المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(باب هجرة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى المدينة) - عمدة القاري شرح صحيح البخاري - جـ ١٧

[بدر الدين العيني]

فهرس الكتاب

- ‌(بابُ إسْلَامِ أبِي ذَرٍّ الغَفَارِيِّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ)

- ‌(بابُ إسْلَامِ سَعيدِ بنِ زَيْدٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ)

- ‌(بابُ إسْلَامُ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ)

- ‌(بابُ انْشِقَاقِ القَمَرِ)

- ‌(بابُ هِجْرَةِ الحَبَشَةِ)

- ‌(بابُ مَوْتِ النَّجاشِيِّ)

- ‌‌‌(تابَعَهُ عَبْدُ الصَّمَدِ)

- ‌(تابَعَهُ عَبْدُ الصَّمَدِ)

- ‌(بابُ تَقَاسُمِ المُشْرِكِينَ علَى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم

- ‌(بابُ قِصةِ أبي طالِبٍ)

- ‌(بَاب حَدِيث الْإِسْرَاء)

- ‌(بابُ المِعْرَاجِ)

- ‌(بابُ وُفُودِ الأنْصَارِ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِمَكَّةَ وبَيْعَةِ العَقَبَةِ)

- ‌(بابُ تَزْوِيجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عائِشَةَ وقُدُومِها المَدِينَةَ وبِنائِهِ بِها)

- ‌(بابُ هِجْرَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وأصْحَابِهِ إلَى المَدِينَةِ)

- ‌(بابُ إقَامَةِ المُهَاجِرِ بِمَكَّةَ بَعْدَ قَضاءِ نُسُكِهِ)

- ‌‌‌(بابُ التَّارِيخِ مِنْ أيْنَ أرَّخُوا التَّاريخَ)

- ‌(بابُ التَّارِيخِ مِنْ أيْنَ أرَّخُوا التَّاريخَ)

- ‌(بابُ قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم اللَّهُمَّ أمْضِ لأصْحَابِي هِجْرَتَهُمْ ومَرْثِيَّتِهِ لِمَنْ ماتَ بِمَكَّةَ)

- ‌(بابٌ كيْفَ آخَى النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ أصْحَابِهِ)

- ‌(بابٌ)

- ‌(بابُ إتْيَانِ الْيَهُودِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم حِينَ قَدِمَ المَدِينَةَ)

- ‌(بابُ إسْلَامِ سَلْمَانَ الْفَارِسيِّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ)

- ‌(كِتَابُ المَغَازِي)

- ‌(بابُ غَزْوَةُ الْعُشَيْرَةِ أوِ الْعُسَيْرَةِ)

- ‌(بابُ ذِكْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَنْ يُقْتَلُ بِبَدْرٍ)

- ‌(بابُ قِصَّةِ غَزْوَةِ بَدْرٍ)

- ‌(بابُ قَوْلِ الله تعَالى {إذْ تسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فاسْتَجَابَ لكُم أنِّي مُمِدُّكُمْ بألْفٍ مِنَ المَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ وَمَا جَعَلَهُ الله إلَاّ بُشْرَى ولِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إلَاّ مِنْ عِنْدِ الله إنَّ الله عَزِيزٌ

- ‌ بَاب

- ‌(بابُ عِدَّةِ أصْحابِ بَدْرٍ)

- ‌(بابُ دُعاءِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم علَى كُفَّارِ قُرَيْشٍ شَيْبَةَ وعُتْبَةَ والوَلِيدِ وأبِي جَهْلِ بنِ هِشامٍ وهَلَاكِهِمْ)

- ‌(بابُ قَتْلِ أبِي جَهْلٍ)

- ‌(بابُ فَضْلِ مَنْ شَهِدَ بَدْرَاً)

- ‌(بابٌ)

- ‌(بابُ شُهُودِ المَلَائِكَةِ بَدْرَاً)

- ‌(بابٌ)

- ‌(بابُ تَسْمِيَةِ مَنْ سُمِّيَ مِنْ أهْلِ بَدْرٍ فِي الجَامِعِ الَّذِي وضَعَهُ أبُو عَبْدِ الله علَى حُرُوفِ الْمُعْجَمِ)

- ‌(بابُ حَدِيثِ بَنِي النَّضِيرِ)

- ‌(بابُ قَتْلِ كَعْبِ بنِ الأشْرَفِ)

- ‌(بابُ قَتْلِ أبِي رافِع)

- ‌(بابُ غَزْوَةِ أُحُدٍ)

- ‌ بَاب

- ‌(بابُ قَوْلِ الله تعَالَى {إنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الجَمْعَانِ إنَّمَا اسْتَزَلَّهُمْ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا ولَقَدْ عفَا الله عنْهُمْ إنَّ الله غَفُورٌ حَلِيمٌ} (آل عمرَان:

- ‌(بابٌ {إذْ تُصْعِدُونَ ولَا تَلْوُونَ علَى أحَدٍ والرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ فأثَابَكُمْ غَمَّاً بِغَمٍّ لِكَيْلَا تَحْزَنُوا علَى مَا فَاتَكُمْ ولَا مَا أصَابَكُمْ وَالله خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} (آل عمرَان:

- ‌(بابُ قَوْلِهِ تَعَالَى {ثُمَّ أنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أمَنَةً نُعَاسَاً يَغْشَى طائِفَةً مِنْكُمْ وطائِفَةٌ قَدْ أهَمَّتهُمْ أنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّه غَيْرَ الحَقِّ ظَنَّ الجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الأمْرِ مِنْ

- ‌(بابٌ {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأمْرِ شَيْءٌ أوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أوْ يُعَذِّبَهُمْ فإنَّهُمْ ظالِمُونَ} (آل عمرَان:

- ‌(بابُ ذِكْرِ أُمِّ سَلِيطٍ)

- ‌(بابُ قَتْلِ حَمْزَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ)

- ‌‌‌(بابُمَا أصابَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم مِنَ الجِرَاح يَوْمَ أحُدٍ)

- ‌(بابُ

- ‌(بابٌ)

- ‌(بابٌ {الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لله والرَّسُولِ} (آل عمرَان:

- ‌(بَاب من قُتِلَ مِنَ المُسْلِمِينَ يَوْمَ أُحُدٍ مِنْهُمْ حَمْزَةُ بنُ عَبْدِ المُطَّلِبِ واليَمَانُ وأنَسُ بنُ النَّضْرِ ومُصْعَبُ بنُ عُمَيْرٍ)

- ‌‌‌(بَاب أحد يحبنا ونحبه)

- ‌(بَاب أحد يحبنا ونحبه)

- ‌(بابُ غَزْوَةِ الرَّجِيعِ ورِعْلٍ وذَكْوَانَ وبِئْرِ مَعُونَةَ وحَدِيثِ عَضَلٍ والقارَة وعاصِمِ بنِ ثَابِتٍ وخُبَيْبٍ وأصْحَابِهِ)

- ‌(بابُ غَزْوَةِ الخَنْدَقِ وهْيَ الأحْزَابُ)

- ‌(بابُ مَرْجِعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنَ الأحْزَابِ ومَخْرَجهِ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ ومُحَاصَرَتِهِ وإيَّاهُمْ)

- ‌(بابُ غَزْوَةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ)

- ‌‌‌(بَاب غَزْوَة بني المصطلق من خُزَاعَة وَهِي غَزْوَة الْمُريْسِيع)

- ‌(بَاب غَزْوَة بني المصطلق من خُزَاعَة وَهِي غَزْوَة الْمُريْسِيع)

- ‌(بابُ غَزْوَةِ أنْمَارٍ)

- ‌(بابُ حَدِيثِ الإفْكِ)

- ‌(بابُ غَزْوَةِ الحُدَيْبِيَةِ)

- ‌(بابُ قِصَّةِ عُكْلٍ وَعُرَيْنَةَ)

- ‌(بابُ غَزْوَةِ ذِي قَرَدٍ)

- ‌(بابُ غَزْوَةِ خَيْبَرَ)

- ‌‌‌(بابُ اسْتِعْمَالِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم علَى أهْلِ خَيْبَرَ)

- ‌(بابُ اسْتِعْمَالِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم علَى أهْلِ خَيْبَرَ)

- ‌(بابُ مُعَامَلَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أهْلَ خَيْبَرَ)

- ‌‌‌(بابُ الشَّاةِ الَّتي سُمَّتْ لِلنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم بخَيْبَرَ)

- ‌(بابُ الشَّاةِ الَّتي سُمَّتْ لِلنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم بخَيْبَرَ)

- ‌(بابُ غَزْوَةِ زَيْدِ بنِ حارِثَةَ)

- ‌(بابُ عُمْرَةِ الْقَضاءِ)

- ‌(بابُ غَزْوَةِ مُوتةَ مِنْ أرْضِ الشَّامِ)

- ‌(بابُ غَزْوَةِ الفَتْحِ)

- ‌(بابُ غَزْوَةِ الفَتْحِ فِي رَمَضَانَ)

- ‌(بابٌ أيْنَ رَكَزَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم الرَّايَةَ يَوْمَ الفَتْحِ)

- ‌(بابُ دُخُول النبيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْ أعْلَى مَكَّةَ)

- ‌بَاب

- ‌(بابُ مَنْزلِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ الفَتْحِ)

- ‌(بابُ مُقامِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم بِمَكَّةَ زَمَنَ الفَتْحِ)

- ‌بَاب

- ‌(بابُ قَوْلِ الله عز وجل: {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إذْ أعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وضاقَتْ عَلَيْكُمُ الأرْضُ بِما رَحُبَتْ ثُمَّ ولَّيْتُمْ مُدْبِرِين ثُمَّ أنْزَلَ الله سَكِينَتَهُ إِلَى قَوْلِهِ غَفُورٌ رَحِيمٌ}

- ‌(بَاب غَزْوَة أَوْطَاس)

- ‌(بابُ غَزْوةٍ أوْطاسٍ)

- ‌(بابُ غَزْوَةِ الطَّائِفِ)

- ‌(بابُ السَّرِيَّةِ الَّتي قِبَلَ نَجْدٍ)

- ‌(بابُ بَعْثِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم خالِدَ بنَ الوَلِيدِ إِلَى بَنِي جَذِيمَةَ)

- ‌(بابُ سَرِيّةِ عَبْدِ الله بنِ حُذَافَةَ السَّهْمِيِّ وعَلْقَمَةَ بنِ مُجَزِّرٍ المُدْلِجِيِّ ويُقالُ إنَّها سَرِيةُ الأنْصاري)

الفصل: ‌(باب هجرة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى المدينة)

بذلك عَن المفاجأة بِالدُّخُولِ على غير عَالم بذلك فَإِنَّهُ يفزع غَالِبا قَوْله " ضحى " أَي ظهرا ويروى قد ضحا وَهَكَذَا ذكره ابْن الْأَثِير فَقَالَ فَلم يرعني إِلَّا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ - قد ضحى أَي ظهر قلت فعلى هَذَا ضحا فعل مَاض يُقَال ضحا يضحو ضحوا إِذا ظهر وَيُقَال أَيْضا ضحا الظل إِذا صَار شمسا قَوْله " فأسلمتني إِلَيْهِ " أَي أسلمتني النسْوَة من الْأَنْصَار إِلَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ - قَوْله " وَأَنا يَوْمئِذٍ " الْوَاو فِيهِ للْحَال أَي يَوْم التَّسْلِيم كنت بنت تسع سِنِين -

3895 -

حدَّثنا مُعَلَّى حدَّثني وُهَيْبٌ عنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ عنْ أبِيهِ عنْ عائِشَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهَا أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهَا أُرِيتُكِ فِي المَنَامِ مَرَّتَيْنِ أُرَي أنَّكَ فِي سَرَقَةٍ مِنْ حَرِيرٍ ويَقُولُ هَذِهِ امْرَأتُكَ فَاكْشِفْ عَنْهَا فإذَا هِيَ أنْتِ فأقُولُ إنْ يَكُ هَذَا مِنْ عِنْدِ الله يُمْضِهِ. .

مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (هَذِه امْرَأَتك) ومعلَّى، بِضَم الْمِيم بِلَفْظ اسْم الْمَفْعُول من بَاب التَّفْضِيل من الْعُلُوّ بِالْعينِ الْمُهْملَة: ابْن أَسد الْعمي أَبُو الْهَيْثَم الْبَصْرِيّ، وروى عَنهُ مُسلم أَيْضا، مَاتَ بِالْبَصْرَةِ سنة ثَمَان عشرَة وَمِائَتَيْنِ، ووهيب مصغر وهب بن خَالِد الْبَصْرِيّ. والْحَدِيث من أَفْرَاده.

قَوْله: (أريتك)، بِضَم الْهمزَة. قَوْله:(أرَى،) بِضَم الْهمزَة أَيْضا أَي: أَظن. قَوْله: (فِي سَرقَة)، بِفَتْح السِّين الْمُهْملَة وَفتح الرَّاء وَالْقَاف: وَهِي الْقطعَة من الْحَرِير، وَأَصلهَا بِالْفَارِسِيَّةِ: سره، أَي: جيد فعربوه كَمَا عربوا: استبرق، وَنَحْوه وَوصف أَعْرَابِي رجلا، فَقَالَ: لِسَانه أرق من ورقه وألين من سَرقَة. قَوْله: (فَإِذا هِيَ) كلمة: إِذا، للمفاجأة.

45 -

(بابُ هِجْرَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وأصْحَابِهِ إلَى المَدِينَةِ)

ص: 35

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان هِجْرَة النَّبِي صلى الله عليه وسلم وهجرة أَصْحَابه إِلَى الْمَدِينَة، أما هِجْرَة النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَكَانَت أول يَوْم من ربيع الأول بعد بيعَة الْعقبَة بشهرين وَبضْعَة عشرَة أَيَّام، وَجزم بِهِ الأموري فِي الْمَغَازِي عَن إِبْنِ إِسْحَاق وَقدم الْمَدِينَة لِاثْنَتَيْ عشرَة خلت من ربيع الأول. وَأما هِجْرَة أَصْحَابه فَكَانَ أَبُو بكر قد توجه مَعَه وعامر بن فهَيْرَة، وَتوجه قبل ذَلِك بَين العقبتين جمَاعَة مِنْهُم، ابْن أم مَكْتُوم، وَيُقَال: إِن أول من هَاجر إِلَى الْمَدِينَة أَبُو سَلمَة بن عبد الْأسد المَخْزُومِي زوج أم سَلمَة، وَقدم بعده عَامر بن ربيعَة حَلِيف بني عدي، ثمَّ توجه مُصعب بن عُمَيْر، ثمَّ كَانَ أول من هَاجر بعد بيعَة الْعقبَة عَامر بن ربيعَة، على مَا ذكره ابْن إِسْحَاق، ثمَّ توجه بَاقِي الصَّحَابَة شَيْئا فَشَيْئًا. وَعَن شُعْبَة عَن إِسْحَاق: سَمِعت الْبَراء بن عَازِب قَالَ: أول مَا قدم مُصعب بن عُمَيْر وَابْن أم مَكْتُوم فَكَانَا يقرئان النَّاس، وَقدم بِلَال وَسعد وعمار بن يَاسر، ثمَّ قدم عمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فِي عشْرين من أَصْحَابه، ثمَّ قدم رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم على مَا يَأْتِي بَيَانه، إِن شَاءَ الله تَعَالَى، وَفِي مُسلم التَّصْرِيح بِأَن سعد بن أبي وَقاص، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، هَاجر قبل قدوم النَّبِي صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَة.

وقالَ عَبْدُ الله بنُ زَيْدٍ وأبُو هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا عنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَوْلَا الهِجْرَةُ لَكُنْتُ امْرَءًا مِنَ الأنْصَارِ

تَعْلِيق عبد الله بن زيد بن عَاصِم بن كَعْب الْأنْصَارِيّ البُخَارِيّ الْمَازِني أخرجه البُخَارِيّ مَوْصُولا مطولا فِي الْمَغَازِي فِي: بَاب غَزْوَة الطَّائِف، وَذكره أَيْضا مُعَلّقا فِي: بَاب مَنَاقِب الْأَنْصَار، وَكَذَلِكَ أخرج تَعْلِيق أبي هُرَيْرَة فِيهِ فِي: بَاب قَول النَّبِي صلى الله عليه وسلم: (لَوْلَا الْهِجْرَة لَكُنْت امْرَءًا من الْأَنْصَار) .

وقالَ أبُو مُوسَى عنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم رأيْتُ فِي المَنامِ أنِّي أهَاجِرُ مِنْ مَكَّةَ إِلَى أرْضٍ بِهَا نَخْلٌ فَذَهَبَ وهَلِي إِلَى أنَّهَا اليَمَامَةُ أوْ هَجَرُ فإذَا هِيَ المَدِينَةُ يَثْرِبُ

أَبُو مُوسَى عبد الله بن قيس. وَمضى تَعْلِيقه فِي: بَاب عَلَامَات النُّبُوَّة مطولا. وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.

قَوْله: (وهلي)، بِفَتْح الْوَاو وَالْهَاء وسكونها أَي: وهمي، (واليمامة) مَدِينَة بِالْيمن على مرحلَتَيْنِ من الطَّائِف (وهجر) بِفَتْح الْهَاء وَالْجِيم، ويروى: والهجر، بِالْألف وَاللَّام. قَالَ الْكرْمَانِي: هِيَ قَرْيَة قريبَة من الْمَدِينَة، وَقَالَ بَعضهم: وَزعم بعض الشُّرَّاح أَن المُرَاد: بهجر، هُنَا قَرْيَة قريبَة من الْمَدِينَة وَهُوَ خطأ، فَإِن الَّذِي يُنَاسب أَن يُهَاجر إِلَيْهِ لَا بُد وَأَن يكون بَلَدا كثير الْأَهْل، وَهَذِه الْقرْيَة الَّتِي ذكرهَا لَا يعرفهَا أحد. قلت: أَرَادَ بِهِ الْحَط على الْكرْمَانِي حَيْثُ نسبه إِلَى الْخَطَأ. وَالَّذِي قَالَه غير خطأ، فَهَذَا ياقوت ذكره فِي:(الْمُشْتَرك) : وَكَيف يَقُول: لَا يعرفهَا أحد؟ وَقَوله: لَا بُد

إِلَى آخِره غير مُسلم، فَمن هُوَ الَّذِي شَرط هَذَا من الْعلمَاء؟ وَلَا ينزل صلى الله عليه وسلم فِي مَوضِع إلَاّ وَيكثر أَهله ويعظم شَأْنه، (ويثرب) اسْم مَدِينَة النَّبِي صلى الله عليه وسلم، وَهُوَ غير منصرف.

3897 -

حدَّثنا الحُمَيْدِيُّ حدَّثنا سُفْيَانُ حدَّثنا الأعْمَشُ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا وائِلٍ يَقُولُ عُدْنَا خبَّاباً فَقَالَ هاجَرْنَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم نُرِيدُ وجْهَ الله فوَقَعَ أجْرُنَا علَى الله فَمِنَّا مَنْ مَضَى لَمْ يأخُذْ مِنْ أجْرِهِ شَيْئاً مِنْهُمْ مُصْعَبُ بنُ عُمَيْرٍ قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ وتَرَكَ نَمِرَةً فَكُنَّا إذَا غَطَّيْنَا بِهَا رَأسَهُ بدَتْ رِجُلَاهُ وإذَا غَطَّيْنَا رِجْلَيْهِ بدَا رأسُهُ فأمرَنَا رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم أنْ نُغَطِّي رأسَهُ ونَجْعَلَ علَى رِجْلَيْهِ شَيْئَاً مِنْ إذْخِرٍ ومِنَّا مَنْ أيْنَعَتْ لَهُ ثَمَرَتُهُ فَهْوَ يَهْدِبُهَا. .

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (هاجرنا مَعَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم والْحميدِي عبد الله بن الزبير، وسُفْيَان بن عُيَيْنَة، وَالْأَعْمَش سُلَيْمَان، وَأَبُو وَائِل شَقِيق، وَالْكل قد ذكرُوا غير مرّة. والْحَدِيث قد مر فِي كتاب الْجَنَائِز فِي: بَاب إِذا لم يجد كفناً إلَاّ مَا يواري رَأسه.

قَوْله: (هاجرنا مَعَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم مَعْنَاهُ: هاجرنا بِإِذْنِهِ لِأَنَّهُ لم يُهَاجر مَعَ النَّبِي صلى الله

ص: 36

عَلَيْهِ وَسلم، إلَاّ أَبُو بكر وعامر بن فهَيْرَة. قَوْله:(نمرة) بِفَتْح النُّون وَكسر الْمِيم: وَهِي كسَاء ملون مخطط، أَو بردة تلبسها الْإِمَاء وَتجمع على نمرات ونمور. قَوْله:(أينعت) أَي: أدْركْت ونضجت، يُقَال: ينع الثَّمر وأينع يينع ويونع فَهُوَ يَانِع ومونع. قَوْله: (يهدبها) ، بِكَسْر الدَّال وَضمّهَا، أَي: يقطعهَا ويجتنيها من هدب الثَّمَرَة إِذا اجتناها.

3898 -

حدَّثنا مُسَدَّدٌ حدَّثنا حَمَّادٌ هُوَ ابنُ زَيْدٍ عنْ يَحْيَى عنْ مُحَمَّدِ بنِ إبْرَاهِيمَ عنْ علْقَمَةَ بنِ وقاصٍ قَالَ سَمِعتُ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أُرَاهُ يَقُولُ الأعْمَالُ بالنِّيَّةِ فَمَنْ كانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهِا أوِ امْرَأةٍ يَتَزَوَّجُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إلَيْهِ ومَنْ كانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى الله ورَسُولِهِ فَهِجْرَتُهُ إِلَى الله ورسُولِهِ صلى الله عليه وسلم. .

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَيحيى هُوَ ابْن سعيد الْأنْصَارِيّ، وَمُحَمّد بن إِبْرَاهِيم ابْن الْحَارِث التَّيْمِيّ الْقرشِي الْمدنِي، والْحَدِيث قد مر فِي أول الْكتاب، وَمضى الْكَلَام فِيهِ مطولا.

3900 -

قَالَ يَحْيَى بنُ حَمْزَةَ وحدَّثني الأوْزَاعِيُّ عنْ عَطَاءِ بنِ أبِي رَبَاحٍ قَالَ زُرْتُ عائِشَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهَا مَعَ عُبَيْدِ بنِ عُمَيْرٍ اللَّيْثِيِّ فَسَألْنَاهَا عنِ الْهِجْرَةِ فقَالَتْ لَا هِجْرَةَ اليَوْمَ كانَ الْمُؤْمِنُونَ يَفِرُّ أحَدُهُمْ بِدِينِهِ إِلَى الله تَعَالَى وإلَى رسُولِهِ صلى الله عليه وسلم مَخافَةَ أنْ يُفْتَنَ عَلَيْهِ فأمَّا اليَوْمَ فَقَدْ أظْهَرَ الله الإسْلَامَ واليَوْمَ يَعْبُدُ رَبَّهُ حَيْثُ شاءَ ولَكِنْ جِهَادٌ ونِيَّةٌ. (انْظُر الحَدِيث 3080 وطرفه) .

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. قَوْله: (قَالَ يحيى بن حَمْزَة)، هُوَ: يحيى بن حَمْزَة الْمَذْكُور فِيمَا قبله، وَهُوَ مُتَّصِل بِمَا قبله. قَوْله:(زرت عَائِشَة)، وَقد مضى فِي أَبْوَاب الطّواف من الْحَج أَنَّهَا كَانَت حِينَئِذٍ مجاورة فِي جبل ثبير. قَوْله:(فسألناها عَن الْهِجْرَة)، أَي: الَّتِي كَانَت قبل الْفَتْح وَاجِبَة إِلَى الْمَدِينَة، ثمَّ نسخت بقوله: لَا هِجْرَة بعد الْفَتْح، وَوَقع عِنْد الْأمَوِي فِي الْمَغَازِي من وَجه آخر: عَن عَطاء، فَقَالَت: إِنَّمَا كَانَت الْهِجْرَة قبل فتح مَكَّة، وَالنَّبِيّ صلى الله عليه وسلم بِالْمَدِينَةِ. قَوْله:(لَا هِجْرَة الْيَوْم)، أَي: بعد الْفَتْح. قَوْله: (وَأما الْيَوْم فقد أظهر الله الْإِسْلَام) ، لِأَن مَكَّة صَارَت بعد الْفَتْح دَار إِيمَان وَدخل النَّاس فِي الْإِسْلَام فِي جَمِيع الْقَبَائِل، فارتفعت الْهِجْرَة الْوَاجِبَة وَبَقِي الِاسْتِحْبَاب. قَوْله:(وَلَكِن جِهَاد) أَي: وَلَكِن جِهَاد هُوَ هِجْرَة يَعْنِي: لَا تَنْقَطِع الْهِجْرَة مَا قوتل الْكفَّار، أَي: مَا دَامَ فِي الدُّنْيَا دَار كفر فالهجرة وَاجِبَة مِنْهَا على من أسلم، وخشي أَن يفتن عَن دينه. قَوْله:(وَنِيَّة) أَي: ثَوَاب النِّيَّة فِي الْهِجْرَة، أَو فِي الْجِهَاد. وَتقدم الْكَلَام فِيهِ فِي أول كتاب الْجِهَاد.

3901 -

حدَّثني زَكَرِيَّاءُ بنُ يَحْيَى حدَّثنا ابنُ نُمَيْرٍ قَالَ هِشامٌ فأخْبرَنِي أبي عنْ عائِشَةَ

ص: 37

رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا أنَّ سَعْدَاً قَالَ أللَّهُمَّ إنَّكَ تَعْلَمُ أنَّهُ لَيْسَ أحَدٌ أحَبَّ إلَيَّ أنْ أُجَاهِدَهُمْ فِيكَ منْ قَوْمٍ كذَبُوا رَسُولَكَ صلى الله عليه وسلم وأخْرَجُوهُ اللَّهُمَّ فإنِّي أظُنُّ أنَّكَ قدْ وَضَعْتَ الحَرْبَ بَيْنَنَا وبَيْنَهُمْ. .

مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (وأخرجوه) أَي: كَانُوا سَببا لِخُرُوجِهِ من مَكَّة إِلَى الْمَدِينَة، وَخُرُوجه هَذَا هُوَ الْهِجْرَة. وزكرياء بن يحيى بن صَالح بن سُلَيْمَان بن مطر أَبُو يحيى الْبَلْخِي الْحَافِظ الْفَقِيه، وَهُوَ من أَفْرَاده وَابْن نمير هُوَ عبد الله بن نمير أَبُو هِشَام الخارقي الْهَمدَانِي، وَهِشَام هُوَ ابْن عُرْوَة بن الزبير يروي عَن أَبِيه عَن عَائِشَة.

قَوْله: (أَن سَعْدا) هُوَ ابْن معَاذ الْأنْصَارِيّ الأوسي، مَاتَ بعد حكمه فِي بني قُرَيْظَة سنة خمس. قَوْله:(من قوم)، يَعْنِي: بني قريضة وَكَانُوا يهوداً أَشد النَّاس عَدَاوَة للْمُؤْمِنين، كَمَا وَصفهم الله تَعَالَى، ودعا سعد أَن لَا يميته الله حَتَّى تقر عينه بهلاكهم فاستجيب لَهُ، وَكَانَ جرح فِي أكحله ينبل فنزلوا على حكمه، فَحكم بقتل الْمُقَاتلَة وَسبي الذُّرِّيَّة ثمَّ انفجر أكحله فَمَاتَ، وَسَيَأْتِي بَقِيَّة الْكَلَام فِي غَزْوَة بني قُرَيْظَة، إِن شَاءَ الله تَعَالَى.

وَقَالَ أبانُ بنُ يَزِيدَ حدَّثنا هِشَامٌ عنْ أَبِيه أخْبَرَتْنِي عائِشَةُ مِنْ قَوْمٍ كَذَّبُوا نَبِيَّكَ وأخْرَجُوهُ مِنْ قُرَيْشٍ

أَشَارَ بِهَذَا إِلَى أَن أبان بن يزِيد الْعَطَّار وَافق ابْن نمير فِي رِوَايَته عَن هِشَام لهَذَا الحَدِيث، وَبَين الْقَوْم الَّذين أبهموا بِأَنَّهُم قُرَيْش، وَزعم الدَّاودِيّ أَن المُرَاد بالقوم بَنو قُرَيْظَة. وَقَوله:(من قُرَيْش) لَيْسَ بِمَحْفُوظ، ورد عَلَيْهِ بِأَن الرِّوَايَة الثَّابِتَة لَا ترد بِالظَّنِّ والزعم، وَالدَّلِيل على أَن المُرَاد قُرَيْش مَا سَيَأْتِي فِي الْمَغَازِي فِي بَقِيَّة الحَدِيث من كَلَام سعد، قَالَ: أللهم فَإِن كَانَ بَقِي من حَرْب قُرَيْش شَيْء فأبقني لَهُ

الحَدِيث. وَأَيْضًا قَوْله: فِي الحَدِيث: وأخرجوه، هم قُرَيْش لأَنهم الَّذين أَخْرجُوهُ، وَأما بَنو قُرَيْظَة فَلَا.

3902 -

حدَّثنا مَطَرُ بنُ الفَضْلِ حدَّثنا رَوْحٌ حدَّثنا هِشَامٌ حدَّثنا عِكْرِمَةُ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُما قَالَ بُعِثَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم لأِرْبَعِينِ سَنَةً فَمَكَثَ بِمَكَّةَ ثَلاثَ عَشَرَةَ سَنَةً يُوحَى إلَيْهِ ثُمَّ أُمِرَ بِالْهِجْرَةِ فَهَاجَرَ عَشْرَ سِنينَ وماتَ وهْوَ ابنُ ثَلاثٍ وسِتِّينَ. .

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة فِي قَوْله: (ثمَّ أَمر بِالْهِجْرَةِ) قَوْله: (ثَلَاث عشرَة سنة يوحَى إِلَيْهِ) وَهَذَا أصح مِمَّا رَوَاهُ أَحْمد عَن يحيى بن سعيد عَن هِشَام بن حسان بِهَذَا الْإِسْنَاد، قَالَ: أنزل على النَّبِي صلى الله عليه وسلم، وَهُوَ ابْن ثَلَاث وَأَرْبَعين، فَمَكثَ بِمَكَّة عشرا. قلت: ثَلَاث سِنِين بعد الْأَرْبَعين الَّتِي قبض فِيهَا إسْرَافيل، عليه السلام، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ مُسْتَوفى فِي كتاب المبعث.

3903 -

حدَّثني مَطَرُ بنُ الفَضْلِ حدَّثنا رَوْحُ بنُ عُبَادَةَ حدَّثنَا زَكَرِيَّاءُ بنُ إسْحَاقَ حدَّثنَا عَمْرُو بنُ دِينَارٍ عنِ ابنِ عبَّاسٍ قَالَ مَكُثَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم بِمَكَّةَ ثَلاثَ عَشْرَة وتُوُفِّيَ وهْوَ ابنُ ثَلاثٍ وسِتِّينَ. .

مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن كَونه بِمَكَّة بعد مبعثه ثَلَاث عشرَة سنة يدل على أَن بَقِيَّة عمره كَانَت فِي الْمَدِينَة، وَهُوَ بِالضَّرُورَةِ يدل على الْهِجْرَة من مَكَّة إِلَى الْمَدِينَة، وَهَذَا طَرِيق آخر أَيْضا عَن مطر بن الْفضل، بِالْمُعْجَمَةِ الساكنة: الْمروزِي، مَاتَ بفربر، بِفَتْح الْفَاء وَكسرهَا وَفتح الرَّاء الأولى وَسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة، وروح، بِفَتْح الرَّاء وَسُكُون الْوَاو وَبِالْحَاءِ الْمُهْملَة: ابْن عبَادَة، بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة المخففة، وَهِشَام هُوَ ابْن حسان القهدوسي، بِضَم الْقَاف، وَمضى الْكَلَام فِيهِ فِي كتاب المبعث.

ص: 38

386 -

(حَدثنَا إِسْمَاعِيل بن عبد الله قَالَ حَدثنِي مَالك عَن أبي النَّضر مولى عمر بن عبيد الله عَن عبيد يَعْنِي ابْن حنين عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رضي الله عنه أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ - جلس على الْمِنْبَر فَقَالَ إِن عبدا خَيره الله بَين أَن يؤتيه من زهرَة الدُّنْيَا مَا شَاءَ وَبَين مَا عِنْده فَاخْتَارَ مَا عِنْده فَبكى أَبُو بكر وَقَالَ فَدَيْنَاك بِآبَائِنَا وَأُمَّهَاتنَا فعجبنا لَهُ. وَقَالَ النَّاس انْظُرُوا إِلَى هَذَا الشَّيْخ يخبر رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ - عَن عبد خَيره الله بَين أَن يؤتيه من زهرَة الدُّنْيَا وَبَين مَا عِنْده وَهُوَ يَقُول فَدَيْنَاك بِآبَائِنَا وَأُمَّهَاتنَا فَكَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ - هُوَ الْمُخَير وَكَانَ أَبُو بكر هُوَ أعلمنَا بِهِ. وَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ - إِن من أَمن النَّاس عَليّ فِي صحبته وَمَاله أَبَا بكر وَلَو كنت متخذا خَلِيلًا من أمتِي لاتخذت أَبَا بكر إِلَّا خلة الْإِسْلَام لَا يبْقين فِي الْمَسْجِد خوخة إِلَّا خوخة أبي بكر رضي الله عنه مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله أَن من أَمن النَّاس عَليّ فِي صحبته وَلم يصاحب مَعَه فِي الْهِجْرَة إِلَّا أَبُو بكر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَهَذَا بطرِيق الِاسْتِئْنَاس وَإِن كَانَ فِيهِ بعض بعد وَهَذَا الْقدر كَاف فِي الْمُطَابقَة وَأَبُو النَّضر بِفَتْح النُّون وَسُكُون الضَّاد الْمُعْجَمَة واسْمه سَالم وَعبيد بِضَم الْعين ابْن حنين بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة وَفتح النُّون الأولى مولى زيد بن الْخطاب الْقرشِي والْحَدِيث مر فِي بَاب قَول النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ - سدوا الْأَبْوَاب إِلَّا بَاب أبي بكر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن عبد الله بن مُحَمَّد عَن أبي عَامر عَن فليح عَن سَالم عَن أبي النَّضر عَن بشر بن سعيد عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ والراوي هُنَا عَن أبي سعيد هُوَ عبيد بن حنين وَكَذَلِكَ مضى فِي كتاب الصَّلَاة فِي بَاب الخوخة والممر فِي الْمَسْجِد فَإِن الرَّاوِي هُنَاكَ أَيْضا عَن أبي سعيد هُوَ بشر بن سعيد وَمر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ قَوْله وَقَالَ النَّاس انْظُرُوا إِلَى هَذَا الشَّيْخ وَفِي الحَدِيث الَّذِي فِي كتاب الصَّلَاة فَقلت فِي نَفسِي مَا يبكي هَذَا الشَّيْخ الْقَائِل هُوَ أَبُو سعيد وَجَاء فى حَدِيث ابْن عَبَّاس عِنْد البلادري فَقَالَ لَهُ أَبُو سعيد مَا يبكيك يَا أَبَا بكر فَذكر الحَدِيث قَوْله " انْظُرُوا " يَعْنِي كَانُوا يتعجبون من تفديته إِذْ لم يفهموا الْمُنَاسبَة بَين الْكَلَامَيْنِ قَوْله هُوَ الْمُخَير بِفَتْح الْيَاء أَي خير الله رَسُوله بَين بَقَائِهِ فِي الدُّنْيَا ورحلته إِلَى الْآخِرَة وَفِي إِعْرَاب لفظ الْمُخَير وَجْهَان النصب على أَنه خبر كَانَ وَلَفظه هُوَ ضمير فصل وَفِيه خلاف هَل هُوَ اسْم أَو حرف وَالرَّفْع على أَنه خبر مُبْتَدأ وَهُوَ قَوْله هُوَ وَالْجُمْلَة فِي مَحل النصب على أَنَّهَا خبر كَانَ قَوْله يخبر رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ - فعل وفاعل قَوْله إِلَّا خلة الْإِسْلَام الِاسْتِثْنَاء فِيهِ مُنْقَطع أَي لَكِن خلة الْإِسْلَام أفضل وَفِيمَا تقدم إِلَّا أخوة الْإِسْلَام قَوْله خوخة بِفَتْح المعجمتين بَينهمَا وَاو سَاكِنة هُوَ الْبَاب الصَّغِير وَكَانَ بعض الصَّحَابَة فتحُوا أبوابا فِي دِيَارهمْ إِلَى الْمَسْجِد فَأمر الشَّاعِر بسدها كلهَا إِلَّا خوخة أبي بكر ليتميز بذلك فَضله وَفِيه إِيمَاء إِلَى الْخلَافَة -

3905 -

حدَّثنا يَحْيَى بنُ بُكَيْرٍ حدَّثَنا اللَّيْثُ عنْ عُقَيْلٍ قَالَ ابنُ شِهَابٍ فأخْبرَنِي عُرْوَةُ بنُ الزُّبَيْرِ أنَّ عائِشَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهَا زوْجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قالَتْ لَمْ أعْقِلْ أبَوَيَّ قَط إلَاّ وهُمَا يَدِينانِ الدِّينَ ولَمْ يَمُرَّ علَيْنَا يَوْمٌ إلَاّ يأتِينَا فِيهِ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم طرَفَيِ النَّهَارِ بُكْرَةً وعَشِيَّةً فلَمَّا ابْتُلِيَ المُسْلِمُونَ خرَجَ أبُو بَكْرٍ مُهَاجِراً نَحْوَ أرْضِ الحَبَشَةِ حتَّى بَلَغَ برْكَ الغِمَادِ لَقِيَهُ ابنُ الدَّغِنَةِ وَهْوَ سَيِّدُ القارَةِ فَقَالَ أيْنَ تُرِيدُ يَا أبَا بَكْرٍ فَقَالَ أبُو بَكْرٍ أخْرَجَنِي قَوْمِي فأرِيدُ أنْ أسِيحَ فِي الأرْضِ وأعْبُدَ رَبِّي فَقَالَ ابنُ الدَّغِنَةِ فإنَّ مِثْلَكَ يَا أبَا بَكْرٍ لَا يَخْرُجُ ولَا يُخْرَجُ إنَّكَ

ص: 39

تَكْسِبُ المَعْدُومَ وتَصِلُ الرَّحِمَ وتَحْمِلُ الكَلَّ وتَقْرِي الضَّيْفَ وتُعِينُ علَى نَوَائِبِ الحَقِّ فَأَنا لَكَ جارٌ ارْجَعْ واعْبُدْ رَبَّكَ بِبَلَدِكَ فرَجَعَ وارْتَحَلَ مَعَهُ ابنُ الدَّغِنَةِ فَطافَ ابنُ الدَّغِنَةِ عَشِيَّةً فِي أشْرَافِ قُرَيْشٍ فَقَالَ لَهُمْ إنَّ أبَا بَكْرٍ لَا يَخْرُجُ مِثْلُهُ وَلَا يُخْرَجُ أتُخْرِجُونَ رَجُلاً يَكْسِبُ الْمَعْدُومَ ويَصِلُ الرَّحِمَ ويَحْمِلُ الكَلَّ ويَقْرِي الضَّيْفَ ويُعينُ علَى نَوائِبِ الحَقِّ فلَمْ تُكَذِّبْ قُرَيْشٌ بِجِوَارِ ابنِ الدَّغِنَةِ وَقَالُوا لابنِ الدَّغِنَةِ مُرْ أبَا بَكْرٍ فَلْيَعْبُدْ رَبَّهُ فِي دَارِهِ فَلْيُصَلِّ فِيها ولْيَقْرَأ مَا شاءَ ولَا يُؤْذِينا بِذالِكَ ولَا يَسْتَعْلِنْ بِهِ فإنَّا نَخْشَى أنْ يَفْتِنَ نِسَاءَنَا وأبْناءَنَا فَقالَ ذلِكَ ابنُ الدَّغِنَةِ لأبِي بَكْرٍ فلَبِثَ أبُو بَكْرٍ بذالِكَ يَعْبُدُ رَبَّهُ فِي دَارِهِ ولَا يَسْتَعْلِنُ بِصَلاتِهِ ولَا يَقْرَأ فِي غيْرِ دَارِهِ ثُمَّ بَدَا لأبِي بَكْرٍ فابْتَنَى مَسْجِدَاً بِفِناءِ دارِهِ وكانَ يُصَلِّي فِيهِ ويَقْرأ القُرْآنَ فيَتَقَذَّفُ علَيْهِ نِساءُ الْمُشْرِكِينَ وأبْنَاءَهُمْ وهُمْ يَعْجَبُونِ مِنْهُ ويَنْظُرُونَ إلَيْهِ وكانَ أبُو بَكْرٍ رَجُلاً بكَّاءٍ لَا يَمْلِكُ عَيْنَيْهِ إذَا قرَأ القُرْآنَ فأفْزَعَ ذالِكَ أشْرَافَ قُرَيْشٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فأرْسَلُوا إلَى ابْنِ الدَّغِنَةِ فقَدِمَ علَيْهِمْ فقَالُوا إنَّا كُنَّا أجَرْنَا أبَا بَكْرٍ بِجِوَارِكَ علَى أنْ يَعْبُدَ رَبَّهُ فِي دَارِهِ فقَدْ جاوَزَ ذالِكَ فابْتَنَى مَسْجِدَاً بِفِناءِ دَارِهِ فأعْلَنَ بالصَّلَاةِ والقِرَاءَةِ فِيهِ وإنَّا قَدْ خَشِينَا أنْ يَفْتِنَ نِساءَنَا وأبْنَاءَنَا فانْهَهُ فإنْ أحَبَّ أنْ يَقْتَصِرَ علَى أنْ يَعْبُدَ رَبَّهُ فِي دَارِهِ فعَلَ وإنْ أبَى إلَاّ أنْ يُعْلِنَ بذالِكَ فسَلْهُ أنْ يَرُدَّ إلَيْكَ ذِمَّتَكَ فإنَّا قَدْ كَرِهْنَا أنْ نُخْفِرَكَ ولَسْنَا مُقرِّينَ لأِبِي بَكْرٍ الإسْتِعْلَانَ. قالَتْ عائِشَةُ فَأتى ابنُ الدَّغِنَةِ إلَى أبِي بَكْرٍ فَقَالَ قَدْ عَلِمْتَ الَّذِي عاقَدْتُ لَكَ علَيْهِ فإمَّا أنْ تَقْتَصِرَ علَى ذَلِكَ وإمَّا أنْ تَرْجِعَ إلَيَّ ذِمَّتِي فإنِّي لَا أُحِبُّ أنْ تَسْمَعَ العَرَبُ أنِّي أُخْفِرْتُ فِي رَجُلٍ عَقَدْتُ لَهُ فقالَ أبُو بَكْرٍ فإنِّي أرُدُّ إلَيْكَ جِوَارَكَ وأرْضَى بِجِوَارِ الله عز وجل والنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَئِذٍ بِمَكَّةَ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِلْمُسْلِمِينَ إنِّي أُرِيتُ دَارَ هِجْرَتِكُمْ ذاتَ نَخْلٍ بَيْنَ لَابَتَيْنِ وهُمَا الحَرَّتَانِ فَهاجَرَ مَنْ هاجَرَ قِبَلَ المَدِينَةِ ورَجَعَ عامَّةُ مَنْ كانَ هاجَرَ بأرْضِ الحبَشَةِ إلاى المَدِينَةِ وتَجَهَّزَ أبُو بَكْرٍ قِبَلَ المَدِينَةِ فَقال لَهُ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم علَى رِسْلِكَ فإنِّي أرْجُو أنْ يُؤْذَنَ لِي فَقالَ أبُو بَكْرٍ وهَلْ تَرْجُو ذالِكَ بأبِي أنْتَ قَالَ نَعَمْ فحَبَسَ أبُو بَكْرٍ نَفْسَهُ علَى رسُولِ الله صلى الله عليه وسلم ليَصْحَبَهُ وعَلَفَ رَاحِلَتَيْنِ كانَتَا عِنْدَهُ ورَقَ السَّمُرِ وهْوَ الخَبَطُ أرْبَعَةَ أشْهُرٍ: قَالَ ابنُ شِهَابٍ قَالَ عُرْوَةُ قالَتْ عائِشَةُ فبَيْنَما نحْنُ يَوْمَاً جُلُوسٌ فِي بَيْتِ أبِي بَكْرٍ فِي نَحْرِ الظَّهِيرَةِ قَالَ قائلٌ لأِبِي بَكْرٍ هاذَا رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم مُتَقَنِّعَاً فِي ساعَةٍ لَمْ يَكُنْ يأتِينَا فِيها فَقالَ أبُو بَكْرٍ فِدَاءٌ لَهُ أبي وأُمِّي وَالله مَا جاءَ بِهِ فِي هاذِهِ السَّاعَةِ إلَاّ أمْرٌ قالَتْ فَجاءَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم فاسْتَأذَنَ فأُذِنَ لَهُ فدَخَلَ فَقالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لأبِي بَكْرٍ أخْرِجْ مَنْ عِنْدَكَ فَقالَ أبُو بَكْرٍ إنَّمَا هُمْ أهْلُكَ بأبِي أنْتَ يَا رسُولَ الله قالَ فإنِّي قَدْ أُذِنَ لِي فِي الخُرُوجِ

ص: 40

فَقالَ أبُو بَكْرٍ الصَّحَابَةَ بِأبِي أنْتَ يَا رسُولَ الله قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم نَعَمْ قَالَ أبُو بَكْرٍ فَخُذْ بِأبِي أنْتَ يَا رسُولَ الله إحْدَى رَاحِلَتَيَّ هاتَيْنِ قَالَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم بالثَّمَنِ قالتْ عائِشَةُ فَجَهَّزْنَاهُمَا أحَثَّ الجِهَازِ وصَنَعْنَا لَهُمَا سُفْرَةً فِي جِرَابٍ فقَطَعَتْ أسْمَاءُ بِنْتُ أبِي بَكْرٍ قِطْعَةً مِنْ نِطَاقِهَا فرَبَطَتْ بِهِ عَلَى فَمِ الجِرَابِ فبِذالِكَ سُمِّيَتْ ذَاتَ النِّطَاقَيْنِ قالَتْ ثُمَّ لَحِقَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم وأبُو بَكْرٍ بغارٍ فِي جَبَلِ ثَوْرٍ فَكَمِنَا فِيهِ ثلَاثَ لَيالٍ يَبِيتُ عنْدَهُمَا عبْدُ الله بنُ أبِي بَكْرٍ وهْوَ غُلامٌ شابٌّ ثَقِفٌ لَقِنٌ فيُدْلِجُ مِنْ عِنْدِهِمَا بِسَحَرٍ فيُصْبحُ مَعَ قُرَيْشٍ بِمَكَّةَ كَبائِتٍ فَلَا يَسْمَعُ أمْرَاً يُكْتَادَانَ بِهِ إلَاّ وَعاهُ حتَّى يأتِيَهِمَا بِخَبَرِ ذالِكَ حِينَ يَخْتَلِطُ الظَّلَامُ ويَرْعاى علَيْهِمَا عامِرُ بنُ فُهَيْرَةَ مَوْلَى أبِي بَكْرٍ مِنْحَةً مِنْ غَنَمٍ فيُرِيحُها علَيْهِمَا حِينَ تَذْهَبُ ساعَةٌ مِنَ العِشاءِ فَيَبِيتَانِ فِي رِسْل وهْوَ لَبَنُ مِنْحَتِهِمَا ورَضِيفِهِما حتَّى يَنْعِقَ بِها عامِرُ بنُ فُهَيْرَةَ بِغَلَسٍ يَفْعَلُ ذالِكَ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ تِلْكَ اللَّيَالِي الثَّلاثِ وأسْتأجَرَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم وأبُو بَكْرٍ رَجُلاً مِنْ بَنِي الدِّيلِ وهْوَ مِنْ بَنِي عَبْدِ بنِ عَدِيٍّ هَادِيَاً خِرِّيتاً والْخِرِّيتُ الماهِرُ بالهِدَايَةِ قَدْ غَمَسَ حِلْفَاً فِي آلِ العاصِ بنِ وَائلٍ السَّهْمِيِّ وهْوَ علَى دِينِ كُفَّارِ قُرَيْشٍ فأمِناهُ فَدَفَعا إلَيْهِ راحِلَتَيْهِمَا ووَاعَدَاهُ غارَ ثَوْرٍ بَعْدَ ثَلاثِ لَيالٍ بِرَاحِلَتَيْهِمَا صُبْحَ ثَلاثٍ وانْطَلَقَ معَهُمَا عامِرُ بنُ فُهَيْرَةَ والدَّلِيلُ فأخَذَ بِهِمْ طَرِيقَ السَّوَاحِلِ. .

