الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(الفخار) ، بِفَتْح الْفَاء وَتَشْديد الْخَاء، وَهُوَ ضرب من الخزف يعْمل مِنْهُ الجرار والكيزان وَغَيرهَا.
ويُقَالُ مُنْتِنٌ يُرِيدُونَ بِهِ صَلَّ كَما يُقالُ صَرَّ البابُ وصَرْصَرَ عِنْدَ الإغْلَاقِ مِثْلُ كَبْكَبَتُهُ يَعْنِي كَبَبْتُهُ
أَرَادَ بِهَذَا أَنه جَاءَ فِي اللُّغَة: صلصال، بِمَعْنى: منتن، وَمِنْه: صل اللَّحْم يصل صلولاً أَي: انتن، مطبوخاً كَانَ أَو نياً. وَأَشَارَ بقوله: يُرِيدُونَ بِهِ صَلَّ، إِلَى أَن أصل: صلصل، الَّذِي هُوَ الْمَاضِي: صل، فضوعف فَاء الْفِعْل فَصَارَ صلصل، كَمَا يُقَال: صر الْبَاب إِذا صَوت عِنْد الإغلاق، فضوعف فِيهِ كَذَلِك، فَقيل: صَرْصَر كَمَا يُقَال: كبكبته فِي كببته بِتَضْعِيف الْكَاف، يُقَال كبيت الْإِنَاء أَي: قلبته.
فَمَرَّتْ بِهِ اسْتَمَرَّ بِها الحَمْلُ فأتَمَّتْهُ
أَشَارَ بِهِ إِلَى مَا فِي قَوْله تَعَالَى: {فَلَمَّا تغشاها حملت حملا خَفِيفا فمرت بِهِ} (الْأَعْرَاف: 981) . وفسرها بقوله: اسْتمرّ بهَا الْحمل حَتَّى وَضعته. وَالضَّمِير فِي قَوْله: فمرت بِهِ، يرجع إِلَى حَوَّاء، عَلَيْهَا الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَسَيَأْتِي هَذَا فِي تَفْسِير سُورَة الْأَعْرَاف.
أنْ لَا تَسْجُدَ أنْ تَسْجُدَ
أَشَارَ بِهِ إِلَى مَا فِي قَوْله تَعَالَى: {مَا مَنعك ألَاّ تَسجد} (الْأَعْرَاف: 21) . ثمَّ نبه على أَن كلمة: لَا، صلَة كَذَلِك فسره بقوله: أَن تسْجد، وَقيل: فِيهِ حذف تَقْدِيره: مَا مَنعك من السُّجُود فأحوجك أَن لَا تسْجد إِذا أَمرتك.
2 -
(بابُ قَوْل الله تَعَالَى: {وإذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إنِّي جاعِلٌ فِي الأرْضِ خَلِيفَةً} (الْبَقَرَة:
03) .)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان قَوْله تَعَالَى: {وَإِذ قَالَ رَبك
…
} إِلَى آخِره، يَعْنِي: أذكر يَا مُحَمَّد حِين قَالَ رَبك للْمَلَائكَة
…
الْآيَة، أخبر الله تَعَالَى بامتنانه على بني آدم بتنويهه بذكرهم فِي الْمَلأ الْأَعْلَى قبل إيجادهم بقوله:{وَإِذ قَالَ رَبك} وَحكى ابْن حزم عَن أبي عُبَيْدَة أَنه زعم أَن: إِذْ، هَهُنَا زَائِدَة وَأَن تَقْدِير الْكَلَام: وَقَالَ رَبك، ورد عَلَيْهِ ابْن جرير: قَالَ الْقُرْطُبِيّ: وَكَذَا رده جَمِيع الْمُفَسّرين حَتَّى قَالَ الزّجاج هَذَا اجتراء من أبي عُبَيْدَة. قَوْله: (إِنِّي جَاعل فِي الأَرْض خَليفَة)، أَي: قوما يخلف بَعضهم بَعْضًا، قرنا بعد قرن وجيلاً بعد جيل، كَمَا قَالَ تَعَالَى:{وَهُوَ الَّذِي جعلكُمْ خلائف فِي الأَرْض} (الْأَنْعَام: 561 وفاطر: 92) . قَالَ أَكثر الْمُفَسّرين: وَلَيْسَ المُرَاد هُنَا بالخليفة آدم، عليه الصلاة والسلام، فَقَط كَمَا قَالَه طَائِفَة إِذْ لَو كَانَ المُرَاد آدم عينا لم حسن قَول الْمَلَائِكَة:{أَتجْعَلُ فِيهَا من يفْسد فِيهَا ويسفك الدِّمَاء} (الْبَقَرَة: 03) . وَقَوْلهمْ: {أَتجْعَلُ فِيهَا من يفْسد فِيهَا} (الْبَقَرَة: 03) . لَيْسَ على وَجه الِاعْتِرَاض، وَلَا على وَجه الْحَسَد، وَإِنَّمَا هُوَ سُؤال استعلام واستكشاف عَن الْحِكْمَة فِي ذَلِك مَعَ أَن فيهم من يفْسد فِي الأَرْض ويسفك الدِّمَاء، فَإِن كَانَ المُرَاد عبادتك فَنحْن نُسَبِّح بحَمْدك ونقدس لَك، أَي: نصلي، وَلَا يصدر منا شَيْء خلاف ذَلِك، فَقَالَ الله تَعَالَى: فِي جوابهم {إِن أعلم مَا لَا تعلمُونَ} (الْبَقَرَة: 03) . أَي: إِنِّي أعلم بِالْمَصْلَحَةِ الراجحة فِي خلق هَذَا الصِّنْف على الْمَفَاسِد الَّتِي ذكرتموها، فَإِنِّي سأجعل فيهم الْأَنْبِيَاء وَالرسل، وَيُوجد فيهم الصديقيون وَالشُّهَدَاء والصالحون والعبَّاد والزهاد والأولياء والأبرار المقربون وَالْعُلَمَاء الْعَامِلُونَ والخاشعون والمتبعون رسله، وَفِي هَذَا الْمقَام مقَال كثير لَيْسَ هَذَا الْكتاب مَوْضِعه، وَإِنَّمَا ذكرنَا نبذة مِنْهُ لأجل التَّرْجَمَة.
قَالَ ابنُ عَبَّاسٍ {لمَّا عَلَيْهَا حَافِظ} (الطارق: 4) . إلَاّ عليْها حافِظٌ
أَشَارَ بِهِ إِلَى مَا فِي قَوْله تَعَالَى: {إِن كل نفس لما عَلَيْهَا حَافظ} (الطارق: 4) . ثمَّ فسر بِأَن: لما، هُنَا بمعني: إلَاّ الَّتِي هِيَ حرف الِاسْتِثْنَاء، وَاخْتلف الْقُرَّاء فِي تَشْدِيد: لما، وتخفيفه، فَقَرَأَ ابْن عَامر وَحَمْزَة وَالْكسَائِيّ بِالتَّشْدِيدِ على أَن تكون: إِن، نَافِيَة، وَتَكون: لما بِمَعْنى إلَاّ، وَهِي لُغَة هُذَيْل، يَقُولُونَ نشدتك الله لما قُمْت، يعنون: إِلَّا قُمْت، وَالْمعْنَى: مَا نفس إلَاّ عَلَيْهَا حَافظ من ربَّها، وَالْبَاقُونَ قرأوا بِالتَّخْفِيفِ جعلُوا: مَا، صلَة، وَإِن، مُخَفّفَة من الثَّقِيلَة أَي: إِن كل نفس لعليها حَافظ من رَبهَا يحفظ عَملهَا ويحصي عَلَيْهَا مَا تكتسب من خير
أَو شَرّ. وَعَن ابْن عَبَّاس: هم الْحفظَة من الْمَلَائِكَة، وَقَالَ قَتَادَة: هم حفظَة يحفظون عَمَلك ورزقك وأجلك، وَقيل: هُوَ الله رَقِيب عَلَيْهَا.
فِي كَبَدٍ فِي شِدَّةِ خَلْقٍ
أَشَارَ بِهِ إِلَى مَا فِي قَوْله تَعَالَى: {لقد خلقنَا الْإِنْسَان فِي كبد} (الْبَلَد: 04) . ثمَّ فسر الكبد بقوله: فِي شدَّة خلق، وَهَكَذَا رَوَاهُ ابْن عُيَيْنَة فِي (تَفْسِيره) : وَأخرجه الْحَاكِم فِي (مُسْتَدْركه) .
ورِياشاً المالُ وَقَالَ غَيْرُهُ الرِّيَاشُ والرِّيشُ واحِدٌ وهُوَ مَا ظَهَرَ مِنَ اللِّبَاسِ
أَشَارَ بِهِ إِلَى مَا فِي قَوْله تَعَالَى: {قد أنزلنَا عَلَيْكُم لباساً يواري سوآتكم ورياشاً} (الْأَعْرَاف: 63) . وَفسّر الرياش: بِالْمَالِ، وَهُوَ قَول ابْن عَبَّاس، وَرَاه ابْن أبي حَاتِم عَنهُ من طَرِيق عَليّ بن أبي طَلْحَة. قَوْله:(وَقَالَ غَيره) أَي: غير ابْن عَبَّاس
…
إِلَى آخِره، قَول أبي عُبَيْدَة، وَقيل: الريش الْجمال والهيئة، وَقيل: المعاش.
مَا تُمْنُونَ النُّطُفَةُ فِي أرْحَامِ النِساءِ
أَشَارَ بِهِ إِلَى مَا فِي قَوْله تَعَالَى: {أَفَرَأَيْتُم مَا تمنون} (الْوَاقِعَة: 85) . ثمَّ فسره بقوله: النُّطْفَة فِي أَرْحَام النِّسَاء، وَهَذَا قَول الْفراء، وَيُقَال: مَنَى الرجل وأمْنَى.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ {إنَّهُ علَى رَجْعِهِ لَقادِرٌ} (الطارق: 8) . النُّطْفَةُ فِي الإحْلِيلِ
يَعْنِي: قَادر على رَجَعَ النُّطْفَة إِلَى الإحليل، وَهَذَا التَّعْلِيق وَصله ابْن جرير من حَدِيث عبد الله بن أبي نجيح عَن عبد الله بن أبي بكر عَن مُجَاهِد، وَفِي لفظ: المَاء، بدل: النُّطْفَة، وَفِي رِوَايَة: إِن شِئْت رَددته من الْكبر إِلَى الشَّبَاب وَمن الصِّبَا إِلَى القطيعة. وَقَالَ ابْن زيد: إِنَّه على حبس ذَلِك المَاء لقادر، وَعَن قَتَادَة مَعْنَاهُ: أَن الله قَادر على بَعثه وإعادته.
