الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مَوْجُودَة قبل الأجساد وَإِنَّهَا تبقى بعد فنَاء الأجساد وَيُؤَيِّدهُ " أَن أَرْوَاح الشُّهَدَاء فِي حواصل طير خضر " قَوْله " فَمَا تعارف مِنْهَا " تعارفها مُوَافقَة صفاتها الَّتِي خلقهَا الله عَلَيْهَا وتناسبها فِي أخلاقها وَقيل لِأَنَّهَا خلقت مجتمعة ثمَّ فرقت فِي أجسادها فَمن وَافق قسيمه أَلفه وَمن باعده نافره وَقَالَ الْخطابِيّ فِيهِ وَجْهَان. أَحدهمَا أَن يكون إِشَارَة إِلَى معنى التشاكل فِي الْخَيْر وَالشَّر وَإِن الْخَيْر من النَّاس يحن إِلَى شكله والشرير يمِيل إِلَى نَظِيره والأرواح إِنَّمَا تتعارف بضرائب طباعها الَّتِي جبلت عَلَيْهَا من الْخَيْر وَالشَّر فَإِذا اتّفقت الأشكال تعارفت وتألفت وَإِذا اخْتلفت تنافرت وتناكرت. وَالْآخر أَنه رُوِيَ أَن الله تَعَالَى خلق الْأَرْوَاح قبل الأجساد وَكَانَت تلتقي فَلَمَّا التسبت بالأجساد تعارفت بِالذكر الأول فَصَارَ كل وَاحِد مِنْهَا إِنَّمَا يعرف وينكر على مَا سبق لَهُ من الْعَهْد الْمُتَقَدّم وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ إِذا وجد أحد من نَفسه نفرة مِمَّن لَهُ فَضِيلَة أَو صَلَاح يفتش عَن الْمُوجب لَهَا فَإِنَّهُ ينْكَشف لَهُ فَيتَعَيَّن عَلَيْهِ أَن يسْعَى فِي إِزَالَة ذَلِك حَتَّى يتَخَلَّص من ذَلِك الْوَصْف المذموم وَكَذَلِكَ القَوْل إِذا وجد فِي نَفسه ميلًا إِلَى من فِيهِ شَرّ وشبهة وشاع فِي كَلَام النَّاس قَوْلهم الْمُنَاسبَة تؤلف بَين الْأَشْخَاص والشخص يؤلف بَين شكله وَلما نزل عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ الْكُوفَة قَالَ يَا أهل الْكُوفَة قد علمنَا خَيركُمْ من شريركم فَقَالُوا لم ذَلِك قَالَ كَانَ مَعنا نَاس من الأخيار فنزلوا عِنْد نَاس فَعلمنَا أَنهم من الأخيار وَكَانَ مَعنا نَاس من الأشرار فنزلوا عِنْد نَاس فَعلمنَا أَنهم من الأشرار وَكَانَ كَمَا قَالَ الشَّاعِر
(عَن الْمَرْء لَا تسل وسل عَن قرينه
…
فَكل قرين بالمقارن يَقْتَدِي)
(وَقَالَ يحيى بن أَيُّوب حَدثنِي يحيى بن سعيد بِهَذَا) يحيى بن أَيُّوب الغافقي الْمصْرِيّ وَيحيى بن سعيد هُوَ الَّذِي مضى عَن قريب قَوْله " مثله " أَي مثل الَّذِي قبله وَقد وَصله الْإِسْمَاعِيلِيّ من طَرِيق سعيد بن أبي مَرْيَم عَن يحيى بن أَيُّوب بِهِ -
3 -
(بابٌ الأرْوَاحُ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ: الْأَرْوَاح جنود مجندة، والآن يَأْتِي تَفْسِيره، وَوجه ذكر هَذِه التَّرْجَمَة عقيب تَرْجَمَة: خلق آدم، الْإِشَارَة إِلَى أَن بني آدم مركبة من الْأَجْسَام والأرواح.
3 -
(بابُ قَوْلِ الله عز وجل {ولَقَدْ أرْسَلْنا نُوحَاً إلَى قَوْمِهِ} (هود:
52) .)
أَي: هَذَا بَاب مَعْقُود فِي قَول الله عز وجل: {وَلَقَد أرسلنَا نوحًا إِلَى قومه} (هود: 52) . وَهُوَ نوح بن لمك، بِفَتْح اللَّام وَسُكُون الْمِيم، وَقيل: لمك بِفتْحَتَيْنِ، وَقيل: لامك، بِفَتْح الْمِيم وَكسرهَا. وَقَالَ ابْن هِشَام: بالعبرانية لامخ، بِفَتْح الْمِيم وَفِي آخِره خاء مُعْجمَة، وبالعربية: لمك، وبالسريانية: لمخ، وَتَفْسِيره: متواضع، وَيُقَال: لمَكَان، وَيُقَال: ملكان بِتَقْدِيم الْمِيم على اللَاّم. وَقَالَ السُّهيْلي: ولمك هُوَ أول من اتخذ الْعود للغناء، وَاتخذ مصانع المَاء وَهُوَ ابْن متوشلخ، بِفَتْح الْمِيم وَضم التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق الْمُشَدّدَة وَسُكُون الْوَاو وَفتح الشين الْمُعْجَمَة وَاللَّام وَفِي آخِره خاء مُعْجمَة، كَذَا ضَبطه ابْن الْمصْرِيّ، وَضَبطه أَبُو الْعَبَّاس عبد الله بن مُحَمَّد الفاسي فِي قصيدة يمدح بهَا رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم، وَهِي طَوِيلَة ذكرتها فِي أول (مَعَاني الْأَخْبَار) فِي: رجال مَعَاني الْآثَار، بِضَم الْمِيم وَفتح التَّاء وَالْوَاو وَسُكُون الشين وَكسر اللَّام وبالخاء الْمُعْجَمَة. وَقَالَ السُّهيْلي: بِضَم الْمِيم وَفتح التَّاء وَسُكُون الْوَاو، وَمِنْهُم من ضبط فِي آخِره بِالْحَاء الْمُهْملَة وَمَعْنَاهُ فِي