الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
0143 -
حدَّثنا مُسَدَّدٌ حدَّثنا حُصَيْنُ بنُ نُمَيْرٍ عنْ حُصَيْنِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمانِ عنْ سَعِيدِ ابنِ جُبَيْرٍ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا قَالَ خرَجَ عَلَيْنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَاً قَالَ عُرِضَتْ علَيَّ الأُمَمُ ورأيْتُ سَوَادَاً كَثِيرَاً سَدَّ الأُفُقَ فَقِيلَ هَذَا مُوسَى فِي قَوْمِهِ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة للجزء الْأَخير مِنْهَا، وحصين، بِضَم الْحَاء وَفتح الصَّاد الْمُهْمَلَتَيْنِ: ابْن نمير: مصغر النمر الْحَيَوَان الْمَشْهُور أَبُو محسن الوَاسِطِيّ، وَشَيْخه حُصَيْن كَذَلِك ابْن عبد الرَّحْمَن السّلمِيّ أَبُو الْهُذيْل الْكُوفِي.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا مطولا فِي الطِّبّ عَن مُسَدّد أَيْضا وَفِي الرقَاق عَن عمرَان بن ميسرَة وَعَن أسيد بن زيد مَقْرُونا بِحَدِيث عمرَان بن ميسرَة وَفِي الرقَاق أَيْضا عَن إِسْحَاق. وَأخرجه مُسلم فِي الْإِيمَان عَن سعيد بن مَنْصُور وَعَن أبي بكر بن أبي شيبَة. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي الزّهْد عَن أبي حُصَيْن عبد الله بن أَحْمد بِطُولِهِ: وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الطِّبّ عَن أبي حُصَيْن بِهِ.
قَوْله: (سواداً)، وَهُوَ الَّذِي يعبر بِهِ عَن الْجَمَاعَة الْكَثِيرَة. قَوْله:(سد الْأُفق) ، والأفق بالضمتين وَاحِد آفَاق السَّمَاء وَالْأَرْض، وَهِي نواحيهما. وَقَالَ ابْن الْأَثِير: وَيجوز أَن يكون الْأُفق وَاحِدًا وجمعاً: كالفلك، وَقَالَ ابْن التِّين: وَالَّذِي يدل عَلَيْهِ الحَدِيث أَن أمة مُوسَى أَكثر الْأُمَم بعد أمة النَّبِي صلى الله عليه وسلم. قلت: ظَاهر الحَدِيث يدل صَرِيحًا على كَثْرَة أمة مُوسَى، عليه الصلاة والسلام، وَالله أعلم.
23 -
(بابُ قَوْلِ الله تعالَى {وضَرَبَ الله مَثَلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأةَ فِرْعَوْنَ} إِلَى قَوْله: {وكَانَتْ مِنَ القَانِتِينَ} (التَّحْرِيم:
11) .)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان آسِيَة بنت مُزَاحم امْرَأَة فِرْعَوْن الَّتِي ذكرهَا الله تَعَالَى فِي قَوْله: {وَضرب الله مثلا للَّذين آمنُوا امْرَأَة فِرْعَوْن إِذْ قَالَت رب ابْن لي عنْدك بَيْتا فِي الْجنَّة ونجني من فِرْعَوْن وَعَمله ونجني من الْقَوْم الظَّالِمين وَمَرْيَم ابْنة عمرَان الَّتِي أحصنت فرجهَا فنفخنا فِيهِ من رُوحنَا وصدقت بِكَلِمَات رَبهَا وَكتبه وَكَانَت من القانتين} (التَّحْرِيم: 11) . قَوْله: (ضرب الله مثلا) إِلَى آخِره، مثَّل حَال الْمُؤمنِينَ فِي أَن وصلَة الْكَافرين لَا تَضُرهُمْ وَلَا تنقص شَيْئا من ثوابهم وزلفاهم عِنْد الله