3906 -

قَالَ ابْنُ شِهَابٍ وأخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمانِ بنُ مَالِكٍ المُدْلِجِيُّ وهْوَ ابنُ أخِي سُرَاقَةَ بنِ مالِكِ بنِ جُعْشُمٍ أنَّ أبَاهُ أخْبَرَهُ أنَّهُ سَمِعَ سُرَاقَةَ بنَ جُعْشَمٍ يَقُولُ جاءَنَا رُسُلُ كُفَّارِ قُرَيْشٍ يجْعَلُونَ فِي رسُولِ الله صلى الله عليه وسلم وأبِي بَكْرٍ دِيَةٍ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَنْ قَتَلهُ أوْ أسَرَهُ فبَيْنَمَا أنَا جالِسٌ فِي مَجْلِس من مَجَالِسِ قَوْمِي بَنِي مُدْلِجٍ أقْبَلَ رَجُلٌ مِنْهُمْ حتَّى قامَ علَيْنَا ونَحْنُ جُلُوسٌ فقالَ يَا سُرَاقَةَ إنِّي قَدْ رأيْتُ آنِفَاً أسْوِدَةً بالسَّاحِلِ أُرَاهَا مُحَمَّدَاً وأصْحَابَهُ قَالَ سُرَاقَةُ فعَرَفْتُ أنَّهُمْ هُمْ فَقُلْتُ لَهُ إنَّهُمْ لَيْسُوا بِهِمْ ولَكِنَّكَ رأيْتَ فُلَانَاً وفُلاناً انْطَلَقُوا بأعْيُنِنَا يَبْتَغُونَ ضَالَّة لَهُمْ ثُمَّ لَبِثْتُ فِي الْمَجْلِسِ ساعَةً ثُمَّ قُمْتُ فدَخَلْتُ فأمَرْتُ جارِيَتِي أنْ تَخْرُجَ بِفَرَسِي وهْيَ مِنْ ورَاءِ أكَمَةٍ فتَحْبِسَها علَيَّ وأخَذْتُ رُمْحِي فَخَرَجْتُ بِهِ مِنْ ظَهْرِ البَيْتِ فَخَطَطْتُ بِزُجِّهِ الأرْضَ وخفَضْتُ عالِيَهُ حَتَّى أتَيْتُ فرَسِي فرَكِبْتُهَا فرَفَعْتُهَا تُقَرِّبُ بِي حتَّى دَنَوْتُ مِنْهُمْ فعَثَرَتْ بِي فرَسِي فخَرَرْتُ عَنْهَا فَقُمْتُ فأهْوَيْتُ بِيَدِي إلَى كِنَانَتِي فاسْتَخْرَجْتُ مِنْها الأزْلَامَ فاسْتَقْسَمْتُ بِهَا أضُرُّهُمْ أمْ لَا فخَرَجَ الَّذِي أكْرَهُ فرَكِبْتُ فرَسِي وعصَيْتُ الأزْلامَ تُقَرِّبُ بِي حتَّى إذَا سَمِعْتُ قِرَاءَةَ رسُولِ الله صلى الله عليه وسلم وهْوَ لَا يَلْتَفِتُ وأبُو بَكْرٍ يُكْثِرُ الإلْتِفَاتَ ساخَتْ يَدَا فَرَسِي فِي الأَرْضِ حتَّى بَلَغَتا الرُّكْبَتَيْنِ فخَرَرْتُ عنْها ثُمَّ زَجَرْتُها فنَهَضَتْ فلَمْ تَكَدْ تُخْرِجُ يَدَيْهَا فَلَمَّا اسْتَوَتْ قائِمَةً إذَا لأِثَرِ يَدَيْهَا عُثَانٌ ساطِعٌ فِي السَّمَاءِ مِثْلُ الدُّخَانِ فاسْتَقْسَمْتُ بالأزْلَامِ

ص: 41

فَخَرَجَ الَّذِي أكْرَهُ فَنادَيْتُهُمْ بالأمَانِ فوَقَفُوا فرَكِبْتُ فَرَسِي حتَّى جئْتَهُمْ ووقَعَ فِي نَفْسِي حِينَ لَقيتُ مَا لَقِيتُ مِنَ الحَبْسِ عَنْهُمْ أنْ سَيَظْهَرُ أمْرُ رسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فقُلْتُ لَهُ أنَّ قَوْمَكَ قدْ جعَلُوا فِيكَ الدِّيَّةَ وأخْبَرْتُهُمْ أخْبَارَ مَا يُرِيدُ النَّاسُ بِهِمْ وعَرَضْتُ عَلَيْهِمْ الزَّادَ والْمَتاعَ فلَمْ يَرْزآنِي ولَمْ يَسْألَانِي إلَاّ أنْ قالَ أخْفِ عَنَّا فَسألْتُهُ أنْ يَكْتُبَ لِي كِتَابَ أمْنٍ فأمَرَ عامِرَ بن فُهَيْرَةَ فكَتَبَ فِي رُقْعَةٍ مِنْ أدِيمٍ ثُمَّ مَضَى رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: قَالَ ابنُ شِهابٍ فأخْبَرَنِي عُرْوَةُ بنُ الزبَيْرِ أنَّ رسُولَ الله صلى الله عليه وسلم لَقِيَ الزُّبَيْرَ فِي رَكْبٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ كانُوا تجارَاً قافِلِينَ مِنَ الشَّأمِ فكَسَا الزُّبَيْرُ رسُولَ الله صلى الله عليه وسلم وأبَا بَكْرٍ ثِيَابَ بَيَاضٍ وسَمِعَ المُسْلِمُونَ بالْمَدِينَةِ مَخْرَجَ رسُولِ الله صلى الله عليه وسلم مِنْ مَكَّةَ فكانُوا يغْدُونَ كلَّ غَداةٍ إلَى الحَرَّةِ فيَنْتَظِرُونَهُ حتَّى يَرُدَّهُمْ حَرُّ الظَّهِيرَةِ فانْقَلَبُوا يَوْمَاً بَعْدَ مَا أطَالُوا انْتِظَارَهُمْ فلَمَّا أووْا إِلَى بيُوتِهِمْ أوْفى رَجُلٌ مِنْ يَهُودَ علَى أُطمٍ مِن آطامِهِمْ لأمْرٍ يَنْظُرُ إلَيْهِ فبَصُرَ بِرَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم وأصْحَابِهِ مُبَيَّضِينَ يَزُولُ بِهِمُ السَّرَابُ فلَمْ يَمْلِكِ اليَهُودِيُّ أنْ قالَ بأعْلَى صَوْتِهِ يَا مَعْشَرَ العَرَبِ هذَا جدُّكُمْ الَّذِي تَنْتَظِرُونَ فَثارَ المُسْلِمُونَ إِلَى السِّلاحِ فتَلَقَّوْا رسُولَ الله صلى الله عليه وسلم بِظَهْرِ الحَرَّةِ فعَدَلَ بِهِمْ ذَاتَ اليَمِينِ حتَّى نَزَلَ بِهِمْ فِي بَنِي عَمْرِو بنِ عَوْفٍ وذَلِكَ يَوْمَ الإثْنَيْنِ مِنْ شَهْرِ رَبِيعِ الأوَّلِ فقامَ أبُو بَكْرٍ لِلنَّاسِ وجَلَسَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم صامِتَاً فَطَفِقَ مَنْ جَاءَ مِنَ الأنْصَارِ مِمَّنْ لَمْ يَرَ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يُحَيِّي أبَا بَكْرٍ حَتَّى أصَابَتْ الشَّمْسُ رسُولَ الله صلى الله عليه وسلم فأقْبَلَ أبُو بَكْرٍ حَتَّى ظَلَّلَ علَيْهِ بِرِدَائِهِ فعَرَفَ النَّاسُ رسُولَ الله صلى الله عليه وسلم عِنْدَ ذَلِكَ فلَبِثَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم فِي بَنِي عَمْرِو بنِ عَوْف بِضْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً وأُسِّسَ المَسْجِدُ الَّذِي أُسِّسَ علَى التَّقْوَى وصَلَّى فِيهِ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم ثُمَّ رَكِبَ رَاحِلَتَهُ فَسارَ يَمْشِي معَهُ النَّاسُ حَتَّى برَكَتْ عِنْدَ مَسْجِدِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم بالمَدِينَةِ وهْوَ يُصَلِّي فِيهِ يَوْمَئِذٍ رِجَالٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وكانَ مِرْبَدَاً لِلتَّمْرِ لِسُهَيْلٍ وسَهْلٍ غُلامَيْنَ يَتِيمَيْنِ فِي حَجْرِ أسْعَدَ بنِ زُرَارَةَ فقالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم حِينَ بَرَكَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ هاذَا إنْ شَاءَ الله المنْزِلُ ثُمَّ دَعا رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم الْغُلامَيْنِ فَساوَمَهُمَا بالمِرْبَدِ لِيَتَّخِذَهُ مَسْجِدَاً فَقالَا بَلْ نَهَبُهُ لَكَ يَا رَسُولَ الله فأبَى رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم أنْ يَقْبَلَهُ مِنْهُمَا هِبَةً حتَّى ابْتاعَهُ مِنْهُمَا ثُمَّ بَناهُ مَسْجِدَاً وطَفِقَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يَنْقُلُ مَعَهُمْ اللَّبَنِ فِي بُنْيَانِهِ ويَقُولُ وهْوَ يَنْقُلُ اللَّبِنَ:

(هاذَا الحِمالُ لَا حِمالَ خَيْبَرْهاذَا أبَرَّأ ربَّنا وأطْهَرْ)

ويَقُولُ:

(أللَّهُمَّ إنَّ الأجْرَ أجْرُ الآخِرَهْفارْحَمْ الأنْصَارَ والمهاجِرَهْ)

فتَمَثَّلَ بِشِعْرِ رَجُلٍ مِنَ المُسْلِمينَ لَمْ يَسُمَّ لِي قَالَ ابنُ شِهابٍ ولَمْ يَبْلُغْنا فِي الأحَادِيثِ أنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم تَمَثَّلِ بِبَيْتِ شِعْرٍ تامٍّ غَيْرَ هَذَا الْبَيْتِ.

ص: 42

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة أظهر مَا يكون. وَرِجَاله قد ذكرُوا غير مرّة، وَعقيل، بِضَم الْعين، وَمضى جُزْء من أول هَذَا الحَدِيث فِي كتاب الصَّلَاة فِي: بَاب الْمَسْجِد يكون فِي الطَّرِيق أخرجه هُنَاكَ بِهَذَا الْإِسْنَاد بِعَيْنِه، وَكَذَلِكَ أخرجه فِي كتاب الْإِجَازَة فِي: بَاب اسْتِئْجَار الْمُشْركين عِنْد الضَّرُورَة، عَن إِبْرَاهِيم بن مُوسَى عَن هِشَام عَن معمر عَن الزُّهْرِيّ عَن عَائِشَة، من قَوْله: واستأجر رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم، وَأَبُو بكر رجلا من بني الديل، إِلَى قَوْله: وَهُوَ على طَرِيق السَّاحِل، وَكَذَلِكَ أخرجه فِي الْكفَالَة بِإِسْنَاد هَذَا الْبَاب من قَوْله: إِن عَائِشَة زوج النَّبِي صلى الله عليه وسلم، قَالَت: لم أعقِل أَبَوي قطّ إلَاّ وهما يدينان إِلَى قَوْله: ورق السمر أَرْبَعَة أشهر، وَكَذَلِكَ أخرجه فِي الْأَدَب فِي: بَاب هَل يزور صَاحبه كل يَوْم أَو بكرَة وَعَشِيَّة فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن إِبْرَاهِيم عَن هِشَام إِلَى آخِره، من قَوْله: قَالَت: لم أَعقل أَبَوي

إِلَى قَوْله: قد أذن لي بِالْخرُوجِ، وَحَاصِل الْكَلَام أَن البُخَارِيّ أخرج هَذَا الحَدِيث فِي هَذِه الْمَوَاضِع مقطعَة مختصرة، وَلم يُخرجهُ مطولا إِلَّا هُنَا فَافْهَم.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (أَبَوي) ، وهما أَبُو بكر الصّديق وَأم رُومَان، وَلَفظ: أَبَوي، تَثْنِيَة مُضَافَة إِلَى يَاء الْمُتَكَلّم مَنْصُوبَة على المفعولية. قَوْله:(الدّين)، أَي: دين الْإِسْلَام، وَقَالَ بَعضهم: وَهُوَ مَنْصُوب بِنَزْع الْخَافِض أَي: بِالدّينِ، وَيجوز أَن يكون مَفْعُولا بِهِ على التَّجَوُّز. قلت: إِذا قُلْنَا: معنى يدينان يطيعان من الدّين بِمَعْنى الطَّاعَة. لَا يحْتَاج إِلَى تَقْدِير ناصب، لِأَن الْمَعْنى حِينَئِذٍ إلَاّ وهما يطيعان الدّين. أَي: الْإِسْلَام، وكل من يُطِيع الْإِسْلَام فَهُوَ مُسلم. وَقَوله: على تجوز، فِيهِ نظر لَا يخفى. قَوْله:(فَلَمَّا ابْتُلِيَ الْمُسلمُونَ) أَي: بأذى الْكفَّار من قُرَيْش وَغَيرهم. قَوْله: (مُهَاجرا)، حَال من أبي بكر. قَوْله:(نَحْو أَرض الْحَبَشَة)، يَعْنِي: ليلحق من سبقه إِلَيْهَا من الْمُسلمين. قَوْله: (برك الغماد) ، البرك، بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَحكى كسرهَا وَسُكُون الرَّاء وبالكاف، وَقَالَ الْجَوْهَرِي: البرك مثل القرد مَوضِع بِنَاحِيَة الْيمن، والغماد، بِكَسْر الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَتَخْفِيف الْمِيم وبالدال الْمُهْملَة: وَهُوَ مَوضِع على خمس لَيَال من مَكَّة إِلَى جِهَة الْيمن مِمَّا يَلِي سَاحل الْبَحْر، وَقَالَ ابْن فَارس بِضَم الْغَيْن، وَفِي (التَّوْضِيح) : برك الغماد مَوضِع فِي أقاصي هجر. قَوْله: (إِبْنِ الدغنة) ، بِضَم الدَّال الْمُهْملَة والغين الْمُعْجَمَة وَتَشْديد النُّون عِنْد أهل اللُّغَة، وَعند الْمُحدثين بِفَتْح الدَّال وَكسر الْغَيْن وَفتح النُّون الْخَفِيفَة، وَقَالَ الجياني: روينَاهُ بهما وَهُوَ اسْم أمه، وَقيل: أم أَبِيه، وَقيل: دايته، وَمعنى الدغنة: المسترخية، وَأَصلهَا الغمامة الْكَثِيرَة الْمَطَر. وَعَن الْوَاقِدِيّ عَن معمر عَن الزُّهْرِيّ: أَن اسْمه الْحَارِث بن زيد، وَحكى السُّهيْلي أَن اسْمه مَالك، وَقَالَ الْكرْمَانِي: قَالَ ابْن إِسْحَاق: اسْمه ربيعَة، بِفَتْح الرَّاء. وَقَالَ بَعضهم: وَوَقع فِي شرح الْكرْمَانِي أَن ابْن إِسْحَاق سَمَّاهُ ربيعَة بن رفيع، وَهُوَ وهم من الْكرْمَانِي، فَإِن ربيعَة الْمَذْكُور آخر يُقَال لَهُ ابْن الدغنة لكنه سلمي، وَالْمَذْكُور هُنَا من القارة. قلت: لَا ينْسب الْكرْمَانِي إِلَى الْوَهم لِأَنَّهُ نقل عَن ابْن إِسْحَاق أَنه قَالَ: ابْن الدغنة اسْمه ربيعَة بن رفيع، وَلم يذكر أَنه سلمي أَو من القارة، فالوهم من غَيره، وَأما السّلمِيّ فَذكره أَبُو عمر، وَقَالَ: ربيعَة ابْن رفيع أهبان بن ثَعْلَبَة السّلمِيّ، كَانَ يُقَال لَهُ ابْن الدغنة، وَهِي أمه. فَغلبَتْ على اسْمه، شهد حنيناً ثمَّ قدم على رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم، فِي بني تَمِيم وَهُوَ الَّذِي قتل دُرَيْد بن الصمَّة يَوْم حنين، وَآخر يُقَال لَهُ: ابْن دغنة، يُسمى حَابِس وَذكره أَبُو عمر وَذكره الذَّهَبِيّ عَنهُ، وَقَالَ حَابِس بن دغنة الْكَلْبِيّ لَهُ فِي أَعْلَام النُّبُوَّة وَله صُحْبَة ورؤية. قَوْله:(وَهُوَ سيد القارة) ، بِالْقَافِ وَتَخْفِيف الرَّاء وَهِي قَبيلَة مَشْهُورَة من بني الْهون، بِالضَّمِّ وَالتَّخْفِيف: ابْن خُزَيْمَة بن مدركة بن إلْيَاس بن مُضر كَانُوا حلفاء بني زهرَة من قُرَيْش. قَوْله: (أخرجني قومِي)، لم يخرجوه حَقِيقَة وَلَكنهُمْ تسببوا فِي خُرُوجه. قَوْله:(أَن أسيح) بِالسِّين والحاء الْمُهْمَلَتَيْنِ من السياحة يُقَال ساح فِي الأَرْض يسيح سياحة إِذا ذهب فِيهَا وَأَصله من السيح وَهُوَ المَاء الْجَارِي المنبسط على الأَرْض وَمَعْنَاهُ هَهُنَا إِرَادَة مُفَارقَة الْأَمْصَار وسكنى البراري، وَإِنَّمَا قَالَ أَبُو بكر: إِن أسيح، وَلم يذكر جِهَة مقْصده مَعَ أَنه قصد التَّوَجُّه إِلَى أَرض الْحَبَشَة، لِأَن ابْن الدغنة كَانَ كَافِرًا. قَوْله:(لَا تَخرج وَلَا تُخرج)، الأول: بِفَتْح التَّاء من الْخُرُوج، وَالثَّانِي: بضَمهَا على صِيغَة الْمَجْهُول من الْإِخْرَاج. قَوْله: (الْمَعْدُوم)، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: المعدم، وَمعنى:(تكسب الْمَعْدُوم) تعطيه المَال وتملكه إِيَّاه، يُقَال: كسبت للرجل مَالا وأكسبته، وَقَالَ الْخطابِيّ: وأفصح اللغتين حذف الْألف، وَمنع الْقَزاز إِثْبَاتهَا وجوزها ابْن الْأَعرَابِي. قَوْله:(وَتحمل الْكل)، بِفَتْح الْكَاف وَتَشْديد اللَّام: وَهُوَ مَا يثقل حمله من الْقيام بالعيال وَنَحْوه مِمَّا لَا يقوم

ص: 43

بِأَمْر نَفسه. قَوْله: (على نَوَائِب الْحق)، جمع نائبة وَمَعْنَاهُ: تعين بِمَا تقدر عَلَيْهِ من أَصَابَته نَوَائِب، أَي: مَا ينزل بِهِ من الْمُهِمَّات والحوادث. قَوْله: (فَأَنا لَك جَار) أَي: مجير أمنع من يُؤْذِيك، وَالْجَار النَّاصِر الحامي الْمَانِع المدافع. قَوْله:(ارْجع) أَمر لأبي بكر، أَي: ارْجع إِلَى بلدك ووطنك. قَوْله: (فَرجع) أَي: أَبُو بكر. قَوْله: (وارتحل مَعَه) أَي: مَعَ أبي بكر ابْن الدغنة، وَقد تقدم فِي الْكفَالَة: ارتحل ابْن الدغنة فَرجع مَعَ أبي بكر. قَوْله: (لَا يَخرج)، بِفَتْح الْيَاء من الْخُرُوج (وَلَا يخرج) بِضَم الْيَاء. قَوْله:(أتخرجون؟) بِهَمْزَة الِاسْتِفْهَام على سَبِيل الأنكار (ورجلاً) مَنْصُوب بِهِ. قَوْله: (فَلم تكذب)، من التَّكْذِيب و: قُرَيْش، فَاعله أَرَادَ أَن أحدا مِنْهُم لم يرد قَوْله فِي أَمَان أبي بكر وَلم يمْنَع أحد جواره وكل من كذب بِشَيْء فقد رده، فَأطلق التَّكْذِيب وَأَرَادَ لَازمه، وَتقدم فِي الْكفَالَة بِلَفْظ: فأنفذت قُرَيْش جوَار ابْن الدغنة، قَوْله:(فليعبد ربه) عطف على مَحْذُوف تَقْدِيره: مُرْ أبَا بَكر لَا يتَعَرَّض إِلَى شَيْء وليقعد فِي حَاله فليعبد ربه. قَوْله: (وَلَا يؤذينا بذلك) أَي: بِمَا يصدر مِنْهُ من صلَاته وقراءته. قَوْله: (وَلَا يستعلن بِهِ) أَي: بِمَا يَفْعَله من الصَّلَاة وَالْقِرَاءَة. قَوْله: (فَلبث أَبُو بكر) أَي: مكث على مَا شرطُوا عَلَيْهِ وَلم يبين فِيهِ مُدَّة الْمكْث. قَوْله: (ثمَّ بدا لأبي بكر)، أَي: ثمَّ ظهر لَهُ رَأْي غير الرَّأْي الأول. قَوْله: (بِفنَاء دَاره)، بِكَسْر الْفَاء وَتَخْفِيف النُّون وبالمد: وَهِي سَعَة أَمَام الْبَيْت، وَقيل: مَا امْتَدَّ من جَوَانِب الْبَيْت. قَوْله: (فيتقذف عَلَيْهِ) أَي: على أبي بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، ويتقذف على وزن يتفعل بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاة من فَوق وَالْقَاف والذال الْمُعْجَمَة الثَّقِيلَة: من الْقَذْف أَي: يتدافعون فيقذف بَعضهم بَعْضًا فيتساقطون عَلَيْهِ، ويروى: فيتقصف، بالصَّاد الْمُهْملَة أَي: يزدحمون عَلَيْهِ حَتَّى يسْقط بَعضهم على بعض وينكسر، وَقَالَ الْخطابِيّ: هَذَا هُوَ الْمَحْفُوظ، وَأما يتقذف فَلَا وَجه لَهُ هَهُنَا إلَاّ أَن يَجْعَل من الْقَذْف، وَفَسرهُ بِمَا ذَكرْنَاهُ الْآن وَفِي رِوَايَة الْكشميهني بنُون وقاف مَفْتُوحَة وصاد مُهْملَة مَكْسُورَة أَي: يسْقط. قَوْله: (بكاء) على وزن فعال بِالتَّشْدِيدِ صِيغَة الْمُبَالغَة أَي: كثير الْبكاء. قَوْله: (لَا يملك عَيْنَيْهِ)، أَي: لَا يُطيق إمساكهما من الْبكاء من رقة قلبه. قَوْله: (إِذا)، ظرفية وَالْعَامِل فِيهِ (لَا يملك) وَيجوز أَن يكون شَرْطِيَّة وَالْجَزَاء مُقَدّر تَقْدِيره: إِذا قَرَأَ الْقُرْآن لَا يملك عَيْنَيْهِ، وَنَحْو ذَلِك. قَوْله:(وأفزع ذَلِك) أَي: أَخَاف مَا فعله أَبُو بكر من صلَاته وقراءته وتعبده لله، فَقَوله: ذَلِك، فَاعل أفزع. وَقَوله:(الْمُشْركين) بِالنّصب مَفْعُوله، يَعْنِي: خَافُوا من ذَلِك على النِّسَاء وَالصبيان أَن يميلوا إِلَى دين الْإِسْلَام. قَوْله: (فَقدم عَلَيْهِم) أَي: على أَشْرَاف قُرَيْش من الْمُشْركين، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: فَقدم عَلَيْهِ. أَي: على أبي بكر. قَوْله: (أجرنا) بقصر الْهمزَة وبالجيم وَالرَّاء فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة الْقَابِسِيّ بالزاي، أَي: أبحنا لَهُ. قَوْله: (بجوارك) أَي: بِسَبَب جوارك أَبَا بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. قَوْله:(أَن تفتن) بِصِيغَة الْمَجْهُول. وَقَوله: (نساؤنا) مَرْفُوع (وأبناؤنا) عطف عَلَيْهِ، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر: أَن يفتن، على صِيغَة الْمَعْلُوم وَالضَّمِير الَّذِي فِيهِ يرجع إِلَى أبي بكر، و: نِسَاءَنَا بِالنّصب مَفْعُوله، وَأَبْنَاءَنَا عطف عَلَيْهِ. قَوْله:(فانهَهُ) أَي: فانهَ أَبَا بكر، وَهُوَ أَمر لِابْنِ الدغنة. قَوْله:(وَإِن أبَى) أَي: امْتنع (إلَاّ أَن يعلن) بِضَم الْيَاء من الإعلان (بذلك) أَي: بِمَا ذكر من الصَّلَاة وَالْقِرَاءَة. قَوْله: (فسله) أَصله: فَاسْأَلْهُ، وَكَذَا هُوَ فِي رِوَايَة الْكشميهني من: سَالَ، وَلما نقلت حَرَكَة الْهمزَة إِلَى السِّين وحذفت للتَّخْفِيف اسْتغنى عَن همزَة الْوَصْل فحذفت فَصَارَ: سَله. قَوْله: (ذِمَّتك) أَي: أمانك وعهدك. قَوْله: (أَن نُخفرك) بِضَم النُّون وَسُكُون الْخَاء الْمُعْجَمَة وَكسر الْفَاء، من الإخفار. يُقَال: خفرت الرجل إِذا أجرته وحفظته، وأخفرته إِذا نقضت عَهده. قَوْله:(ولسنا مقرين) ويروى: بمقرين، أَي: لَا نسكت عَلَيْهِ الْإِنْكَار للمعنى الَّذِي ذَكرُوهُ من الخشية على نِسَائِهِم وَأَبْنَائِهِمْ أَن يدخلُوا فِي دينه. قَوْله: (الَّذِي عاقدت) بِضَم التَّاء الَّتِي للمتكلم. قَوْله: (على ذَلِك) أَي: على الَّذِي عاقدت عَلَيْهِ. قَوْله: (أَنِّي أُخفرت) بِضَم الْهمزَة على صِيغَة الْمَجْهُول قَوْله: (وأرضى بجوار الله) أَي: بأمانه وحمايته. قَوْله: (وَالنَّبِيّ صلى الله عليه وسلم الْوَاو فِيهِ للْحَال. قَوْله: (أريت) بِضَم الْهمزَة على صِيغَة الْمَجْهُول. قَوْله: (بَين لابتين وهما: الحرتان) وَهِي تَثْنِيَة حرَّة، وَهَذَا اللَّفْظ مدرج فِي الْخَبَر من تَفْسِير الزُّهْرِيّ، واللابتان تَثْنِيَة لابة بتَخْفِيف الْبَاء الْمُوَحدَة وَهِي الْحرَّة، وَهِي شبه الْجَبَل من حِجَارَة سود يُرِيد الْمَدِينَة وَهِي بَين الحرتين. قَوْله:(قبل الْمَدِينَة) بِكَسْر الْقَاف وَالْبَاء الْمُوَحدَة المخففة. قَوْله: (وَرجع عَامَّة من كَانَ هَاجر بِأَرْض الْحَبَشَة) أَي: رَجَعَ مُعظم الَّذين هَاجرُوا إِلَى الْحَبَشَة إِلَى الْمَدِينَة لما سمعُوا استيطان الْمُسلمين الْمَدِينَة، وَلم يرجع جَمِيعهم لِأَن جعفراً وَمن كَانَ مَعَه تخلفوا فِي الْحَبَشَة. قَوْله:(وتجهز أَبُو بكر قبل الْمَدِينَة) بِكَسْر الْقَاف وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة أَي: جِهَتهَا، وَتقدم فِي الْكفَالَة، وَخرج أَبُو بكر مُهَاجرا، هُوَ نصب على الْحَال الْمقدرَة.

