الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَشَارَ بِهِ إِلَى مَا فِي قَوْله تَعَالَى: {لَا ذَلُول تثير الأَرْض وَلَا تَسْقِي الْحَرْث} (الْبَقَرَة: 17) . أَي: هَذِه لَا ذَلُول، يَعْنِي: لَيست مذللة بالحرث وَلَا معدة للسقي فِي السانية، بل هِيَ مكرمَة حسناء صَبِيحَة. قَوْله:(لم يذلها) ، بِضَم الْيَاء من الإذلال، وَالْعَمَل مَرْفُوع بِهِ. قَوْله:(تثير الأَرْض) يَعْنِي: لَيست بذلول فتثير الأَرْض.
مُسَلَّمَةٌ مِنَ العُيُوبِ
أَشَارَ بِهِ إِلَى مَا فِي قَوْله تَعَالَى: {مسلمة} (الْبَقَرَة: 17) . الْآيَة وفسرها بقوله: من الْعُيُوب، وَقَالَ عَطاء الْخُرَاسَانِي: مسلمة القوائم والخلق.
لَاشِيَة بَيَاضٌ
فسر الشية الَّتِي هِيَ اللَّوْن بقوله: بَيَاض، يَعْنِي: لَا بَيَاض فِيهَا، قَالَ أَبُو الْعَالِيَة والربعي وَالْحسن وَقَتَادَة: لَيْسَ فِيهَا بَيَاض، وَقَالَ عَطاء الْخُرَاسَانِي: لَوْنهَا وَاحِد، وروى عَن عَطِيَّة ووهب بن مُنَبّه نَحْو ذَلِك، وَقَالَ السّديّ:{لَا شية فِيهَا} (الْبَقَرَة: 17) . من بَيَاض وَلَا سَواد وَلَا حمرَة.
صَفْرَاءُ إنْ شِئْتَ سَوْدَاءُ ويُقَالُ صَفْرَاءُ كَقَوْلِهِ جِمَالَاتٌ صُفْرٌ غَرَضه من هَذَا الْكَلَام أَن الصُّفْرَة يحْتَمل حملهَا على مَعْنَاهَا الْمَشْهُور، وعَلى معنى السوَاد، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى:{جمالات صفر} (المرسلات: 33) . فَإِنَّهُ فسر بسود يضْرب إِلَى الصُّفْرَة فاحمل على أَيهمَا شِئْت. قَوْله: (جمالات) جمع الْجمع لِأَنَّهُ جمع: جمالة، والجمالة جمع جمل وفسرها مُجَاهِد بسود، وَيُقَال للجمل الْأسود: أصفر، لِأَنَّهُ لَا يُوجد جمل أسود إلَاّ وَهُوَ مشرب بصفرة.
فادَّارَأْتُمْ اخْتَلَفْتُمْ
أَشَارَ بِهِ إِلَى مَا فِي قَوْله تَعَالَى: {وَإِذ قتلتم نفسا فادَّارَأْتُم فِيهَا} (الْبَقَرَة: 27) . وَفسّر بقوله: اختلفتم، وَهَكَذَا قَالَ مُجَاهِد فِيمَا رَوَاهُ ابْن أبي حَاتِم عَن أَبِيه عَن أبي حُذَيْفَة عَن شبْل عَن ابْن أبي نجيح عَن مُجَاهِد: أَنه قَالَ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَإِذ قتلتم نفسا فادَّارأتُم فِيهَا} (الْبَقَرَة: 27) . اختلفتم، وَقَالَ عَطاء الْخُرَاسَانِي وَالضَّحَّاك: اختصمتم فِيهَا، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة، وَهُوَ من التداري، وَهُوَ التدافع، وَالله أعلم.
13 -
(بابُ وفاتِ مُوساى وذِكْرُهُ بَعْدُ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان وَفَاة مُوسَى، عليه الصلاة والسلام، وَلَيْسَ فِي رِوَايَة أبي ذَر ذكر لفظ: بَاب، وَإِنَّمَا الْمَذْكُور عِنْده: وَفَاة مُوسَى، عليه الصلاة والسلام. قَوْله:(وَذكره بعد)، بِضَم الدَّال لِأَنَّهُ مَبْنِيّ عَلَيْهِ لكَونه قطع عَن الْإِضَافَة وَالتَّقْدِير: وَفِي بَيَان ذكره بعد ذَلِك وَفَاته، عليه الصلاة والسلام.