بِحَال امْرَأَة فِرْعَوْن ومنزلتها عِنْد الله مَعَ كَونهَا امْرَأَة أعدى أَعدَاء الله النَّاطِق بِالْكَلِمَةِ الْعُظْمَى، وَأَرَادَ بِامْرَأَة فِرْعَوْن: آسِيَة بنت مُزَاحم، لما غلب مُوسَى سحرة فِرْعَوْن: أمنت، فَلَمَّا تبين إيمَانهَا لفرعون وَثبتت عَلَيْهِ أوتد يَديهَا ورجليها بأَرْبعَة أوتاد وَأَلْقَاهَا فِي الشَّمْس وَأمر بصخرة عَظِيمَة فَتلقى عَلَيْهَا، فَلَمَّا أَتَوا بالصخرة قَالَت: رب ابْن لي عنْدك بَيْتا فِي الْجنَّة! فَأَبْصَرت بَيتهَا فِي الْجنَّة من درة بَيْضَاء، وانتزع الله روحها فألقيت الصَّخْرَة عَلَيْهَا وَلَيْسَ فِي جَسدهَا روح، فَلم تَجِد ألماً من عَذَاب فِرْعَوْن. وَعَن الْحسن وَابْن كيسَان: رفع الله امْرَأَة فِرْعَوْن إِلَى الْجنَّة فَهِيَ فِيهَا تَأْكُل وتشرب. قَوْله: (وَمَرْيَم ابْنة عمرَان) عطف على: امْرَأَة فِرْعَوْن، أَي: وَضرب الله مثلا للَّذين آمنُوا مَرْيَم ابْنة عمرَان وَمَا أُوتيت من الْكَرَامَة من كرامات الدُّنْيَا وَالْآخِرَة والاصطفاء على نسَاء الْعَالمين مَعَ أَن قَومهَا كَانُوا كفَّارًا. قَوْله: (وَكَانَت من القانتين) أَي: من الْقَوْم القانتين، وَلذَلِك لم يقل: من القانتات، وآسية هِيَ بنت مُزَاحم ابْنة عَم فِرْعَوْن، وَقيل: إِنَّهَا من العماليق، وَقيل من بني إِسْرَائِيل من سبط مُوسَى، وَقَالَ السُّهيْلي: هِيَ عمَّة مُوسَى وَكَانَت لَهَا فراسة حِين قَالَت: قُرَّة عين لي وَلَك، وَإِنَّمَا ذكر الْآيَة المتضمنة لقضية مَرْيَم لكَونهَا مَذْكُورَة مَعَ آسِيَة. وَلَيْسَ مَقْصُوده من التَّرْجَمَة إلَاّ ذكر آسِيَة.
1143 -
حدَّثنا يَحْيَى بنُ جَعْفَرٍ حدَّثنا وَكِيعٌ عنْ شُعْبَةَ عنْ عَمْرِو بنِ مُرَّةَ عنْ مُرَّةَ الهَمْدَانِيِّ عنْ أبِي مُوسَى رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ قَالَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم كَملَ مِنَ الرِّجالِ كَثِيرٌ ولَمْ يَكْمُلْ مِنَ النِّسَاءِ إلَاّ آسِيَةُ امْرَأةُ فِرْعَوْنَ ومَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ وإنَّ فَضْلَ عائِشَةَ علَى النِّسَاءِ كفَضْلِ الثَّرِيدِ علَى سائِرِ الطَّعَامِ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة جدا لِأَن المُرَاد من قَوْله: (امْرَأَة فِرْعَوْن) هِيَ آسِيَة. وَيحيى بن جَعْفَر بن أعين أَبُو زَكَرِيَّا البُخَارِيّ البيكندي وَهُوَ من أَفْرَاده، مَاتَ سنة ثَلَاث وَأَرْبَعين وَمِائَتَيْنِ، وَعَمْرو بن مرّة، بِضَم الْمِيم وَتَشْديد الرَّاء: الْمرَادِي الْأَعْمَى الْكُوفِي، مر فِي كتاب الصَّلَاة، وَمرَّة الْهَمدَانِي هُوَ مرّة بن شرَاحِيل الْكُوفِي كَانَ يُصَلِّي كل يَوْم ألف رَكْعَة، وَلما كبر كَانَ لَهُ وتد يعْتَمد عَلَيْهِ،