الْكل: مَاتَ الرَّسُول، لِأَن أَبَاهُ كَانَ رَسُولا، وَهُوَ خنوخ، بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَضم النُّون وَسُكُون الْوَاو، وَفِي آخِره مُعْجمَة أُخْرَى، وَيُقَال بِالْحَاء الْمُهْملَة فِي أَوله، وَيُقَال: بالمهملتين وَيُقَال: أَخْنُوخ بِزِيَادَة همزَة فِي أَوله، وَيُقَال: أخنخ بِإِسْقَاط الْوَاو، وَيُقَال أهنخ بِالْهَاءِ بعد الْهمزَة، وَمَعْنَاهُ على الِاخْتِلَاف بِالْعَرَبِيَّةِ: إِدْرِيس، عليه الصلاة والسلام، سمي بذلك لِكَثْرَة درسه الْكتب، وصحف آدم وشيث، وَأمه أشوت، وَأدْركَ من حَيَاة آدم ثَلَاثمِائَة سنة وثمان سِنِين وَهُوَ ابْن يارد بِالْيَاءِ آخر الْحُرُوف وَفتح الرَّاء، كَذَا ضَبطه أَبُو عمر، وَكَذَا ضَبطه النسابة الجواني إلَاّ أَنه قَالَ: بِالذَّالِ الْمُعْجَمَة، وَقيل: يرد، بِفَتْح الْيَاء وَسُكُون الرَّاء، قَالَ ابْن هِشَام: اسْمه فِي التَّوْرَاة يارد، وَهُوَ عبراني، وَتَفْسِيره: ضَابِط، واسْمه فِي الْإِنْجِيل بالسُّرْيَانيَّة، يرد، وَتَفْسِيره بالعربي: ضبط، وَقيل: اسْمه رائد وَلم يثبت، وَهُوَ ابْن مهلائيل، بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون الْهَاء وبالهمز، وَقد يُقَال بِالْيَاءِ بِلَا همز، وَمَعْنَاهُ: الممدح، وَقَالَ ابْن هِشَام: مهليل بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون الْهَاء وَكسر اللَّام، وَهُوَ اسْم عبراني، واسْمه بِالْعَرَبِيَّةِ: ممدوح، وَقَالَ السُّهيْلي: واسْمه بالسُّرْيَانيَّة فِي الْإِنْجِيل: نابل، بالنُّون وبالباء الْمُوَحدَة وَتَفْسِيره بِالْعَرَبِيَّةِ: مسيح الله، وَفِي زَمَنه كَانَ بَدْء عبَادَة الْأَصْنَام، وَهُوَ ابْن قينان بِفَتْح الْقَاف وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالنونين بَينهمَا ألف، وَمَعْنَاهُ المستولي، وَجَاء فِيهِ: قينين وقاين، واسْمه
فِي الْإِنْجِيل: ماقيان، وَتَفْسِيره بالعربي: عِيسَى، وَهُوَ ابْن أنوش، بِفَتْح الْهمزَة الممدودة وَضم النُّون، وَفِي آخِره شين مُعْجمَة، وَمَعْنَاهُ: الصَّادِق، وَيُقَال: إيناش، بِكَسْر الْهمزَة، وَهُوَ فِي اللُّغَة العبرانية وَتَفْسِيره بِالْعَرَبِيَّةِ: إِنْسَان، وَيُقَال: يانش، بِالْيَاءِ آخر الْحُرُوف، وَمَعْنَاهُ المستوي، وَهُوَ ابْن شِيث، بِكَسْر الشين الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف، وَفِي آخِره ثاء مُثَلّثَة وَمَعْنَاهُ: هبة الله، وَيُقَال: عَطِيَّة الله، وَهَذَا اسْمه بالعبرانية، وبالسريانية: شاث، بِالْألف مَوضِع الْيَاء، وَتُوفِّي شِيث وعمره تِسْعمائَة سنة واثني عشر سنة، وَدفن مَعَ أَبَوَيْهِ آدم وحواء فِي غَار أبي قبيس، وَهُوَ الَّذِي بنى الْكَعْبَة بالطين وَالْحِجَارَة وَكَانَت هُنَاكَ خيمة لآدَم عليه الصلاة والسلام، وَضعهَا الله لَهُ من الْجنَّة، وَكَانَ أبَوَا نوح، عليه الصلاة والسلام، مؤمنَين، وَاسم أمه قيثوش بنت بركاييل بن مخواييل بن أخنوح، وَذكر الزَّمَخْشَرِيّ: أَمن اسْم أم نوح شمحا بنت آنوش، وَأرْسل الله نوحًا، عليه الصلاة والسلام، إِلَى ولد قابيل وَمن تَابعهمْ من ولد شِيث وَهُوَ ابْن خمسين سنة، وَقيل: ابْن ثَلَاثمِائَة وَخمسين سنة، وَقيل: ابْن ثَمَانِينَ وَأَرْبَعمِائَة سنة، وَاخْتلفُوا فِي مقَامه على قَوْلَيْنِ: أَحدهمَا: بِالْهِنْدِ، قَالَه مُجَاهِد. وَالثَّانِي: بِأَرْض بابل والكوفة، قَالَه الْحسن الْبَصْرِيّ، وَقَالَ ابْن جرير: كَانَ مولده بعد وَفَاة آدم بِمِائَة سنة وست وَعشْرين سنة، وَقَالَ مقَاتل: بَينه وَبَين آدم ألف سنة، وَبَينه وَبَين إِدْرِيس مائَة سنة. وَهُوَ أول نَبِي بعد إِدْرِيس، عليه الصلاة والسلام، وَقَالَ مقَاتل: اسْمه السكن، وَقيل: السَّاكِن، وَقَالَ السّديّ: إِنَّمَا سمي سكناً لِأَن الأَرْض سكنت بِهِ. وَقيل: اسْمه عبد الْغفار، ذكره الطَّبَرِيّ، وَسمي نوحًا لِكَثْرَة نوحه وبكائه، وَقيل: إِن الله تَعَالَى أوحى إِلَيْهِ: لِمَ تَنُوح؟ لِكَثْرَة بكائه، فَسُمي نوحًا وَيُقَال: إِنَّه نظر يَوْمًا إِلَى كلب قَبِيح المنظر، فَقَالَ: مَا أقبح صُورَة هَذَا الْكَلْب، فأنطقه الله عز وجل وَقَالَ: يَا مِسْكين على من عبت؟ على النقش أَو على النقاش؟ فَإِن كَانَ على النقش فَلَو كَانَ خلقي بيَدي حسنته؟ وَإِن كَانَ على النقاش فالعيب عَلَيْهِ اعْتِرَاض فِي ملكه. فَعلم أَن الله تَعَالَى أنطقه، فناح على نَفسه وَبكى أَرْبَعِينَ سنة، قَالَه السّديّ عَن أشياخه، وَمَات نوح وعمره ألف سنة وَأَرْبَعمِائَة سنة، قَالَه ابْن الْجَوْزِيّ فِي كتاب (أَعمار الْأَعْيَان) وَقيل: ألف وثلاثمائة سنة، وَقيل: ألف وَسَبْعمائة وَثَمَانِينَ سنة، قيل: إِنَّه مَاتَ بقرية الثَّمَانِينَ، وَهِي الْقرْيَة الَّتِي بناها عِنْد الجودي الَّذِي أرسيت عَلَيْهِ السَّفِينَة، وَهُوَ بِقرب موصل بالشرق، حَكَاهُ هَارُون بن الْمَأْمُون، وَقَالَ ابْن إِسْحَاق: مَاتَ بِالْهِنْدِ على جبل نوذ، وَقيل: بِمَكَّة، وَقَالَ عبد الرَّحْمَن بن ساباط: قبر هود وَصَالح وَشُعَيْب ونوح، عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام، بَين زَمْزَم والركن وَالْمقَام، وَقيل: مَاتَ بِبَابِل، وَقيل: بِبَلَد بعلبك فِي الْبِقَاع، قَرْيَة يُقَال لَهَا: الكرك فِيهَا قبر يُقَال لَهُ: قبر نوح، وَيعرف الْآن: بكرك نوح صلى الله عليه وسلم، وَقَالَ ابْن كثير: وَأما قَبره فروى ابْن جرير والأزرقي: أَنه فِي الْمَسْجِد الْحَرَام، وَهَذَا أقوى وَأثبت من الَّذِي ذكره كثير من الْمُتَأَخِّرين من أَنه ببلدة بالبقاع تعرف بكرك نوح صلى الله عليه وسلم، وَقَالُوا: ذكره الله فِي الْقُرْآن فِي مَوَاضِع، فَقيل: فِي ثَمَانِيَة وَعشْرين موضعا، مِنْهَا مَا ذكره البُخَارِيّ من قَوْله: بَاب قَول الله عز وجل: {وَلَقَد أرسلنَا نوحًا إِلَى قومه} (هود: 52) . وَتَمام الْآيَة: {فَقَالَ يَا قوم اعبدوا الله مَا لكم من إل هـ غَيره إِنِّي أَخَاف عَلَيْكُم عَذَاب يَوْم عَظِيم} (هود: 52) . لما ذكر الله تَعَالَى قصَّة آدم فِي أول السُّورَة، وَهِي سُورَة الْأَعْرَاف، وَمَا يتَعَلَّق بذلك شرع فِي ذكر قصَص الْأَنْبِيَاء، عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام، الأول فَالْأول، فابتدأ بِذكر نوح، عليه الصلاة والسلام، فَإِنَّهُ أول رَسُول بَعثه الله إِلَى أهل الأَرْض بعد آدم، عليه الصلاة والسلام، وَقَالَ ابْن إِسْحَاق: لم يلقَ نَبِي من قومه من الْأَذَى مثل نوح صلى الله عليه وسلم إلَاّ نَبِي قتل.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ بادِىءِ الرَّأيِ مَا ظَهَرَ لَنَا
أَشَارَ بِهِ إِلَى مَا فِي قَوْله تَعَالَى: {فَقَالَ الْمَلأ الَّذين كفرُوا من قومه مَا نرَاك إِلَّا بشرا مثلنَا وَمَا نرَاك اتبعك إلَاّ الَّذين هم أراذلنا باديء الرَّأْي} (هود: 72) . ثمَّ فسر باديء الرَّأْي بقوله: مَا ظهر لنا. وقرىء باديء بِالْهَمْزَةِ وَتركهَا، قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: انتصابه على الظّرْف، والأراذل: جمع الأرذل، وَهُوَ الدون من كل شَيْء، وَقَالَ الزّجاج: الأراذل الحاكة.
أقْلِعِي أمْسِكِي
أَشَارَ بِهِ إِلَى مَا فِي قَوْله تَعَالَى: {يَا سَمَاء أقلعي} (هود: 44) . وَفسّر أقلعي، بقوله: أمسكي، وَكَذَا رَوَاهُ عَليّ بن أبي طَلْحَة عَن ابْن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وأقلعي أَمر من الإقلاع، وإقلاع الْأَمر الْكَفّ عَنهُ.
وفارَ التَّنُّورُ نَبعَ المَاءُ
أَشَارَ بِهِ إِلَى مَا فِي قَوْله تَعَالَى: {حَتَّى إِذا جَاءَ أمرنَا وفار التَّنور} (هود: 04) . وَفسّر: فار، بقوله: نبع المَاء، وفار من الْفَوْر وَهُوَ الغليان، والفوارة مَا يفور من الْقدر، والتنور اسْم فَارسي مُعرب لَا تعرف لَهُ الْعَرَب إسماً غَيره، قَالَه ابْن دُرَيْد، وَقَالَ ابْن عَبَّاس: التَّنور بِكُل لِسَان عَرَبِيّ وعجمي، وَعنهُ أَنه تنور الْملَّة، وَقَالَ الْحسن: كَانَ من حِجَارَة وَبِه قَالَ ابْن مُجَاهِد وَابْن مقَاتل، وَاخْتلفُوا فِي مَوْضِعه، فَقَالَ مُجَاهِد: كَانَ فِي نَاحيَة الْكُوفَة، وَقَالَ مقَاتل: كَانَ تنور آدم، وَإِنَّمَا كَانَ بِالشَّام بِموضع يُقَال لَهُ: عين وردة، وَعَن عِكْرِمَة: فار التَّنور بِالْهِنْدِ.