7043 -
حدَّثنا يَحْيَى بْنُ مُوسَى حدَّثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عنِ ابنِ طاوُوسٍ عنْ أبِيهِ عنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ أرْسِلَ مَلَكُ المَوْتِ إِلَى مُوسَى عليهما السلام فلَمَّا جاءَهُ صَكَّهُ فرَجَعَ إلَى رَبِّهِ فقالَ أرْسَلْتَنِي إِلَى عَبْدٍ لَا يُرِيدُ المَوْتَ قَالَ ارْجِعْ إلَيْهِ فَقُلْ لَهُ يَضَعُ يَدَهُ عَلَى مَتْنِ ثَوْرٍ فَلَهُ بِمَا غَطَّتْ يَدُهُ بِكُلِّ شَعَرَةٍ سَنَةٌ قَالَ أيْ رَبِّ ثُمَّ مَاذَا قالَ ثُمَّ المَوْتُ قَالَ فالآنَ قَالَ فَسَألَ الله أَن يُدْنِيهِ مِنَ الأرْضِ المُقَدَّسَةِ. رَمْيَةً بِحَجَرٍ قَالَ أبُو هُرَيْرَةَ فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم لَوْ كُنْتُ ثَمَّ لأرَيْتُكُمْ قَبْرَهُ إِلَى جانِبِ الطَّرِيقِ تَحْتَ الكَثِيبِ الأحْمَرِ. (انْظُر الحَدِيث 9331) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَيحيى بن مُوسَى بن عبد ربه أَبُو زَكَرِيَّاء السّخْتِيَانِيّ الْبَلْخِي، يُقَال لَهُ: خت، بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَتَشْديد التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق، وَابْن طَاوُوس هُوَ عبد الله.
وَهَذَا الحَدِيث رَوَاهُ البُخَارِيّ أَولا مَوْقُوفا من طَرِيق طَاوُوس عَنهُ، ثمَّ أوردهُ عتيبة بِرِوَايَة همام عَنهُ مَرْفُوعا وَهُوَ الْمَشْهُور عَن عبد الرَّزَّاق، والْحَدِيث مر فِي كتاب الْجَنَائِز فِي: بَاب من
أحب الدّفن فِي الأَرْض المقدسة.
قَوْله: (صَكه)، أَي: ضربه، وَفِي رِوَايَة مُسلم: جَاءَ ملك الْمَوْت إِلَى مُوسَى، عليه الصلاة والسلام، فَقَالَ: أجب رَبك، فلطم مُوسَى عين ملك الْمَوْت ففقأها، وَفِي رِوَايَة أَحْمد: كَانَ ملك الْمَوْت يَأْتِي النَّاس عيَانًا، فَأتى مُوسَى فَلَطَمَهُ ففقأ عينه. قَوْله:(لَا يُرِيد الْمَوْت) ، وَفِي رِوَايَة همام، وَقد فَقَأَ عَيْني فَرد الله عينه، وَفِي ررواية عمار، فَقَالَ: يَا رب عَبدك مُوسَى فَقَأَ عَيْني، وَلَوْلَا كرامته عَلَيْك لشققت عَلَيْهِ. قَوْله:(فَقل لَهُ)، أَي: لمُوسَى، يضع يَده، وَفِي رِوَايَة أبي يوسن: فَقل لَهُ: الحياةَ تُرِيدُ؟ فَإِن كنت تُرِيدُ الْحَيَاة فَإِن كنت تُرِيدُ الْحَيَاة فضع يدك. قَوْله: (على متن ثَوْر) ، هَكَذَا رِوَايَة الْكشميهني، وَفِي رِوَايَة غَيره: بِمَا غطى. قَوْله: (أَي رب)، يَعْنِي: يَا رب. قَوْله: ثمَّ مَاذَا أَي ثمَّ مَا يكون بعد هَذَا أَي أحياة أَو موت؟ قَوْله (فَالْآن) هُوَ ظرف زمَان الْحَال بَين الْمَاضِي والمستقبل قَوْله: (ثمَّ مَاذَا) أَي ثمَّ مَا يكون بعد هَذَا أَي: أحياة أَو موت؟ قَوْله (فَالْآن) هُوَ ظرف زمَان الْحَال بَين الْمَاضِي والمستقبل قَوْله: أَن يُدْنِيه) بِضَم الْيَاء من الإدناء أَي: يقربهُ، وَوجه سُؤَاله الإدناء من الأَرْض المقدسة هُوَ شرفها وف ضيلة مَا فِيهَا من المدفونين من الْأَنْبِيَاء، عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَغَيرهم، فَإِن قلت: سَأَلَ الإدناء فلَمَ لَمْ يسْأَل نفس بَيت الْمُقَدّس؟ قلت: لِأَنَّهُ خَافَ أَن يكون قَبره مَشْهُورا عِنْدهم فيفتتن بِهِ النَّاس. وَفِيه: اسْتِحْبَاب الدّفن فِي الْمَوَاضِع الفاضلة والمواطن الْمُبَارَكَة والقرب من مدافن الصَّالِحين قَوْله (رمية) أَي قدر رمية كائنة بِحجر. قَوْله: (إِلَى جَانب الطَّرِيق) هَكَذَا رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي والكشميهني، وَفِي رِوَايَة غَيرهمَا: من جَانب الطَّرِيق. قَوْله: (الْكَثِيب) بالثاء الْمُثَلَّثَة وَفِي آخِره بَاء مُوَحدَة: وَهُوَ الرمل الْكثير الْمُجْتَمع.