كلُّ شَيْءٍ خَلَقَهُ فَهْوَ شَفْعٌ السَّماءُ شَفْعٌ والوِتْرُ الله عز وجل
أَشَارَ بِهِ إِلَى مَا فِي قَوْله تَعَالَى: {وَمن كل شيى خلقنَا زَوْجَيْنِ} (الذاريات: 94) . أَي: كل شَيْء خلقه الله تَعَالَى فَهُوَ شفع. قَوْله: (السَّمَاء مُشَفع) ، مَعْنَاهُ أَنه شفع للْأَرْض، كَمَا أَن الْحَار شفع للبارد مثلا، وَبِهَذَا ينْدَفع وهم من يتَوَهَّم أَن السَّمَوَات سبع فَكيف يَقُول شفع؟ وَهَذَا الَّذِي قَالَه هُوَ قَول مُجَاهِد الَّذِي وَصله الطَّبَرِيّ، وَلَفظه: كل شَيْء خلقه الله شفع: السَّمَاء وَالْأَرْض وَالْبَحْر وَالْبر وَالْجِنّ وَالْإِنْس وَالشَّمْس وَالْقَمَر، وَنَحْو هَذَا شفع، وَالْوتر الله وَحده.
فِي أحْسَنِ تَقْوِيمٍ فِي أحْسَنِ خَلْقٍ
أَشَارَ بِهِ إِلَى مَا فِي قَوْله تَعَالَى: {لقد خلقنَا الْإِنْسَان فِي أحسن تَقْوِيم} (التِّين: 4) . ثمَّ فسره بقوله: فِي أحسن خلق، وَقيل: أحسن تَعْدِيل بشكله وَصورته وتسوية الْأَعْضَاء، وَقيل: فِي أحسن تَقْوِيم فِي أعدل قامة وَأحسن صُورَة، وَذَلِكَ أَنه خلق كل شَيْء مُنَكسًا على وَجهه إلَاّ الْإِنْسَان. وَقَالَ أَبُو بكر بن الطَّاهِر: مزيناً بِالْعقلِ مؤدباً بِالْأَمر مهذباً بالتمييز مديد الْقَامَة يتَنَاوَل مأكوله بِيَمِينِهِ.
أسْفَلَ سافِلِينَ إلَاّ مَنْ آمَنَ
أَشَارَ بِهِ إِلَى مَا فِي قَوْله تَعَالَى: {ثمَّ رددناه أَسْفَل سافلين إِلَّا الَّذين آمنُوا} (التِّين: 5 6) . مَعْنَاهُ: أَن الْإِنْسَان يكون عَاقِبَة أمره، إِذا لم يشْكر نعْمَة تِلْكَ الْخلقَة الْحَسَنَة القويمة السوية، أَن رددناه أَسْفَل من سفل خلقا وتركيباً، يَعْنِي: أقبح من قبح صُورَة وأشوهه خلقَة، وهم أَصْحَاب النَّار، فعلى هَذَا التَّفْسِير الِاسْتِثْنَاء وَهُوَ قَوْله:{إلَاّ الَّذين آمنُوا} (التِّين: 5 6) . مُتَّصِل ظَاهر الِاتِّصَال، وَقيل: السافلون الضعفى والهرمَى والزمنَى، لِأَن ذَاك التَّقْوِيم يَزُول عَنْهُم ويتبدل خلقهمْ، فعلى هَذَا الِاسْتِثْنَاء مُنْقَطع، فَالْمَعْنى: لَكِن الَّذين كَانُوا صالحين من الهرمى {فَلهم أجر} (التِّين: 5 6) . دَائِم {غير ممنون} (التِّين: 5 6) . أَي: غير مَقْطُوع على طاعتهم وصبرهم على ابتلاء الله بالشيخوخة
والهرم، وعَلى مقاساة المشاق وَالْقِيَام بِالْعبَادَة، فَيكْتب لَهُم فِي حَال هرمهم وخرفهم مثل الَّذين كَانُوا يعْملُونَ فِي حَال شبابهم وصحتهم.
خُسْرٍ ضَلَالٌ ثُمَّ اسْتَثْناى إلَاّ مَنْ آمَنَ
أَشَارَ بِهِ إِلَى مَا فِي قَوْله تَعَالَى: {إِن الْإِنْسَان لفي خسر} (الْعَصْر: 2) . ثمَّ فسر الخسر بالضلال، ثمَّ اسْتثْنى الله تَعَالَى من أهل الخسر {الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات} (الْعَصْر: 3) . لَازِبٍ لازِمٌ
أَشَارَ بِهَذَا إِلَى مَا فِي قَوْله تَعَالَى: {إِنَّا خلقناهم من طين لازب} (الصافات: 11) . أَي: لَازم، وَهَكَذَا رُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس من طَرِيق عَليّ بن أبي طَلْحَة عَنهُ.
نُنْشِئَكُمْ فِي أيِّ خَلْقٍ نَشَاءُ
أَشَارَ بِهَذَا إِلَى مَا فِي قَوْله تَعَالَى: {وننشئكم فِيمَا لَا تعلمُونَ} (الْوَاقِعَة: 16) . ثمَّ فسر ذَلِك بقوله: فِي أَي خلق نشَاء.
نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ نُعَظِّمُكَ
أَشَارَ بِهِ إِلَى مَا فِي قَوْله تَعَالَى: {وَنحن نُسَبِّح بحَمْدك} (الْبَقَرَة: 03) . ثمَّ فسر ذَلِك بقوله: نعظمك، وَكَذَا رُوِيَ عَن مُجَاهِد.
وَقَالَ أبُو الْعالِيَةِ {فتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ} (الْبَقَرَة: 73) . فَهْوَ قَوْلُهُ {رَبَّنا ظلَمْنا أنْفُسَنا} (الْأَعْرَاف: 32) .
أَبُو الْعَالِيَة اسْمه رفيع بن مهْرَان الريَاحي، أدْرك الْجَاهِلِيَّة وَأسلم بعد موت النَّبِي صلى الله عليه وسلم، بِسنتَيْنِ وَدخل على أبي بكر الصّديق، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَصلى خلف عمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وروى عَن جمَاعَة من الصَّحَابَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم. وَقد فسر أَبُو الْعَالِيَة الْكَلِمَات فِي قَوْله تَعَالَى:{فَتلقى آدم من ربه كَلِمَات} (الْبَقَرَة: 73) . بقوله تَعَالَى: {رَبنَا ظلمنَا أَنْفُسنَا وَإِن لم تغْفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين} (الْأَعْرَاف: 32) . وَرُوِيَ ذَلِك أَيْضا عَن مُجَاهِد وَسَعِيد بن جُبَير وَالْحسن الْبَصْرِيّ وَالربيع بن أنس وَقَتَادَة وَمُحَمّد بن كَعْب الْقرظِيّ وخَالِد بن معدان وَعَطَاء الْخُرَاسَانِي وَعبد الرَّحْمَن بن زيد بن أسلم. وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق السبيعِي: عَن رجل من بني تَمِيم، قَالَ: أتيت ابْن عَبَّاس فَسَأَلته: مَا الْكَلِمَات الَّتِي تلقى آدم، عليه الصلاة والسلام، من ربه؟ قَالَ: علم آدم شَأْن الْحَج.
فأزَلَّهُمَا فاسْتَزَلَّهُمَا
أَشَارَ بِهَذَا إِلَى مَا فِي قَوْله تَعَالَى: {فأزلهما الشَّيْطَان عَنْهَا فأخرجهما مِمَّا كَانَا فِيهِ} (الْبَقَرَة: 83) . ثمَّ فسره بقوله: فاستزلهما، أَي: دعاهما إِلَى الزلة. وَفِي (تَفْسِير ابْن كثير) : يَصح أَن يكون الضَّمِير عَائِدًا إِلَى الْجنَّة، فَيكون الْمَعْنى كَمَا قَرَأَ حَمْزَة وَعَاصِم فأزالهما، أَي: نحَّاهما وَيصِح أَن يكون عَائِدًا على أقرب الْمَذْكُورين وَهُوَ الشَّجَرَة، فَيكون الْمَعْنى كَمَا قَالَ الْحسن وَقَتَادَة، فأزلهما، أَي: من قبل الزلل، فَيكون تَقْدِير الْكَلَام: فأزلهما الشَّيْطَان عَنْهَا أَي بِسَبَبِهَا.
ويَتَسَنَّهُ يَتَغَيَّرْ آسِنٌ مُتَغَيِّرٌ والْمَسْنُونُ المُتَغَيِّرُ
أَشَارَ بِهَذَا إِلَى مَا فِي قَوْله تَعَالَى: {فَانْظُر إِلَى طَعَامك وشرابك لم يتسنه} (الْبَقَرَة: 952) . أَي: لم يتَغَيَّر، وَأَشَارَ بقوله: آسن إِلَى مَا فِي قَوْله تَعَالَى: {فِيهَا أَنهَار من مَاء غير آسن} (مُحَمَّد: 51) . أَي: غير متغير، وَأَشَارَ بقوله: والمسنون، إِلَى مَا فِي قَوْله تَعَالَى:{من حمأ مسنون} (الْحجر: 62، و 82 و 33) . أَي: من طين متغير، وكل هَذِه من مَادَّة وَاحِدَة. وَقَالَ الْكرْمَانِي: فَإِن قلت: مَا وَجه تعلقه بِقصَّة آدم عليه السلام؟ قلت: ذكر بتبعية الْمسنون لِأَنَّهُ قد يُقَال باشتقاقه مِنْهُ. انْتهى. قلت: الدَّاعِي إِلَى هَذَا السُّؤَال وَالْجَوَاب هُوَ أَن جَمِيع مَا ذكره من الْأَلْفَاظ من أول الْبَاب إِلَى الحَدِيث الَّذِي يَأْتِي مُتَعَلق بِآدَم وأحواله، غير قَوْله: يتسنه، فَإِنَّهُ مُتَعَلق بقضية عُزَيْر، عليه السلام، وَغير قَوْله: آسن، فَإِنَّهُ مُتَعَلق بِالْمَاءِ، فَلذَلِك سَأَلَ وَأجَاب، وَمَعَ هَذَا قَالَ: وأمثال هَذِه تَكْثِير لحجم الْكتاب لَا تَكْثِير
للفوائد. وَالله تَعَالَى أعلم بمقصوده. قلت: لَا يَخْلُو عَن زِيَادَة فَائِدَة، وَلَكِن كِتَابه مَوْضُوع لبَيَان الْأَحَادِيث لَا لبَيَان اللُّغَات لألفاظ الْقُرْآن.