وَقَالَ عِكْرِمَةُ وجْهُ الأرْضِ
أَي: قَالَ عِكْرِمَة مولى ابْن عَبَّاس: التَّنور وَجه الأَرْض، كَذَا رَوَاهُ ابْن جرير من طَرِيق أبي إِسْحَاق الشَّيْبَانِيّ عَن عِكْرِمَة.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ الجُودِيُّ جَبَلٌ بالجَزِيرَةِ
أَشَارَ بِهِ إِلَى مَا فِي قَوْله تَعَالَى: {واستوت على الجودي} (هود: 44) . أَي: السَّفِينَة اسْتَقَرَّتْ على الْجَبَل الَّذِي يُسمى بالجودي، وَهُوَ جبل بِجَزِيرَة ابْن عمر فِي الشرق مَا بَين دجلة والفرات، وَوَصله ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق ابْن أبي نجيح عَنهُ، وَزَاد: تشامخت الْجبَال يَوْم الْغَرق وتواضع هُوَ لله عز وجل، فَلم يغرق وأرسيت عَلَيْهِ سفينة نوح، عليه السلام.
أَشَارَ بِهِ إِلَى مَا فِي قَوْله تَعَالَى: {مثل دأب قوم نوح} (غَافِر: 13) . وَفسّر الدأب: بِالْحَال، وَهُوَ الْعَادة أَيْضا.
بابُ قَوْلِ الله تَعَالَى {إنَّا أرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ أنْ أنْذِرْ قَوْمَكَ مِنْ قَبْلِ أنْ يَأتِيَهُمْ عَذَابٌ ألِيمٌ} (نوح: 1) . إِلَى آخر السُّورَةِ
أَي: هَذَا بَاب فِي ذكر سُورَة نوح عليه السلام، وَهِي اثْنَتَانِ وَعِشْرُونَ آيَة، ومائتان وَأَرْبع وَعِشْرُونَ كلمة، وَتِسْعمِائَة وَتسْعُونَ حرفا، وَهَذِه التَّرْجَمَة وَقعت هَكَذَا بعد قَوْله: بَاب قَول الله عز وجل: {وَلَقَد أرسلنَا نوحًا إِلَى قومه} (نوح: 1) . وَهُوَ رِوَايَة الْأَكْثَرين وَلم يَقع فِي رِوَايَة أبي ذَر إلَاّ بَاب قَول الله: {وَلَقَد أرسلنَا نوحًا إِلَى قومه} (هود: 52) . قَوْله: (أَن أنذر)، أَي: بِأَن أنذر، حذف الْجَار وَالْمعْنَى: إِنَّا أرسلنَا نوحًا إِلَى قومه بِأَن قُلْنَا لَهُ: أنذر، أَي: أرسلناه بِالْأَمر بالإنذار، وَيجوز أَن تكون: أَن، مفسرة لِأَن الْإِرْسَال فِيهِ معنى القَوْل. قَوْله:(من قبل أَن يَأْتِيهم عَذَاب)، قيل: عَذَاب الْآخِرَة، وَقيل: عَذَاب الطوفان وَالْغَرق، وَإِنَّمَا قَالَ
…
إِلَى آخر السُّورَة، إِشَارَة إِلَى أَن هَذِه السُّورَة كلهَا فِي قَضِيَّة نوح مَعَ قومه.
{واتْلُ علَيْهِمْ نَبأ نُوحٍ إذْ قالَ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إنْ كانَ كَبُرَ علَيْكُمْ مَقامِي وتَذْكِيرِي بِآياتِ الله} إِلَى قَوْله: {مِنَ المُسْلِمِينَ} (يُونُس: 27) .
هَذِه الْآيَة لَيست بموجودة فِي الْكتاب عِنْد أَكثر الروَاة، وَتَمام الْآيَة هُوَ قَوْله تَعَالَى:{فعلى الله توكلت فَأَجْمعُوا أَمركُم وشركاءكم ثمَّ لَا يكن أَمركُم عَلَيْكُم غمَّة ثمَّ اقضوا إِلَيّ وَلَا تنْظرُون فَإِن توليتم فَمَا سألتكم من أجر إِن أجري إلَاّ على الله وَأمرت أَن أكون من الْمُسلمين} .