ص: 44

أَي: مُقَدرا الْهِجْرَة، وَفِي رِوَايَة هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه عِنْد ابْن حبَان: اسْتَأْذن أَبُو بكر النَّبِي صلى الله عليه وسلم، فِي الْخُرُوج من مَكَّة، ويروى: تجهز أَبُو بكر إِلَى الْمَدِينَة أَي إِلَى الْخُرُوج إِلَى الْمَدِينَة. قَوْله: (على رسلك) بِكَسْر الرَّاء وَسُكُون السِّين الْمُهْملَة أَي: على مهلك أَي: وهينتك أَي: لَا تستعجل، وَفِي رِوَايَة ابْن حبَان: فَقَالَ اصبر. قَوْله: (أَن يُؤذن) على صِيغَة الْمَجْهُول. قَوْله: (بِأبي أَنْت) لفظ: أَنْت، مُبْتَدأ و: بِأبي خَبره أَي: أَنْت مفدى بِأبي قيل: يحْتَمل أَن يكون: أَنْت، فَاعل ترجو. وَقَوله: بِأبي قسم. وَقَوله ذَلِك إِشَارَة إِلَى الْإِذْن الَّذِي يدل عَلَيْهِ أَن يُؤذن. قَوْله: (فحبس أَبُو بكر نَفسه) أَي: منعهَا من الْهِجْرَة، وَفِي رِوَايَة ابْن حبَان: فانتظره أَبُو بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. قَوْله:(على رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم أَي: لأَجله، وَكلمَة: على، تَأتي للتَّعْلِيل كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {ولتكبروا الله على مَا هدَاكُمْ} (الْبَقَرَة: 185) قَوْله (ليصحبه) أَي لَا يصحب رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فِي الْهِجْرَة قَوْله (وعلف) أَي أَبُو بكر قَوْله. تَثْنِيَة رَاحِلَة وَهِي من الْإِبِل الْبَعِير الْقوي على الْأَسْفَار والأحمال، وَالذكر وَالْأُنْثَى فِيهِ سَوَاء، وَالْهَاء فِيهِ للْمُبَالَغَة، وَهِي الَّتِي يختارها الرجل لمركبه ورحله على النجابة وَتَمام الْخلق وَحسن المنظر، فَإِذا كَانَت فِي جمَاعَة الْإِبِل عرفت. قَوْله:(السمر)، بِفَتْح السِّين الْمُهْملَة وَضم الْمِيم: وَهُوَ شجر الطلح، وَقيل: شجر أم غيلَان، وَقيل: كل مَا لَهُ ظلّ ثقيل. قَوْله: (وَهُوَ الْخبط) أَي: ورق السمر هُوَ الْخبط، بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وبالباء الْمُوَحدَة: وَهُوَ الْوَرق الْمَضْرُوب بالعصا السَّاقِط من الشّجر. وَقَوله: وَهُوَ الْخبط، مدرج أَيْضا من تَفْسِير الزُّهْرِيّ.

قَوْله: (قَالَ ابْن شهَاب) إِلَى آخِره مَوْصُول بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور أَولا أَي: قَالَ مُحَمَّد بن مُسلم بن شهَاب الرَّاوِي: قَالَ عُرْوَة ابْن الزبير: قَالَت عَائِشَة أم الْمُؤمنِينَ، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، قَوْله:(فَبَيْنَمَا)، قد مر الْكَلَام فِيهِ غير مرّة. قَوْله:(جُلُوس) أَي: جالسون. قَوْله: (فِي نحر الظهيرة) أَي: فِي أول وَقت الْحَرَارَة وَهِي المهاجرة، وَيُقَال: أول الزَّوَال وَهُوَ أَشد مَا يكون من حر النَّهَار، وَالْغَالِب فِي أَيَّام الْحر القيلولة فِيهَا. قَوْله:(متقنعاً) أَي: مغطياً رَأسه، وانتصابه على الْحَال كَمَا فِي قَوْلك: هَذَا زيد قَائِما، أَي: أُشير إِلَيْهِ وَهُوَ الْعَامِل فِيهِ، وَمن لَهُ يَد فِي الْعَرَبيَّة لَا يخفى عَلَيْهِ هَذَا وَأَمْثَاله. قَوْله:(فدَاء لَهُ) ، بِكَسْر الْفَاء وبالمد فِي رِوَايَة الْكشميهني، وَفِي رِوَايَة غَيره بِالْقصرِ، وانتصاب: فدَاء، على تَقْدِير أَن يكون لَهُ أبي وَأمي فدَاء، وَيجوز الرّفْع على أَنه خبر الْمُبْتَدَأ وَهُوَ قَوْله: أبي وَأمي فدَاء لَهُ أَي: للنَّبِي، صلى الله عليه وسلم. فَإِن قلت: على هَذَا أَيْن الْمُطَابقَة بَين الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر؟ قلت: الْفِدَاء يَشْمَل الْوَاحِد فَمَا فَوْقه. قَوْله: (إلَاّ أَمر)، أَي: أَمر قد حدث، وَكَذَا جَاءَ فِي رِوَايَة مُوسَى بن عقبَة، وَلَفظه: فَقَالَ أَبُو بكر: يَا رَسُول الله! مَا جَاءَ بك إلَاّ أَمر حدث. قَوْله: (فَأذن)، على صِيغَة الْمَجْهُول. قَوْله:(أخرج مَن عنْدك) ، بِفَتْح الْهمزَة من الْإِخْرَاج، وَمن عنْدك. مَفْعُوله. قَوْله:(إِنَّمَا هم أهلك) أَشَارَ بِهِ إِلَى عَائِشَة وَأَسْمَاء، كَمَا فسره مُوسَى بن عقبَة فَفِي رِوَايَته، قَالَ: أخرج مَن عنْدك، قَالَ: لَا عين عَلَيْك إِنَّمَا هما ابنتاي. قَوْله: (فَإِنِّي)، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: فَإِنَّهُ. قَوْله: (قد أذن لي)، على صِيغَة الْمَجْهُول. قَوْله:(الصَّحَابَة)، بِالنّصب أَي: أُرِيد الصَّحَابَة يَا رَسُول الله يَعْنِي المصاحبة. قَوْله: (نعم. قَالَ)، يَعْنِي: نعم الصُّحْبَة الَّتِي تطلبها. قَوْله: (بِالثّمن)، أَي: لَا آخذ إلَاّ بِالثّمن، وَفِي رِوَايَة ابْن إِسْحَاق: لَا أركب بَعِيرًا لَيْسَ هُوَ لي، قَالَ: فَهُوَ لَك، قَالَ: لَا وَلَكِن بِالثّمن الَّذِي ابتعته بِهِ، قَالَ: أَخَذته بِكَذَا وَكَذَا، قَالَ: هُوَ لَك، وَفِي رِوَايَة الطَّبَرَانِيّ عَن أَسمَاء، قَالَ: بِثمنِهَا يَا أَبَا بكر، قَالَ: بِثمنِهَا إِن شِئْت، وَعَن الْوَاقِدِيّ: أَن الثّمن ثَمَانمِائَة وَأَن الرَّاحِلَة الَّتِي أَخذهَا رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم، من أبي بكر هِيَ الْقَصْوَاء، وَأَنَّهَا كَانَت من نعم بني قُشَيْر، وَأَنَّهَا عاشت بعد النَّبِي صلى الله عليه وسلم، قَلِيلا وَمَاتَتْ فِي خلَافَة أبي بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَكَانَت مُرْسلَة ترعى بِالبَقِيعِ، وَذكر ابْن إِسْحَاق أَنَّهَا الجذعاء وَكَانَت من إبل بني الْحَرِيش، وَكَذَا فِي رِوَايَة أخرجهَا ابْن حبَان: أَنَّهَا الجدعاء. قَوْله: (فجهزنا هما) أَي: النَّبِي وَأَبا بكر. قَوْله: (أحث الجهاز) لفظ: أحث، بِالْحَاء الْمُهْملَة والثاء الْمُثَلَّثَة أفعل التَّفْضِيل من: الْحَث وَهُوَ الْإِسْرَاع، والحثيث على وزن فعيل: المسرع الْحَرِيص، وأحث أفعل مِنْهُ، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر: أحب، بِالْبَاء الْمُوَحدَة وَالْأول أصح، و: الجهاز، بِفَتْح الْجِيم وَكسرهَا: مَا يحْتَاج إِلَيْهِ فِي السّفر وَنَحْوه. قَوْله: (ووضعنا لَهما) أَي: للنَّبِي وَأبي بكر، ويروى: وصنعنا، من صنع، والسفرة الزَّاد هُنَا لِأَن أصل السفرة فِي اللُّغَة الزَّاد الَّذِي يصنع للْمُسَافِر ثمَّ اسْتعْمل فِي وعَاء الزَّاد، وَمثله المزادة للْمَاء، وَكَذَلِكَ الراوية. وَعَن الْوَاقِدِيّ: أَنه كَانَ فِي السفرة شَاة مطبوخة. قَوْله: (فِي

ص: 45

جراب) بِكَسْر الْجِيم، وَرُبمَا فتحت. قَوْله:(من نطاقها) بِكَسْر النُّون وَهُوَ إِزَار فِيهِ تكة تلبسه النِّسَاء، والمنطق: كل شَيْء شددت بِهِ وسطك، قَالَه ابْن فَارس، قَالَ الدَّاودِيّ: هُوَ المئزر، وَقَالَ الْهَرَوِيّ: النطاق هُوَ الْمنطق وَهُوَ أَن تَأْخُذ الْمَرْأَة ثوبا فتلبسه ثمَّ تشد إزَارهَا وَسطهَا بِحَبل ثمَّ ترسل الْأَعْلَى على الْأَسْفَل. قَوْله: (ذَات النطاقين) هَذِه رِوَايَة الْكشميهني: وَفِي رِوَايَة غَيره: ذَات النطاق، بِالْإِفْرَادِ. وَقَالَ الْهَرَوِيّ: سميت بِذَات النطاقين لِأَنَّهَا كَانَت تجْعَل نطاقاً على نطاق، وَقيل: كَانَ لَهَا نطاقان تلبس أَحدهمَا وَتحمل فِي الآخر الزَّاد لرَسُول الله، صلى الله عليه وسلم، وَهُوَ فِي الْغَار، وَفِي رِوَايَة ابْن سعد: شدت نطاقها فأوكت بِقِطْعَة مِنْهُ الجراب، وشدت فَم الْقرْبَة بِالْبَاقِي، فسميت ذَات النطاقين. قَوْله:(ثَوْر) بالثاء الْمُثَلَّثَة على لفظ الْحَيَوَان الْمَشْهُور، وَذكر الْوَاقِدِيّ، رَحمَه الله تَعَالَى، أَنَّهُمَا خرجا من خوخة فِي ظهر بَيت أبي بكر. وَقَالَ الْحَاكِم: تَوَاتَرَتْ الْأَخْبَار على أَن خُرُوجه كَانَ يَوْم الْإِثْنَيْنِ، ودخوله الْمَدِينَة كَانَ يَوْم الْإِثْنَيْنِ، إلَاّ أَن مُحَمَّد بن مُوسَى الْخَوَارِزْمِيّ قَالَ: إِنَّه خرج من مَكَّة يَوْم الْخَمِيس. قلت: الَّذِي يفهم من كَلَام ابْن إِسْحَاق كَانَ خُرُوجه بِاللَّيْلِ، وَذَلِكَ أَن أَعْيَان قُرَيْش لما اجْتَمعُوا فِيمَا يَفْعَلُونَ فِي أَمر النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَشَارَ كل وَاحِد بِرَأْي، فَمَا أصغوا إِلَيْهِ فآخر الْأَمر أَشَارَ أَبُو جهل بقتْله، فَأتى جِبْرِيل، عليه الصلاة والسلام، رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: لَا تبت هَذِه اللَّيْلَة على فراشك الَّذِي كنت تبيت عَلَيْهِ. قَالَ: فَلَمَّا كَانَت عتمة اللَّيْل اجْتَمعُوا على بَابه يَرْصُدُونَهُ حَتَّى ينَام فيثبون عَلَيْهِ، فَلَمَّا رأى رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم مكانهم قَالَ لعَلي بن أبي طَالب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: نم على فِرَاشِي، فَأخذ رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم حفْنَة من تُرَاب فِي يَده، فَجعل يَنْثُرهُ على رؤوسهم وَهُوَ يَتْلُو هَذِه الْآيَات:{يس وَالْقُرْآن الْحَكِيم} إِلَى قَوْله: {فهم لَا يبصرون} (يس: 1 9) . وَلم يبْق مِنْهُم أحد إلَاّ وَقد وضع على رَأسه تُرَاب ثمَّ انْصَرف رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم. قَوْله:(عِنْدهمَا) أَي: عِنْد النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَأبي بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، عبد الله بن أبي بكر، قيل: فِي نُسْخَة عبد الرَّحْمَن: وَهُوَ وهم. قَوْله:، بِفَتْح الثَّاء الْمُثَلَّثَة وَكسر الْقَاف وَيجوز إسكانها وَفتحهَا وَفِي آخِره فَاء: وَهُوَ الحاذق الفطن تَقول: ثقفت الشَّيْء إِذا أَقمت عوجه. وَقَالَ الْخطابِيّ: الثقافة حسن التلقي للأدب، يُقَال: غُلَام ثقف، وَقَالَ ابْن فَارس، وَيُقَال: رجل ثقف، قَوْله:(لقن)، بِفَتْح اللَّام وَكسر الْقَاف وبالنون: وَهُوَ السَّرِيع الْفَهم، وَيُقَال: اللقن الْحسن التلقي لما يسمعهُ ويعلمه. قَوْله: (فيدلج) بتَشْديد الدَّال وبالجيم: أَي: يخرج بِالسحرِ منصرفاً إِلَى مَكَّة، يُقَال: أدْلج إِذا سَار فِي أول اللَّيْل، وَقيل: فِي كُله، وأدلج، بتَشْديد الدَّال إِذا سَار فِي آخِره. قَوْله:(يكتادان بِهِ)، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني:(يكادان)، بِغَيْر تَاء مثناة من فَوق وَهُوَ من قَوْلهم: كدت الرجل إِذا طلبت لَهُ الغوائل ومكرت بِهِ. قَوْله: (إلَاّ وعَاء) أَي: حفظه. قَوْله: (عَامر بن فهَيْرَة) ، بِضَم الْفَاء وَفتح الْهَاء وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف، وبالراء مولى أبي بكر الصّديق، كَانَ مولداً من مولدِي الأزد، أسود اللَّوْن مَمْلُوكا للطفيل بن عبد الله بن سَخْبَرَة، فَأسلم وَهُوَ مَمْلُوك فَاشْتَرَاهُ أَبُو بكر وَأعْتقهُ، وَكَانَ حسن الْإِسْلَام وَكَانَ يرْعَى الْغنم فِي ثَوْر وَيروح بهَا على رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم وَأبي بكر فِي الْغَار، وَشهد بَدْرًا وأحداً ثمَّ قتل يَوْم بِئْر مَعُونَة وَهُوَ ابْن أَرْبَعِينَ سنة، قَتله عَامر بن الطُّفَيْل، ويروى عَنهُ أَنه قَالَ: رَأَيْت أول طعنة طعنتها عَامر بن فهَيْرَة نورا خرج مِنْهَا، وَقَالَ أَبُو عمر: وروى ابْن الْمُبَارك عَن يُونُس عَن الزُّهْرِيّ، قَالَ: زعم عُرْوَة بن الزبير أَن عَامر بن فهَيْرَة قتل يَوْمئِذٍ فَلم يُوجد جسده، يرَوْنَ أَن الْمَلَائِكَة دَفَنته، وَكَانَت بِئْر مَعُونَة سنة أَربع من الْهِجْرَة. قَوْله:(منحة) ، بِكَسْر الْمِيم وَسُكُون النُّون وَبِالْحَاءِ الْمُهْملَة، وَهِي فِي الأَصْل الشَّاة الَّتِي يَجْعَل الرجل لَبنهَا لغيره ثمَّ يَقع على كل شَاة، وَقَالَ ابْن فَارس المنحة والمنيحة منحة اللَّبن، والمنحة النَّاقة أَو الشَّاة يُعْطي لَبنهَا، ثمَّ جعلت كل عَطِيَّة منحة، وَفِي رِوَايَة مُوسَى بن عقبَة عَن ابْن شهَاب: أَن الْغنم كَانَت لأبي بكر فَكَانَ يروح عَلَيْهِمَا الْغنم كل لَيْلَة فيحلبان ثمَّ يسرح بكرَة فَيُصْبِح فِي رعيان النَّاس فَلَا يفْطن لَهُ. قَوْله: (فِي رسل)، بِكَسْر الرَّاء وَسُكُون السِّين الْمُهْملَة: وَهُوَ اللَّبن الطري. قَوْله: (ورضيفهما) الرضيف بِفَتْح الرَّاء وَكسر الضَّاد الْمُعْجَمَة على وزن رغيف، وَهُوَ اللَّبن الَّذِي جعل فِيهِ الرضفة وَهِي الْحِجَارَة المحماة لتزول وخامته وَثقله، وَقيل: الرضيف النَّاقة المحلوبة. فَإِن قلت: كَيفَ إعرابه؟ قلت: إِن جعلته عطفا على لبن منحتهما يكون مَرْفُوعا، وَإِن جعلته عطفا على الْمُضَاف إِلَيْهِ فِيهِ يكون مجروراً فَافْهَم. وَفِي (التَّوْضِيح) ويروى: وصريفها، والصريف اللَّبن سَاعَة يحلب، وَقَالَ ابْن الْأَثِير فِي: بَاب الصَّاد الْمُهْملَة، وَفِي حَدِيث الْغَار ويبيتان فِي رسلها وصريفها، الصريف اللَّبن سَاعَة

ص: 46

يصرف عَن الضَّرع. قَوْله: (حَتَّى ينعق بهما) كلمة: حَتَّى، للغاية و: ينعق، بِكَسْر الْعين الْمُهْملَة أَي: يَصِيح بغنمه، والنعق صَوت الرَّاعِي وَالضَّمِير فِي: بهما، يرجع إِلَى لفظ المنحة، و: لفظ الْغنم وَهَذَا هُوَ رِوَايَة أبي ذَر: أَعنِي بهما التَّثْنِيَة، وَفِي رِوَايَة غَيره: بهَا، بِالْإِفْرَادِ. قَالَ الْكرْمَانِي: أَي: المنحة أَو بالغنم. قَوْله: (عَامر)، مَرْفُوع لِأَنَّهُ فَاعل ينعق. قَوْله:(بِغَلَس) أَي: فِي غلس وَهُوَ ظلام آخر اللَّيْل قَوْله: (من بني الديل)، بِكَسْر الدَّال وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف. وَقيل بِضَم أَوله وبالهمزة الْمَكْسُورَة فِي ثَانِيه. قَوْله:(وَهُوَ) أَي: الرجل الَّذِي استأجراه من بني عبد بن عدي بن الديل بن عبد منَاف بن كنَانَة، وَيُقَال: من بني عدي بن عَمْرو بن خُزَاعَة، وَقَالَ ابْن هِشَام: اسْمه عبد الله بن أرقد. وَفِي رِوَايَة الْأمَوِي عَن ابْن إِسْحَاق: أريقد بِالتَّصْغِيرِ وَعند ابْن سعد: عبد الله ابْن أريقط، بِالطَّاءِ مَوضِع الدَّال بِالتَّصْغِيرِ، وَهَذَا هُوَ الْأَشْهر، وَقَالَ ابْن التِّين عَن مَالك: إسمه رقيط، وَكَانَ كَافِرًا. قَوْله:(هادياً)، نصب لِأَنَّهُ صفة رجلا يَعْنِي: يهديهما إِلَى الطَّرِيق. قَوْله: (خريتاً) ، صفة بعد صفة، وَهُوَ بِكَسْر الْخَاء الْمُعْجَمَة وَتَشْديد الرَّاء وبالياء آخر الْحُرُوف الساكنة وَفِي آخِره تَاء مثناة من فَوق والخريت الماهر بالهداية، أَشَارَ بِهِ إِلَى تَفْسِير الخريت وَهَذَا مدرج فِي الْخَبَر من كَلَام الزُّهْرِيّ، وَعَن الْخطابِيّ: الخريت مَأْخُوذ من خرت الإبرة كَأَنَّهُ يَهْتَدِي لمثل خرتها من الطَّرِيق، وخرت الإبرة بِالضَّمِّ: ثقبها، وَحكى عَن الْكسَائي: خرتنا الأَرْض إِذا عرفناها وَلم تخف علينا طرقها. وَقَالَ ابْن الْأَثِير: الخريت الماهر الَّذِي يَهْتَدِي لأخرات الْمَفَازَة وَهِي طرقها الْخفية. قَوْله: (قد غمس حلفا فِي آل الْعَاصِ بن الوائل) هَذِه الْجُمْلَة وَقعت حَالا من قَوْله: رجلا. وَالْأَصْل فِي الْجُمْلَة الفعلية الْمَاضِيَة إِذا وَقعت حَالا أَن يكون فِيهَا كلمة: قد، إِمَّا ظَاهِرَة وَإِمَّا مقدرَة كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى:{أوجاؤكم حصرت صُدُورهمْ} (النِّسَاء: 90) . أَي: قد حصرت. قَوْله: غمس حلفا، أَي: أَخذ بِنَصِيب من حلفهم وعقدهم يَأْمَن بِهِ، كَانَت عَادَتهم أَن يحضروا فِي جَفْنَة طيبا أَو دَمًا أَو رَمَادا فَيدْخلُونَ فِيهِ أَيْديهم عِنْد التَّحَالُف ليتم عقدهم عَلَيْهِ باشتراكهم فِي شَيْء وَاحِد، وَالْحلف بِفَتْح الْحَاء وَكسر اللَّام، مصدر حَلَفت وَقد تسكن اللَّام وَيُرَاد بِهِ الْعَهْد بَين الْقَوْم. قَوْله:(فأمناه) بقصر الْهمزَة وَكسر الْمِيم أَي: ائتمناه، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى:{فَإِن أَمن بَعْضكُم بَعْضًا} (الْبَقَرَة: 283) . وأمنته على كَذَا وائتمنته بِمَعْنى. قَوْله: (فَأخذ بهم طَرِيق السواحل) وَفِي رِوَايَة مُوسَى بن عقبَة: فَأجَاز بهما أَسْفَل مَكَّة ثمَّ مضى هما حَتَّى جَاءَ بهما السَّاحِل أَسْفَل من عسفان، ثمَّ أجَاز بهما حَتَّى عَارض الطَّرِيق.

قَوْله: (قَالَ ابْن شهَاب) هُوَ مَوْصُول بِإِسْنَاد حَدِيث عَائِشَة الْمَذْكُور، وَهُوَ مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ أحد رُوَاة الحَدِيث. قَوْله:(عبد الرَّحْمَن بن مَالك بن جعْشم) بِضَم الْجِيم وَسُكُون الْعين الْمُهْملَة وَضم الشين الْمُعْجَمَة، وَحكى فتح الْجِيم أَيْضا: المدلجي، بِضَم الْمِيم وَسُكُون الدَّال الْمُهْملَة وَكسر اللَّام وبالجيم: من بني مُدْلِج بن مرّة بن عبد منَاف بن كنَانَة، وَمَالك وَالِد عبد الرَّحْمَن، هَذَا ذكره ابْن حبَان فِي التَّابِعين وَلَيْسَ لَهُ وَلَا لِأَخِيهِ سراقَة وَلَا لِابْنِهِ عبد الرَّحْمَن فِي البُخَارِيّ غير هَذَا الحَدِيث. قَوْله:(وَهُوَ ابْن أخي سراقَة بن جعْشم) أَي: عبد الرَّحْمَن هُوَ ابْن أخي سراقَة، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر: سراقَة بن مَالك بن جعْشم، وَالْأول هُوَ الْمُعْتَمد عَلَيْهِ، وَقَالَ الْكرْمَانِي: سراقَة بن جعْشم، ويروى: سراقَة بن مَالك بن جعْشم وَالْأول هُوَ الْمُوَافق لكَونه ابْن أَخِيه، لَكِن الْمَشْهُور هُوَ الثَّانِي كَمَا فِي كتاب (الِاسْتِيعَاب) قلت: يَعْنِي ذكر أَبُو عمر فِي كتاب (الِاسْتِيعَاب) : سراقَة بن مَالك بن جعْشم بن مَالك

إِلَى آخِره. وَذكر أَنه يعد فِي أهل الْمَدِينَة، وَيُقَال: إِنَّه سكن مَكَّة، وكنية سراقَة أَبُو سُفْيَان، وَكَانَ ينزل قديدا وعاشا إِلَى خلَافَة عُثْمَان وَقَالَ الذَّهَبِيّ سراقَة بن مَالك بن جعْشم الْكِنَانِي المدلجي أَبُو سُفْيَان أسلم بعد الطَّائِف، وَيُقَال: وَحَيْثُ جَاءَ فِي الرِّوَايَات: سراقَة بن جعْشم، يكون نسبته إِلَى جده. قَوْله:(دِيَة فِي كل وَاحِد) أَي: مائَة من الْإِبِل، وَصرح بذلك مُوسَى بن عقبَة وَصَالح ابْن كيسَان فِي روايتهما عَن الزُّهْرِيّ. قَوْله:(ودية) مَنْصُوب بقوله: (يجْعَلُونَ) ويروى: دِيَة كل وَاحِد، بِإِضَافَة دِيَة إِلَى كل، قَوْله:(من قَتله) ويروى: لمن قَتله، وَالضَّمِير الْمَنْصُوب فِيهِ يرجع إِلَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم، وَكَذَلِكَ فِي:(أَو أسره) . قَوْله: (فَبَيْنَمَا أَنا جَالس)، قَول سراقَة. قَوْله:(أقبل) جَوَاب: بَيْنَمَا، ويروى: إِذْ أقبل. قَوْله: (وَنحن جُلُوس) الْوَاو فِيهِ للْحَال، وَالْجُلُوس جمع جَالس. قَوْله:(فَقَالَ: يَا سراقَة) الْقَائِل هُوَ الرجل الَّذِي هُوَ من بني مُدْلِج. قَوْله: (رَأَيْت أنفًا) أَي: فِي هَذِه السَّاعَة. قَوْله: (أَسْوِدَة) أَي: أشخاصاً. قَوْله: (فَعرفت أَنهم هم) أَي: عرفت أَن الأسودة هم مُحَمَّد وَأَصْحَابه. قَوْله: (فَقلت لَهُ) الْقَائِل سراقَة لذَلِك الرجل (إِنَّهُم) أَي: إِن الأسودة (لَيْسُوا بهم) أَي: بِمُحَمد وَأَصْحَابه، ثمَّ استدرك بقوله:(وَلَكِنَّك رَأَيْت فلَانا وَفُلَانًا انْطَلقُوا بأعيننا)، أَي: فِي نَظرنَا مُعَاينَة