وَاخْتلف أهل السّير فِي مَوضِع قَبره، فَقيل: بِأَرْض التيه وَهَارُون كَذَلِك وَلم كَذَلِك. وَلم يدْخل مُوسَى الأَرْض المقدسة إلَاّ رمية حجر، رَوَاهُ الضَّحَّاك عَن بن عَبَّاس، وَقَالَ: لَا يعرف قَبره، وَرَسُول الله، صلى الله عليه وسلم أبهم ذَلِك بقوله: إِلَى جَانب الطَّرِيق عِنْد الْكَثِيب الْأَحْمَر، وَلَو أَرَادَ بَيَانه لبيَّن صَرِيحًا، وَقَالَ ابْن عَبَّاس: لَو علمت الْيَهُود قبر مُوسَى وَهَارُون لاتخذوهما إل هَين من دون الله، وَقيل: بِبَاب لد بِالْبَيْتِ الْمُقَدّس، وَقيل: قَبره بَين عالية وعويلة عِنْد كَنِيسَة توماء، وَقيل: بالوادي فِي أَرض مَاء بَين بُصرى والبلقاء، وَقيل: قَبره بِدِمَشْق، ذكره ابْن عَسَاكِر عَن كَعْب الْأَحْبَار، وَالأَصَح أَنه بالتيه قدر رمية حجر من الأَرْض المقدسة، وَعَن وهب: أَن الْمَلَائِكَة توَلّوا دَفنه وَالصَّلَاة عَلَيْهِ وَأَنه عَاشَ مائَة وَعشْرين سنة، وَقَالَ وهب: وَصلى عَلَيْهِ جِبْرِيل، عليه الصلاة والسلام، وَكَانَ مَوته بعد موت هَارُون بِأحد عشر شهرا، وَكَانَ بَين وَفَاة إِبْرَاهِيم ومولد مُوسَى مِائَتَان وَخَمْسُونَ سنة، وَقد مَضَت بَقِيَّة الْكَلَام فِي كتاب الْجَنَائِز.
قَالَ وأخْبرَنا مَعْمَرٌ عنْ هَمَّامٍ قَالَ حدَّثنا أَبُو هُرَيْرَةَ عنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَهُ
أَي: قَالَ عبد الرَّزَّاق: أخبرنَا معمر بن رَاشد عَن همام بن مُنَبّه نَحْو الحَدِيث الْمَذْكُور، وَقَالَ بَعضهم: وَهَذَا مَوْصُول بِالْإِسْنَادِ وَقد وهم من قَالَ: إِنَّه مُعَلّق. قلت: صورته صُورَة تَعْلِيق، وَكَونه مَوْصُولا بِالْإِسْنَادِ الأول مُحْتَمل، وَلَا يلْزم من إِخْرَاج غَيره هَذَا مَوْصُولا أَن يكون هَذَا أَيْضا مَوْصُولا، وَهُوَ فِي صُورَة التَّعْلِيق، فَافْهَم.