حَمإٍ جَمْعُ حَمأةٍ وهْوَ الطِّينُ الْمُتَغَيِّرُ
أَشَارَ بِهَذَا إِلَى مَا فِي قَوْله تَعَالَى: {من حمإٍ مسنون} (الْحجر: 62، 82، 33) . وَقَالَ: الحمأ جمع حمأة، ثمَّ فسره بقوله: وَهُوَ الطين الْمُتَغَيّر، وَكَذَا فسره أَبُو عُبَيْدَة.
يَخْصِفَانِ أخَذَا الخِصَافَ مِنْ ورَقِ الجَنَّةِ يُؤلَّفَانِ الوَرَقَ ويَخْصِفَانِ بَعْضَهُ إلَى بَعْضٍ
أَشَارَ بِهِ إِلَى مَا فِي قَوْله تَعَالَى: {فبدت لَهما سوآتهما وطفقا يخصفان عَلَيْهِمَا من ورق الْجنَّة} (طه: 121) . ثمَّ فسر: يخصفان، بقوله: أخذا، أَي آدم وحواء، عليهما السلام، الْخصاف، وَهُوَ بِكَسْر الْخَاء الْمُعْجَمَة وَتَخْفِيف الصَّاد الْمُهْملَة: جمع خصفة، بِالتَّحْرِيكِ وَهِي الْحلَّة الَّتِي تعْمل من الخوص للتمر. وَيجمع على: خصف، أَيْضا بِفتْحَتَيْنِ. قَوْله:(يؤلفان الْوَرق) أَي: ورق الشّجر، ويخصفان يَعْنِي: يلزقان بعضه بِبَعْض ليسترا بِهِ عوراتهما، وَكَذَلِكَ الإختصاف، وَمِنْه قَرَأَ الْحسن: يخصفان، بِالتَّشْدِيدِ إلَاّ أَنه أدغم التَّاء فِي الصَّاد. وَعَن مُجَاهِد فِي (تَفْسِير) قَوْله:(يخصفان)، أَي: يرقعان كَهَيئَةِ الثَّوْب، وَتقول الْعَرَب: خصفت النَّعْل أَي: خرزتها.
وسَوْآتُهما كِنَايَةٌ عنْ فَرْجِهِمَا
أَشَارَ بِهَذَا إِلَى مَا فِي قَوْله تَعَالَى: {بَدَت لَهما سوآتهما} (طه: 121) . ثمَّ فسر السوأة بِأَنَّهَا كِنَايَة عَن الْفرج، وَكَذَا فسره أَبُو عُبَيْدَة، وفرجهما بِالْإِفْرَادِ، ويروى: وفرجيهما، بالتثنية وَالضَّمِير يرجع إِلَى آدم وحواء.
ومتاعٌ إلَى حِينٍ هاهُنَا إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ والحِينُ عِنْدَ الْعَرَبِ مِنْ ساعَةٍ إِلَيّ مَا لَا يُحْصَى عَددُهُ
أَشَارَ بِهَذَا إِلَى مَا فِي قَوْله تَعَالَى: {وَلكم فِي الأَرْض مُسْتَقر ومتاع إِلَى حِين} (الْبَقَرَة: 63، والأعراف: 42) . ثمَّ فسر الْحِين بِأَنَّهُ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة، وَكَذَا رَوَاهُ الطَّبَرِيّ بِإِسْنَادِهِ عَن ابْن عَبَّاس، وَأَشَارَ بقوله:(والحين عِنْد الْعَرَب) إِلَى أَن لفظ: الْحِين، يسْتَعْمل لمعانٍ كَثِيرَة، وَالْحَاصِل أَن الْحِين فِي الأَصْل بِمَعْنى الْوَقْت.
قَبِيلُهُ جِيلُهُ الَّذِي هُوَ مِنْهُمْ
أَشَارَ بِهَذَا إِلَى مَا فِي قَوْله تَعَالَى: {إِنَّه يراكم هُوَ وقبيله} (الْأَعْرَاف: 72) . ثمَّ فسر قبيله، أَي: قبيل الشَّيْطَان بِأَنَّهُ جيله، بِكَسْر الْجِيم، أَي: جماعته الَّذين هُوَ أَي الشَّيْطَان مِنْهُم، وروى الطَّبَرِيّ عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: وقبيله، قَالَ: الْجِنّ وَالشَّيَاطِين.
6233 -
حدَّثني عَبْدُ الله بنُ مُحَمَّدٍ حدَّثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عنْ مَعْمَرٍ عنْ هَمَّامٍ عنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ عنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ خَلَقَ الله آدَمَ وطُولَهُ سِتُّونَ ذِرَاعَاً ثُمَّ قَالَ إذْهَبْ فَسَلِّمْ علَى أُولَئِكَ مِنَ المَلائِكَةِ فاسْتَمِعْ مَا يُحَيُّونَكَ تَحِيَّتُكَ وتَحِيَّةُ ذُرِّيَّتِكَ فَقَالَ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ فَقَالُوا السَّلَامُ عَلَيْكَ ورَحْمَةُ الله فزَادُوهُ ورَحْمَةُ الله فَكُل مَنْ يَدْخلُ الجَنَّةَ على صُورَةِ آدَمَ فلَمْ يَزَلِ الخَلْقُ يَنْقُصُ حَتَّى الآنَ. (الحَدِيث 6233 طرفه فِي: 7226) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، لَا سِيمَا إِذا كَانَ المُرَاد من الْخَلِيفَة فِي الْآيَة الْمَذْكُورَة هُوَ آدم، عليه الصلاة والسلام، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ عَن قريب.
وَعبد الله بن مُحَمَّد هُوَ الْمَعْرُوف بالمسندي، وَعبد الرَّزَّاق بن همام الصَّنْعَانِيّ الْيَمَانِيّ، وَهَمَّام بن مُنَبّه الْأَنْبَارِي الصَّنْعَانِيّ أَخُو وهب بن مُنَبّه.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الاسْتِئْذَان عَن يحيى بن جَعْفَر، وَأخرجه مُسلم فِي صفة الْجنَّة عَن مُحَمَّد بن رَافع.
قَوْله: (وَطوله)، الْوَاو فِيهِ للْحَال. قَوْله:(سِتُّونَ ذِرَاعا)، قَالَ ابْن التِّين: المُرَاد ذراعنا، لِأَن ذِرَاع كل أحد مثل ربعه، وَلَو كَانَت بذراعه لكَانَتْ يَده قَصِيرَة فِي جنب طول جِسْمه كالإصبع وَالظفر، وَقيل: يحْتَمل
أَن يكون بِذِرَاع نَفسه، وَالْأول أشهر. وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: إِن الله تَعَالَى يُعِيد أهل الْجنَّة إِلَى خلقه أصلهم الَّذِي هُوَ آدم، عليه الصلاة والسلام، وعَلى صفته وَطوله الَّذِي خلقَة الله عَلَيْهِ فِي الْجنَّة، وَكَانَ طوله فِيهَا سِتِّينَ ذِرَاعا فِي الِارْتفَاع بذارع نَفسه، قَالَ: وَيحْتَمل أَن يكون هَذَا الذِّرَاع مُقَدرا بأذرعتنا المتعارفة عندنَا، وَقيل: إِنَّه كَانَ يُقَارب أَعْلَاهُ السَّمَاء، وَأَن الْمَلَائِكَة كَانَت تتأذى بنفَسِه، فخفضه الله إِلَى سِتِّينَ ذِرَاعا، وَظَاهر الحَدِيث خِلَافه. وروى ابْن جرير من حَدِيث عَطاء بن أبي رَبَاح، قَالَ: لما خلق الله آدم فِي الْجنَّة كَانَ رِجْلَاهُ فِي الأَرْض وَرَأسه فِي السَّمَاء، يسمع كَلَام أهل السَّمَاء ودعاءهم ويأنس إِلَيْهِم، فهابته الْمَلَائِكَة حَتَّى شكت إِلَى الله ذَلِك فِي دعائها، فخفضه الله إِلَى الأَرْض، وَقَالَهُ قَتَادَة وَأَبُو صَالح عَن ابْن عَبَّاس وَأَبُو يحيى القَتَّات عَن مُجَاهِد عَن ابْن عَبَّاس. وَأخرجه ابْن أبي شيبَة فِي (كتاب الْعَرْش) من حَدِيث طَلْحَة بن عَمْرو الْحَضْرَمِيّ عَن ابْن عَبَّاس. وروى أَحْمد من حَدِيث سعيد ابْن الْمسيب عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا:(كَانَ طول آدم سِتِّينَ ذِرَاعا فِي سَبْعَة أَذْرع عرضا) ، وروى ابْن أبي حَاتِم بِإِسْنَاد حسن عَن أبي بن كَعْب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: أَن الله تَعَالَى خلق آدم رجلا طوَالًا كثير شعر الرَّأْس كَأَنَّهُ نَخْلَة سحوق. قَوْله: (إذْهَبْ فسلِّم) هُوَ أول مَشْرُوعِيَّة السَّلَام، وَهُوَ دَال على أَن تأكده وإفشاءه سَبَب للمحبة الدِّينِيَّة وَدخُول الْجنَّة الْعلية، وَقد قيل بِوُجُوبِهِ. حَكَاهُ الْقُرْطُبِيّ، وَيُؤْخَذ مِنْهُ أَن الْوَارِد على جُلُوس يسلم عَلَيْهِم، وَالْأَفْضَل تَعْرِيفه، فَإِن نكره جَازَ وَفِيه الزِّيَادَة فِي الرَّد على الِابْتِدَاء، وَلَا يشْتَرط فِي الرَّد والإتيان بِالْوَاو. قَوْله:(مَا يحيونك) ، من التَّحِيَّة، ويروى: مَا يجيبونك، من الْإِجَابَة. قَوْله:(تحيتك) بِالرَّفْع على أَنه خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف، أَي: هَذِه تحيتك وتحية ذريتك من بعْدك. قَوْله: (فَكل من يدْخل الْجنَّة على صُورَة آدم صلى الله عليه وسلم ، أَي: كل من يرزقه الله تَعَالَى دُخُول الْجنَّة يدخلهَا وَهُوَ على صُورَة آدم فِي الْحسن وَالْجمال، وَلَا يدْخل على صورته الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا من السوَاد إِن كَانَ من أهل الدُّنْيَا السود، وَلَا يدْخل أَيْضا على صورته الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا يُوصف من العاهات والنقائص. قَوْله: (فَلم يزل الْخلق ينقص)، أَي: من طوله، أَرَادَ أَن كل قرن يكون وجوده أقصر من الْقرن الَّذِي قبله، فَانْتهى تناقص الطول إِلَى هَذِه الْأمة وَاسْتقر الْأَمر على ذَلِك، وَهُوَ معنى قَوْله:(حَتَّى الْآن) .