7333 -
حدَّثنا عَبْدَانُ أخْبرَنا عَبْدُ الله عنْ يُونُسَ عنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ سالِمٌ وَقَالَ ابنُ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُما قامَ رسولُ الله، صلى الله عليه وسلم فِي النَّاسِ فأثْنَى علَى الله بِمَا هُوَ أهْلُهُ ثُمَّ ذَكَرَ الدَّجَّالَ فَقَالَ إنِّي لَمُنْذِرُكُمُوهُ وَمَا مِنْ نَبِيٍّ إلَاّ أنْذَرَهُ قَوْمَهُ لَقَدْ أنْذَرَ نُوحٌ قَوْمَهُ ولَكِنِّي أقولُ لَكُمْ فِيهِ قَوْلاً لَمْ يَقُلْهُ نَبِيٌّ لِقَوْمِهِ تَعْلَمُونَ أنَّهُ أعْوَرُ وأنَّ الله لَيْسَ بِأعْوَرَ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: لقد أنذر نوح قومه، وعبدان هُوَ لقب عبد الله بن عُثْمَان، وَقد تكَرر ذكره، وَعبد الله هُوَ ابْن الْمُبَارك
وَيُونُس هُوَ ابْن يزِيد، وَسَالم هُوَ ابْن عبد الله بن عَمْرو. والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ فِي كتاب الْجَنَائِز فِي: بَاب إِذا أسلم الصَّبِي
…
مطولا بِهَذَا الْإِسْنَاد بِعَيْنِه، وَلَكِن قَوْله:(ثمَّ ذكر الدَّجَّال) إِلَى آخِره، لَيْسَ هُنَاكَ. فَقَوله:(ثمَّ ذكر الدَّجَّال) يَعْنِي: بعد الْفَرَاغ من خطبَته، والدجال فعال من أبنية الْمُبَالغَة لِكَثْرَة الْكَذِب فِيهِ، وَهُوَ من الدجل، وَهُوَ الْخَلْط والتلبيس والتمويه. قَوْله:(إِنِّي لمنذركموه) من الأنذار، وَهُوَ التخويف، وَقد أكدت هَذِه الْجُمْلَة بمؤكدات بِكَلِمَة: إِن، وَاللَّام، وَكَون الْجُمْلَة إسمية. قَوْله:(لقد أنذر نوح قومه) ، إِنَّمَا خصصه بعد التَّعْمِيم لِأَنَّهُ أول نَبِي أنذر قومه وهددهم بِخِلَاف من سبق عَلَيْهِ، فَإِنَّهُم كَانُوا فِي الْإِرْشَاد وتربية الْآبَاء للأولاد، وَلِأَنَّهُ أول الرُّسُل المشرعين:{شرع لكم من الدّين مَا وصّى بِهِ نوحًا} (الشورى: 31) . أَو لِأَنَّهُ أَبُو الْبشر الثَّانِي، وَذريته هم الْبَاقُونَ فِي الدُّنْيَا لَا غَيرهم. قَوْله:(أَنه أَعور) ، وَقد ورد فِيهِ كَلِمَات متنافرة، ورد: أَنه أَعور، وَفِي رِوَايَة: أَنَّهَا طافية، وَفِي أُخْرَى: أَنه جاحظ الْعين كَأَنَّهَا كَوْكَب، وَفِي أُخْرَى: أَنَّهَا لَيست بباقية، وَفِي أُخْرَى: أَنه أَعور عين الْيُمْنَى، وَفِي أُخْرَى: أَعور عين الْيُسْرَى، وَفِي حَدِيث حُذَيْفَة: أَنه مَمْسُوح الْعين عَلَيْهَا ظفرة غَلِيظَة، وَوجه الْجمع بَين هَذِه الْأَوْصَاف المتنافرة أَن يقدر فِيهَا أَن إِحْدَى عَيْنَيْهِ ذَاهِبَة، وَالْأُخْرَى مَعِيبَة، فَيصح أَن يُقَال: لكل وَاحِدَة عوراء، إِذْ الأَصْل فِي العور الْعَيْب. قَوْله:(وَأَن الله لَيْسَ بأعور) ، للتنزيه سبحانه وتعالى.
8333 -
حدَّثنا أبُو نُعَيْمٍ حدَّثنا شَيْبَانُ عنْ يَحْيَى عنْ أبِي سَلَمَةَ سَمِعْتُ أبَا هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ قَالَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم ألَا أحَدِّثُكُمْ عنِ الدَّجَّالِ مَا حدَّثَ بِهِ نَبِيٌّ قَوْمَهُ إنَّهُ أعْوَرُ وإنَّهُ يَجِيءُ مَعَهُ بِمِثَالِ الجَنَّةِ والنَّارِ فالَّتِي يَقُولُ إنَّهَا الجَنَّةُ هِيَ النَّارُ وإنِّي أُنْذِرُكُمْ كَمَا أنْذَرَ بِهِ نُوحٌ عليه السلام قَوْمَهُ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (كَمَا أنذر نوح عليه السلام قومه) وَأَبُو نعيم، بِضَم النُّون: الْفضل بن دُكَيْن، وشيبان ابْن عبد الرَّحْمَن النَّحْوِيّ، وَيحيى هُوَ ابْن أبي كثير.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الْفِتَن عَن مُحَمَّد بن رَافع.
قَوْله: (بمثال الْجنَّة)، أَي: بِمِثْلِهَا ويروى: تِمْثَال الْجنَّة، أَي: صُورَة الْجنَّة. قَوْله: (كَمَا أنذر) ، وَجه الشّبَه فِيهِ الْإِنْذَار الْمُقَيد بمجيء الْمِثَال فِي صحبته، وإلَاّ فالإنذار لَا يخْتَص بِهِ.
9333 -
حدَّثنا مُوساى بنُ إسْمَاعِيلَ حدَّثنا عَبْدُ الوَاحِدِ بنُ زِيَادِ حدَّثنَا الأعْمَشُ عنْ أبِي صالِحٍ عنْ أبِي سَعِيدٍ قَالَ قَالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يَجِيءُ نُوحٌ وأُمَّتُهُ فيَقُولُ الله تَعَالَى هَلْ بَلَّغْتَ فيَقُولُ نَعَمْ أَي رَبِّ فيَقُولُ لأِمَّتِهِ هلْ بَلَّغَكُمْ فيَقُولُونَ لَا مَا جَاءَنَا مِنْ نَبِيٍّ فيَقُولُ لِنُوحٍ مَنْ يَشْهَدُ لَكَ فَيَقُولُ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم وأُمَّتُهُ فَنَشْهَدُ أنَّهُ قَدْ بَلَّغَ وهْوَ قَوْلُهُ جَلَّ ذِكْرُهُ: {وكَذَلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطَاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} (الْبَقَرَة: 341) . والوَسَطُ العَدْلُ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (يَجِيء نوح وَأمته) وَالْأَعْمَش سُلَيْمَان، وَأَبُو صَالح ذكْوَان الزيات وَأَبُو سعيد سعد بن مَالك الْخُدْرِيّ الْأنْصَارِيّ.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي التَّفْسِير عَن يُوسُف بن رَاشد، وَفِي الِاعْتِصَام عَن إِسْحَاق بن مَنْصُور وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي التَّفْسِير عَن مُحَمَّد بن بشار، وغندر، وَعبد بن حميد وَعَن أَحْمد بن منيع. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن مُحَمَّد بن آدم وَعَن مُحَمَّد بن الْمثنى. وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي الزّهْد عَن أبي كريب وَأحمد بن سِنَان وأوله: يَجِيء النَّبِي وَمَعَهُ الرجل.
