنْس شَيْطَانا، وَلم يجب بذلك قَتله، وَقد جَاءَ مَرْفُوعا: فِي الْحمام شَيْطَان يتبع شَيْطَانه، وَلَيْسَ فِي ذَلِك مَا يدل على أَنَّهُمَا مسخا من الْجِنّ، وَلَا أَن الْحَمَامَة مسخت من الْجِنّ، وَلَا أَن ذَلِك وَاجِب قَتله، وَقَالَ ابْن الْعَرَبِيّ فِي حَدِيث سقِِي الْكَلْب: يحْتَمل أَن يكون قبل النَّهْي عَن قَتلهَا وَيحْتَمل بعْدهَا، فَإِن كَانَ الأول فَلَيْسَ بناسخ لَهُ، لِأَنَّهُ لما أَمر بقتل الْكلاب لم يَأْمر إلَاّ بقتل كلاب الْمَدِينَة لَا بقتل كلاب الْبَوَادِي،
وَهُوَ الَّذِي نسخ، وكلاب الْبَوَادِي لم يرد فِيهَا قتل وَلَا نسخ، وَظَاهر الحَدِيث يدل عَلَيْهِ، وَلِأَنَّهُ لَو وَجب قَتله لما وَجب سقيه، وَلَا يجمع عَلَيْهِ حر الْعَطش وَالْمَوْت، كَمَا لَا يفعل بالكافر العَاصِي، فَكيف بالكلب الَّذِي لم يعْص؟ وَفِي الحَدِيث الصَّحِيح أَنه، صلى الله عليه وسلم، لما أَمر بقتل يهود شكوا الْعَطش، فَقَالَ: لَا تجمعُوا عَلَيْهِم حر السَّيْف والعطش، فسُقُوا ثمَّ قُتِلوا.
4233 -
حدَّثنا مُوسَى بنُ إسْمَاعِيلَ قَالَ حدَّثنا هَمَّامٌ عنْ يَحْيَى قَالَ حدَّثني أبُو سلَمَةَ أنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ حدَّثَهُ قالَ قالَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم مَنْ أمْسَكَ كَلْبَاً يَنْقُصْ مِنْ عَمَلِهِ كلَّ يَوْمٍ قِيرَاطٌ إلَاّ كَلْبَ حَرْثٍ أوْ كَلْبَ ماشِيَةٍ. (انْظُر الحَدِيث 2232) .
يحيى هُوَ ابْن أبي كثير، والْحَدِيث مر فِي كتاب الْمُزَارعَة فِي: بَاب اقتناء الْكَلْب للحرث، وَمر الْكَلَام فِيهِ مُسْتَوفى، وَقد ذكرنَا أَن القيراط لَهُ أصل لمقدار مَعْلُوم عِنْد الله تَعَالَى، وَالْمرَاد نقص جُزْء من أَجزَاء عمله. وَأما التَّوْفِيق بَين قِيرَاط فِي هَذَا الحَدِيث، وَبَين قيراطين فِي رِوَايَة أُخْرَى فباعتبار التَّغْلِيظ فِي القيراطين لما لم ينْتَه النَّاس، أَو بِاعْتِبَار كَثْرَة الْأَذَى من الْكَلْب وقلته، أَو باخْتلَاف الْمَوَاضِع فالقيراطان فِي الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة لزِيَادَة فَضلهَا، والقيراط فِي غَيرهَا، أَو القيراطان فِي الْمَدِينَة والقيراط فِي الْبَوَادِي، وَقَالَ الرَّوْيَانِيّ: اخْتلفُوا فِي المُرَاد بِمَا ينقص مِنْهُ، فَقيل: ينقص مِمَّا مضى من عمله، وَقيل: من مستقبله. وَاخْتلفُوا فِي مَحل نقصانها، فَقيل: قِيرَاط من عمل النَّهَار، وقيراط من عمل اللَّيْل، وَقيل: قِيرَاط من عمل الْفَرْض وقيراط من النَّفْل، وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: أقرب مَا قيل فِي ذَلِك قَولَانِ: أَحدهمَا: أَن جَمِيع مَا عمله من عمل ينقص لمن اتخذ مَا نهى عَنهُ من الْكلاب، بِإِزَاءِ كل يَوْم يمسِكهُ جزآن من أَجزَاء ذَلِك الْعَمَل، وَقيل: من عمل ذَلِك الْيَوْم الَّذِي يمسِكهُ فِيهِ. الثَّانِي: يحط من عمله عملان، أَو من عمل يَوْم إِمْسَاكه، عُقُوبَة لَهُ على مَا اقتحم من النَّهْي. قَوْله:(إلَاّ كلب حرث) وَهُوَ الزَّرْع، والماشية اسْم يَقع على جَمِيع الْإِبِل وَالْبَقر وَالْغنم، وَأكْثر مَا يسْتَعْمل فِي الْغنم.