7233 -
حدَّثنا قُتَيْبَةُ بنُ سَعِيدٍ حدَّثنا جَرِيرٌ عنْ عُمَارَةَ عنْ أبِي زُرْعَةَ عنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ قَالَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم إنَّ أوَّلَ زُمْرَةٍ يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ علَى صُورَةِ القَمَرِ لَيْلَةَ البَدْرِ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ علَى أشَدِّ كَوْكَبٍ دُرِّيٍّ فِي السَّماءِ إِضَاعَة لَا يُبُولُونَ ولَا يَتَغَوَّطُونَ ولَا يَتْفِلونَ ولَا يَمْتَخِطُونَ أمْشَاطُهُمْ الذَّهَبُ ورَشْحُهُمْ المِسْكُ ومَجَامِرُهُمْ الألُوَّةُ الأنْجُوجُ عُودُ الطِّيب وأزْوَاجُهُمْ الحُورُ العِينُ علَى خَلْقِ رَجلٍ واحِدٍ عَلى صُورَةِ أبِيهِمْ آدَمَ سِتُّونَ ذَرَاعَاً فِي السَّمَاءِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (على صُورَة أَبِيهِم) . وَجَرِير، بِفَتْح الْجِيم: هُوَ ابْن عبد الحميد، وَعمارَة، بِضَم الْعين: هُوَ ابْن الْقَعْقَاع، وَأَبُو زرْعَة، بِضَم الزَّاي وَسُكُون الرَّاء: واسْمه هرم، وَقيل: عبيد الله، وَقيل: عبد الرَّحْمَن البَجلِيّ الْكُوفِي.
وَمضى الحَدِيث فِي: بَاب مَا جَاءَ فِي صفة أهل الْجنَّة، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ من طَرِيقين: أَحدهمَا: عَن أبي الْيَمَان عَن شُعَيْب عَن أبي الزِّنَاد عَن الْأَعْرَج عَن أبي هُرَيْرَة، وَالْآخر: عَن إِبْرَاهِيم بن الْمُنْذر عَن مُحَمَّد بن فليح عَن أَبِيه عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي عمْرَة عَن أبي عمْرَة عَن أبي هُرَيْرَة. وَفِي حَدِيث الْبَاب: وَلَا يَتْفلُونَ، مَوضِع: وَلَا يبصقون، فِي الحَدِيث الْمَاضِي، وَفِيه الزِّيَادَة، وَهِي قَوْله:(الأنجوج عود الطّيب) الأنجوج، بِفَتْح الْهمزَة وَسُكُون النُّون وَضم الْجِيم وَفِي آخِره جِيم آخر، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر: وَيُقَال: الألنجوج، بِفَتْح الْهمزَة وَفتح اللَّام وَسُكُون النُّون، وَالْبَاقِي مثله. وَقَالَ الْكرْمَانِي: وَفِيه لُغَتَانِ أخريان: النجج ويلنجج، فَلفظ الأنجوج تَفْسِير الألوة. وَقَوله:(عود الطّيب) تَفْسِير الأنجوج، فَيكون هُوَ تَفْسِير التَّفْسِير، وَقد ذكرنَا: أَن الألوة، بِفَتْح الْهمزَة وَضمّهَا وَضم اللَاّم وَتَشْديد الْوَاو الْمَفْتُوحَة. قَوْله:(على خلق رجل وَاحِد) ، بِضَم الْخَاء وَفتحهَا، وَهُوَ خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف، أَي: هم على خلق رجل وَاحِد. قَوْله: (على صُورَة أَبِيهِم آدم) قَالَ فِي الأول: على صُورَة الْقَمَر، والتوفيق بَينهمَا بِأَن يُقَال: الْكل على صُورَة آدم فِي الطول والخلقة وَبَعْضهمْ فِي الْحسن كصورة الْقَمَر نورا وإشراقاً. قَوْله: (فِي السَّمَاء) أَي: فِي الْعُلُوّ والارتفاع، وَيُسمى كل مَا علاك سَمَاء.
8233 -
حدَّثنا مُسَدَّدٌ حدَّثنا يَحْيى عنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ عنْ أبِيهِ عنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أبي سلَمَةَ عنْ أُمِّ سلَمَةَ أنَّ أمَّ سُلَيْمٍ قالَتْ يَا رسُولَ الله إنَّ الله لَا يَسْتَحُيِي مِنَ الحَقِّ فَهَلْ علَى المَرْأةِ الغسْلُ إذَا احْتَلَمَتْ قَالَ نَعَمْ إذَا رَأتْ المَاءَ فَضَحِكَتْ أُمُّ سَلَمَةَ فقالَتْ تَحْتَلِمُ الْمَرْأةُ فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم فَبِما يُشْبِهُ الوَلَدُ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (فبمَا يشبه الْوَلَد) . وَيحيى هُوَ ابْن سعيد الْقطَّان، وَاسم أمه سَلمَة: هِنْد بنت أبي أُميَّة وَفِي اسْم أم سليم أَقْوَال قد ذَكرنَاهَا، وَهِي: أَن أم أنس بن مَالك. والْحَدِيث مضى فِي كتاب الْغسْل فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن عبد الله بن يُوسُف عَن مَالك عَن هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه عَن زَيْنَب بنت أبي سَلمَة عَن أم سَلمَة، وَهُنَاكَ: نعم إِذا رَأَتْ المَاء، وَقَوله:(فَقَالَت تحتلم) إِلَى آخِره من الزِّيَادَة هُنَا. قَوْله: (فبمَا يشبه الْوَلَد)، ويروى: فَبِمَ، بِدُونِ الْألف أَي: لَوْلَا أَن لَهَا نُطْفَة وَمَاء فَبِأَي سَبَب يشبهها وَلَدهَا.
9233 -
حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ سَلامٍ أخْبرنا الفَزَاريُّ عنْ حُمَيْدٍ عنْ أنَسٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ بلَغَ عبْدَ الله بنَ سَلامٍ مَقْدَمُ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم المَدِينَةَ فأتاهُ فَقَالَ إنِّي سائِلُكَ عنْ ثَلاثٍ لَا يَعْلَمُهُنَّ إلَاّ نَبِيٌّ قَالَ مَا أوَّلُ أشْرَاطِ السَّاعَةِ ومَا أوَّلُ طَعامٍ يَأكُلُهُ أهْلُ الجَنَّةِ ومنْ أيِّ شَيْءٍ يَنْزِعُ الوَلَدُ إلَى أبِيهِ ومِنْ أيِّ شَيْءٍ يَنْزِعُ إِلَى أخْوَالِهِ فَقَالَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم خَبَّرَنِي بِهِنَّ آنِفاً جِبْرِيلُ قَالَ فَقالَ عَبْدُ الله ذَاكَ عَدُوُّ اليَهُودِ مِنَ المَلائِكَةِ فَقَالَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم أمَّا أوَّلُ أشْرَاطِ السَّاعَةِ فَنَارٌ تَحْشُرُ النَّاسَ مِنَ المَشْرِقِ إلاى المَغْرِبِ وأمَّا أوَّلُ طَعامٍ يأكُلُهُ أهْلُ الجَنَّةِ فَزِيَادَةُ كَبِدِ حُوتٍ وأمَّا الشَّبَهُ فِي الوَلَدِ فإنَّ الرَّجُلَ إذَا غَشِيَ الْمَرْأةَ فسَبَقَهَا مَاؤهُ كانَ الشَّبَهُ لَهُ وإذَا سَبَقَ ماؤهَا كانَ الشَّبَهُ لَهَا قَالَ أشهَدُ أنَّكَ رسُولُ الله ثُمَّ قَالَ يَا رسولَ الله إنَّ اليَهُودَ قَوْمٌ بُهُتٌ إنْ عَلِمُوا بإسْلَامِي قَبْلَ أنْ تَسْألَهُمْ بَهَتُونِي عِنْدَكَ فَجَاءَتِ اليَهُودُ ودَخَلَ عَبْدُ الله البَيْتَ فَقال رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أيُّ رَجُلٍ فِيكُمْ عَبْدُ الله بنُ سَلامٍ قالُوا أعْلَمُنا وابنُ أعْلَمُنَا وأخْيَرنَا وابنُ أخْيَرنَا فَقَالَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم أفَرَأيْتُمْ أنْ أسْلَمَ عَبْدُ الله قالُوا أعاذَهُ الله مِنْ ذالِكَ فَخَرَجَ عَبْدُ الله إلَيْهِمْ فَقَالَ أشْهَدُ أنْ لَا إلاهَ إلَاّ الله وأَشْهَدُ أنَّ مُحَمَّداً رسُولُ الله فقالُوا شَرُّنَا وابنُ شرِّنَا ووَقَعُوا فِيهِ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (وَأما الشّبَه) إِلَى قَوْله: (كَانَ الشّبَه لَهَا) لِأَنَّهُ فِي الذُّرِّيَّة والترجمة فِي خلق آدم وَذريته. وَسَلام بتَخْفِيف اللَّام، والفزاري، بِفَتْح الْفَاء وَتَخْفِيف الزَّاي وبالراء: وَهُوَ مَرْوَان بن مُعَاوِيَة.