ص: 47

(يتبعُون ضَالَّة لَهُم) . قَوْله: (ثمَّ قُمْت) كَلَام سراقَة. وَكَذَلِكَ قَوْله: (فَدخلت، وَأمرت جاريتي) إِلَى قَوْله: (قَالَ ابْن شهَاب) . قَوْله: (أكمة) وَهِي الرابية المرتفعة عَن الأَرْض. قَوْله: (فخططت) بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة وَفِي رِوَايَة الْكشميهني والأصيلي بِالْمُهْمَلَةِ، أَي: أمكنت أَسْفَله. قَوْله: (بزجه) بِضَم الزاء وَتَشْديد الْجِيم: وَهُوَ الحديدة الَّتِي فِي أَسْفَل الرمْح، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: فخططت بِهِ. قَوْله: (وخفضت عاليه) أَي: عالي الرمْح لِئَلَّا يظْهر بريقه لمن بَعُد مِنْهُ لِأَنَّهُ كره أَن يتبعهُ أحد فيشركه فِي الْجعَالَة، وروى ابْن أبي شيبَة من حَدِيث الْحسن عَن سراقَة: وَجعلت أجر الرمْح مَخَافَة أَن يشركني أهل المَاء فِيهَا. قَوْله: (فرفعتها) بالراء، أَي: أسرعت بهَا السّير. قَالَ ابْن الْأَثِير: أَي: كلفتها الْمَرْفُوع من السّير وَهُوَ فَوق الْمَوْضُوع وَدون الْعَدو، يُقَال: أرفع دابتك، أَي: أسْرع بهَا، ويروى: دفعتها بِالدَّال، يُقَال: دفع نَاقَته إِذا حملهَا على السّير. قَوْله: (تقرب بِي) من التَّقْرِيب وَهُوَ السّير دون الْعَدو وَفَوق الْعَادة. وَقَالَ الْأَصْمَعِي: هُوَ أَن ترفع الْفرس يَديهَا مَعًا وتضعهما مَعًا. قَوْله: (فَخَرَرْت عَنْهَا) أَي: عَن دَابَّتي، من الخرور بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة وَهُوَ السُّقُوط. قَوْله:(فَأَهْوَيْت يَدي) أَي: بسطتها إِلَيْهَا للأخذ. والكنانة الخريطة المستطيلة من جولد تجْعَل فِيهَا السِّهَام وَهِي الجعبة. قَوْله: (الأزلام) وَهِي: القداح وَهُوَ السِّهَام الَّتِي لَا ريش لَهَا وَلَا نصل، وَكَانَ لَهُم فِي الْجَاهِلِيَّة هَذِه الأزلام مَكْتُوبًا عَلَيْهَا:(لَا)(وَنعم) ، فَإِذا اتّفق لَهُم أَمر من غير قصد كَانُوا يخرجونها، فَإِن خرج مَا عَلَيْهِ:(نعم) ، مضى على عزمه، وَإِن خرج (لَا) انْصَرف عَنهُ. قَوْله:(فاستقسمت بهَا) من الاستقسام وَهُوَ طلب معرفَة النَّفْع والضر بالأزلام، أَي: التفاؤل بهَا. قَوْله: (فَخرج الَّذِي أكره) أَي: الَّذِي لَا يضرهم، وَصرح بِهِ الْإِسْمَاعِيلِيّ ومُوسَى وَابْن إِسْحَاق، زَاد: أَو كنت أَرْجُو أَن أرده وَأخذ الْمِائَة النَّاقة. قَوْله: (وعصيت الأزلام) ، الْوَاو فِيهِ للْحَال، أَرَادَ أَنه مَا الْتفت إِلَى الَّذِي خرج مَا يكرههُ. قَوْله:(تقرب بِي) يَعْنِي: فرسه، وَمضى معنى التَّقْرِيب آنِفا. قَوْله:(وَهُوَ لَا يلْتَفت)، الْوَاو فِيهِ للْحَال أَي: وَالْحَال أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم، لَا يلْتَفت، وَأَبُو بكر يكثر الِالْتِفَات. قَوْله:(ساخت يدا فرسي) أَرَادَ أَنه حِين سمع النَّبِي صلى الله عليه وسلم، ساخت يدا فرسه، بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة أَي: غاصت. وَفِي حَدِيث أَسمَاء بنت أبي بكر: فَوَقَعت لمنخريها. قَوْله: (حَتَّى بلغتا الرُّكْبَتَيْنِ) وَفِي رِوَايَة الْبَزَّار، فارتطمت بِهِ فرسه إِلَى بَطنهَا. قَوْله:(فحررت عَنْهَا) بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة، أَي: سَقَطت. قَوْله: (ثمَّ زجرتها) أَي: حثثتها وحملتها على الْقيام (فَنَهَضت) أَي: أسرعت للْقِيَام، وَلم تكد: من أَفعَال المقاربة أَي: لم تقرب من إِخْرَاج يَديهَا. قَوْله: (فَلَمَّا اسْتَوَت قَائِمَة) أَي: بعد تحمل شدَّة فِي الْقيام، وَفِي رِوَايَة أنس، ثمَّ قَامَت تحمحم، الحمحمة بالحائين المهمتين: صَوت الْفرس وصهيله. قَوْله: (إِذا)، كلمة مفاجأة وَهِي جَوَاب: لما، قَوْله:(لأثر يَديهَا) اللَّتَيْنِ غاصتا فِي الأَرْض. قَوْله: (عثان)، بِضَم الْعين الْمُهْملَة وبالثاء الْمُثَلَّثَة وَبعد الْألف نون: وَهُوَ الدُّخان من غير نَار، و: عثان مَرْفُوع بِالِابْتِدَاءِ وَخَبره هُوَ قَوْله: (لأثر يَديهَا) مقدما. قَوْله: (سَاطِع) أَي: منتشر مُرْتَفع، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: غُبَار، بغين مُعْجمَة مَضْمُومَة وباء مُوَحدَة، وبراء. قَالَ الْكرْمَانِي: هَذِه هِيَ الْأَصَح، وَقيل: الأولى هِيَ الْأَشْهر، وَفِي رِوَايَة مُوسَى ابْن عقبَة والإسماعيلي: واتبعها دُخان مثل الْغُبَار، وَفِيه: فَعلمت أَنه منع مني. قَوْله: (فناديتهم بالأمان)، وَفِي رِوَايَة ابْن إِسْحَاق: فناديت الْقَوْم: أَنا سراقَة بن مَالك بن جعْشم، أنظروني أكلمكم، فوَاللَّه لَا آتيكم وَلَا يأتيكم مني شَيْء تكرهونه. قَوْله:(وَأَخْبَرتهمْ أَخْبَار مَا يُرِيد النَّاس بهم) أَي: من الْحِرْص على الظفر بهم وبذل المَال لمن يحصلهم لَهُم. قَوْله: (فَلم يرزآني) برَاء ثمَّ زَاي أَي: لم يأخذا مني شَيْئا وَلم ينقصا من مَالِي، يُقَال: رزأته، أرزؤه، وَأَصله النَّقْص ويرزآني تَثْنِيَة يرزأ، وَالضَّمِير فِيهِ يرجع إِلَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَأبي بكر، وَكَذَلِكَ فِي:(وَلم يسألاني) قَوْله: (إِلَّا أَن قَالَ) أَي: النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَأَبُو بكر، ويروى: إلَاّ أَن قَالَا بالتثنية يَعْنِي: كِلَاهُمَا قَالَا (إخف عَنَّا) بِفَتْح الْهمزَة وَسُكُون الْخَاء الْمُعْجَمَة: أَمر من الْإخْفَاء. قَوْله: (فَسَأَلته) أَي: قَالَ سراقَة: سَأَلت النَّبِي صلى الله عليه وسلم (أَن يكْتب لي كتاب أَمن) بِسُكُون الْمِيم، وَفِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ: كتاب موادعة، وَفِي رِوَايَة إِبْنِ إِسْحَاق: كتابا يكون آيَة بيني وَبَيْنك. قَوْله: (فَأمر)، أَي: النَّبِي صلى الله عليه وسلم، عَامر بن فهَيْرَة. قَوْله:(فَكتب لي فِي رقْعَة من أَدَم) وَهُوَ بِفتْحَتَيْنِ اسْم لجمع: أَدِيم، وَهُوَ الْجلد المدبوغ، ويروى: من أَدِيم، وَفِي رِوَايَة ابْن إِسْحَاق: فَكتب لي كتابا فِي عظم أَو رقْعَة أَو خرقَة، ثمَّ أَلْقَاهُ إِلَيّ فَأَخَذته فَجَعَلته فِي كِنَانَتِي ثمَّ رجعت.

قَوْله: (قَالَ ابْن شهَاب) هُوَ مُتَّصِل إِلَى ابْن شهَاب الزُّهْرِيّ بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور أَولا، قَوْله: (فَأَخْبرنِي عُرْوَة بن الزبير أَن رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم وَهَذَا مُرْسل وَصله

ص: 48

الْحَاكِم من طَرِيق معمر عَن الزُّهْرِيّ، قَالَ أَخْبرنِي عُرْوَة أَنه سمع الزبير

الحَدِيث. قَوْله: (لَقِي الزبير) أَي: ابْن الْعَوام، وَقَالَ مُوسَى ابْن عقبَة: يُقَال: لما دنا، أَي: النَّبِي صلى الله عليه وسلم كَانَ طَلْحَة قدم من الشَّام، فَخرج عَامِدًا إِلَى مَكَّة إِمَّا متلقياً وَإِمَّا مُعْتَمِرًا وَمَعَهُ ثِيَاب أهداها لأبي بكر من ثِيَاب الشَّام، فَلَمَّا لقِيه أعطَاهُ فَلبس مِنْهَا هُوَ وَأَبُو بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. وَقَالَ الدمياطي: لم يذكر الزبير بن بكار الزبير بن الْعَوام وَلَا أهل السّير، وَإِنَّمَا هُوَ طَلْحَة بن عبيد الله. وَقَالَ ابْن سعد: لما ارتحل النَّبِي صلى الله عليه وسلم، من الْحجاز فِي هجرته إِلَى الْمَدِينَة لقِيه طَلْحَة بن عبيد الله من الْغَد جائياً من الشَّام، فكسا رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم، وَأَبا بكر من ثِيَاب الشَّام، وَأخْبر النَّبِي صلى الله عليه وسلم، أَن من بِالْمَدِينَةِ من الْمُسلمين قد استبطأوا رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم، فتعجل رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم، وَقد رجح الدمياطي الَّذِي فِي (السّير) على الَّذِي فِي (الصَّحِيح) وَالْأولَى أَن يجمع بَينهمَا بِأَن يكون كل من طَلْحَة وَالزُّبَيْر أهْدى لَهما من الثِّيَاب. قَوْله:(فِي ركب)، بِفَتْح الرَّاء وَسُكُون الْكَاف: جمع رَاكب، كتجر جمع تَاجر. قَوْله:(قافلين) ، نصب على الْحَال، أَي: رَاجِعين. قَوْله: (مخرج رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم . ويروى: بمخرج رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم، وَهُوَ مصدر ميمي بِمَعْنى الْخُرُوج. قَوْله: (يَغْدُونَ) بِسُكُون الْغَيْن الْمُعْجَمَة أَي: يخرجُون غدْوَة. قَوْله: (أَو فِي رجل)، أَي: اطلع إِلَى مَكَان عَال فَأَشْرَف مِنْهُ. قَوْله: (على أَطَم) ، بِضَمَّتَيْنِ وَهُوَ الْحصن، وَيُقَال: بِنَاء من حجر كالقصر. قَوْله: (مبيضين)، نصب على الْحَال أَي: عَلَيْهِم الثِّيَاب الْبيض الَّتِي كساهم إِيَّاهَا الزبير أَو طَلْحَة أَو كِلَاهُمَا، وَقَالَ ابْن التِّين: يحْتَمل أَن يكون مَعْنَاهُ: مستعجلين، وَحكى عَن ابْن فَارس، يُقَال: بائض أَي مستعجل. قَوْله: (يَزُول بهم السراب)، أَي: يَزُول السراب عَن النّظر بِسَبَب عروضهم لَهُ، وَقيل: مَعْنَاهُ ظَهرت حركتهم فِيهِ للعين، والسراب بِفَتْح السِّين الْمُهْملَة هُوَ الَّذِي يرى فِي شدَّة الْحر كَالْمَاءِ، فَإِذا جِئْته لم تلق شَيْئا، كَمَا قَالَ تَعَالَى:{يحسبه الظمآن مَاء} (النُّور: 39) . الْآيَة. قَوْله: (يَا معشر الْعَرَب)، وَفِي رِوَايَة عبد الرَّحْمَن بن عُوَيْمِر: يَا بني قيلة، بِفَتْح الْقَاف وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَهِي: الْجدّة الْكُبْرَى من الْأَنْصَار وَالِدَة الْأَوْس والخزرج، وَهِي: قيلة بنت كَاهِل بن عدي. قَوْله: (هَذَا جدكم)، بِفَتْح الْجِيم أَي: حظكم وَصَاحب دولتكم الَّذِي تتوقعونه، وَفِي رِوَايَة معمر:(هَذَا صَاحبكُم) . قَوْله: (بِظهْر الْحرَّة) ، بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَتَشْديد الرَّاء، وَهِي الأَرْض الَّتِي عَلَيْهَا الْحِجَارَة السود، وَقد مرت غير مرّة. قَوْله:(فِي بني عَمْرو بن عَوْف)، أَي: ابْن مَالك بن أَوْس بن حَارِثَة، ومنازلهم بقباء وَهِي على فَرسَخ من الْمَسْجِد النَّبَوِيّ بِالْمَدِينَةِ. قَوْله:(وَذَلِكَ يَوْم الْإِثْنَيْنِ من شهر ربيع الأول) ، وَلم يبين أَي يَوْم الْإِثْنَيْنِ من الشَّهْر، وَفِيه اخْتِلَاف كثير. فَفِي رِوَايَة مُوسَى بن عقبَة عَن ابْن شهَاب: قدمهَا لهِلَال ربيع الأول، أَي: أول يَوْم مِنْهُ، وَعَن إِبْنِ إِسْحَاق: قدمهَا لليلتين خلتا من ربيع الأول، وَنَحْوه عِنْد أبي معشر، لَكِن قَالَ: لَيْلَة الْإِثْنَيْنِ. وَفِي (شرف الْمُصْطَفى) من طَرِيق أبي بكر بن حزم: قدم لثلاث عشرَة من ربيع الأول، وَفِيه من حَدِيث عمر: ثمَّ نزل على بني عَمْرو بن عَوْف يَوْم الْإِثْنَيْنِ لليلتين بَقِيَتَا من ربيع الأول، وَعند الزبير فِي خبر الْمَدِينَة عَن ابْن شهَاب: فِي نصف ربيع الأول، وَيُمكن الْجمع بَين هَذِه الرِّوَايَات بِالْحملِ على الِاخْتِلَاف فِي مُدَّة إِقَامَته بقباء، فَعَن أنس: أَنه أَقَامَ بقباء أَربع عشرَة لَيْلَة، وَعَن الْكَلْبِيّ أَربع لَيَال فَقَط، وَعَن مُوسَى بن عقبَة: ثَلَاث لَيَال، وَحكى عَن الزبير بن بكار إثنين وَعشْرين يَوْمًا، وعَلى اعْتِدَاد يَوْم الدُّخُول وَالْخُرُوج وَعدم اعتدادهما، فَافْهَم. قَوْله:(فَقَامَ أَبُو بكر للنَّاس) أَي: يتلقاهم. قَوْله: (فَطَفِقَ) أَي: جعل من جَاءَ من الْأَنْصَار يحيى أَبَا بكر، أَي: يسلم عَلَيْهِ قَالَ ابْن التِّين: إِنَّمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ذَلِك بِأبي بكر لِكَثْرَة تردده إِلَيْهِم فِي التِّجَارَة إِلَى الشَّام، فَكَانُوا يعرفونه، وَأما النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَلم يأتها بعد أَن كبر. قَوْله:(فَنزل رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم فِي بني عَمْرو بن عَوْف) قيل: نزل على كُلْثُوم بِهِ الْهدم، وَقيل: سعيد بن حثْمَة، وَلَا خلاف أَنه نزل فِي الْمَدِينَة على أبي أَيُّوب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. قَوْله:(وَأسسَ الْمَسْجِد)، أَي: مَسْجِد قبَاء. قَوْله: (الْمَسْجِد الَّذِي أسس على التَّقْوَى) هَذَا صَرِيح فِي أَنه مَسْجده، وَقد اخْتلف فِي ذَلِك فِي زَمَانه، فَقيل: إِنَّه مَسْجده، وَقيل: إِنَّه مَسْجِد قبَاء، وَالْأول أثبت. وَقَالَ الدَّاودِيّ: إِنَّه لَيْسَ باخْتلَاف، وَكِلَاهُمَا أسس على التَّقْوَى. قَوْله:(وَكَانَ مربداً) بِكَسْر الْمِيم وَسُكُون الرَّاء وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة، وَهُوَ الْموضع الَّذِي يجفف فِيهِ التَّمْر. قَوْله:(لسهيل وَسَهل) ابْني رَافع بن عَمْرو بن عَائِذ بن ثَعْلَبَة بن غنم بن مَالك بن النجار، وَسُهيْل شهد بَدْرًا دون أَخِيه سهل. قَوْله:(فِي حجر أسعد بن زُرَارَة) بِفَتْح الْحَاء وَسُكُون الْجِيم وَهُوَ من حجر الثَّوْب، وَهُوَ طرفه الْمُقدم لِأَن الْإِنْسَان يُربي وَلَده فِي حجره

ص: 49

وَالْوَلِيّ الْقَائِم بأَمْره كَذَلِك، وَقَالَ ابْن الْأَثِير: الْحجر، بِالْفَتْح وَالْكَسْر: الثَّوْب والحصن، والمصدر بِالْفَتْح لَا غير، وأسعد بن زُرَارَة بِالْألف فِي أَوله، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر وَحده: سعد بن زُرَارَة، بِدُونِ الْألف، وَالْأول هُوَ الْأَوْجه، وَكَانَ من السَّابِقين إِلَى الْإِسْلَام من الْأَنْصَار، وَوَقع فِي (مُرْسل ابْن سِيرِين) عِنْد أبي عبيد فِي الْغَرِيب: أَنَّهُمَا كَانَا فِي حجر معَاذ بن عفراء، وَحكى الزبير أَنَّهُمَا كَانَا فِي حجر أبي أَيُّوب، وَالْأول أثبت. قَوْله:(حَتَّى ابتاعه مِنْهُمَا)، أَي: حَتَّى اشْتَرَاهُ من سُهَيْل وَسَهل، وَعَن الْوَاقِدِيّ عَن معمر عَن الزُّهْرِيّ: أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم، أَمر أَبَا بكر أَن يعطيهما ثمنه، وَقيل: أعطاهما عشرَة دَنَانِير، وَعَن الزبير: أَن أَبَا أَيُّوب أرضاهما عَن ثمنه. فَإِن قلت: قد تقدم فِي أَبْوَاب الْمَسَاجِد من حَدِيث أنس: أَنه، صلى الله عليه وسلم، قَالَ: يَا بني النجار ثامنوني بحائطكم؟ قَالُوا: لَا وَالله لَا نطلب ثمنه إلَاّ إِلَى الله؟ قلت: يجمع بَينهمَا بِأَنَّهُم لما قَالُوا: لَا نطلب ثمنه إلَاّ إِلَى الله، سَأَلَ عَمَّن يخْتَص بِملكه مِنْهُم، فعينوا لَهُ الغلامين فابتاعه مِنْهُمَا، وَيحْتَمل أَن يكون الَّذين قَالُوا: لَا نطلب ثمنه إلَاّ إِلَى الله، تحملوا عَنهُ الغلامين بِالثّمن. قَوْله:(فَطَفِقَ)، أَي: جعل (ينْقل اللَّبن)، بِفَتْح اللَّام وَكسر الْبَاء الْمُوَحدَة: وَهُوَ الطوب النيء الَّذِي لم يحرق. قَوْله: (هَذَا الْحمال)، بِكَسْر الْحَاء الْمُهْملَة وَتَخْفِيف الْمِيم أَي: هَذَا مَحْمُول من اللَّبن (أبر عِنْد الله) أَي: أبقى ذخْرا وَأكْثر ثَوابًا وأدوم مَنْفَعَة وَأَشد طَهَارَة (من حمال خَيْبَر) أَي: الَّتِي تحمل مِنْهَا من التَّمْر وَالزَّبِيب وَنَحْو ذَلِك، وَفِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي: هَذَا الْجمال، بِفَتْح الْجِيم. قَوْله:(رَبنَا) منادًى مُضَاف، أَي: يَا رَبنَا. قَوْله: (فتمثل بِشعر رجل من الْمُسلمين) وَقَالَ الْكرْمَانِي: يحْتَمل أَن يُرَاد بِهِ الشّعْر الْمَذْكُور، وَأَن يُرَاد شعر آخر، وَقَالَ بَعضهم الأول هُوَ الْمُعْتَمد قلت: لم يبين وَجهه، والاعتماد لَا يكون إلَاّ بالعماد.

قَوْله: (قَالَ ابْن شهَاب) أَي: مُحَمَّد بن مُسلم بن شهَاب الزُّهْرِيّ أحد رُوَاة الحَدِيث. قَوْله: (غير هَذَا الْبَيْت) ويروى: غير هَذِه الأبيات، زَاد ابْن عَائِذ فِي آخِره: الَّتِي كَانَ يرتجز بِهن وَهُوَ ينْقل اللَّبن لبنيان الْمَسْجِد. وَقَالَ ابْن التِّين: أنكر على الزُّهْرِيّ هَذَا من وَجْهَيْن: أَحدهمَا: أَنه رجز وَلَيْسَ بِشعر. وَالثَّانِي: أَن الْعلمَاء اخْتلفُوا هَل كَانَ ينشد النَّبِي صلى الله عليه وسلم شعرًا أم لَا؟ وعَلى الْجَوَاز: هَل كَانَ ينشد بَيْتا وَاحِدًا وَيزِيد؟ وَأجِيب: عَن الأول: أَن الْجُمْهُور على أَن الرجز من أَقسَام الشّعْر إِذا كَانَ مَوْزُونا، وَعَن الثَّانِي: أَن الْمُمْتَنع على النَّبِي صلى الله عليه وسلم إنشاؤه لَا إنشاده، وَالله أعلم.

3907 -

حدَّثنا عبْدُ الله بنُ أبِي شَيْبَةَ حدَّثنا أبُو أُسَامَةَ حدَّثنَا هِشَامٌ عنْ أبِيهِ وفَاطِمَةَ عنْ أسْمَاءَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُما صَنَعْتُ سُفْرَةً لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأبي بَكْرٍ حِينَ أرَادَا المَدِينَةَ فقُلْتُ لأبي مَا أجِدُ شَيْئَاً أرْبِطُهُ إلَاّ نِطَاقِي قَالَ فشُقِّيهِ ففَعَلْتُ فسُمِّيتُ ذاتَ النِّطَاقَيْنِ. (انْظُر الحَدِيث 2979 وطرفه) .

مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِنَّه يتَعَلَّق بِالْهِجْرَةِ، وَأَبُو أُسَامَة حَمَّاد بن أُسَامَة، وَهِشَام هُوَ ابْن عُرْوَة يروي عَن أَبِيه وَعَن فَاطِمَة بنت الْمُنْذر بن الزبير وَهِي زَوْجَة هِشَام الْمَذْكُور، وَأَسْمَاء بنت أبي بكر جدة فَاطِمَة الْمَذْكُورَة. والْحَدِيث مر فِي الْجِهَاد فِي: بَاب حمل الزَّاد فِي الْغَزْو، فَإِنَّهُ رَوَاهُ هُنَاكَ: عَن عبيد بن إِسْمَاعِيل عَن أبي أُسَامَة

إِلَى آخِره بأتم مِنْهُ، وَمر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ. قَوْله:(أربطه) ويروى: أربطها، فالتذكير إِمَّا بِاعْتِبَار الطّرف أَو على تَقْدِير حذف الْمُضَاف أَي: رَأس السفرة، وَيُسْتَفَاد مِنْهُ أَن الَّذِي أَمر بشق نطاقها لتربط بهَا السفرة هُوَ أَبوهَا أَبُو بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.