5233 -
حدَّثنا عبْدُ الله بنُ مَسْلَمَةَ قَالَ حدَّثنا سُلَيْمَانُ قَالَ أخبَرَنِي يَزِيدُ بنُ خُصَيْفَةَ قالَ أخْبَرَنِي السَّائِبُ بنُ يَزِيدَ سَمِعَ سُفْيَانَ بنَ أبِي زُهَيْرٍ الشَّنْئيَّ أنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ مَنِ اقْتَنَى كلْباً لَا يُغْنى عنْهُ زَرْعاً وَلا ضَرْعاً نَقَصَ مِنْ عَمَلِهِ كُلَّ يَوْمٍ قيرَاطٌ فَقَالَ السَّائِبُ أنْتَ سَمِعْتَ هَذَا مِنْ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ إيْ ورَبِّ هَذِهِ القِبْلَةِ. (انْظُر الحَدِيث 3232) .
الحَدِيث مر فِي كتاب الْمُزَارعَة فِي: بَاب اقتناء الْكَلْب للزِّرَاعَة. وَسليمَان هُوَ ابْن بِلَال أَبُو أَيُّوب، وَيزِيد من الزِّيَادَة ابْن خصيفَة، بِضَم الْخَاء الْمُعْجَمَة وَفتح الصَّاد الْمُهْملَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالفاء، وَقد مر فِيمَا مضى، والسائب من السيب ابْن يزِيد من الزِّيَادَة مر فِي الْوضُوء (والشنئي)، بِفَتْح الشين الْمُعْجَمَة وبالنون والهمزة: نِسْبَة إِلَى شنُوءَة.
قَوْله: (أَي:)، بِكَسْر الْهمزَة وَسُكُون الْيَاء حرف: جَوَاب بِمَعْنى: نعم، فَيكون لتصديق الْخَبَر والإعلام المستخبر ولوعد الطَّالِب، وَزعم ابْن الْحَاجِب أَنَّهَا إِنَّمَا تقع بعد الِاسْتِفْهَام، وَاتفقَ الْجَمِيع على أَنَّهَا لَا تقع إلَاّ قبل الْقسم، كَمَا وَقع هُنَا قبل قَوْله:(وَرب هَذِه الْقبْلَة) وَقَالَ الْكرْمَانِي: فَإِن قلت: لَا تعلق لبَعض هَذِه الْأَحَادِيث بترجمة الْبَاب؟ قلت: هَذَا آخر كتاب البدء، فَذكر فِيهِ مَا ثَبت عِنْده مِمَّا يتَعَلَّق بالمخلوقات، وَذكر صَاحب (التَّوْضِيح) أَن ذكر أَحَادِيث الْكَلْب هُنَا لما أُتِي عَن ابْن عَبَّاس وَغَيره: أَنَّهَا من الْجِنّ، والترجمة قريبَة من الْجِنّ. انْتهى. قلت: أما مَا ذكره الْكرْمَانِي فبعيد جدا، لِأَنَّهُ لَا تعلق لَهَا أصلا بالترجمة، وَكَونهَا مِمَّا يتَعَلَّق بالمخلوقات لَا يَقْتَضِي الْمُنَاسبَة لذكرها فِي هَذِه التَّرْجَمَة، وَهَذَا بعيد جدا، وَأما مَا ذكره صَاحب (التَّوْضِيح) فأبعد مِنْهُ جدا، لِأَن كَونهَا من الْجِنّ يَقْتَضِي ذكرهَا فِي: بَاب الْجِنّ، وَكَيف يكون قرب هَذِه من: بَاب ذكر الْجِنّ، وَبَينه وَبَين التَّرْجَمَة الْمَذْكُورَة ثَلَاثَة أَبْوَاب؟ وبمثل هَذَا لَا تقع الْمُطَابقَة. وَالْجَوَاب الموجه مَا ذَكرْنَاهُ، وَهُوَ: أَن هَذِه التَّرْجَمَة، وَهِي قَوْله: بَاب إِذا وَقع الذُّبَاب