قَوْله: (بلغ عبد الله مقدم رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَة)، عبد الله مَنْصُوب بقوله: مقدم، وَهُوَ مَرْفُوع على الفاعلية، والمقدم مصدر ميمي بِمَعْنى: الْقدوم، و: الْمَدِينَة نصب على الظَّرْفِيَّة. قَوْله: (عَن ثَلَاث)، أَي: عَن ثَلَاث مسَائِل. قَوْله: (أَشْرَاط السَّاعَة)، أَي: علاماتها، وَهُوَ جمع: شَرط، بِفَتْح الرَّاء وَبِه سميت: شَرط السُّلْطَان، لأَنهم جعلُوا لأَنْفُسِهِمْ عَلَامَات يعلمُونَ بهَا، هَكَذَا قَالَ أَبُو عبيد، وَحكى الْخطابِيّ عَن بعض أهل اللُّغَة: أَنه أنكر هَذَا التَّفْسِير، وَقَالَ:(أَشْرَاط السَّاعَة) مَا يُنكره النَّاس من صغَار أمورها قبل أَن تقوم السَّاعَة، وَشرط السُّلْطَان نخبة أَصْحَابه الَّذين يقدمهم على غَيرهم من جنده، وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: هم الشَّرْط، وَالنِّسْبَة إِلَيْهِم شرطي والشرطة وَالنِّسْبَة إِلَيْهِم شرطي وَفِي (دَلَائِل النُّبُوَّة) للبيهقي. سَأَلَهُ عَن السوَاد الَّذِي فِي الْقَمَر بدل (أَشْرَاط السَّاعَة) وَفِي آخِره: لما قَالَت الْيَهُود مَا قَالُوا فِي ابْن سَلام ثَانِيًا بعد الأولى، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: أجزأنا الشَّهَادَة الأولى، وَأما هَذِه فَلَا. قَوْله:(ينْزع الْوَلَد إِلَى أَبِيه)، أَي: يشبه أَبَاهُ وَيذْهب إِلَيْهِ. قَوْله: (فَزِيَادَة كبد حوت)
زِيَادَة الكبد هِيَ الْقطعَة المنفردة الْمُتَعَلّقَة بالكبد، وَهِي أطيبها، وَهِي فِي غَايَة اللَّذَّة. وَقيل: هِيَ أهنؤ طَعَام وأمرؤه. قَوْله: (إِذا غشي الْمَرْأَة)، أَي: إِذا جَامعهَا. قَوْله: (بهت)، بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة وَضم الْهَاء وسكونها: جمع بهوت، وَهُوَ كثير الْبُهْتَان، وَيُقَال: بهت، أَي: كذابون وممارون لَا يرجعُونَ إِلَى الْحق. قَوْله: (أخيرنا) ، أفعل التَّفْضِيل من الْخَيْر، وَهَذَا دَلِيل من قَالَ: إِن أفعل التَّفْضِيل بِلَفْظ الْأَخير مُسْتَعْمل، وَيُقَال: يرْوى: أخبرنَا، بِالْبَاء الْمُوَحدَة من الْخِبْرَة.
0333 -
حدَّثنا بِشْرُ بنُ مُحَمَّدٍ أخبرَنا عَبْدُ الله أخْبرَنا مَعْمَرٌ عنْ هَمَّامٍ عنْ أبِي هُرَيْرَة رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ عنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَهُ يَعْنِي لَوْلَا بَنُو إسْرَائِيلَ لَمْ يَخْنِزِ اللَّحْمُ ولَوْلَا حَوَّاءُ لَمْ تخُنْ أُنْثَى زَوْجَهَا. (الحَدِيث 0333 طرفه فِي: 9933) .
مطابقته للتَّرْجَمَة يُمكن أَن تكون من حَيْثُ إِن خلق حَوَّاء مُضَاف إِلَى خلق آدم صلى الله عليه وسلم. وَبشر، بِكَسْر الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الشين الْمُعْجَمَة: ابْن مُحَمَّد أَبُو مُحَمَّد الْمروزِي، وَعبد الله هُوَ ابْن الْمُبَارك الْمروزِي.
قَوْله: (نَحوه)، قَالَ بَعضهم: لم يسْبق للمتن الْمَذْكُور طَرِيق يعود عَلَيْهَا هَذَا الضَّمِير، فَكَأَنَّهُ يُشِير إِلَى أَن اللَّفْظ الَّذِي حَدثهُ بِهِ شَيْخه فَهُوَ بِمَعْنى اللَّفْظ الَّذِي سَاقه. قلت: هَذَا مَا فِيهِ كِفَايَة للمقصود، وَلَا لَهُ التئام من جِهَة التَّرْكِيب، لِأَن الَّذِي يَذُوق دقائق التراكيب مَا يرضى بِهَذَا الَّذِي ذكره، بل الظَّاهِر أَن هَهُنَا وَقع سقط جملَة، لِأَن لَفْظَة: نَحوه، أَو: مثله، لَا يذكر إلَاّ إِذا مضى حَدِيث بِسَنَد وَمتْن، ثمَّ إِذا أُرِيد إِعَادَته بِذكر سَنَد آخر يذكر سَنَده وَيذكر عقيبة لفظ: نَحوه، أَو: مثله. أَي: نَحْو الْمَذْكُور، وَلَا يُعَاد ذكر الْمَتْن اكْتِفَاء بِذكر السَّنَد فَقَط، لِأَن لفظ: نَحوه، ينبىء عَن ذَلِك، وَالَّذِي يظْهر لي بالحدس أَن البُخَارِيّ روى قبل هَذَا: عَن مُحَمَّد بن رَافع عَن عبد الرَّزَّاق عَن معمر عَن همام عَن أبي هُرَيْرَة عَن رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم:(لَوْلَا بَنو إِسْرَائِيل لم يخْبث الطَّعَام وَلم يخنز اللَّحْم، وَلَوْلَا حَوَّاء لم تخن أُنْثَى زَوجهَا الدَّهْر) . ثمَّ رَوَاهُ عَن بشر بن مُحَمَّد عَن عبد الله عَن معمر عَن همام عَن أبي هُرَيْرَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم ثمَّ قَالَ: نَحوه، أَي: نَحْو الحَدِيث الْمَذْكُور، ثمَّ فسر ذَلِك بقوله:(يَعْنِي: لَوْلَا بَنو إِسْرَائِيل) إِلَى آخِره وَإِنَّمَا ذكر لفظ: يَعْنِي، إِشَارَة إِلَى أَن الْمَتْن الَّذِي ذكره عبد الله بن الْمُبَارك عَن معمر يغاير الْمَتْن الَّذِي رَوَاهُ عبد الرَّزَّاق عَن معمر بِبَعْض زِيَادَة، وَهُوَ قَوْله: لم يخْبث الطَّعَام، وَفِي آخِره لفظ: الدَّهْر، وَالْبُخَارِيّ روى عَن مُحَمَّد بن رَافع بن أبي زيد النَّيْسَابُورِي، وروى عَنهُ مُسلم أَيْضا. والْحَدِيث الَّذِي ذَكرْنَاهُ هُوَ بِعَيْنِه رِوَايَة مُسلم، وَلَا مَانع أَن يتَّفقَا على الرِّوَايَة عَن مُحَمَّد بن رَافع هَذَا الحَدِيث، فَهَذَا الَّذِي ظهر لنا وَالله أعلم. قَوْله:(لم يخنز اللَّحْم) ، بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة وَفتح النُّون وبالزاي، أَي: لم ينتن، وَيُقَال أَيْضا: خنز، بِكَسْر النُّون يخنز بِفَتْحِهَا من بَاب علم يعلم، وَالْأول من بَاب ضرب يضْرب، وَيُقَال أَيْضا: خزن يخزن على الْقلب مثل: جبذ وجذب. وَقَالَ ابْن سَيّده: خنز اللَّحْم وَالتَّمْر والجوز خنوزاً فَهُوَ خنز إِذا فسد، وَعَن قَتَادَة: كَانَ الْمَنّ والسلوى يسْقط على بني إِسْرَائِيل من طُلُوع الْفجْر إِلَى طُلُوع الشَّمْس كسقوط الثَّلج، فَيُؤْخَذ مِنْهُ بِقدر مَا يُغني ذَلِك الْيَوْم إلَاّ يَوْم الْجُمُعَة فَإِنَّهُم يَأْخُذُونَ لَهُ وللسبت، فَإِن تعدوا إِلَى أَكثر من ذَلِك فسد مَا ادخروا، فَكَانَ ادخارهم فَسَادًا للأطعمة عَلَيْهِم وعَلى غَيرهم. وَقَالَ بَعضهم: لما نزلت الْمَائِدَة عَلَيْهِم أمروا أَن لَا يدخروا فادخروا، وَقيل: يحْتَمل أَن يكون من اعتدائهم فِي السبت، وَقيل: كَانَ سَببه أَنهم أمروا بترك ادخار السلوى فادخروه حَتَّى أنتن، فاستمر نَتن اللحوم من ذَلِك الْوَقْت، أَو لما صَار المَاء فِي أَفْوَاههم دَمًا وانتنوا بذلك سرى ذَلِك النتن إِلَى اللَّحْم وَغَيره عُقُوبَة لَهُم. وَفِي (الْحِلْية) لأبي نعيم: عَن وهب بن مُنَبّه، قَالَ: وجدت فِي بعض الْكتب عَن الله تَعَالَى: لَوْلَا أَنِّي كتبت الفناء على الْمَيِّت لحبسه أَهله فِي بُيُوتهم، وَلَوْلَا أَنِّي كتبت الْفساد على الطَّعَام لخزنته الْأَغْنِيَاء عَن الْفُقَرَاء. قَوْله:(وَلَوْلَا حَوَّاء، عَلَيْهَا الصَّلَاة وَالسَّلَام) ، حَوَّاء بِالْمدِّ، سميت بذلك لِأَنَّهَا أم كل حَيّ، أَو لِأَنَّهَا خلقت من ضلع آدم صلى الله عليه وسلم القصيري الْيُسْرَى، وَهُوَ حَيّ قبل دُخُوله الْجنَّة. وَقيل: فِيهَا. وَمعنى: خلقت، أخرجت كَمَا تخرج النَّخْلَة من النواة، وَمعنى:{لَوْلَا حَوَّاء لم تخن أُنْثَى زَوجهَا} أَنَّهَا دعت آدم إِلَى الْأكل من تِلْكَ الشَّجَرَة، وَذكر الْمَاوَرْدِيّ أَنَّهَا: الْبر، وَقيل: التِّين، وَقيل: الكافور، وَقيل: الْكَرم، وَقيل: شَجَرَة الْخلد الَّتِي كَانَت الْمَلَائِكَة تَأْكُل مِنْهَا.