وَأَبُو مُوسَى هُوَ عبد الله بن قيس الْأَشْعَرِيّ.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي فضل عَائِشَة عَن عَمْرو بن مَرْزُوق وَفِي الْأَطْعِمَة عَن بنْدَار عَن غنْدر، وَأخرجه مُسلم فِي الْفَضَائِل عَن أبي بكر وَأبي كريب وَعَن مُحَمَّد بن الْمثنى وَابْن بشار وَعَن عبيد الله بن معَاذ. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي الْأَطْعِمَة عَن مُحَمَّد بن الْمثنى بِهِ، وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي المناقب وَفِي عشرَة النِّسَاء عَن قُتَيْبَة بِقصَّة مَرْيَم وآسية وَعَن عَمْرو بن عَليّ كَذَلِك وَعَن إِسْمَاعِيل بن مَسْعُود بِقصَّة فضل عَائِشَة. وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي الْأَطْعِمَة عَن مُحَمَّد بن بشار بِتَمَامِهِ.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (كمل) ، بِضَم الْمِيم وَفتحهَا وَكسرهَا، ثَلَاث لُغَات، وَالْمرَاد من الْكَمَال: التناهي فِي جَمِيع فَضَائِل الرِّجَال، قَوْله:(وَلم يكمل من النِّسَاء إلَاّ آسِيَة امْرَأَة فِرْعَوْن وَمَرْيَم بنت عمرَان) ، وَقد اسْتدلَّ بَعضهم بِهَذَا على أَن آسِيَة وَمَرْيَم نبيتان، لِأَن أكمل النَّوْع الإنساني الْأَنْبِيَاء ثمَّ الْأَوْلِيَاء وَالصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاء، فَلَو كَانَتَا غير نبيتين للَزِمَ أَن لَا يكون فِي النِّسَاء ولية وَلَا صديقَة وَلَا شهيدة، وَفِي نفس الْأَمر إِن هَذِه الصِّفَات مَوْجُودَة فِي كثير مِنْهُنَّ فَكَأَنَّهُ قَالَ: لم تنبأ من النِّسَاء إِلَّا فُلَانَة وفلانة. وَمنع بِأَنَّهُ لَا يلْزم من لَفظهَا الْكَمَال نبوتهما إِذْ هُوَ يُطلق على إتْمَام الشَّيْء وتناهيه فِي بَابه، فَالْمُرَاد تناهيهما فِي جَمِيع الْفَضَائِل الَّتِي للنِّسَاء، وَقَالَ الْكرْمَانِي: وَقد نقل الْإِجْمَاع على عدم النُّبُوَّة للنِّسَاء. قلت: وَقد نقل عَن الْأَشْعَرِيّ أَن من النِّسَاء من نبيء وَهن سِتّ: حَوَّاء وَسَارة وَأم مُوسَى وَهَاجَر وآسية وَمَرْيَم، وَقد ثَبت مَجِيء الْملك لبعضهن فِي الْقُرْآن، وَقد قَالَ الله تَعَالَى بعد أَن ذكر مَرْيَم والأنبياء بعْدهَا:{أُولَئِكَ الَّذين أنعم الله عَلَيْهِم من النَّبِيين} (مَرْيَم: 85) . فَدخلت فِي عُمُومه، وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: الصَّحِيح أَن مَرْيَم نبية لِأَن الله أوحى إِلَيْهَا بِوَاسِطَة الْملك وَأما آسِيَة فَلم يرد مَا يدل على نبوتها. قَوْله: (وَإِن فضل عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، على النِّسَاء) أَي: على نسَاء هَذِه الْأمة فِي الْفَضِيلَة وَلَيْسَ فِيهِ مَا يدل على الْأَفْضَلِيَّة، لِأَنَّهُ، صلى الله عليه وسلم، شبه فَضلهَا بِفضل الثَّرِيد على غَيره من الطَّعَام لما فِيهِ من تيسير المؤونة وسهولة الإساغة، وَكَانَ أجل أطعمتهم يَوْمئِذٍ، وكل هَذِه الْخِصَال لَا تَسْتَلْزِم الْأَفْضَلِيَّة لَهَا من كل وَجه.