قَوْله: (أَي رب)، يَعْنِي: يَا رَبِّي. قَوْله: (لَا مَا جَاءَنَا من نَبِي)، فَإِن قلت: قَالَ الله تَعَالَى: {الْيَوْم نختم على أَفْوَاههم} (ي س: 56) . فَكيف يَتَكَلَّمُونَ بذلك؟ قلت: فِي يَوْم الْقِيَامَة مَوَاطِن: موطن يَتَكَلَّمُونَ فِيهِ، وموطن يسكتون. قَوْله:(فَيَقُول مُحَمَّد)، أَي: يشْهد مُحَمَّد وَأمته. قَوْله: (فنشهد) بنُون الْمُتَكَلّم مَعَ الْغَيْر. قَوْله: (أَنه) أَي: أَن نوحًا قد بلغ إِلَيْهِم مَا أَمر بِهِ. وَبَاقِي الحَدِيث عِنْد غَيرهم، قَالَ: فَيَقُولُونَ: كَيفَ تشهد علينا أمة مُحَمَّد وَنحن أول الْأُمَم وهم آخِرهم، فَيَقُولُونَ: نشْهد أَن الله بعث إِلَيْنَا رَسُولا وَأنزل عَلَيْهِ الْكتاب، فَكَانَ فِيمَا أنزل علينا خبركم،
قَوْله: (وَالْوسط الْعدْل)، وَيُقَال: وسطا خياراً وَهِي صفة بالإسم الَّذِي هُوَ وسط الشَّيْء، وَلذَلِك اسْتَوَى فِيهِ الْوَاحِد وَالْجمع والمذكر والمؤنث.
0433 -
حدَّثني إسْحَاقُ بنُ نَصْرٍ حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدٍ حدَّثنا أَبُو حَيَّانَ عنْ أبِي زُرْعَةَ عنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي دَعْوَةٍ فَرُفِعَ إلَيْهِ الذِّرَاعُ وكانَتْ تُعْجِب فنَهَسَ مِنْهَا نَهْسَةً وَقَالَ أنَا سَيِّدُ النَّاسِ يَوْمَ القِيَامَةِ هَلْ تَدْرُونَ بِمَنْ يَجْمَعُ الله الأوَّلِينَ والآخَرِينَ فِي صَعِيدٍ واحِدٍ فيُبْصِرُهُمُ النَّاظِرُ ويُسْمِعُهُمْ الدَّاعِي وتَدْنُو مِنْهُمُ الشَّمْسُ فيَقُولُ بَعْضُ النَّاسِ ألَا تَرَوْنَ إلَى مَا أنْتُمْ فِيهِ إِلَى مَا بَلَغَكُمْ ألَا تَنْظُرُونَ إِلَى مَنْ يَشْفَعُ لَكُمْ إِلَى رَبِّكُمْ فيَقُولُ بَعْضُ النَّاسِ أبُوكُمْ آدَمُ فَيأتُونَهُ فيَقُولُونَ يَا آدَمُ أنْتَ أَبُو البَشَرِ خَلَقَكَ الله بِيَدِهِ ونَفَخَ فِيكَ مِنْ رُوحِهِ وأمَرَ المَلائِكَةَ فسَجَدُوا لَكَ وأسْكنَكَ الجَنَّةَ ألَا تَشْفَعُ لَنَا إلَى رَبِّكَ ألَا تَرَى مَا نَحْنُ فِيهِ وَمَا بَلَغَنَا فَيقُولُ رَبِّي غَضِبَ غَضَباً لَمْ يَغْضَبْ قبلَهُ مِثْلَهُ ولَا يَغْضَبُ بَعْدَهُ مِثْلَهُ ونَهَانِي عنِ الشَّجَرَةِ فَعَصَيْتُهُ نَفْسِي اذْهَبُوا إلَى غَيْرِي اذْهَبُوا إِلَى نُوحٍ فَيأتُونَ نُوحَاً فيَقُولُونَ يَا نوحُ أنْتَ أوَّلُ الرُّسُلِ إِلَى أهْلِ الأرْضِ وسَمَّاكَ الله عَبْدَاً شَكُوراً أمَا تَرَى إلَى مَا نَحْنُ فِيهِ ألَا تَرَى إلَى مَا بَلَغنا ألَا تَشْفَعُ لَنَا إلَى رَبِّكَ فيَقُولُ رَبِّي غَضِبَ اليَوْمَ غَضَباً لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ ولَا يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ ولَا يَغْضَبُ بَعْدَهُ مِثْلَهُ نَفْسِي نَفْسِي ائْتُوا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَيأتُونِي فأسْجُدُ تَحْتَ العَرْشِ فَيُقالُ يَا مُحَمَّدُ ارْفَعْ رأسَكَ واشْفَعْ تُشَفَّعْ وسَلْ تُعْطَهْ: قَالَ مُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدٍ لَا أحْفَظُ سائِرَهُ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (فَيَقُولُونَ: يَا نوح أَنْت أول الرُّسُل إِلَى أهل الأَرْض) . وَإِسْحَاق بن نصر هُوَ إِسْحَاق ابْن إِبْرَاهِيم بن نصر أَبُو إِبْرَاهِيم السَّعْدِيّ البُخَارِيّ، وَكَانَ ينزل بِالْمَدِينَةِ بِبَاب سعد، فَالْبُخَارِي تَارَة يَقُول: حَدثنَا إِسْحَاق ابْن نصر فينسبه إِلَى جده، وَتارَة يَقُول حَدثنَا: إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم بن نصر فينسبه إِلَى أَبِيه وَهُوَ من أَفْرَاده، وَمُحَمّد بن عبيد الطنافسي الْحَنَفِيّ الْإِيَادِي الأحدب الْكُوفِي، وَأَبُو حَيَّان، بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف: يحيى بن سعيد ابْن حَيَّان التَّيْمِيّ، وَأَبُو زرْعَة، بِضَم الزَّاي وَسُكُون الرَّاء وبالعين الْمُهْملَة: واسْمه هرم بن عَمْرو بن جرير بن عبد الله البَجلِيّ.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي التَّفْسِير عَن مُحَمَّد بن مقَاتل، وَهنا عَن إِسْحَاق بن نصر عَن أبي أُسَامَة، وَأخرجه مُسلم فِي الْإِيمَان عَن أبي بكر بن أبي شيبَة وَابْن نمير. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي الزّهْد عَن سُوَيْد بن نصر وَفِي الْأَطْعِمَة عَن وَاصل ابْن عبد الْأَعْلَى. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الْوَلِيمَة عَن وَاصل بن عبد الْأَعْلَى مُخْتَصرا، وَفِي التَّفْسِير بِطُولِهِ عَن يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم. وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي الْأَطْعِمَة عَن أبي بكر بن أبي شيبَة وَعَن عَليّ بن مُحَمَّد.