389 -

(حَدثنَا مُحَمَّد بن بشار حَدثنَا غنْدر حَدثنَا شُعْبَة عَن أبي إِسْحَاق قَالَ سَمِعت الْبَراء رضي الله عنه قَالَ لما أقبل النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ - إِلَى الْمَدِينَة تبعه سراقَة بن مَالك بن جعْشم فَدَعَا عَلَيْهِ النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ - فساخت بِهِ فرسه قَالَ ادْع الله لي وَلَا أَضرّك فَدَعَا لَهُ قَالَ فعطش رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ - فَمر براع قَالَ أَبُو بكر فَأخذت قدحا فحلبت فِيهِ كثبة من لبن فَأَتَيْته فَشرب حَتَّى رضيت) مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله لما أقبل النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ - إِلَى الْمَدِينَة وإقباله إِلَيْهَا هُوَ هجرته إِلَيْهَا وغندر بِضَم الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَهُوَ لقب مُحَمَّد بن جَعْفَر وَقد تكَرر ذكره قَوْله وَأَبُو اسحق عَمْرو بن عبد الله السبيعِي والبراء هُوَ ابْن عَازِب

ص: 50

رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ والْحَدِيث من قَوْله فَمر براع إِلَى آخِره قد مضى بأتم مِنْهُ فِي كتاب اللّقطَة فِي بَاب مُجَرّد من التَّرْجَمَة عقيب بَاب من عرف اللّقطَة وَلم يَدْفَعهَا فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن اسحق بن إِبْرَاهِيم عَن النَّضر عَن إِسْرَائِيل عَن أبي إِسْحَاق إِلَى آخِره قَوْله " كثبة " بِضَم الْكَاف وَسُكُون الثَّاء الْمُثَلَّثَة وبالباء الْمُوَحدَة وَهِي قدر حلبة وَقيل ملْء الْقدح -

3909 -

حدَّثني زَكَرِيَّاءُ بنُ يَحْيَى عنْ أبِي أُسَامَةَ عنْ هِشامِ بنِ عُرْوَةَ عنْ أبِيهِ عنْ أسْمَاءَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُما أنَّها حَمَلَتْ بِعَبْدِ الله بنِ الزُّبَيْرِ قالَتْ فخَرَجْتُ وأنَا مُتِمٌّ فأتَيْتُ المَدِينَةَ فنَزَلْتُ بِقُبَاءٍ فوَلَدْتُهُ بِقُبَاءٍ ثُمَّ أتَيْتُ بِهِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فوَضَعْتُهُ فِي حَجْرِهِ ثُمَّ دَعَا بِتَمْرَةٍ فمَضَغَهَا ثُمَّ تفَلَ فِي فِيهِ فَكانَ أوَّلَ شَيْءٌ دَخَلَ جَوْفَهُ رِيقُ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم ثُمَّ حَنَّكَهُ بِتَمْرَةٍ ثُمَّ دَعَا لهُ وبَرَّكَ عَلَيْهِ وكانَ أوَّلَ مَوْلُودٍ وُلِدَ فِي الإسْلَامِ. (الحَدِيث 3909 طرفه فِي: 5469) .

مطابقته للجزء الثَّانِي للتَّرْجَمَة، وَهُوَ قَوْله:(وَأَصْحَابه) أَي: وهجرة أَصْحَابه، كَمَا ذَكرْنَاهُ. وزَكَرِيا بن يحيى بن صَالح بن سُلَيْمَان بن مطر اللؤْلُؤِي الْبَلْخِي الْحَافِظ الْفَقِيه إِمَام مُصَنف فِي السّنة، مَاتَ سنة إثنتين وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ، وَهُوَ من أَفْرَاده.

والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْعَقِيقَة عَن إِسْحَاق بن مَنْصُور. وَأخرجه مُسلم فِي الاستيذان عَن أبي كريب وَعَن أبي بكر ابْن أبي شيبَة وَعَن الحكم بن مُوسَى.

قَوْله: (أَنَّهَا حملت بِعَبْد الله) يَعْنِي: فِي مَكَّة. قَوْله: (فَخرجت) أَي: من مَكَّة مهاجرة إِلَى الْمَدِينَة. قَوْله: (وَأَنا متم) الْوَاو فِيهِ للْحَال وَمعنى: متم، أتممت مُدَّة الْحمل الْغَالِب وَهِي تِسْعَة أشهر، قَوْله:(فولدته بقباء) وَلم يكن هَذَا إِلَّا بعد تحول النَّبِي صلى الله عليه وسلم، من قبَاء. قَوْله:(ثمَّ أتيت بِهِ) أَي: بِعَبْد الله، وَذَلِكَ بِالْمَدِينَةِ. قَوْله:(فِي حجره) بِفَتْح الْحَاء وَكسرهَا. قَوْله: (ثمَّ تفل) بِفَتْح التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وبالفاء. قَوْله: (فِي فِيهِ) أَي: فِي فَمه. قَوْله: (حنكه) من حنكت الصَّبِي إِذا مضغت تَمرا أَو غَيره. ثمَّ دلكته بحنكه. قَوْله: (وبرَّك عَلَيْهِ) أَي: دَعَا لَهُ بِالْبركَةِ، أَي قَالَ: بَارك الله فِيك، أَو: أللهم بَارك فِيهِ. قَوْله: (وَكَانَ أول مَوْلُود) أَي: كَانَ عبد الله بن الزبير أول مَوْلُود (ولد فِي الْإِسْلَام) أَي: بِالْمَدِينَةِ لَا مُطلقًا، وَأما من ولد فِي غير الْمَدِينَة من الْمُهَاجِرين، فَقيل: عبد الله بن جَعْفَر بِالْحَبَشَةِ، وَأما من الْأَنْصَار بِالْمَدِينَةِ فَكَانَ أول مَوْلُود ولد لَهُم بعد الْهِجْرَة مسلمة ابْن مخلد، كَمَا رَوَاهُ ابْن أبي شيبَة، وَقيل: النُّعْمَان بن بشير.

تابَعَهُ خالِدُ بنُ مَخْلَدٍ عنْ عَلِيِّ بنِ مُسْهِرٍ عنْ هِشَامٍ عنْ أبِيهِ عنْ أسْمَاءَ رَضِي الله تَعَالَى عنهَا أنَّها هاجَرَتْ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وهْيَ حُبْلَى

أَي: تَابع زَكَرِيَّا بن يحيى (خَالِد بن مخلد) بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون الْخَاء الْمُعْجَمَة وَفتح اللَّام: الْقَطوَانِي، ينْسب إِلَى التَّشَيُّع، وَقَالَ أَحْمد وَغَيره: لَهُ مَنَاكِير، مَاتَ سنة ثَلَاث عشرَة وَمِائَتَيْنِ، وَعلي بن مسْهر أَبُو الْحسن قَاضِي الْموصل الْكُوفِي الْحَافِظ الْمُحدث الْفَقِيه، مَاتَ سنة سبع وَثَمَانِينَ وَمِائَة، وَأخرج هَذِه الْمُتَابَعَة الْإِسْمَاعِيلِيّ من طَرِيق عُثْمَان بن أبي شيبَة عَن خَالِد بن مخلد بِهَذَا السَّنَد وَلَفظه: أَنَّهَا هَاجَرت وَهِي حُبْلَى بِعَبْد الله فَوَضَعته بقباء فَلم ترْضِعه حَتَّى أَتَت بِهِ النَّبِي صلى الله عليه وسلم

نَحوه، وَزَاد فِي آخِره، ثمَّ صلى عَلَيْهِ أَي: دَعَا لَهُ وَسَماهُ: عبد الله.

3911 -

حدَّثني مُحَمَّدٌ حدَّثنا عبْدُ الصَّمَدِ حدَّثنا أبِي حدَّثنا عبْدُ العَزِيزِ بنُ صُهَيْبٍ حدَّثنا أنَسُ ابنُ مالِكٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ أقبَلَ نبِيُّ الله صلى الله عليه وسلم إِلَى المَدِينَةِ وهْوَ مُرْدِفٌ أبَا بَكْرٍ وأبُو بَكْر شَيْخٌ يُعْرَفُ ونَبِيُّ الله صلى الله عليه وسلم شابٌّ لَا يُعْرَفُ قَالَ فيَلْقَى الرَّجُلُ أبَا بَكْرٍ فيَقُولُ يَا أبَا بَكْرٍ مَنْ هاذَا الرَّجُلُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْكَ فيَقُولُ هاذًّ الرَّجُلُ يَهْدِينِي السَّبِيلَ قالَ فيَحْسِبُ الحَاسِبُ أنَّهُ إنَّمَا يَعْنِي الطَّرِيقَ وإنَّمَا

ص: 51

يَعْنِي سَبِيلَ الخَيْرِ فالْتَفَتَ أبُو بَكْرٍ فإذَا هُوَ بِفَارِسٍ قَدْ لَحِقَهُمْ فَقَالَ يَا رسُولَ الله هاذَا فارِسٌ قَدْ لَحِقَ بِنا فالْتَفَتَ نَبِيُّ الله صلى الله عليه وسلم فقَالَ اللَّهُمَّ اصْرَعْهُ فَصَرَعَهُ الفَرَسُ ثُمَّ قامَتْ تُحَمْحِمُ فَقَالَ يَا نَبِيَّ الله مُرْنِي بِمَ شِئْتَ قَالَ فَقِفْ مكانَك لَا تَتْرُكَنَّ أحدَاً يَلْحَقُ بِنَا قَالَ فَكَانَ أوَّلَ النَّهَارِ جاهِدَاً علَى نَبِيِّ الله صلى الله عليه وسلم وكانَ آخِرَ النَّهَارِ مسْلَحَةً لَهُ فنَزَلَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم جانِبَ الحَرَّةِ ثُمَّ بَعَثَ إلَى الأنْصَارِ فَجاؤُا إِلَى نَبِيِّ الله صلى الله عليه وسلم وَأبي بَكْرٍ فسَلَّمُوا علَيْهِمَا وقالُوا ارْكَبَا آمِنَيْنِ مُطَاعَيْنِ فرَكِبَ نَبِيُّ الله صلى الله عليه وسلم وأبُو بَكْرٍ وحَفُّوا دُونَهُمَا بالسِّلَاحِ فقِيلَ فِي المَدِينَةِ جاءَ نَبِيُّ الله جاءَ نَبِيُّ الله صلى الله عليه وسلم فأشْرَفُوا يَنْظُرُونَ ويَقُولُونَ جاءَ نِبِيُّ الله جاءَ نَبِيُّ الله فأقْبَلَ يَسِيرُ حتَّى نَزَلَ جانِبَ دَارِ أبِي أيُّوبَ فإنَّهُ لَيُحَدَّثُ أهْلَهُ إِذْ سَمِعَ بِهِ عَبْدُ الله بنُ سَلَامٍ وهْوَ فِي نَخْلٍ لأِهْلِهِ يَخْتَرِفُ لَهُمْ فعَجِلَ أنْ يَضَعَ الَّذِي يَخْتَرِفُ لَهُمْ فِيها فَجاءَ وهْيَ معَهُ فسَمِعَ مِنْ نَبِيِّ الله صلى الله عليه وسلم ثُمَّ رَجَعَ إلَى أهْلِهِ فَقَالَ نَبيُّ الله صلى الله عليه وسلم أيُّ بُيُوتِ أهْلِنَا أقْرَبُ فَقَالَ أبُو أيُوبَ أَنا يَا نَبِيَّ الله هاذِهِ دَارِي وهاذَا بَابي قَالَ فانْطَلِقْ فَهَيِّىءْ لَنا مَقِيلاً قَالَ قُومَا علَى بَرَكَةِ الله تَعَالَى فلَمَّا جاءَ نَبِيُّ الله صلى الله عليه وسلم جاءَ عَبْدُ الله بنُ سَلَامٍ فَقَالَ أشْهَدُ أنَّكَ رسُولُ الله وأنَّكَ جِئْتَ بِحَقٍّ وقَدْ عَلِمَتْ يَهُودُ أنِّي سَيِّدُهُمْ وابنُ سَيِّدِهِمْ وأعْلَمُهُمْ وابنُ أعْلَمِهِمْ فادْعُهُمْ فاسْألْهُمْ عَنِّي قَبْلَ أنْ يَعلَمُوا أنِّي قَدْ أسْلَمْتُ فإنَّهُمْ إنْ يَعْلَمُوا أنِّي قَدْ أسْلَمْتُ قالُوا فِيَّ مَا لَيْسَ فِيَّ فأرْسَلَ نَبِيُّ الله صلى الله عليه وسلم فأقْبَلُوا فدَخَلُوا علَيْهِ فَقَالَ لَهُمْ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يَا مَعْشَرَ اليَهُودِ ويْلَكُمْ اتَّقُوا الله فوَالله الَّذِي لَا إلاهَ إلَاّ هُوَ إنَّكُمْ لتَعْلَمُونَ أنِّي رسُولُ الله حَقَّا وأنِّي جِئْتُكُمْ بِحَقٍّ فأسْلِمُوا قالُوا مَا نَعْلَمُهُ قالُوا لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قالَها ثلاثَ مِرَارٍ قَالَ فأيُّ رَجُلٍ فِيكُمْ عَبْدُ الله بنُ سَلَامٍ قالُوا ذَاكَ سَيِّدُنا وابنُ سَيِّدِنَا وأعْلَمُنَا وابنُ أعْلَمِنَا قَالَ أفَرَأيْتُمْ إنْ أسْلَمَ قالُوا حاشَى لله مَا كانَ لِيُسْلِمَ قَالَ أفَرَأيْتُمْ إنْ أسْلَمَ قالُوا حَاشى لله مَا كانَ لِيُسْلِمَ قالَ أفَرَأيْتُمْ إنْ أسْلَمَ قالُوا حاشَى لله مَا كانَ لِيُسْلِمَ قَالَ يَا ابنَ سَلَامٍ اخْرُجْ علَيْهِمْ فخَرَجَ فَقَالَ يَا مَعْشَرَ اليَهُود اتَّقُوا الله فَوَالله الَّذِي لَا إلاهَ هُوَ إنَّكُمْ لَتَعْلَمُونَ أنَّهُ رَسُولُ الله وأنَّهُ جاءَ بِحَقٍّ فقالُوا لَهُ كَذَبْتَ فأخْرَجَهُمْ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم.

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (أقبل نَبِي الله صلى الله عليه وسلم، إِلَى الْمَدِينَة) وإقباله إِلَيْهَا هُوَ هجرته. وَشَيْخه مُحَمَّد الَّذِي ذكره مُجَردا هُوَ مُحَمَّد بن سَلام، وَقَالَ أَبُو نعيم فِي (مستخرجه) : أَظن أَنه مُحَمَّد بن الْمثنى وَعبد الصَّمد يروي عَن أَبِيه عبد الْوَارِث بن سعيد الْبَصْرِيّ. والْحَدِيث من أَفْرَاده.

قَوْله: (وَهُوَ مردف) الْوَاو فِيهِ للْحَال، وَقَالَ الدَّاودِيّ: يحْتَمل أَنه مرتدف خَلفه على الرَّاحِلَة الَّتِي هُوَ عَلَيْهَا، وَيحْتَمل أَن يكون على رَاحِلَة أُخْرَى وَرَاءه، قَالَ الله تَعَالَى:{بِأَلف من الْمَلَائِكَة مُردفِينَ} (الْأَنْفَال: 9) . أَي: يَتْلُو بَعضهم بَعْضًا. وَاعْترض عَلَيْهِ ابْن التِّين بِأَن الِاحْتِمَال الثَّانِي غير صَحِيح لِأَنَّهُ يلْزم مِنْهُ أَن يمشي أَبُو بكر بَين يَدي النَّبِي صلى الله عليه وسلم، وَأجَاب بَعضهم عَن هَذَا بِأَنَّهُ: إِنَّمَا يلْزم ذَلِك لَو كَانَ الْخَبَر جَاءَ بِالْعَكْسِ، كَأَن يَقُول: وَالنَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، مرتدف خلف أبي بكر، وَأما عَن لفظ: وَهُوَ مردف، فَلَا. قلت: فِي كل كَلَامي الْمُعْتَرض والمجيب نظر، أما كَلَام الْمُعْتَرض

ص: 52

فَلَا نسلم فِيهِ الْمُلَازمَة الَّتِي ذكرهَا، وَلَئِن سلمنَا فَمَاذَا يَتَرَتَّب إِذا مَشى أَبُو بكر بَين يَدي النَّبِي صلى الله عليه وسلم، بل هُوَ الْمَطْلُوب عِنْد الْمُلُوك وأكابر النَّاس ولائمة ملك وَلَا كَبِير أشرف من النَّبِي صلى الله عليه وسلم، وَلَا أجلّ قدرا. وَأما كَلَام الْمُجيب فَإِنَّهُ يسْقط بِسُقُوط الِاعْتِرَاض. قَوْله:(وَأَبُو بكر شيخ يعرف) أما كَونه شَيخا فَلِأَنَّهُ قد شَاب، وَمَعَ هَذَا فَرَسُول الله، صلى الله عليه وسلم كَانَ أسن من أبي بكر على الصَّحِيح، لَكِن كَانَ شعر أبي بكر أَبيض وَأكْثر بَيَاضًا من شعر رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم، وَأما كَونه يعرف، فَلِأَنَّهُ كَانَ يمر على أهل الْمَدِينَة فِي سفر التِّجَارَة، بِخِلَاف النَّبِي صلى الله عليه وسلم، قَوْله:(يهديني السَّبِيل)، وَسبب هَذَا القَوْل مَا ذكره ابْن سعد فِي رِوَايَة لَهُ: أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم، قَالَ لأبي بكر: ألهُ النَّاس عني، فَكَانَ إِذا سُئِلَ: من أَنْت؟ قَالَ: باغي حَاجَة، فَإِذا قيل: من هَذَا؟ قَالَ: هادٍ يهديني، يُرِيد الْهِدَايَة فِي الدّين، ويحسبه الآخر دَلِيلا. قَوْله:(ويحسب)، أَي: يظنّ. قَوْله: (فَقَالَ: يَا رَسُول الله! هَذَا فَارس) وَهُوَ سراقَة بن مَالك جعْشم. قَوْله: (ثمَّ قَامَت تحمحم)، من الحمحمة بالمهملتين: وَهِي صَوت الْفرس، وَقَالَ ابْن التِّين: فِي هَذَا الْكَلَام نظر، لِأَن الْفرس إِن كَانَت أُنْثَى فَلَا يجوز: فصرعه، وَإِن كَانَ ذكرا فَلَا يُقَال: ثمَّ قَامَت، وَقَالَ بَعضهم وإنكاره من الْعَجَائِب. وَالْجَوَاب أَنه ذكَّر بِاعْتِبَار لفظ الْفرس، وأنَّث بِاعْتِبَار مَا فِي نفس الْأَمر من أَنَّهَا كَانَت أُنْثَى. قلت: الْجَواب الَّذِي يُقَال مَا قَالَه أهل اللُّغَة مِنْهُم الْجَوْهَرِي: الْفرس يَقع على الذّكر وَالْأُنْثَى، وَلم يقل أحد: إِنَّه يذكر بِاعْتِبَار لَفظه وَيُؤَنث بِاعْتِبَار أَنَّهَا كَانَت أُنْثَى، فَهَذَا الَّذِي ذكره على قَوْله يمشي فِي غير الْفرس أَيْضا، وَلَكِن لم يقل بِهِ أحد وَلَا لَهُ وَجه. قَوْله:(لَا تتركن أحدا يلْحق بِنَا) هُوَ كَقَوْلِهِم: لَا تدن من الْأسد يهلكك. قَالَ الْكرْمَانِي: وَهُوَ ظَاهر على مَذْهَب الْكسَائي وَلم يبين ذَلِك. قلت: هَذَا الْمِثَال غير صَحِيح عِنْد غير الْكسَائي، لِأَن فِيهِ فَسَاد الْمَعْنى، لِأَن انْتِفَاء الدنو لَيْسَ سَببا للهلاك، وَالْكسَائِيّ يجوّز هَذَا لِأَنَّهُ يقدر الشَّرْط إيجابياً فِي قُوَّة: إِن دَنَوْت من الْأسد يهلكك، وتحقيقه يعرف فِي مَوْضِعه. قَوْله:(مسلحة لَهُ) أَي: يدْفع عَنهُ الْأَذَى، وَقَالَ الْكرْمَانِي: المسلحة، بِفَتْح الْمِيم: صَاحب السِّلَاح. قلت: فِيهِ مَا فِيهِ، قَالَ الْجَوْهَرِي: المسلحة قوم ذَوُو سلَاح، والمسلحة كالثغر والمرقب، وَقَالَ ابْن الْأَثِير المسلحة الْقَوْم الَّذين يحفظون الثغور من الْعَدو، وَسموا مسلحة لأَنهم يكونُونَ ذَوُو سلَاح أَو لأَنهم يسكنون المسلحة وَهِي كالثغر، والمرقب يكون فِيهِ أَقوام يرقبون الْعَدو لِئَلَّا يطرقهم على غَفلَة، فَإِذا رأواه أعلمُوا أَصْحَابهم لِيَتَأَهَّبُوا لَهُ، وَالْجمع مسالح. قَوْله:(عَلَيْهِمَا) أَي: على النَّبِي صلى الله عليه وسلم، وَأبي بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. قَوْله:(آمِنين) تَثْنِيَة: آمن، نصب على الْحَال، وَكَذَا قَوْله:(مُطاعَين) تَثْنِيَة: مُطَاع نصب على الْحَال إِمَّا المتداخلة أَو المترادفة. قَوْله: (وحفوا دونهمَا) أَي: أحدقوهما بِالسِّلَاحِ. قَالَ الله تَعَالَى: {وَترى الْمَلَائِكَة حافين من حول الْعَرْش} (الزمر: 75) . أَي: محدقين. قَوْله: (فَأقبل) أَي: رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم. قَوْله:(يسير) حَال. أَي: أقبل حَال كَونه سائراً. قَوْله: (فَإِنَّهُ ليحدث أَهله) الضَّمِير فِي: أَنه، يرجع إِلَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم. قَوْله:(إِذْ سمع) كلمة: إِذْ، للمفاجأة. قَوْله:(وَهُوَ فِي نخل) الْوَاو فِيهِ للْحَال. قَوْله: (يخْتَرف لَهُم) بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة وبالفاء أَي: يجتني من الثِّمَار. قَوْله: (فَعجل) أَي: ااستعجل. قَوْله: (لَهُم) أَي: لأَهله. قَوْله: (فِيهَا) أَي: فِي النّخل. النّخل والنخيل بِمَعْنى، والواحدة نَخْلَة. قَوْله:(فجَاء وَهِي مَعَه) الْوَاو فِيهِ للْحَال أَي: الثَّمَرَة الَّتِي اجتناها مَعَه، ويروى: وَهُوَ مَعَه، أَي: الَّذِي اجتناه. قَوْله: (أهلنا)، إِنَّمَا قَالَ صلى الله عليه وسلم: أهلنا، لقرابة مَا بَينهم من النِّسَاء، لِأَن جدته وَالِدَة عبد الْمطلب وَهِي سلمى بنت عَمْرو (مِنْهُم) أَي من بني مَالك بن النجار، وَلِهَذَا جَاءَ فِي حَدِيث الْبَراء: أَنه صلى الله عليه وسلم، نزل على أَخْوَاله أَو أجداده من بني النجار. قَوْله:(مقيلاً) أَي: مَكَانا يقيل فِيهِ، والمقيل أَيْضا النّوم نصف النَّهَار. وَقَالَ الْأَزْهَرِي: القيلولة والمقيل: الاسْتِرَاحَة نصف النَّهَار، كَانَ مَعهَا نوم أَو لَا، بِدَلِيل قَوْله تَعَالَى:{وَأحسن مقيلاً} (الْفرْقَان: 24) . وَالْجنَّة لَا نوم فِيهَا. يُقَال: قلت أقيل قائلة وقيلولة وَمَقِيلا، قَالَ الدَّاودِيّ: فَهِيَ لنا مقيلاً، يَعْنِي دَار أبي أَيُّوب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. قَوْله:(فَلَمَّا جَاءَ نَبِي الله صلى الله عليه وسلم أَي: إِلَى منزل أبي أَيُّوب جَاءَ عبد الله بن سَلام إِلَيْهِ. قَوْله: (قَالُوا فيَّ) بتَشْديد الْيَاء فِي الْمَوْضِعَيْنِ. قَوْله: (فَدَخَلُوا عَلَيْهِ) أَي: على النَّبِي صلى الله عليه وسلم، بعد أَن خبأ عبد الله بن سَلام، وَفِي رِوَايَة يحيى بن عبد الله: فَأَدْخلنِي فِي بعض بيوتك ثمَّ سلهم عني فَإِنَّهُم إِن علمُوا بذلك بَهَتُونِي وعابوني. قَالَ: فَأَدْخلنِي بعض بيوته. قَوْله: (قَالَ: يَا ابْن سَلام) أَي: قَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم: يَا عبد الله بن سَلام أخرج عَلَيْهِم، إِنَّمَا قَالَ: عَلَيْهِم، دون: لَهُم، لِأَنَّهُ صَار عدوا لَهُم بِإِسْلَامِهِ ومفارقته إيَّاهُم. قَوْله:(فَأخْرجهُمْ) أَي: من عِنْده.

ص: 53

393 -

(حَدثنَا إِبْرَاهِيم بن مُوسَى أخبرنَا هِشَام عَن ابْن جريج قَالَ أَخْبرنِي عبيد الله بن عمر عَن نَافِع يَعْنِي عَن ابْن عمر عَن عمر بن الْخطاب رضي الله عنه قَالَ كَانَ فرض للمهاجرين الْأَوَّلين أَرْبَعَة آلَاف فِي أَرْبَعَة وَفرض لِابْنِ عمر ثَلَاثَة آلَاف وَخَمْسمِائة فَقيل لَهُ هُوَ من الْمُهَاجِرين فَلم نقصته من أَرْبَعَة آلَاف فَقَالَ إِنَّمَا هَاجر بِهِ أَبَوَاهُ يَقُول لَيْسَ هُوَ كمن هَاجر بِنَفسِهِ) مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة وَإِبْرَاهِيم بن مُوسَى بن يزِيد الْفراء أَبُو اسحق الرَّازِيّ يعرف بالصغير وَهِشَام هُوَ ابْن يُوسُف الصَّنْعَانِيّ وَابْن جريج هُوَ عبد الْملك بن عبد الْعَزِيز بن جريج وَعبيد الله بن عمر هُوَ ابْن حَفْص بن عَاصِم بن عمر بن الْخطاب رضي الله عنه والْحَدِيث من أَفْرَاده قَوْله عَن نَافِع يَعْنِي عَن ابْن عمر عَن عمر بن الْخطاب هَذَا هَكَذَا فِي رِوَايَة أبي ذَر وَفِي رِوَايَة غَيره عَن نَافِع عَن عمر وَهَذَا مُنْقَطع لِأَن نَافِعًا لم يلْحق عمر رضي الله عنه وَقَالَ الْكرْمَانِي أما نَافِع عَن عمر فَهُوَ مُرْسل لِأَن نَافِعًا لم يدْرك عمر وَفِي بَعْضهَا نَافِع عَن عبد الله بن عمر بن الْخطاب قَوْله فرض للمهاجرين الْأَوَّلين أَي فرض عمر يَعْنِي عين من مَال بَيت المَال للمهاجرين الْأَوَّلين وهم الَّذين صلوا إِلَى الْقبْلَتَيْنِ وَقيل هم الَّذين شهدُوا بَدْرًا قَوْله أَرْبَعَة آلَاف فِي أَرْبَعَة آلَاف قَالَ صَاحب التَّوْضِيح مَعْنَاهُ أَرْبَعَة آلَاف فِي أَرْبَعَة آلَاف وَقيل مَعْنَاهُ فِي أَرْبَعَة أَعْوَام وَقَالَ الْكرْمَانِي وَفِي بَعْضهَا أَرْبَعَة آلَاف فِي أَرْبَعَة بِزِيَاد لفظ فِي أَرْبَعَة وَلَعَلَّ فَائِدَة ? ذكرهَا التَّوْزِيع وَبَيَان أَن لكل مهَاجر أَرْبَعَة آلَاف أَو المُرَاد فِي أَرْبَعَة فُصُول قَوْله فَقيل لَهُ أَي لعمر بن الْخطاب هُوَ يَعْنِي عبد الله ابْنه من الْمُهَاجِرين فلأجل أَي شَيْء نقصته من أَرْبَعَة آلَاف إِلَى آخِره فَقَالَ إِلَى آخِره وَكَانَ عبد الله فِي عِيَاله وَكَانَ عمره حِينَئِذٍ ثِنْتَيْ عشرَة سنة وَأشهر وَفرض عمر أَيْضا لِلْحسنِ وَالْحُسَيْن مثل مَا فرض للمهاجرين -

2913 -

حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ كَثِيرٍ أخْبَرَنَا سُفْيَانُ عنِ الأعْمَشِ عنْ أبِي وائِلٍ عنْ خَبَّابٍ قَالَ هاجَرْنَا مَعَ رسُولِ الله صلى الله عليه وسلم. .