8043 -
حدَّثنا أبُو اليَمانِ أخبرَنا شُعَيْبٌ عنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ أخبرَني أبُو سلَمَة بنُ عَبْدِ الرَّحْمانِ وسَعيدُ بنُ المُسَيَّبِ أنَّ أبَا هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ اسْتَبَّ رجُلٌ مِنَ المُسْلِمِينَ ورَجُلٌ مِنَ اليَهُودِ فَقَالَ الْمُسْلِمُ والَّذِي اصْطَفَى مُحَمَّداً صلى الله عليه وسلم علَى العَالَمِينَ فِي قَسَمٍ يُقْسِمُ بِهِ فَقَالَ اليَهُودِيُّ والَّذِي اصْطَفَى مُوسَى علَى العَالَمِينَ فرَفَعَ الْمُسْلِمُ عِنْدَ ذَلِكَ يَدَهُ فلَطَمَ اليَهُودِيَّ فذَهَبَ اليَهُودِيُّ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فأخْبَرَهُ الَّذِي كانَ مِنْ أمْرِهِ وأمْرِ الْمُسْلِمِ فَقَالَ لَا تُخَيِّرُونِي علَى مُوسَى فإنَّ النَّاسَ يَصْعَقُونَ فأكُونُ أوَّلَ مَنْ يُفِيقُ فإذَا مُوسَى بَاطِشٌ بِجَانِبِ العَرْشِ فَلَا أدْرِي أكانَ فِيمَنْ صَعِقَ فأفَاقَ قَبْلِي أوْ كانَ مِمَّنْ اسْتَثْنَى الله. .
مطابقته للجزء الْأَخير للتَّرْجَمَة، وَهُوَ قَوْله: وَذكره بعد، وَقد تكَرر ذكر رِجَاله على هَذَا النسق. والْحَدِيث مضى فِي
الْخُصُومَات فِي: بَاب مَا يذكر فِي الْأَشْخَاص، وَمضى الْكَلَام فِيهِ مُسْتَوفى.
9043 -
حدَّثنا عبْدُ العَزِيزِ بنُ عَبْدِ الله حدَّثنا إبْرَاهِيمُ بنُ سَعْدٍ عنِ ابنِ شِهَابٍ عنْ حُمَيْدِ ابنِ عَبْدِ الرَّحْمَّنِ أنَّ أبَا هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ قَالَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم احْتَجَّ آدَمُ وَمُوسَى فَقَالَ لَهُ مُوسَى أنْتَ آدَمُ الَّذِي أخْرَجَتْكَ خَطِيئَتُكَ مِنَ الجَنَّةِ فَقَالَ لَهُ آدَمُ أنْتَ مُوسَى الَّذِي اصْطَفَاكَ الله بِرِسَالَتِهِ وبِكَلَامِهِ ثُمَّ تَلُومُنِي عَلَى أمْرٍ قُدَّرَ علَيَّ قَبْلَ أنْ أُخْلَقَ فَقَالَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى مَرَّتَيْنِ. .
مطابقته للجزء الْأَخير للتَّرْجَمَة، وَعبد الْعَزِيز بن عبد الله بن يحيى الْقرشِي الأويسي الْمَدِينِيّ، وَهُوَ من أَفْرَاده وَإِبْرَاهِيم ابْن سعد بن إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف الزُّهْرِيّ الْقرشِي الْمَدِينِيّ، كَانَ على قَضَاء بَغْدَاد.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي التَّوْحِيد عَن يحيى بن بكير. وَأخرجه مُسلم أَيْضا فِي الْقدر عَن زُهَيْر بن حَرْب وَمُحَمّد بن حَاتِم.
قَوْله: (احْتج مُوسَى وآدَم) أَي: تحاجَّا. إِمَّا أَن تكون أرواحهما تَحَاجَّتْ، أَو يكون ذَلِك يَوْم الْقِيَامَة، وَالْأول أظهر. وَقَالَ القَاضِي عِيَاض: وَيحْتَمل أَن يحمل على ظَاهره، وأنهما اجْتمعَا بأشخاصهما. وَقد ثَبت فِي حَدِيث الْإِسْرَاء أَنه، صلى الله عليه وسلم، اجْتمع بالأنبياء، عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام، فِي السَّمَوَات وَفِي بَيت الْمُقَدّس وَصلى بهم، وَلَا يبعد أَن الله أحياهم كَمَا أَحْيَا الشُّهَدَاء، وَيحْتَمل أَن يكون جرى ذَلِك فِي حَيَاة مُوسَى، سَأَلَ الله تَعَالَى أَن يرِيه آدم، عليه الصلاة والسلام، فيحاجه. قَوْله:(خطيئتك) أَي: الْأكل من الشَّجَرَة الْمنْهِي عَنْهَا بقوله: {لَا تقربا هَذِه الشَّجَرَة} (الْبَقَرَة: 53، الْأَعْرَاف: 91) . وَجَاز فِي مثله: أخرجتك وأخرجته بِالْخِطَابِ والغيبة نَحْو.
(أَنا الَّذِي سمتني أُمِّي حيدره.)