1333 -
حدَّثنا أبُو كُرَيْبٍ ومُوساى بنُ حِزَامٍ قالَا حدَّثنا حُسَيْنُ بنُ عَلِيٍّ عنْ زَائِدَةَ عنْ مَيْسَرَة الأشْجَعِيِّ عنْ أبِي حازِمٍ عنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ قَالَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم اسْتَوْصُوا بالنِّسَاءِ فإنَّ الْمَرْأةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ وإنَّ أعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلْعِ أعْلَاهُ فإنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ وإنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أعْوَجَ فاسْتَوْصُوا بالنِّسَاءِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة يُمكن أَن يُقَال: إِنَّه لما كَانَ مُشْتَمِلًا على بعض أَحْوَال النِّسَاء، وَهِي من ذُرِّيَّة آدم. والترجمة مُشْتَمِلَة على الذُّرِّيَّة أَيْضا. وَهَذَا وَإِن كَانَ فِيهِ تعسف فَلَا يَخْلُو عَن وَجه، وَهَذَا الْمِقْدَار كافٍ.
ذكر رِجَاله وهم سَبْعَة: الأول: أَبُو كريب، بِضَم الْكَاف بِصِيغَة التصغير: واسْمه مُحَمَّد بن الْعَلَاء. الثَّانِي: مُوسَى ابْن حزَام، بِكَسْر الْحَاء الْمُهْملَة وَتَخْفِيف الزَّاي: أَبُو عمرَان التِّرْمِذِيّ العابد. الثَّالِث: حُسَيْن بن عَليّ بن الْوَلِيد أَبُو عبد الله الْجعْفِيّ. الرَّابِع: زَائِدَة بن قدامَة، بِضَم الْقَاف وَتَخْفِيف الدَّال الْمُهْملَة: أَبُو الصَّلْت الثَّقَفِيّ. الْخَامِس: ميسرَة ضد الميمنة ابْن عمار الْأَشْجَعِيّ. السَّادِس: أَبُو حَازِم، بِالْحَاء الْمُهْملَة وبالزاي: واسْمه سلمَان الْأَشْجَعِيّ الْغَطَفَانِي. السَّابِع: أَبُو هُرَيْرَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم.
ذكر لطائف إِسْنَاده فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين. وَفِيه: العنعنة فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع، وَفِيه: القَوْل فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع. وَفِيه: أَن مُوسَى بن حزَام من أَفْرَاد البُخَارِيّ، وَرُوِيَ عَنهُ مَقْرُونا بِأبي كريب، وَقد وَثَّقَهُ النَّسَائِيّ وَغَيره، وَمَا لَهُ فِي البُخَارِيّ إلَاّ هَذَا الْموضع. وَفِيه: ميسرَة وَمَا لَهُ فِي البُخَارِيّ إِلَّا هَذَا الحَدِيث، وَآخر فِي سُورَة آل عمرَان، وَحَدِيث الْبَاب ذكره فِي النِّكَاح من وَجه آخر. وَفِيه: أَن رُوَاته كلهم كوفيون مَا خلا مُوسَى بن حزَام فَإِنَّهُ ترمذي نزل بَلخ.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي النِّكَاح عَن إِسْحَاق بن نصر، وَأخرجه مُسلم فِي النِّكَاح عَن أبي بكر بن أبي شيبَة. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي عشرَة النِّسَاء عَن الْقَاسِم بن زَكَرِيَّا.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (اسْتَوْصُوا)، أَي: تواصوا أَيهَا الرِّجَال فِي حق النِّسَاء بِالْخَيرِ، وَيجوز أَن تكون الْبَاء للتعدية والاستفعال بِمَعْنى الإفعال، نَحْو الاستجابة، قَالَ تَعَالَى:{فليستجيبوا لي} (الْبَقَرَة: 681) . {ويستجيب الَّذين آمنُوا} (الشورى: 62) . وَقَالَ الْبَيْضَاوِيّ: الإستيصاء: قبُول الْوَصِيَّة، أَي: أوصيكم بِهن خيرا فاقبلوا وصيتي فِيهِنَّ، وَقَالَ الطَّيِّبِيّ: السِّين للطلب مُبَالغَة أَي: اطْلُبُوا الْوَصِيَّة من أَنفسكُم فِي حقهن بِخَير، وَقَالَ غَيره، استفعل على أَصله، وَهُوَ طلب الْفِعْل فَيكون مَعْنَاهُ: اطْلُبُوا الْوَصِيَّة من الْمَرِيض للنِّسَاء، لِأَن عَائِد الْمَرِيض يسْتَحبّ لَهُ أَن يحث الْمَرِيض على الْوَصِيَّة، وَخص النِّسَاء بِالذكر لضعفهن واحتياجهن إِلَى من يقوم بأمرهن، يَعْنِي: إقبلوا وصيتي فِيهِنَّ وَاعْمَلُوا بهَا واصبروا عَلَيْهِنَّ وارفقوا بِهن وأحسنوا إلَيْهِنَّ. قَوْله: (فَإِن الْمَرْأَة) إِلَى آخِره هَذَا تَعْلِيل لما قبله، وَفَائِدَته بَيَان أَنَّهَا خلقت من الضلع الأعوج هُوَ الَّذِي فِي أَعلَى الضلع، أَو بَيَان أَنَّهَا لَا تقبل الْإِقَامَة لِأَن الأَصْل فِي التَّقْوِيم هُوَ أَعلَى الضلع لَا أَسْفَله وَهُوَ فِي غَايَة الإعوجاج، والضلع، بِكَسْر الضَّاد وَفتح اللَّام: مُفْرد الضلوع، وتسكين اللَّام جَائِز. وَقَوله:(خلقت من ضلع) هُوَ أَن الله تَعَالَى لما أسكن آدم الْجنَّة أَقَامَ مُدَّة فاستوحش، فَشَكا إِلَى الله الْوحدَة، فَنَامَ فَرَأى فِي مَنَامه امْرَأَة حسناء ثمَّ انتبه فَوَجَدَهَا جالسة عِنْده، فَقَالَ من أَنْت؟ فَقَالَت: حَوَّاء خلقني الله لتسكن إِلَيّ وأسكن إِلَيْك. قَالَ عَطاء عَن ابْن عَبَّاس: خلقت من ضلع آدم، وَيُقَال لَهَا: القصيري. وَقَالَ الْجَوْهَرِي: هُوَ الضلع الَّتِي يَلِي الشاكلة، وَيُسمى: الواهنة. وَقَالَ مُجَاهِد: إِنَّمَا سميت الْمَرْأَة مرأة لِأَنَّهَا خلقت من الْمَرْء وَهُوَ آدم. وَقَالَ مقَاتل بن سُلَيْمَان: نَام آدم نومَة فِي الْجنَّة فخلقت حَوَّاء من قصيراه من شقَّه الْأَيْمن من غير أَن يتألم، وَلَو تألم لم يعْطف رجل على امْرَأَة أبدا. وَقَالَ ابْن عَبَّاس: لأم الله تَعَالَى مَوضِع الضلع لَحْمًا، وَلما رَآهَا آدم قَالَ: أثاثاً، بالثاء الْمُثَلَّثَة وَهُوَ بالسرانية وَتَفْسِير بِالْعَرَبِيَّةِ: مرأة. وَقَالَ الرّبيع بن أنس: حَوَّاء من طِينَة آدم وَاحْتج بقوله تَعَالَى: {هُوَ الَّذِي خَلقكُم من طين} (الْأَنْعَام: 02) . وَالْأول أصح لقَوْله تَعَالَى: {وَهُوَ الَّذِي خَلقكُم من نفس وَاحِدَة} (الْأَعْرَاف: 981) . قَوْله: (وَإِن ذهبت تُقِيمهُ كَسرته)، قيل: هُوَ ضرب مثل للطَّلَاق، أَي: إِن أردْت مِنْهَا أَن تتْرك اعوجاجها أفْضى الْأَمر إِلَى طَلاقهَا، وَيُؤَيِّدهُ قَوْله فِي رِوَايَة الْأَعْرَج عَن أبي هُرَيْرَة، رَضِي
الله تَعَالَى عَنهُ، عِنْد مُسلم: إِن ذهبت تقيمها كسرتها وَكسرهَا طَلاقهَا. وَقيل: الحَدِيث لم يذكر فِيهِ النِّسَاء إلَاّ بالتمثيل بالضلع والاعوجاج الَّذِي فِي أخلاقهن مِنْهُ، لِأَن للضلع عوجا فَلَا يتهيأ الانفتاع بِهن إلَاّ بِالصبرِ على اعوجاجهن، وَقيل: الصَّوَاب فِي أَعْلَاهُ وَفِي تُقِيمهُ وَفِي كَسرته وَفِي تركته التَّأْنِيث لِأَن الضلع مُؤَنّثَة، وَكَذَا يُقَال: لم تزل عوجاء، وَلِهَذَا جَاءَ فِي رِوَايَة مُسلم الْمَذْكُورَة بهاء التَّأْنِيث وَأجِيب بِأَن التَّذْكِير يجوز فِي الْمُؤَنَّث الَّذِي لَيْسَ بِزَوْج.