3914 -

ح وحدَّثنا مُسَدَّدٌ حدَّثنِي يَحْيَى عنِ الأعْمَشِ قَالَ سَمِعْتُ شَقِيقَ بنَ سلَمَةَ قَالَ حدَّثنا خَبَّابٌ قَالَ هاجَرْنَا مَعَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم نَبْتَغِي وجْهَ الله وجَبَ أجْرُنَا علَى الله فَمِنَّا مَنْ مَضَى لَمْ يأكُلْ مِنْ أجْرِهِ شَيْئَاً مِنْهُمْ مُصْعَبُ بنُ عُمَيْرٍ قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ فلَمْ (نَجِدْ لَهُ شَيْئَاً نُكَفِّنُهُ فِيهِ إلَاّ نَمِرَةً كُنَّا إذَا غَطَّيْنَا بِهَا رَأسَهُ خرَجَتْ رِجْلاهُ فإذَا غَطَّيْنَا رِجْلَيْهِ خَرَجَ رَأسُهُ فأمَرَنا رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم أنْ نُغَطِّيَ رَأسَهُ بِهَا ونَجْعَلَ علَى رِجْلَيْهِ مِنْ إذْخِرٍ ومِنَّا مَنْ أيْنَعَتْ لَهُ ثَمَرَتُهُ فَهْوَ يَهْدِبُها قَالَ أبُو عَبْدِ الله يَنَعَ إذَا نَضِجَ. .

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. والْحَدِيث مضى عَن قريب فِي أول الْبَاب، وَمر أَيْضا فِي الْجَنَائِز، وَذكره هَهُنَا أَيْضا من طَرِيقين: أَحدهمَا عَن مُحَمَّد بن كثير بالثاء الْمُثَلَّثَة عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن سُلَيْمَان الْأَعْمَش عَن أبي وَائِل شَقِيق بن سَلمَة. وَالْآخر: عَن مُسَدّد عَن يحيى الْقطَّان

إِلَى آخِره، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ. قَوْله:(هاجرنا مَعَ رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم أَي: هَاجر نَا بِإِذْنِهِ لِأَنَّهُ لم يُهَاجر مَعَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم، إلَاّ أَبُو بكر وعامر بن فهَيْرَة. قَوْله: (نبتغي)، أَي: نطلب. قَوْله: (أينعت) أَي: أدْركْت ونضجت، يُقَال: أينع الثَّمر يونع وينع يينع. فَهُوَ مونع ويانع، وأينع أَكثر اسْتِعْمَالا. قَوْله:(يهدبها) من هدب الثَّمَرَة إِذا اجتناها. قَوْله: (قَالَ أَبُو عبد الله) هُوَ: البُخَارِيّ نَفسه.

3915 -

حدَّثنا يَحْيَى بنُ بِشْرٍ حدَّثنا رَوْحٌ حدَّثنَا عَوْفٌ عنْ مُعَاوِيَةَ بنِ قُرَّةَ قَالَ حدَّثني أبُو بُرْدَةَ بنُ أبِي مُوساى الأشْعَرِي قَالَ قَالَ لِي عبْدُ الله بنُ عُمَرَ هلْ تَدْرِي مَا قَالَ أبِي لأبِيكَ قَالَ قُلْتُ لَا قالَ فإنَّ أبي قَالَ لأبيِكَ يَا أَبَا مُوساى هَل يَسُرُّكَ إسْلَامُنَا معَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم وهِجْرَتُنَا معَهُ

ص: 54

وجِهَادُنا معَهُ وعَمَلُنَا كُلُّنا مَعَهُ بَرَدَ لَنَا وأنَّ كُلَّ عَمَلٍ عَمِلْنَاهُ بَعْدَهُ نَجَوْنَا مِنْهُ كفَافاً رأسَاً بِرأسٍ فَقَالَ أبِي لَا وَالله قدْ جاهَدْنَا بَعْدَ رسُولِ الله صلى الله عليه وسلم وصَلَّيْنَا وصُمْنَا وعَمِلْنَا خَيْرَاً كَثِيراً وأسْلَمَ علَى أيْدِينَا بَشَرٌ كَثِيرٌ وإنَّا لنَرْجُو ذالِكَ فَقال أبِي لاكِنِّي أَنا والَّذِي نَفْسُ عُمَرَ بِيَدِهِ لوَدِدْتُ أنَّ ذَلِكَ برَدَ لَنَا وأنَّ كلَّ شَيْءٍ عَمِلْنَاهُ بَعْدُ نَجَوْنَا مِنْهُ كَفافاً رأسَاً برأسٍ فقُلْتُ إنَّ أبَاكَ وَالله خَيْرٌ مِنْ أبِي.

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (وهجرتنا مَعَه) . وَيحيى بن بشر، بِكَسْر الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الشين الْمُعْجَمَة: أَبُو زَكَرِيَّا الْبَلْخِي وَكَانَ من عباد الله الصَّالِحين، وروح بِفَتْح الرَّاء ابْن عبَادَة، بِضَم الْعين، وعَوْف هُوَ الْأَعرَابِي، وَأَبُو بردة بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة اسْمه عَامر، وَأَبُو مُوسَى عبد الله بن قيس الْأَشْعَرِيّ.

قَوْله: (وعملنا كلنا) ويروى: كُله. قَوْله: (برد) بِلَفْظ الْمَاضِي، أَي: ثَبت وَسلم لنا، يُقَال: برد لي على الْغَرِيم حقٌّ أَي: ثَبت، وَيُقَال: مَا برد على فلَان فعلي، وَفِي رِوَايَة سعيد بن بردة: خلص، بدل: برد، قَوْله:(كفافاً) أَي: سَوَاء بِسَوَاء، كَذَا فسره بَعضهم. وَقَالَ الْكرْمَانِي: أَي: لَا لي وَلَا عَليّ. أَي: لَا مُوجبا للثَّواب وَلَا للعقاب. قلت: التَّحْقِيق فِيهِ أَن الكفاف هُوَ الَّذِي لَا يفضل عَن الشَّيْء وَيكون بِقدر الْحَاجة، وَهُوَ نصب على الْحَال، وَقيل: أَرَادَ بِهِ مكفوفاً عني شَرها، وَقيل: مَعْنَاهُ أَن لَا ينَال مني وَلَا أنال مِنْهُ، أَي: يكف عني وأكف عَنهُ. قَوْله: (فَقَالَ أبي: لَا، وَالله) ، كَذَا وَقع، وَالصَّوَاب: فَقَالَ أَبوك، لِأَن ابْن عمر هُوَ الَّذِي يحْكى لأبي بردة مَا دَار بَين عمر وَأبي مُوسَى، وَقد وَقع فِي رِوَايَة النَّسَفِيّ على الصَّوَاب وَلَفظه: فَقَالَ أَبوك: لَا وَالله. قَوْله: (فَقَالَ أبي: لكني) إِلَى آخِره، كَلَام عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. وَهَذَا لَيْسَ قطعا للرجاء، وَإِنَّمَا قَالَ عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ مَا قَالَ هضماً لنَفسِهِ أَو لما رأى أَن الْإِنْسَان لَا يَخْلُو عَن تقصيرٍ مَا فِي كل خير يعمله، أَرَادَ أَن يَقع التقاصُّ بَينهمَا وَيبقى هُوَ فِي الدّين سالما. قَوْله:(فَقلت) ، الْقَائِل هُوَ أَبُو بردة، خَاطب بذلك ابْن عمر. قَوْله:(خير من أبي)، وَفِي رِوَايَة سعيد بن أبي بردة: أفقه من أبي.

3916 -

حدَّثني مُحَمَّدُ بنُ صَبَّاحٍ أوْ بَلَغَنِي عَنْهُ حدَّثنَا إسْمَاعِيلُ عنْ عاصِمٍ عنْ أبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ قَالَ سَمِعْتُ ابنَ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُما إذَا قِيلَ لَهُ هاجَرَ قَبْلَ أبِيهِ يَغْضَبُ قَالَ وقَدمْتُ أَنا وعُمَرُ علَى رسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فوَجَدْناهُ قَائِلا فرَجَعْنَا إِلَى المَنْزِل فأرْسَلَنِي عُمَرُ وَقَالَ اذْهَبْ فانْظُرْ هَلْ اسْتَيْقَظَ فأتَيْتُهُ فدَخَلْتُ عَلَيْهِ فبَايَعْتُهُ ثُمَّ انْطَلَقْتُ إلَى عُمَرَ فأخْبَرْتُهُ أنَّهُ قَدِ اسْتَيْقَظَ فانْطَلَقْنَا إلَيْهِ نُهَرْوِلُ هَرْوَلَةً حتَّى دخَلَ عَلَيْهِ فبَايَعَهُ ثُمَّ بَايَعْتُهُ.

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (هَاجر) . وَمُحَمّد بن الصَّباح بتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة: الدولابي الْبَزَّار بمعجمتين نزيل بَغْدَاد وَإِسْمَاعِيل هُوَ ابْن علية، وَعَاصِم هُوَ ابْن سُلَيْمَان الْأَحول، وَأَبُو عُثْمَان النَّهْدِيّ واسْمه عبد الرَّحْمَن بن مل، وَهَؤُلَاء كلهم بصريون.

قَوْله: (أَو بَلغنِي عَنهُ)، قَالَ الْكرْمَانِي: هُوَ نوع من الرِّوَايَة عَن الْمَجْهُول، وَقيل: يحْتَمل أَن يكون الَّذِي بلغه عَنهُ هُوَ عباد بن الْوَلِيد أَبُو بدر الغبري، بِضَم الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة الْخَفِيفَة، لِأَن أَبَا نعيم أخرجه فِي (مستخرجه) من طَرِيقه عَن مُحَمَّد بن الصَّباح بِلَفْظ: إِذا قيل لَهُ، أَي: لِابْنِ عمر (هَاجر قبل أَبِيه يغْضب) يَعْنِي: يتَكَلَّم بِكَلَام الغضبان، وَكَانَ سَبَب غَضَبه أَن لَا يرفع فَوق قدره وَلَا ينافس وَالِده، وَأخرجه الطَّبَرَانِيّ من وَجه آخر عَن ابْن عمر أَنه، كَانَ يَقُول: لعن الله من يزْعم أَنِّي هَاجَرت قبل أبي، إِنَّمَا قدمني فِي ثقله، وَفِي إِسْنَاده ضعف، وَالْجَوَاب الَّذِي قَالَه هُنَا أصح مِنْهُ. قَوْله:(قدمت أَنا وَعمر على رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم أَرَادَ عِنْد الْبيعَة، قيل: لَعَلَّهَا بيعَة الرضْوَان، وَزعم الدَّاودِيّ أَنَّهَا بيعَة صدرت حِين قدم النَّبِي صلى الله عليه وسلم، الْمَدِينَة. قيل: فِيهِ بُعْدٌ لِأَن ابْن عمر لم يكن حِينَئِذٍ فِي نسق من يُبَايع، وَقد عرض على النَّبِي صلى الله عليه وسلم، بعد ذَلِك بِثَلَاث سِنِين يَوْم أحد فَلم يجزه، فَيحْتَمل أَن تكون الْبيعَة حِينَئِذٍ على غير الْقِتَال. قَوْله: (قَائِلا) من القيلولة. قَوْله: (هرولة) وَهِي: السّير بَين الْمَشْي على مهل والعدْو.

ص: 55

3917 -

حدَّثنا أحْمَدُ بنُ عُثْمَانَ حدَّثنا شُرَيْحُ بنُ مَسْلَمَةَ حدَّثنا إبْرَاهِيمُ بنُ يُوسُفَ عنْ أبِيهِ عنْ أبِي إسْحَاقَ قَالَ سَمِعْتُ البَرَاءَ يُحَدِّثُ قَالَ ابْتَاعَ أبُو بَكْرٍ مِنْ عازِبٍ رَحْلاً فحَمَلْتُهُ معَهُ قَالَ فسَألَهُ عازِبٌ عنْ مَسِيرِ رسُولِ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ أُخِذَ علَيْنَا بالرَّصَدِ فخَرَجْنَا لَيْلاً فأحْيَيْنَا لَيْلَتَنَا ويَوْمَنَا حتَّى قامَ قائِمُ الظَّهِيرَةِ ثُمَّ رُفِعَتْ لَنَا صَخْرَةٌ فَأتَيْنَاها ولَها شَيْءٌ مِنْ ظِلٍّ قَالَ ففَرَشْتُ لِرسولِ الله، صلى الله عليه وسلم فَرْوَةً مَعِي ثُمَّ اضْطَجَعَ علَيْهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فانْطَلَقْتُ أنْفُضُ مَا حَوْلَهُ فإذَا أنَا بِرَاعٍ قَدْ أقْبَلَ فِي غُنَيْمَةٍ يُريدُ مِنَ الصَّخْرَةِ مِثْلَ الَّذِي أرَدْنَا فَسألْتُهُ لِمَنْ أنْتَ يَا غُلَامُ فَقَالَ أنَا لِفُلانِ فَقُلْتُ لَهُ هَلْ فِي غَنَمِكَ مِنْ لَبَنٍ قَالَ نَعَمْ قُلْتُ لَهُ هَلْ أنْتَ حالِبٌ قَالَ نَعَمْ فأخَذَ شَاة مِنْ غَنَمِهِ فَقُلْتُ لَهُ انْفُضِ الضَّرْعَ قَالَ فحَلَبَ كُثْبَةً مِنْ لَبَنٍ ومَعِي إدَاوَةٌ مِنْ ماءٍ عَلَيْهَا خِرْقَةٌ قَدْ رَوَّأتُهَا لِرَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فصَبَبْتُ علَى اللَّبَنِ حتَّى برَدَ أسْفَلُهُ ثُمَّ أتَيْتُ بِهِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فقُلْتُ اشْرَبْ يَا رسُولَ الله فَشَرِبَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم حتَّى رَضِيتُ ثُمَّ ارْتَحَلْنَا والطَّلَبُ فِي إثْرِنَا. .

3919 -

حدَّثنا سُلَيْمَانُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمانِ حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ حِمْيَرَ حدَّثنا إبْرَاهِيمُ بنُ أبي عَبْلَةَ أنَّ عُقْبَةَ بنَ وسَّاجٍ حدَّثَهُ عنْ أنَسٍ خادِمِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ قَدِمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ولَيْسَ فِي أصْحَابِهِ أشْمَطُ غَيْرَ أبِي بَكْرٍ فَغَلَّفها بالحِنَّاءِ والكَتْمِ. (الحَدِيث 3919 طرفه فِي: 3920) .

مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (قدم النَّبِي صلى الله عليه وسلم لِأَن مَعْنَاهُ: قدم من مَكَّة مُهَاجرا إِلَى الْمَدِينَة. وَسليمَان بن عبد الرَّحْمَن ابْن ابْنة شُرَحْبِيل بن أَيُّوب الدِّمَشْقِي، مَاتَ سنة ثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ وَهُوَ من أَفْرَاده، وَمُحَمّد بن حمير، بِكَسْر الْحَاء الْمُهْملَة وَسُكُون الْمِيم وَفتح الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالراء: أَبُو عبد الحميد الْحِمصِي وَهُوَ من أَفْرَاده، وَإِبْرَاهِيم بن أبي عبلة، بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة: واسْمه شمر بن يقظان الْعقيلِيّ الشَّامي، وَعقبَة، بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون الْقَاف وبالباء الْمُوَحدَة:

ص: 56

ابْن وساج، بِفَتْح الْوَاو وَتَشْديد السِّين الْمُهْملَة وبالجيم: الْبَصْرِيّ، سكن الشَّام قُتِل سنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ. والْحَدِيث من أَفْرَاده.

قَوْله: (أشمط) من الشمط وَهُوَ بَيَاض شعر الرَّأْس يخالطه سَواد. قَوْله: (فغلفها) بالغين الْمُعْجَمَة وبالفاء، أَي: خضبها، وَالضَّمِير الْمَنْصُوب يرجع إِلَى اللِّحْيَة وَإِن لم يمض ذكرهَا، لِأَن الْقَرِينَة الحالية تدل عَلَيْهِ. قَوْله:(بِالْحِنَّاءِ) بِكَسْر الْحَاء وَتَشْديد النُّون وبالمد، واحدته: حناة، وَأَصله الْهَمْز، يُقَال: حنأ لحيته بِالْحِنَّاءِ، وَزعم السُّهيْلي أَنه يجمع على حنان، يَعْنِي بِضَم الْحَاء وَتَشْديد النُّون على غير الْقيَاس، وَقَالَ: هُوَ عِنْدِي لُغَة لَا جمع لَهُ، وَقَالَ ابْن سَيّده فِي (الْمُحكم) : الْحِنَّاء بِكَسْر الْحَاء لُغَة فِي الْحِنَّاء عَن ثَعْلَب، وَوَقع فِي (مُعْجم الطَّبَرَانِيّ) : أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم، سَمَّاهُ طيبا وَإِلَيْهِ ذهب أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه، فَلَا يجوزونه للْمحرمِ. قَوْله:(والكتم) بِفَتْح التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق، قَالَ الْكرْمَانِي: هُوَ الوسمة، وَقيل: نبت يخلط بالوسمة يختضب بِهِ، وَقيل: هُوَ حناء قُرَيْش، يَعْنِي: الَّذِي صبغه أصفر، وَقيل: هور النّيل، وَقيل: هُوَ غير الوسمة. وَفِي (التَّلْوِيح) : الكتم من شجر الْجبَال يجفف ورقه ويخلط بِالْحِنَّاءِ ويختضب بِهِ الشّعْر فيقنىء لَونه ويقويه، وَيُقَال: هُوَ ينْبت فِي أصعب الصخور فيتدلى تدلياً خيطاناً لطافاً، وَهُوَ أَخْضَر وورقه كورق الآس أَو أَصْغَر، ومجتناه صَعب، وَمَا أَكثر من يعطب مِمَّن يجتنيه، وَلذَلِك هُوَ قَلِيل. وَفِي (ديوَان الْأَدَب) : هُوَ بِالتَّخْفِيفِ، وَأما أَبُو عبيد فشدده.

3920 -

وقَالَ دُحَيْمٌ حدَّثنا الوَلِيدُ حدَّثنا الأوْزَاعِيُّ حدَّثني أَبُو عُبَيْدٍ عنْ عُقْبَةَ بنِ وسَّاجٍ حدَّثنِي أنَسُ بنُ مالِكٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ قَدِمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم المَدِينَةَ فَكانَ أسَنَّ أصْحَابِهِ أبُو بَكْرٍ فغَلَّفَهَا بالحِنَّاءِ والكَتَمِ حتَّى قَنأ لَوْنُهَا. (انْظُر الحَدِيث 3919) .

هَذَا طَرِيق آخر ذكره مُعَلّقا: عَن دُحَيْم، بِضَم الدَّال وَفتح الْحَاء الْمُهْمَلَتَيْنِ: واسْمه عبد الرَّحْمَن بن إِبْرَاهِيم الدِّمَشْقِي الْحَافِظ. قَالَ أَبُو دَاوُد: لم يكن فِي زَمَانه مثله، مَاتَ سنة خمس وَأَرْبَعين وَمِائَتَيْنِ، روى عَنهُ البُخَارِيّ فِي (الْأَدَب) وَأَبُو عبيد مُصَغرًا لعبد، ضد الْحر اسْمه: حُيَيّ، بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة وَتَخْفِيف الْبَاء آخر الْحُرُوف الأولى وَتَشْديد الثَّانِيَة، وَقيل: هُوَ حَيّ، بِلَفْظ ضد الْمَيِّت يُقَال لَهُ: أَبُو عبيد بن أبي عَمْرو، وَكَانَ صَاحب سُلَيْمَان بن عبد الْملك ومولاه.

وَوصل هَذَا الْمُعَلق الْإِسْمَاعِيلِيّ عَن الْحسن بن سُفْيَان عَنهُ.

قَوْله: (فَكَانَ أسن أَصْحَابه) أَي: الَّذين قدمُوا مَعَه حِينَئِذٍ. وَقَبله أَيْضا. قَوْله: (فغلفها)، أَي: اللِّحْيَة، كَمَا ذكرنَا. قَوْله:(حَتَّى قنأ) ، بِفَتْح الْقَاف وَالنُّون وبالهمزة، أَي: حَتَّى اشْتَدَّ حمرتها، حَتَّى ضربت إِلَى السوَاد، يُقَال: قنأت لحيته من الخضاب تقنأ قنوءاً وقنأ الرجل لحيته بِالتَّشْدِيدِ تقنئة، وَيُقَال: أَحْمَر قانىء، واصفر فَاقِع، وأخضر ناضر، وأسود حالك، وأبيض ناصع، ويقق.

3921 -

حدَّثنا أصْبَغُ حدَّثنا ابنُ وَهْبٍ عنْ يُونُسَ عنِ ابنِ شِهَابٍ عنْ عُرْوَةَ بنَ الزُّبَيْرِ عنْ عائِشَةَ أنَّ أبَا بَكْرٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ تَزَوَّجَ امْرَأةً مِنْ كَلْبٍ يُقَالُ لَهَا أُمُّ بَكْرٍ فلَمَّا هاجَرَ أبُو بَكْرٍ طلَّقَهَا فتَزَوَّجَهَا ابنُ عَمِّهَا هاذا الشَّاعِرُ الَّذِي قَالَ هَذِهِ القَصِيدَةَ رَثَى كُفَّارَ قُرَيْشٍ:

(وماذَا بالْقَلِيبِ قَلِيبِ بَدْرٍ مِنَ الشِّيزَى تُزَيَّنُ بالسَّنَامِ)

(وماذَا بالْقَلِيبِ قَلِيبِ بَدْرٍ مِنَ الْقَيْناتِ والشَّرْبِ الكِرَامِ)

(تُحَيِّى بالسَّلَامَةِ أُمَّ بَكْرٍ وهَلْ لِي بَعْدَ قَوْمِي مِنْ سَلَامٍ)

(يُحَدِّثُنَا الرَّسُولُ بأنْ سَنَحْيَاوكَيْفَ حَياةُ أضْدَاءٍ وهامِ)

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (فَلَمَّا هَاجر) وَأصبغ، بِفَتْح الْهمزَة وبالغين الْمُعْجَمَة: أَبُو عبد الله الْمصْرِيّ، وَهُوَ من أَفْرَاده، وَابْن وهب هُوَ عبد الله بن وهب الْمصْرِيّ، وَيُونُس هُوَ ابْن يزِيد الْأَيْلِي، وَابْن شهَاب مُحَمَّد بن مُسلم بن شهَاب الزُّهْرِيّ.

والْحَدِيث من

ص: 57

أَفْرَاده، وَذكره الْحَافِظ الْمزي فِي (مُسْند أبي بكر) رَضِي الله تَعَالَى عنهُ.