وَقد ورد من طَرِيق صَحِيح مَا يَقْتَضِي أَفضَلِيَّة خَدِيجَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، على غَيرهَا، وَهُوَ مَا رُوِيَ من حَدِيث عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: خير نسائها خَدِيجَة، وَسَيَأْتِي إِن شَاءَ الله تَعَالَى. وَورد أَيْضا مَا يَقْتَضِي أَفضَلِيَّة خَدِيجَة وَفَاطِمَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، فِيمَا أخرجه أَحْمد وَابْن حبَان وَأَبُو يعلى وَالطَّبَرَانِيّ وَأَبُو دَاوُد فِي كتاب الزّهْد وَالْحَاكِم، كلهم من طَرِيق مُوسَى بن عقبَة عَن كريب عَن ابْن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، قَالَ: قَالَ رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم:(أفضل نسَاء أهل الْجنَّة خَدِيجَة بنت خويلد وَفَاطِمَة بنت مُحَمَّد وَمَرْيَم ابْنة عمرَان وآسية امْرَأَة فِرْعَوْن) . وَله شَاهد من حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي (الْأَوْسَط) وَأحمد فِي (مُسْنده) من حَدِيث أبي سعيد رَفعه: فَاطِمَة سيدة نسَاء أهل الْجنَّة إلَاّ مَا كَانَ من مَرْيَم بنت عمرَان. وَعَن أنس، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: (حَسبك من نسَاء الْعَالمين بِأَرْبَع: مَرْيَم بنت عمرَان وآسية امْرَأَة فِرْعَوْن وَخَدِيجَة بنت خويلد وَفَاطِمَة بنت مُحَمَّد) . رَوَاهُ أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن عَسَاكِر. وَعَن ابْن عَبَّاس، قَالَ:(خطّ رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم، فِي الأَرْض أَرْبَعَة خطوط، فَقَالَ: أَتَدْرُونَ مَا هَذَا؟ قَالُوا: الله وَرَسُوله أعلم. فَقَالَ رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم: أفضل نسَاء أهل الْجنَّة خَدِيجَة بنت خويلد وَفَاطِمَة بنت مُحَمَّد وَمَرْيَم بنت عمرَان وآسية بنت مُزَاحم امْرَأَة فِرْعَوْن) . رَوَاهُ النَّسَائِيّ وَأَبُو يعلى وَابْن عَسَاكِر، وروى الإِمَام أَحْمد من حَدِيث أبي سعيد، قَالَ: قَالَ رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم:(فَاطِمَة سيدة نسَاء أهل الْجنَّة إلَاّ مَا كَانَ من مَرْيَم بنت عمرَان) . وَهَذَا يدل على أَن فَاطِمَة وَمَرْيَم أفضل هَذِه الْأَرْبَع، ثمَّ يحْتَمل الِاسْتِثْنَاء أَن تكون مَرْيَم أفضل من فَاطِمَة، وَيحْتَمل أَن تَكُونَا على السوَاء فِي الْفَضِيلَة، لَكِن ورد حَدِيث، إِن صَحَّ عين الِاحْتِمَال الأول، وَهُوَ مَا رُوِيَ: أَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم:(سيدة نسَاء أهل الْجنَّة مَرْيَم بنت عمرَان ثمَّ فَاطِمَة ثمَّ خَدِيجَة ثمَّ آسِيَة امْرَأَة فِرْعَوْن) . رَوَاهُ ابْن عَسَاكِر، فَإِن كَانَ هَذَا اللَّفْظ مَحْفُوظًا: بثم، الَّتِي للتَّرْتِيب فَهُوَ مُبين لأحد الإحتمالين اللَّذين دلّ عَلَيْهِمَا الِاسْتِثْنَاء، وَيقدم على مَا تقدم من الْأَلْفَاظ الَّتِي وَردت: بواو الْعَطف الَّتِي لَا تَقْتَضِي التَّرْتِيب وَلَا تنفيه، وَقد روى هَذَا الحَدِيث أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ بِإِسْنَادِهِ إِلَى ابْن عَبَّاس مَرْفُوعا، وَذكره: بواو الْعَطف لَا بثم، الَّتِي للتَّرْتِيب فخالفه إِسْنَادًا ومتناً.
قَوْله: (كفضل الثَّرِيد) هُوَ من ثردت الْخَبَر ثرداً إِذا كَسرته فَهُوَ ثريد ومثرود، وَالِاسْم: الثردة، بِالضَّمِّ