أَي: سمته قَوْله: (الَّذِي اصطفاك الله)، أَي: جعلك خَالِصا صافياً عَن شَائِبَة مَا لَا يَلِيق بك. وَفِيه تلميح إِلَى قَوْله تَعَالَى: {وكلم الله مُوسَى تكليماً} (النِّسَاء: 461) . قَوْله: (ثمَّ تلومني) كلمة: ثمَّ، بالثاء الْمُثَلَّثَة وَالْمِيم الْمُشَدّدَة فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة الْأصيلِيّ وَالْمُسْتَمْلِي: بِمَ، بِكَسْر الْبَاء الْمُوَحدَة وَفتح الْمِيم المخففة. قَوْله:(فحج آدم) بِالرَّفْع بِاتِّفَاق الروَاة أَي: غَلبه بِالْحجَّةِ وَظهر عَلَيْهِ بهَا، وَقَالَ الطَّيِّبِيّ: أَي غلب بِالْحجَّةِ، بِأَن ألزمهُ أَن جملَة مَا صدر عَنهُ لم يكن هُوَ مُسْتقِلّا بهَا مُتَمَكنًا من تَركهَا، بل كَانَ أمرا مقضياً. قَوْله:(مرَّتَيْنِ)، مُتَعَلق بقوله: قَالَ، وَقَالَ الْخطابِيّ: إِنَّمَا حجه آدم فِي رفع اللوم إِذْ لَيْسَ لأحد من الْآدَمِيّين أَن يلوم أحدا بِهِ، وَأما الحكم الَّذِي تنازعاه فَإِنَّمَا هما فِي ذَلِك سَوَاء إِذْ لَا يقدر أحد أَن يسْقط الأَصْل الَّذِي هُوَ الْقدر، وَلَا أَن يبطل الَّذِي هُوَ السَّبَب، وَمن فعل وَاحِدًا مِنْهُمَا خرج عَن الْقَصْد إِلَى أحد الطَّرفَيْنِ، مَذْهَب الْقدر أَو الْجَبْر، وَفِي قَول آدم استقصار لعلم مُوسَى أَي: إِذا جعلك الله بِالصّفةِ الَّتِي أَنْت عَلَيْهَا من الاصطفاء بالرسالة وَالْكَلَام، فَكيف يسعك أَن تلومني على الْقدر الَّذِي لَا مدفع لَهُ؟ وَحَقِيقَته أَنه دفع حجَّة مُوسَى الَّتِي ألزمهُ بهَا اللوم وَذَلِكَ أَن الِاعْتِرَاض والابتداء كَانَ من مُوسَى، وعارضه بِأَمْر دفع بِهِ اللوم، فَكَانَ هُوَ الْغَالِب، وَقَالَ النَّوَوِيّ: مَعْنَاهُ أَنَّك تعلم أَنه مُقَدّر فَلَا تلمني، وَأَيْضًا اللوم شَرْعِي لَا عَقْلِي، وَإِذا تَابَ الله عَلَيْهِ وَغفر لَهُ زَالَ عَنهُ اللوم، فَمن لامه كَانَ محجوجاً بِالشَّرْعِ، فَإِن قيل: فالعاصي منَّا لَو قَالَ: هَذِه الْمعْصِيَة كَانَت بِتَقْدِير الله تَعَالَى لم تسْقط عَنهُ الْمَلَامَة قُلْنَا هُوَ باقٍ فِي دَار التَّكْلِيف جَار عَلَيْهِ أَحْكَام الْمُكَلّفين، وَفِي لومه زجر لَهُ وَلغيره، وَأما آدم فميت خَارج عَن هَذِه الدَّار وَعَن الْحَاجة إِلَى الزّجر، فَلم يكن فِي هَذَا القَوْل فَائِدَة سوى التخجيل وَنَحْوه، وَقَالَ التوربشتي: لَيْسَ من معنى قَول آدم، عليه الصلاة والسلام، كتب الله عَليّ، ألزمهُ إِيَّاه وأوجبه عَليّ، فَلم يكن لي فِي تنَاول الشَّجَرَة كسب وَاخْتِيَار، وَإِنَّمَا الْمَعْنى أثْبته فِي أم الْكتاب قبل كوني، وَحكم بِأَن ذَلِك كَائِن لَا محَالة لعلمه السَّابِق، فَهَل يُمكن أَن يصدر عني خلاف علم الله، فَكيف تغفل عَن الْعلم السَّابِق؟ وتذكر الْكسْب الَّذِي هُوَ السَّبَب وتنسى الأَصْل الَّذِي هُوَ الْقدر وَأَنت مِمَّن اصطفاك الله من المصطفين الأخيار الَّذين يشاهدون سر الله من وَرَاء الأستار؟