قَوْله: (فِي دَعْوَة)، بِفَتْح الدَّال: أَي: فِي ضِيَافَة، وبكسرها: فِي النّسَب، وَبِضَمِّهَا فِي الْحَرْب. قَوْله:(فَرفع إِلَيْهِ الذِّرَاع)، قَالَ ابْن التِّين: وَالصَّوَاب: رفعت، وَكَذَا فِي الْأُصُول: رفعت، إلَاّ أَنه جَاءَ فِي الْمُؤَنَّث الَّذِي لَا فرج لَهُ: أَنه يجوز تذكيره، والذراع مُؤَنّثَة، وَلذَلِك قَالَ: وَكَانَت تعجبه. قَالَ: وَهَذَا على مَا فِي بعض النّسخ بِضَم الذِّرَاع، وَأما بنصبها فَبين، وَيكون رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم هُوَ رافعها. قَوْله:(تعجبه)، أَي: كَانَت الذِّرَاع تعجب رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم وَكَانَ إعجابه لَهَا ومحبته لَهَا لنضجها وَسُرْعَة استمرائها مَعَ زِيَادَة لذتها وحلاوة مذاقها وَبعدهَا عَن مَوَاضِع الْأَذَى. قَوْله:(فنهس) ، أَكثر الروَاة على إهمالها، وَفِي رِوَايَة ابْن ماهان وَأبي ذَر بالإعجام، وَكِلَاهُمَا صَحِيح، فالنهس بِالْمُهْمَلَةِ
الْأَخْذ بأطراف الْأَسْنَان، وبالمعجمة الْأَخْذ بالأضراس، وَقَالَ الْقَزاز: النهس أَخذ اللَّحْم بالأسنان بالفم، وَقيل: هُوَ الْقَبْض على اللَّحْم ونثره عِنْد أكله. وَقَالَ الْأَصْمَعِي: هما وَاحِد وَهُوَ: أَخذ اللَّحْم بالفم، وَخَالفهُ أَبُو زيد فَذكر مَا ذَكرْنَاهُ. قَوْله:(أَنا سيد الْقَوْم يَوْم الْقِيَامَة)، أَي: الَّذِي يفوق قومه ويفزع إِلَيْهِ فِي الشدائد، وَخص يَوْم الْقِيَامَة لارْتِفَاع سؤدده وَتَسْلِيم جَمِيعهم لَهُ، وَلكَون آدم وَجَمِيع وَلَده تَحت لوائه، ذكره عِيَاض. وَقَالَ الْكرْمَانِي: وَتَقْيِيد سيادته بِيَوْم الْقِيَامَة لَا يُنَافِي السِّيَادَة فِي الدُّنْيَا، وَإِنَّمَا خصّه بِهِ لِأَن هَذِه الْقِصَّة قصَّة يَوْم الْقِيَامَة، قلت: إِذا كَانَ هُوَ سيداً يَوْم الْقِيَامَة، وَهُوَ أعظم من الدُّنْيَا فبالأولى أَن يكون سيدا فِي الدُّنْيَا أَيْضا. فَإِن قلت: قَالَ صلى الله عليه وسلم: لَا تخَيرُوا بَين الْأَنْبِيَاء، وَقَالَ: لَا تفضلُونِي على يُونُس، عليه الصلاة والسلام. قلت: أُجِيب كَانَ هَذَا قبل إِعْلَامه بسيادة ولد آدم والفضائل لَا تنسخ إِجْمَاعًا فَبَقيت القَبْلية، أَو الَّذِي قَالَ فِي يُونُس من: بَاب التَّوَاضُع. وَقد قيل: إِن الْمَنْع فِي ذَات النُّبُوَّة والرسالة، فَإِن الْأَنْبِيَاء فِيهَا على حد وَاحِد، إِذْ هِيَ شَيْء وَاحِد لَا تتفاضل، وَإِنَّمَا التَّفَاضُل فِي زِيَادَة الْأَحْوَال والكرامات والرتب والألطاف. قَوْله:(فِي صَعِيد وَاحِد) أَي: أَرض وَاسِعَة مستوية. قَوْله: (فَيبْصرُهُمْ النَّاظر) أَي: يُحِيط بهم بصر النَّاظر لَا يخفى عَلَيْهِ مِنْهُم شَيْء لِاسْتِوَاء الأَرْض وَعدم الْحجاب، ويروى: فَيَنْفُذهُمْ الْبَصَر، بِفَتْح الْيَاء وبالذال الْمُعْجَمَة على الْأَكْثَرين، ويروى بِضَم الْيَاء، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: مَعْنَاهُ ينفذهم بصر الرَّحْمَن حَتَّى يَأْتِي عَلَيْهِم كلهم. قلت: هُوَ كِنَايَة عَن استيعابهم بِالْعلمِ، وَالله لَا يخفى عَلَيْهِ شَيْء، وَالصَّوَاب قَول من قَالَ: فَيبْصرُهُمْ النَّاظر من الْخلق، وَعَن أبي حَاتِم: إِنَّمَا هُوَ بدال مُهْملَة، أَي: يبلغ أَوَّلهمْ وَآخرهمْ. وَقَالَ ابْن الْأَثِير: وَالصَّحِيح فتح الْيَاء مَعَ الإعجام. قَوْله: (وَيسْمعهُمْ) بِضَم الْيَاء من الإسماع. قَوْله: (إِلَى مَا بَلغَكُمْ)، بدل من قَوْله:(إِلَى مَا أَنْتُم فِيهِ) قَوْله: (أَلا تنْظرُون؟) كلمة: أَلا، فِي الْمَوْضِعَيْنِ للعرض والتحضيض، وَهِي بِفَتْح الْهمزَة وَتَخْفِيف اللَّام. قَوْله:(من روحه) ، الْإِضَافَة إِلَى الله