2333 -
حدَّثنا عُمَرُ بنُ حَفْصٍ حدَّثنا أبِي حدَّثنا الأعْمَشُ حَدَّثنا زَيْدُ بنُ وَهْبٍ حدَّثنا عَبْدُ الله حدَّثنا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم وهْوَ الصَّادِقُ المَصْدُوقُ إنَّ خَلْقَ أحَدِكُمْ يُجْمَعُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أرْبَعِينَ يَوْمَاً ثُمَّ يَكُونُ علَقَةً مِثْلَ ذالِكَ ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذالِكَ ثُمَّ يَبْعَثُ الله إلَيْهِ مَلَكَاً بأربَعِ كلِمَاتٍ فيُكْتَبُ عَمَلُهُ وأجَلُهُ ورِزْقُهُ وشَقِيٌّ أوْ سَعِيدٌ ثُمَّ يُنْفَخُ فِيهِ الرُّوحُ فإنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أهْلِ النَّارِ حتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وبَيْنَها إلَاّ ذِرَاعٌ فيَسْبِقُ علَيْهِ الكِتابُ فيَعْمَلُ بِعَمَلِ أهْلِ الجَنَّةِ فيَدْخُلُ الجَنَّةَ وإنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أهْلِ الجَنَّةِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وبَيْنَهَا إلَاّ ذِراعٌ فيَسْبِقُ عَلَيْهِ الكِتابُ فيَعْمَلُ بِعَمَلِ أهْلِ النَّارِ فَيَدْخُلُ النَّارُ.
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن فِيهِ بَيَان كَيْفيَّة خلق بني آدم، وهم ذُريَّته. والترجمة فِي خلق آدم وَذريته، وَعمر بن حَفْص بن غياث، وَالْأَعْمَش سُلَيْمَان، وَزيد بن وهب الْجُهَنِيّ هَاجر إِلَى رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم، وَلم يُدْرِكهُ مَاتَ سنة سِتّ وَتِسْعين، وَعبد الله هُوَ ابْن مَسْعُود.
وَمن لطائف إِسْنَاد هَذَا الحَدِيث أَن فِيهِ: صِيغَة التحديث بِالْجمعِ فِي الْكل حَتَّى قَالَ: حَدثنَا رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم، وَفِيه: رِوَايَة الابْن عَن الْأَب. وَفِيه: رِوَايَة التَّابِعِيّ عَن التَّابِعِيّ عَن الصَّحَابِيّ.
والْحَدِيث مضى فِي: بَاب ذكر الْمَلَائِكَة عَن قريب، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ: عَن الْحسن بن الرّبيع عَن أبي الْأَحْوَص عَن الْأَعْمَش
…
إِلَى آخِره. وَقَالَ الْكرْمَانِي: والْحَدِيث مر فِي الْحيض قلت: لَيْسَ كَذَلِك، وَالَّذِي مر فِي الْحيض: عَن أنس بِغَيْر هَذَا الْوَجْه، والآن يَأْتِي، وَمر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
3333 -
حدَّثنا أبُو النُّعْمَانِ حدَّثنا حمَّادُ بنُ زَيْدٍ عنْ عُبَيْدِ الله بنِ أبِي بَكْرِ بنِ أنَسٍ عنْ أنَسِ بنِ مالِكٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ عَن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ إنَّ الله وكَّلَ بالرَّحِمِ ملَكَاً فَيقُولُ يَا رَبِّ نُطْفَةٌ يَا رَبِّ عَلَقَة يَا رَبِّ مُضْغَة فإذَا أرادَ أنْ يَخْلُقَها قَالَ يَا رَبِّ أذَكَرٌ أمْ أُنْثَى يَا رَبِّ شَقِيٌّ أمْ سَعِيدٌ فَما الرِّزْقُ فَمَا الأجَلُ فَيُكْتَبُ كَذَلِكَ فِي بَطْنِ أمِّهِ. (انْظُر الحَدِيث 813 وطرفه) .
مطابقته للتَّرْجَمَة مثل مُطَابقَة الحَدِيث السَّابِق. وَأَبُو النُّعْمَان مُحَمَّد بن الْفضل السدُوسِي. والْحَدِيث مضى فِي كتاب الْحيض فِي: بَاب (مخلقة وَغير مخلقة) فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ: عَن مُسَدّد عَن حَمَّاد بن زيد
…
إِلَى آخِره، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ. قَوْله:(يخلقها) أَي: يصورها وَلم يذكر فِي هَذِه الرِّوَايَة الْعَمَل لِأَنَّهُ يعلم التزاماً من ذكر السَّعَادَة والشقاوة قَوْله: (فَيكْتب كَذَلِك) الْكِتَابَة لإِظْهَار الله ذَلِك للْملك ولإنفاذ أمره، وَإِن كَانَ قَضَاء الله أزلياً لَا يحْتَاج إِلَى الْكِتَابَة.
4333 -
حدَّثنا قَيْسُ بنُ حَفْصٍ حدَّثنا خالِدُ بنُ الحَارِثِ حدَّثنا شُعْبَةُ عنْ أبِي عِمْرَانَ الجَوْنِيِّ عنْ أنَسٍ يَرْفَعُهُ أنَّ الله يَقُولُ لأِهْوَنِ أهْلِ النَّارِ عَذَابَاً لَوْ أنَّ لَكَ مَا فِي الأرْض مِنْ شَيْءٍ أكُنْتَ
تَفْتَدِي بِهِ قالَ نَعَمْ فَقَدْ سألْتُكَ مَا هُوَ أهْوَنُ مِنْ هذَا وأنْتَ فِي صُلْبِ آدَم أنْ لَا تُشْرِكَ بِي فأبَيْتَ إلَاّ الشِّرْكَ.
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن الْمَذْكُور فِيهِ من جملَة مَا يجْرِي على أهل النَّار، وهم من ذُرِّيَّة آدم، عليه الصلاة والسلام، وَقيس ابْن حَفْص أَبُو مُحَمَّد الدَّارمِيّ الْبَصْرِيّ، مَاتَ سنة سبع وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ، وَهُوَ من أَفْرَاده، وخَالِد بن الْحَارِث بن سليم أَبُو عُثْمَان الهُجَيْمِي الْبَصْرِيّ. وَأَبُو عمرَان عبد الْملك بن حبيب الجرني، بِفَتْح الْجِيم وَسُكُون الرَّاء وبالنون.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي صفة النَّار عَن بنْدَار. وَأخرجه مُسلم فِي التَّوْبَة عَن عبد الله بن معَاذ وَعَن بنْدَار.
قَوْله: (يرفعهُ) أَي: يرفع أنس الحَدِيث إِلَى رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم، وَهِي لَفْظَة يستعملها المحدثون فِي مَوضِع: قَالَ رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم، وَنَحْو ذَلِك. قَوْله:(لأهون أهل النَّار عذَابا)، أَي: لأيسر أَهلهَا من حَيْثُ الْعَذَاب، يُقَال: إِنَّه أَبُو طَالب. قَوْله: (أَكنت؟) الْهمزَة فِيهِ للاستفهام على سَبِيل الاستخبار. قَوْله: (تَفْتَدِي بِهِ)، من الافتداء وَهُوَ خلاص نَفسه من الَّذِي وَقع فِيهِ بِدفع مَا يملكهُ. قَوْله:(مَا هُوَ أَهْون) كلمة: مَا، مَوْصُولَة، وَالْوَاو فِي: وَأَنت، للْحَال. قَوْله:(فأبيت)، أَي: امْتنعت إِلَّا الشّرك أتيت بِهِ.
5333 -
حدَّثنا عُمَرُ بنُ حَفُصِ بنِ غِياثٍ حدَّثنا أبي حدَّثنا الأعْمَشُ قَالَ حدَّثني عَبْدُ الله بنُ مُرَّةَ عنْ مَسْرُوقٍ عنْ عَبْدِ الله رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ قَالَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم لَا تُقْتَلُ نَفْسٌ ظُلْمَاً إلَاّ كانَ على ابنِ آدَمَ الأوَّلِ كِفْلٌ مِنْ دَمِهَا لأِنَّهُ أوَّلُ مَنْ سَنَّ الْقَتْلَ.
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن الْقَاتِل فِيهِ وَهُوَ قابيل، كَمَا نذكرهُ هُوَ ابْن آدم من صلبه، وَهُوَ دَاخل فِي لفظ الذُّرِّيَّة فِي التَّرْجَمَة. وَعبد الله هُوَ ابْن مَسْعُود، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الدِّيات: عَن قبيصَة عَن سُفْيَان الثَّوْريّ وَفِي الِاعْتِصَام عَن الْحميدِي عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة. وَأخرجه مُسلم فِي الْحُدُود عَن أبي بكر بن أبي شيبَة وَمُحَمّد بن عبد الله ابْن نمير وَعَن عُثْمَان بن أبي شيبَة وَعَن ابْن أبي عمر. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي الْعلم عَن مَحْمُود بن غيلَان. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي التَّفْسِير عَن عَليّ بن خشرم وَفِي الْمُحَاربَة عَن عَمْرو بن عَليّ. وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي الدِّيات عَن هِشَام بن عمار.