لتعظيم الْمُضَاف وتشريفه، كَقَوْلِهِم: عبد الْخَلِيفَة كَذَا. قَوْله: (وَمَا بلغنَا) ، بِفَتْح الْغَيْن الْمُعْجَمَة هُوَ الصَّحِيح لِأَنَّهُ تقدم مَا بَلغَكُمْ، وَلَو كَانَ بِسُكُون الْغَيْن لقَالَ: بَلغهُمْ، وَقيل بِالسُّكُونِ وَله وَجه. قَوْله:(رَبِّي غضب) المُرَاد من الْغَضَب لَازمه وَهُوَ إِرَادَة إِيصَال الْعَذَاب، وَقَالَ النَّوَوِيّ: المُرَاد من غضب الله مَا يظْهر من انتقامه فِيمَن عَصَاهُ، وَمَا يُشَاهِدهُ أهل الْجمع من الْأَهْوَال الَّتِي لم تكن وَلَا يكون مثلهَا، وَلَا شكّ أَنه لم يَقع قبل ذَلِك الْيَوْم مثله وَلَا يكون بعده مثله. قَوْله:(نَفسِي نَفسِي)، أَي: نَفسِي هِيَ الَّتِي تسْتَحقّ أَن يشفع لَهَا، إِذْ الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر إِذا كَانَا متحدين فَالْمُرَاد بعض لوازمه، أَو قَوْله: نَفسِي مُبْتَدأ وَالْخَبَر مَحْذُوف. قَوْله: (إذهبوا إِلَى نوح) بَيَان لقَوْله: (إذهبوا إِلَى غَيْرِي) . قَوْله: (أَنْت أول الرُّسُل) ، إِنَّمَا قَالُوا لَهُ ذَلِك لِأَنَّهُ آدم الثَّانِي، أَو لِأَنَّهُ أول رَسُول هلك قومه، أَو لِأَن آدم وَنَحْوه خرج بقوله: إِلَى أهل الأَرْض لِأَنَّهَا لم تكن لَهَا أهل حِينَئِذٍ، أَو لِأَن رسَالَته كَانَت بِمَنْزِلَة التربية للأولاد. وَفِي (التَّوْضِيح) : قَوْلهم: أَنْت أول الرُّسُل إِلَى أهل الأَرْض، هُوَ الصَّحِيح، قَالَه الدَّاودِيّ، وروى أَن آدم، عليه الصلاة والسلام، مُرْسل، وَرُوِيَ فِي ذَلِك، حديثٌ عَن رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم، وَقيل: هُوَ نَبِي وَلَيْسَ برَسُول، وَقيل: رَسُول وَلَيْسَ نَبيا. انْتهى. وَقَالَ ابْن بطال: آدم لَيْسَ برَسُول، نَقله عَنهُ الْكرْمَانِي. قلت: الصَّحِيح أَنه نَبِي وَرَسُول، وَقد نزل عَلَيْهِ جِبْرِيل وَأنزل عَلَيْهِ صحفاً وَعلم أَوْلَاده الشَّرَائِع، وَقَول ابْن بطال غير صَحِيح، وَأما قَول من قَالَ: إِنَّه رَسُول وَلَيْسَ بِنَبِي، فَظَاهر الْفساد، لِأَن كل رَسُول نَبِي، وَمن لَازم الرسَالَة النُّبُوَّة. قَوْله:(أما ترى؟) بِفَتْح الْهمزَة وَتَخْفِيف الْمِيم وَهِي حرف استفتاح بِمَنْزِلَة: ألَا، وَكلمَة: ألَا بعْدهَا للعرض والتحضيض. قَوْله: (ائْتُوا النَّبِي صلى الله عليه وسلم ، هُوَ نَبينَا مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم، بيَّن ذَلِك بقوله: (فَيَأْتُوني) أَصله: فيأتونني، وَحذف نون الْجمع بِلَا جازم وَلَا ناصب لُغَة. قَوْله:(تشفع) ، على صِيغَة الْمَجْهُول من التشفيع، وَهُوَ قبُول الشَّفَاعَة. قَوْله:(قَالَ مُحَمَّد بن عبيد: لَا أحفظ سائره)، أَي: سَائِر الحَدِيث، أَي: بَاقِيه، لِأَنَّهُ مطول علم من سَائِر الرِّوَايَات، وَقد بَينهَا غَيره وحفظها حَتَّى قَالَ ابْن التِّين: وَقَول نوح: ائْتُوا النَّبِي، وهم إِنَّمَا دلهم على إِبْرَاهِيم، عليه الصلاة والسلام، وَإِبْرَاهِيم دلهم على مُوسَى، عليه الصلاة والسلام، ومُوسَى دلهم على عِيسَى، عليه الصلاة والسلام، وَعِيسَى دلهم على نَبينَا مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم. وَذكر الْغَزالِيّ، رحمه الله: أَن بَين إتيانهم من آدم إِلَى نوح ألف سنة، وَكَذَا إِلَى كل نَبِي حَتَّى يَأْتُوا نَبينَا مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم. قَالَ: وَالرسل يَوْم الْقِيَامَة على مَنَابِر، وَالْعُلَمَاء الْعَامِلُونَ على كراسي، وهم رُؤَسَاء أهل الْمَحْشَر، وَمن يشفع للنَّاس مِنْهُم رُؤَسَاء أَتبَاع الرُّسُل، وَأول الشفعاء يَوْم الْقِيَامَة نَبينَا مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