قَوْله: (لَا تقتل نفس) ، على صِيغَة الْمَجْهُول، وَالْمرَاد بِالنَّفسِ: نفس ابْن آدم، و: ظلما، نصب على التَّمْيِيز. قَوْله:(إلَاّ كَانَ على ابْن آدم الأول) المُرَاد من الابْن هُنَا هُوَ قابيل، وآدَم الأول هُوَ آدم النَّبِي صلى الله عليه وسلم، أَبُو قابيل، وَقد قتل هُوَ أَخَاهُ هابيل وَكَانَ عمره عشْرين سنة وَعمر قابيل خَمْسَة وَعشْرين سنة، وَقَالَ الطَّبَرِيّ: وَأهل الْعلم مُخْتَلفُونَ فِي اسْم الْقَاتِل، فبعضهم يَقُول: هُوَ قين بن آدم، وَبَعْضهمْ يَقُول هُوَ: قاين بن آدم، وَبَعْضهمْ يَقُول: هُوَ قابيل، وَاخْتلفُوا أَيْضا فِي سَبَب قَتله هابيل، فَقَالَ عبد الله بن عَمْرو: إِن الله تَعَالَى أَمر بني آدم أَن يقربا قرباناً، وَأَن صَاحب الْغنم قرب أكْرم غنمه، وَصَاحب الْحَرْث قرب شَرّ حرثه، فَقبل الله قرْبَان الأول، وَقَالَ ابْن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا: كَانَ من شَأْنهمَا أَنه لم يكن مِسْكين يتَصَدَّق عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا كَانَ القربان يقربهُ الرجل، فَبَيْنَمَا هما قاعدان إِذْ قَالَا: لَو قربنا؟ فقربا قرباناً فَتقبل من أَحدهمَا. قلت: حكى السّديّ عَن أشياخه عَن مُجَاهِد وَسَعِيد بن جُبَير وَعَطَاء وَغَيرهم عَن ابْن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، قَالُوا: كَانَت حَوَّاء تَلد توأماً فِي كل بطن غُلَاما وَجَارِيَة إلَاّ شيثاً فَإِنَّهَا وَلدته مُفردا، فَلَمَّا كَانَ بعد مائَة سنة من هبوط آدم، عليه الصلاة والسلام، إِلَى الدُّنْيَا ولدت قابيل وتوأمته أقليما، ثمَّ هابيل وتوأمته ليوذا، وَكَانَ ابْن آدم يُزَوّج ابْنه أُخْته الَّتِي لم تكن توأمته، فَلَمَّا بلغ قابيل وهابيل، أَمر الله تَعَالَى آدم، عليه الصلاة والسلام، أَن يُزَوّج قابيل ليوذا أُخْت هابيل، ويزوج هابيل إقليما أُخْت قابيل، وَكَانَت من أجمل النِّسَاء قامة وأجملهن وأحسنهن صُورَة، فَلم يرضَ قابيل. وَقَالَ: أَنا أَحَق بأختي أَنا وأختي من أَوْلَاد الْجنَّة وهابيل وَأُخْته من أَوْلَاد الدُّنْيَا، فَقَالَ آدم: قربا قرباناً، وَكَانَ قابيل صَاحب زرع وهابيل صَاحب غنم، فَقرب قابيل صبرَة من طَعَام من أردى زرعه، وأضمر فِي نَفسه. وَقَالَ: مَا أُبَالِي أتقبل مني أم لَا بعد أَن يتَزَوَّج هابيل أُخْتِي، وَقرب هابيل كَبْشًا سميناً من خِيَار غنمه ولبناً وزبداً وأضمر فِي نَفسه الرِّضَا بِاللَّه تَعَالَى، وَكَانَ القربان إِذا قبل تنزل من السَّمَاء نَار بَيْضَاء.
فتأكله، فَنزلت نَار فَأكلت قرْبَان هابيل وَلم تَأْكُل من قرْبَان قابيل شَيْئا، فَأخذ قابيل فِي نَفسه حَتَّى قتل هابيل. وَعَن ابْن عَبَّاس: لم يزل الْكَبْش يرْعَى فِي الْجنَّة حَتَّى فدى بِهِ إِسْمَاعِيل، عليه الصلاة والسلام. وَاخْتلفُوا فِي أَي مَوضِع كَانَ القربان؟ فعامة الْعلمَاء على أَنه كَانَ بِالْهِنْدِ. وَاخْتلفُوا أَيْضا فِي كَيْفيَّة قَتله؟ فَقَالَ ابْن جريج: إِنَّه أَتَاهُ وَهُوَ نَائِم فَلم يدر كَيفَ يقْتله، فَأَتَاهُ الشَّيْطَان متمثلاً فَأخذ طيراً فَوضع رَأسه على حجر ثمَّ شدخ رَأسه بِحجر آخر، وقابيل ينظر إِلَيْهِ، فَفعل بهابيل كَذَلِك. وَعَن ابْن عَبَّاس: رَمَاه بِحجر فَقتله. وروى مُجَاهِد عَنهُ: أَنه رضخ رَأسه بصخرة، وَعَن الرّبيع: أَنه اغتاله فَقتله، وَقيل: خنقه، وَقيل: ضربه بحديدة فَقتله. وَاخْتلفُوا أَيْضا فِي مَوضِع مصرعه؟ فَعَن ابْن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: على جبل ثَوْر، وَعَن جَعْفَر الصَّادِق: بِالْبَصْرَةِ مَكَان الْجَامِع، وَعَن الطَّبَرِيّ: على عقبَة حراء، وَعَن المَسْعُودِيّ: قَتله بِدِمَشْق، وَكَذَا قَالَه الْحَافِظ ابْن عَسَاكِر فِي (تَارِيخ دمشق)، فَقَالَ: كَانَ قابيل يسكن خَارج بَاب الْجَابِيَة وَأَنه قتل أَخَاهُ على جبل قاسيون عِنْد مغارة الدَّم، وَقَالَ كَعْب: الدَّم الَّذِي على قاسيون هُوَ دم ابْن آدم. وَقَالَ سبط ابْن الْجَوْزِيّ: وَالْعجب من هَذِه الْأَقْوَال، وَقد اتّفق أَرْبَاب السّير أَن الْوَاقِعَة كَانَت بِالْهِنْدِ، وَأَن قابيل اغتنم غيبَة أَبِيه بِمَكَّة، فَمَا الَّذِي أَتَى بِهِ إِلَى جبل ثَوْر وحراء وهما بِمَكَّة؟ وَمَا الَّذِي أَتَى بِهِ إِلَى الْبَصْرَة وَلم تكن أسست؟ وَأَيْنَ الْهِنْد ودمشق والجابية؟ وَهل وضعت التواريخ إلَاّ ليتميز الصَّحِيح والسقيم والسالم والسليم؟ أللهم غفراً. قلت: رُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس: أَنه قَتله على جبل نوذ بِالْهِنْدِ، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيح، وَحكى الثَّعْلَبِيّ عَن مُعَاوِيَة بن عمار: سَأَلت الصَّادِق أَكَانَ آدم يُزَوّج ابْنَته من ابْنه؟ فَقَالَ: معَاذ الله، وَإِنَّمَا هُوَ لما أهبط إِلَى الأَرْض ولدت حَوَّاء، عَلَيْهَا الصَّلَاة وَالسَّلَام، بِنْتا فسماها عنَاقًا، وَهِي أول من بغى على وَجه الأَرْض، فَسلط الله عَلَيْهَا من قَتلهَا. فولد لَهُ على إثْرهَا قابيل، فَلَمَّا أدْرك أظهر الله لَهُ جنية يُقَال لَهَا: حمامة، فَأوحى الله إِلَيْهِ أَن زَوجهَا مِنْهُ، فَلَمَّا أدْرك هابيل أهبط الله إِلَيْهِ من الْجنَّة حوراء اسْمهَا: بذلة، فَأوحى الله إِلَيْهِ أَن زَوجهَا مِنْهُ، فأعتب قابيل على أَبِيه، وَقَالَ: أَنا أسن مِنْهُ وَكنت أَحَق بهَا. قَالَ: يَا بني إِن الله تَعَالَى أوحى إِلَيّ بذلك، فقربا قرباناً. قَوْله:(كفل)، بِكَسْر الْكَاف وَإِسْكَان الْفَاء: وَهُوَ النَّصِيب والجزء، وَقَالَ الْخَلِيل: الكفل من الْأجر وَالْإِثْم هُوَ الضعْف. وَفِي التَّنْزِيل: {من يشفع شَفَاعَة حَسَنَة يكن لَهُ نصيب مِنْهَا وَمن يشفع شَفَاعَة سَيِّئَة يكن لَهُ كفل مِنْهَا} (النِّسَاء: 58) . وَأما قَوْله تَعَالَى: {يُؤْتكُم كِفْلَيْنِ من رَحمته} (الْحَدِيد: 82) . فَلَعَلَّهُ من تَغْلِيب الْخَيْر. قَوْله: (لِأَنَّهُ)، أَي: لِأَن ابْن آدم الأول أول من سنّ الْقَتْل، أَي على وَجه الأَرْض من بني آدم، فَإِن قيل: قَالَ الله تَعَالَى: {وَلَا تزر وَازِرَة وزر أُخْرَى} (الْأَنْعَام: 461، الْإِسْرَاء: 51، فاطر: 81، الزمر: 7، النَّجْم: 83) . أُجِيب: بِأَن هَذَا جَزَاء تأسيس فَهُوَ فعل سنة، وَالله أعلم.
(قَالَ وَقَالَ اللَّيْث عَن يحيى بن سعيد عَن عمْرَة عَن عَائِشَة رضي الله عنها قَالَت سَمِعت النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ - يَقُول الْأَرْوَاح جنود مجندة فَمَا تعارف مِنْهَا ائتلف وَمَا تناكر مِنْهَا اخْتلف) مطابقته للتَّرْجَمَة من جِهَة أَن التَّرْجَمَة جُزْء مِنْهُ أَي قَالَ البُخَارِيّ وَقَالَ اللَّيْث بن سعد عَن يحيى بن سعيد الْأنْصَارِيّ عَن عمْرَة بنت عبد الرَّحْمَن هَذَا التَّعْلِيق وَصله البُخَارِيّ فِي الْأَدَب الْمُفْرد عَن عبد الله بن صَالح عَن اللَّيْث وَوَصله الْإِسْمَاعِيلِيّ من طَرِيق سعيد بن أبي مَرْيَم عَن يحيى بن أَيُّوب وَفِي الحَدِيث قصَّة ذكرهَا أَبُو يعلى وَغَيره وَهِي أَن عمْرَة قَالَت كَانَت بِمَكَّة امْرَأَة مزاحة فَنزلت على امْرَأَة مثلهَا فَبلغ ذَلِك عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا فَقَالَت صدق حِين سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ - يَقُول " الْأَرْوَاح جنود مجندة " الحَدِيث والْحَدِيث رَوَاهُ مُسلم من حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فَقَالَ حَدثنَا قُتَيْبَة بن سعيد حَدثنَا عبد الْعَزِيز يَعْنِي ابْن مُحَمَّد عَن سُهَيْل عَن أَبِيه عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ - قَالَ " الْأَرْوَاح جنود مجندة " إِلَى آخِره نَحوه قَوْله " الْأَرْوَاح " جمع روح وَهُوَ الَّذِي يقوم بِهِ الْجَسَد وَيكون بِهِ الْحَيَاة قَوْله " جنود مجندة " أَي جموع مجتمعة وأنواع مُخْتَلفَة وَقيل أَجنَاس مجنسة وَفِي هَذَا دَلِيل على أَن الْأَرْوَاح لَيست بأعراض فَإِنَّهَا كَانَت