قَوْله: (من كلب) أَي: من بني كلب، وَهُوَ كلب بن عَوْف بن عَامر بن لَيْث بن بكر بن عبد مَنَاة بن كنَانَة، وَأما الْكَلْبِيّ الْمَشْهُور فَهُوَ: من بني كلب بن وبرة بن ثَعْلَب بن قضاعة. قَوْله: (هَذَا الشَّاعِر) ، وَهُوَ أَبُو بكر شَدَّاد بن الْأسود بن عبد شمس بن مَالك بن جَعونَة، وَيُقَال لَهُ: ابْن شعوب، بِفَتْح الشين الْمُعْجَمَة وَضم الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون الْوَاو وَفِي آخِره بَاء مُوَحدَة، وَقَالَ ابْن حبيب: وَهِي أمه، وَهِي خزاعية، وَقَالَ ابْن هِشَام: وَله شعر كثير، قَالَه وَهُوَ كَافِر ثمَّ أسلم ثمَّ ارْتَدَّ. قَوْله:(رثى) ، من رثيت الْمَيِّت أرثيه، ورثوته أَيْضا: إِذا بكيته وعددت محاسنه، وَكَذَلِكَ إِذا نظمت فِيهِ شعرًا، ورثى لَهُ أَي: رق لَهُ وتوجع. قَالَ ابْن الْأَثِير: المرثئة من أبنية المصادر نَحْو الْمَغْفِرَة والمعذرة. قَوْله: (بالقليب) ، وَهُوَ الْبِئْر الَّتِي لم تطوَ، وقليب بدر وَهِي الْبِئْر الَّتِي ألْقى رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم، فِيهَا جيف صَنَادِيد قُرَيْش الَّذين قتلوا يَوْم بدر، قَالَ الشَّاعِر الْمَذْكُور هَذِه الأبيات الْمَذْكُورَة فِي مرثيتهم. قَوْله:(من الشيزي) ، بِكَسْر الشين الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفتح الزَّاي مَقْصُورا، وَهُوَ شجر يتَّخذ مِنْهُ الجفان والقصاع الْخشب الَّتِي يعْمل فِيهَا الثَّرِيد، وَقَالَ الْأَصْمَعِي: هِيَ من شجر الْجَوْز يسود بالدسم، وَأَرَادَ بالشيزى مَا تتَّخذ مِنْهُ الْجَفْنَة وبالجفنة صَاحبهَا، كَأَنَّهُ قَالَ: مَاذَا بقليب بدر من أجل أَصْحَاب الجفان المزينة بلحوم أسنمة الْإِبِل؟ وَقيل: كَانُوا يسمون الرجل المطعام جَفْنَة، لِأَنَّهُ يطعم النَّاس فِيهَا، وَقَالَ الدَّاودِيّ: الشيزي الْجمال، قَالَ: لِأَن الْإِبِل إِذا سمنت تعظم أسمنتها ويعظم جمَالهَا ورد عَلَيْهِ ابْن التِّين فَقَالَ إِنَّمَا أَرَادَ أَن الْجَفْنَة من الثَّرِيد تزين بِقطع اللَّحْم من السنام. قَوْله: (من الْقَيْنَات جمع قينة) بِفَتْح الْقَاف وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفتح النُّون: وَهِي الْمُغنيَة وَتطلق على الْأمة أَيْضا، سَوَاء كَانَت مغنية أَو لَا. قَوْله:(وَالشرب) بِفَتْح الشين الْمُعْجَمَة وَسُكُون الرَّاء: جمع شَارِب، كتجر وتاجر، وَقيل: هُوَ اسْم جمع، وَأَرَادَ بهم الندماء الَّذين يَجْتَمعُونَ للشُّرْب. قَوْله:(تحيي بالسلامة أم بكر) تحيى من حيى يحيي، بِالتَّشْدِيدِ، تَحِيَّة، وفاعله هُوَ قَوْله: أم بكر، وَأَرَادَ: بالسلامة، السَّلَام لِأَن معنى السَّلَام الَّذِي هُوَ التَّحِيَّة: السَّلامَة، أَلا ترى كَيفَ عطف عَلَيْهِ فِي المصراع الآخر بِالسَّلَامِ؟ يُرِيد: وَهل لي بعد هَلَاك قومِي من سَلامَة؟ وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: تحييني بِالْإِفْرَادِ، وَفِي رِوَايَة غَيره: تحيينا، بضمير الْجمع. قَوْله:(وَهل لي) بِالْوَاو فِي رِوَايَة الْكشميهني، وَفِي رِوَايَة غَيره: فَهَل لي، بِالْفَاءِ. قَوْله:(أصداء)، بِفَتْح الْهمزَة: جمع صدي، وَهُوَ ذكر البوم، (وهام) جمع هَامة، وَهِي: جمجمة الرَّأْس، وَقيل: الصدي هُوَ الطَّائِر الَّذِي يطير بِاللَّيْلِ، وَقيل: الصدي مَا كَانَ يزعمه أهل الْجَاهِلِيَّة من أَن روح الْإِنْسَان تصير طائراً يُقَال لَهُ الصدي، وَذَلِكَ من ترهات الْجَاهِلِيَّة وأباطيلهم وإنكارهم الْبَعْث، وَقَالَ الدَّاودِيّ: الصدي عِظَام الْمَيِّت، والهام جمع هَامة وهم الْمَوْتَى، يُقَال: أصبح فلَان هَامة: إِذا مَاتَ، وَيحْتَمل أَن يُرِيد الإشراف، لِأَن هَامة الْقَوْم سيدهم، وَعَن أبي عبيد فِي (تَفْسِيره) : أَن الْعَرَب كَانَت تَقول: إِذا مَاتَ الْمَيِّت يكون من عِظَامه هَامة تطير، وَقَالَ الْهَرَوِيّ: يسمون ذَلِك الطَّائِر الَّذِي يخرج من هَامة الْمَيِّت إِذا مَاتَ: الصدي، وَذكر ابْن فَارس أَن الْعَرَب كَانَت تَقول: إِن الْقَتِيل إِذا لم يدْرك بثأره يصير هَامة فِي الْقَبْر فتزقو فَتَقول: إسقوني إسقوني، فَإِذا أدْرك بثأره طارت.

3922 -

حدَّثنا مُوساى بنُ إسْمَاعِيلُ حدَّثنا هَمَّامٌ عنْ ثابِتٍ عنْ أنَسٍ عنْ أبِي بَكْرٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ كُنْتُ معَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الغَارِ فرَفَعْتُ رأسِي فإذَا أَنا بأقْدَامِ القَوْمِ فَقُلْتُ يَا نَبِيَّ الله لَوْ أنَّ بَعْضَهُمْ طأطأ بَصَرَهُ رَآنَا قَالَ اسْكُتْ يَا أَبَا بَكْرٍ اثْنانِ الله ثالِثُهُمَا. (انْظُر الحَدِيث 3653 وطرفه) .

مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن فِيهِ أمرا من أُمُور الْهِجْرَة، وَهَمَّام هُوَ ابْن يحيى الشَّيْبَانِيّ الْبَصْرِيّ، وثابت هُوَ الْبنانِيّ وَمضى الحَدِيث فِي: بَاب مَنَاقِب الْمُهَاجِرين، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن مُحَمَّد بن سِنَان عَن همام عَن ثَابت إِلَى آخِره. قَوْله:(طأطأ بَصَره) أَي: طامنه وأماله إِلَى تَحت. قَوْله: (اثْنَان)، خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف أَي: نَحن اثْنَان الله ثالثهما، أَي: معاونهما وناصرهما وَإِلَّا فَهُوَ مَعَ كل اثْنَيْنِ بِعِلْمِهِ.

3922 -

حدَّثنا مُوساى بنُ إسْمَاعِيلُ حدَّثنا هَمَّامٌ عنْ ثابِتٍ عنْ أنَسٍ عنْ أبِي بَكْرٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ كُنْتُ معَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الغَارِ فرَفَعْتُ رأسِي فإذَا أَنا بأقْدَامِ القَوْمِ فَقُلْتُ يَا نَبِيَّ الله لَوْ أنَّ بَعْضَهُمْ طأطأ بَصَرَهُ رَآنَا قَالَ اسْكُتْ يَا أَبَا بَكْرٍ اثْنانِ الله ثالِثُهُمَا. (انْظُر الحَدِيث 3653 وطرفه) .

مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن فِيهِ أمرا من أُمُور الْهِجْرَة، وَهَمَّام هُوَ ابْن يحيى الشَّيْبَانِيّ الْبَصْرِيّ، وثابت هُوَ الْبنانِيّ وَمضى الحَدِيث فِي: بَاب مَنَاقِب الْمُهَاجِرين، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن مُحَمَّد بن سِنَان عَن همام عَن ثَابت إِلَى آخِره. قَوْله:(طأطأ بَصَره) أَي: طامنه وأماله إِلَى تَحت. قَوْله: (اثْنَان)، خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف أَي: نَحن اثْنَان الله ثالثهما، أَي: معاونهما وناصرهما وَإِلَّا فَهُوَ مَعَ كل اثْنَيْنِ بِعِلْمِهِ.

3923 -

حدَّثنا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الله حدَّثنا الوَلِيدُ بنُ مُسْلِمٍ حدَّثنا الأوْزَاعِيُّ وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ يُوسُفَ

ص: 58

حدَّثنا الأوْزَاعِيُّ حدَّثنا الزُّهْرِيُّ قَالَ حدَّثني عَطاءُ بنُ يَزِيدَ اللَّيْثِيُّ قَالَ حدَّثني أبُو سَعِيدٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ جاءَ أعْرَابِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فسَألَهُ عنِ الهِجْرَةِ فَقَالَ وَيْحَكَ إنَّ الهِجْرَةَ شَأنها شَدِيدٌ فَهَلْ لَكَ مِنْ إبِلٍ قَالَ نَعَمْ قَالَ فَتُعْطِي صدَقَتَهَا قالَ نَعَمْ قَالَ فَهَلْ تَمْنَحُ مِنْهَا قَالَ نَعَمْ قَالَ فَتَحْلُبُهَا يَوْمَ وُرُودِهَا قَالَ نَعَمْ قَالَ فاعْمَلْ مِنْ وَرَاءِ البِحَارِ فإنَّ الله لَنْ يَتْرِكَ مِنْ عَمَلِكَ شَيْئَاً.

مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (فَسَأَلَهُ عَن الْهِجْرَة) وَذَلِكَ بطرِيق الِاسْتِئْنَاس، وَعلي بن عبد الله هُوَ الْمَعْرُوف بِابْن الْمَدِينِيّ، والوليد بن مُسلم الدِّمَشْقِي، وَالْأَوْزَاعِيّ هُوَ عبد الرَّحْمَن بن عَمْرو إِلَى هُنَا طَرِيق مُتَّصِل، وَمن قَوْله: قَالَ مُحَمَّد بن يُوسُف، طَرِيق مُعَلّق، فالموصول أخرجه فِي كتاب الزَّكَاة فِي بَاب زَكَاة الأبل عَن عَليّ بن عبد الله عَن وليد بن مُسلم عَن الْأَوْزَاعِيّ عَن ابْن شهَاب عَن عَطاء بن يزِيد عَن ابي سعيد الْخُدْرِيّ رضي الله عنه إِلَى آخر وَالْمُعَلّق أخرجه فِي كِتَابه الْهِبَة فِي: بَاب فضل المنحة عَن مُحَمَّد بن يُوسُف أحد مشايخه بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور، وَمضى الْكَلَام فِيهِ فِي كتاب الزَّكَاة. قَوْله:(فَهَل تمنح مِنْهَا) أَي: هَل تعطيها لغيرك ليحلب مِنْهَا وَينْتَفع بهَا. قَوْله: (يَوْم وُرُودهَا) أَي: على المَاء، وَإِنَّمَا قيد الْحَلب بِيَوْم الشّرْب لِأَنَّهُ أرْفق لِلْإِبِلِ وَالْمَسَاكِين. قَوْله:(فَلَنْ يَتِرَك) من الْوتر وَهُوَ النَّقْص، أَي: لن ينْقصك إِذا أدّيت الْحُقُوق فَلَا عَلَيْك فِي إقامتك فِي وطنك.

46

- (

بابُ مَقْدَمِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وأصْحَابِهِ المَدِينَةَ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان قدوم النَّبِي صلى الله عليه وسلم، وقدوم أَصْحَابه الْمَدِينَة، وَكَانَ وُصُول النَّبِي صلى الله عليه وسلم، إِلَى قبَاء يَوْم الِاثْنَيْنِ أول شهر ربيع الأول، وَمر الْكَلَام فِيهِ عَن قريب، وَكَانَ وُصُول أَكثر أَصْحَابه قبله وَنزل رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم، على كُلْثُوم بن الْهدم، قَالَه ابْن شهَاب، وَقيل: نزل على سعد بن خَيْثَمَة وَجمع بَينهمَا بِأَن نُزُوله كَانَ على كُلْثُوم، وَكَانَ يجلس مَعَ أَصْحَابه عِنْد سعد بن خَيْثَمَة لِأَنَّهُ كَانَ أعزب، وَكَانَ يُقَال لبيته: بَيت العزاب، قَالَ ابْن شهَاب: وَبلغ عَليّ بن أبي طَالب نُزُوله، صلى الله عليه وسلم، أمنا بقباء، فَركب رَاحِلَته فلحق بِهِ وَهُوَ بقباء.

3924 -

حدَّثنا أبُو الوَلِيدِ حدَّثنا شُعْبَةُ قَالَ أنْبأنَا أبُو إسْحَاقَ سَمِعَ البَرَاءَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ أوَّلُ مَنْ قَدِمَ علَيْنَا مُصْعَبُ بنُ عُمَيْرٍ وابنُ مَكْتُومٍ ثُمَّ قَدِمَ علَيْنَا عَمَّارُ بنُ يَاسِرٍ وبِلالٌ رَضِي الله تَعَالَى عنهُم. .

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة لِأَن فِيهَا مقدم أَصْحَابه أَيْضا، وَأَبُو الْوَلِيد هِشَام بن عبد الْملك الطَّيَالِسِيّ، وَأَبُو إِسْحَاق عَمْرو بن عبد الله السبيعِي، والبراء هُوَ ابْن عَازِب.

وَأخرج البُخَارِيّ هَذَا الحَدِيث أَيْضا فِي فَضَائِل الْقُرْآن عَن أبي الْوَلِيد وَفِي التَّفْسِير عَن عَبْدَانِ عَن أَبِيه.

قَوْله: (أَنبأَنَا) وَكَانَ شُعْبَة يروي أَن أَنبأَنَا وَأخْبرنَا وَحدثنَا بِمَعْنى، وَقيل: يجوز أَن يُقَال أَنبأَنَا عِنْد الْإِجَازَة لِأَنَّهَا إنباء عرفا، فعلى هَذَا يكون الإنباء أَعم من الْإِخْبَار. قَوْله:(أول من قدم علينا) أَي: بِالْمَدِينَةِ، وَزَاد الْحَاكِم فِي (الإكليل) : عَن شُعْبَة من الْمُهَاجِرين. قَوْله: (مُصعب بن عُمَيْر) بِضَم الْمِيم وَسُكُون الصَّاد وَعُمَيْر مصغر عَمْرو بن هَاشم بن عبد منَاف بن عبد الدَّار بن قصي الْقرشِي الْعَبدَرِي، وَفِي رِوَايَة ابْن أبي شيبَة: مُصعب بن عُمَيْر أَخُو بني عبد الدَّار، وَذكر مُوسَى بن عقبَة أَنه نزل على خبيب ابْن عدي. قَوْله:(وَابْن أم مَكْتُوم) هُوَ عَمْرو، وَيُقَال: عبد الله وَهُوَ من بني عَامر بن لؤَي. قلت: عَمْرو بن قيس بن زَائِدَة، وَيُقَال: زِيَاد ابْن الْأَصَم، والأصم هُوَ جُنْدُب بن هرم بن رَوَاحَة بن حجر بن عبد بن بغيض بن عَامر بن لؤَي وَيُقَال: عَمْرو بن زَائِدَة، وَيُقَال عبد الله بن زَائِدَة الْقرشِي، وَقَالَ الْكرْمَانِي: هُوَ عَمْرو بن قيس بن زَائِدَة على الْأَصَح العامري الْقرشِي الأعمي مُؤذن النَّبِي

ص: 59

صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَاسم أمه عَاتِكَة، بِالْعينِ الْمُهْملَة وبالتاء الْمُثَنَّاة من فَوق: بنت عبد الله بن عتكة بن عَامر بن مَخْزُوم المخزومية، قتل بالقادسية شَهِيدا، وَقيل: رَجَعَ مِنْهَا إِلَى الْمَدِينَة وَمَات بهَا وَهُوَ ابْن خَال خَدِيجَة بنت خويلد، وَفِي رِوَايَة ابْن أبي شيبَة: ثمَّ أَتَانَا بعده، يَعْنِي: بعد مُصعب بن عَمْرو بن أم مَكْتُوم الْأَعْمَى أَخُو بني فهم، فَقُلْنَا لَهُ: مَا فعل رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم؟ قَالَ: هم على أثري. قَوْله: (ثمَّ قدم علينا عمار بن يَاسر) الْعَبْسِي أَبُو الْيَقظَان مولى بني مَخْزُوم وَأمه سميَّة بنت خياط، أسلم بِمَكَّة قَدِيما وَأَبوهُ وَأمه، قتل بصفين سنة سبع وَثَلَاثِينَ وَدفن هُنَاكَ، وَكَانَ مَعَ عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وبلال الْمُؤَذّن وَهُوَ ابْن رَبَاح، وحمامة أمه مولاة أبي بكر الصّديق، شهد الْمشَاهد كلهَا مَعَ رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم، وَسكن بعده دمشق وَمَات بهَا سنة عشْرين وَدفن بِبَاب الصَّغِير، وَقيل: بِبَاب كيسَان، وَقيل: مَاتَ بحلب وَدفن بِبَاب الْأَرْبَعين.

3925 -

حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ بَشَّارٍ حدَّثنا غُنْدَرٌ حدَّثنا شُعْبَةُ عنْ أبِي إسْحَاقَ قَالَ سَمِعْتُ البَرَاءَ ابنَ عَازِبٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُما قَالَ أوَّلُ مَنْ قَدِمَ علَيْنَا مُصْعَبُ بنُ عُمَيْرٍ وابنُ مَكْتُومٍ وَكَانَا يُقْرِئَانِ النَّاسَ فَقَدِمَ بِلالٌ وسعْدٌ وعَمَّارُ بنُ يَاسِرٍ ثُمَّ قَدِمَ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ فِي عِشْرِينَ مِنْ أصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ قَدِمَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم فَمَا رأيْتُ أهْلَ المَدِينَةِ فَرِحُوا بِشَيءٍ فرَحَهُمْ بِرَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم حَتَّى جَعَلَ الإمَاءُ يَقُلْنَ قَدِمَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم فَمَا قَدِمَ حتَّى قَرَأتُ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأعْلَى فِي سُوَرٍ مِنَ الْمُفَصَّلِ.

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وغندر بِضَم الْغَيْن مُحَمَّد بن جَعْفَر وَأَبُو إِسْحَاق قد مر الْآن. فَإِن قلت: جزم مُوسَى بن عقبَة بِأَن أول من قدم الْمَدِينَة من الْمُهَاجِرين مُطلقًا أَبُو سَلمَة بن عبد الْأسد، وَهنا أول من قدم مُصعب. قلت: قد يجمع بَينهمَا بِأَن أَبَا سَلمَة خرج لَا لقصد الْإِقَامَة بِالْمَدِينَةِ، بل فِرَارًا من الْمُشْركين، بِخِلَاف مُصعب بن عُمَيْر فَإِنَّهُ خرج إِلَيْهَا للإقامة بهَا وَتَعْلِيم من أسلم من أَهلهَا بِأَمْر النَّبِي صلى الله عليه وسلم، فَلِكُل مِنْهُمَا أولية من جِهَة.

قَوْله: (وَكَانَ يقرئان النَّاس) أَي: مُصعب وَابْن أم مَكْتُوم، وَفِي أَكثر النّسخ: وَكَانُوا يقرئون النَّاس بِصِيغَة الْجمع بعد ذكر اثْنَيْنِ، وَفِي رِوَايَة الْحَاكِم: وَكَانُوا يقرئوننا. قَوْله: (وَسعد) هُوَ ابْن أبي وَقاص أحد الْعشْرَة المبشرة. قَوْله: (ثمَّ قدم عمر بن الْخطاب فِي عشْرين من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عليه وسلم ذكر ابْن إِسْحَاق مِنْهُم زيد بن الْخطاب وَسَعِيد بن زيد بن عَمْرو وَعبد الله ابْني سراقَة، وخنيس بن حذافة وواقد بن عبد الله وخولي بن أبي خولي، وَمَالك بن أبي خولي وأخاه هِلَال وَعَيَّاش بن أبي ربيعَة وخالداً وإياساً وعامراً وعاقلاً من بني البكير، قَالَ فنزلوا جَمِيعًا، أَي: هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَة عشر على رِفَاعَة بن الْمُنْذر وروى ابْن عَائِذ فِي الْمَغَازِي بِإِسْنَاد لَهُ عَن ابْن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عنهُما، قَالَ: خرج عمر وَالزُّبَيْر وَطَلْحَة وَعُثْمَان وَعَيَّاش بن أبي ربيعَة فِي طَائِفَة فَتوجه عُثْمَان وَطَلْحَة إِلَى الشَّام

انْتهى، وَذكر مُوسَى بن عقبَة أَن أَكثر الْمُهَاجِرين نزلُوا على بني عَمْرو بن عَوْف بقباء إلَاّ عبد الرَّحْمَن بن عَوْف فَإِنَّهُ نزل على سعد بن الرّبيع وَهُوَ خزرجي. قَوْله:(فَرَحهمْ) مَنْصُوب بِنَزْع الْخَافِض أَي: كفرحهم. قَوْله: (حَتَّى جعل الْإِمَاء) جمع أمة وَفِي رِوَايَة الْحَاكِم من طَرِيق إِسْحَاق بن أبي طَلْحَة عَن أنس، فَخرجت جوَار من بني النجار يضربن بالدف وَهن يقلن:

نَحن جوَار من بني النجار

يَا حبذا مُحَمَّدًا من جَار

وَفِي (شرف الْمُصْطَفى) : لما دخل النَّبِي صلى الله عليه وسلم، جعل الولائد يقلن:

(طلع الْبَدْر علينا

من ثنيات الْوَدَاع)

(وَجب الشُّكْر علينا

مَا دَعَا لله دَاع)

ص: 60

قَوْله: (فِي سور من الْمفصل) أَي: مَعَ سور من الْمفصل، وَهُوَ السَّبع الْأَخير من الْقُرْآن. فَإِن قلت: قَوْله حَتَّى قَرَأت {سبح اسْم رَبك الْأَعْلَى} (الْأَعْلَى: 1) . يدل على أَنَّهَا نزلت بِمَكَّة، وَذكروا أَن قَوْله تَعَالَى:{قد أَفْلح من تزكّى وَذكر اسْم ربه فصلى} (الْأَعْلَى: 9 10) . نزلت فِي صَلَاة الْعِيد وَصدقَة الْفطر فِي السّنة الثَّانِيَة من الْهِجْرَة. قلت: لَا يبعد أَن تكون السُّورَة مَكِّيَّة وَتَكون الْآيَتَانِ مدنيتان، وَجَوَاب آخر، وَهُوَ الْأَوْجه: أَن نزُول السُّورَة كلهَا كَانَ بِمَكَّة، وَلَكِن النَّبِي صلى الله عليه وسلم بيَّن أَن المُرَاد من الْآيَتَيْنِ صَلَاة الْعِيد وَصدقَة الْفطر، وَلَا شكّ أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم، مُبين للشرائع وَالْأَحْكَام.

3926 -

حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ يُوسُفَ أخْبرنَا مالِكٌ عنْ هِشامِ بنِ عُرْوَةَ عنْ أبِيهِ عنْ عائِشَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهَا أنَّها قالَتْ لَما قَدِمَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم المَدِينَةَ وُعِكَ أبُو بَكْرٍ وبِلالٌ قالَتْ فَدَخَلْتُ عَلَيْهِمَا فقُلْتُ يَا أبَتِ كَيْفَ تَجِدُكَ وَيَا بِلَالُ كَيْفَ تَجِدُكَ قالَتْ فَكانَ أبُو بَكْرٍ إذَا أخَذَتْهُ الحُمَّى يَقُولُ:

(كلُّ امْرِىءٍ مُصَبَّحٌ فِي أهْلِهِ

والمَوْتُ أدْنَى مِنْ شِرَاكِ نَعْلِهِ)

وكانَ بِلالٌ إذَا أقْلَعَ عنْهُ الحُمَّى يَرْفَعُ عَقِيرَتَهُ ويَقُولُ:

(ألَا لَيْتَ شِعْرِي هَلْ أبِيتَنَّ لَيْلَةًبِوَادٍ وحَوْلِي إذْخِرٌ وجَلِيلُ)

(وهَلْ أرِدَنْ يَوْماً مياه مَجَنَّةٍ وهَلْ يَبْدُوَنْ لِي شَامَةٌ وطَفِيلُ)

قالَتْ عائِشَةُ فَجِئْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم فأخْبَرْتُهُ فَقَالَ اللَّهُمَّ حَبِّبْ إلَيْنَا المَدِينَةَ كَحُبِّنَا مَكَّةَ أوْ أشَدَّ وصَحِّحْها وبارِكْ لَنَا فِي صاعِها ومُدِّها وانْقُلْ حُمَاهَا فاجْعَلْهَا بالجُحْفَةِ. .

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. والْحَدِيث مر فِي كتاب الْحَج فِي آخر الْأَبْوَاب، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ: عَن عبيد بن إِسْمَاعِيل عَن أبي أُسَامَة عَن هِشَام عَن أَبِيه عَن عَائِشَة

إِلَى آخِره، وَفِيه: أللهم الْعَن شيبَة

إِلَى قَوْله: إِلَى أَرض الوباء، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.

قَوْله: (وعك) على صِيغَة الْمَجْهُول أَي: حم. قَوْله: (قَالَت) أَي: عَائِشَة. قَوْله: (عَلَيْهِمَا) أَي: على أبي بكر وبلال. قَوْله: (كَيفَ تجدك) بتاء الْخطاب، أَي: كَيفَ تَجِد نَفسك، وَمثله: تجدك الثَّانِي. قَوْله: (مصبح) بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة، أَي: مصاب بِالْمَوْتِ صباحاً، وَقيل: المُرَاد يُقَال لَهُ: صبحك الله بِالْخَيرِ، وَقد يفجؤه الْمَوْت فِي بَقِيَّة النَّهَار. قَوْله:(أدنى) أَي: أقرب، والشراك، بِكَسْر الشين الْمُعْجَمَة وَتَخْفِيف الرَّاء: سير النَّعْل على وَجههَا. قَوْله: (إِذا أقلع) أَي: الْكَفّ وَزَالَ قَوْله: (عقيرته) بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَكسر الْقَاف، وَهُوَ الصَّوْت بالبكاء أَو بِالْغنَاءِ. قَوْله:(بواد) أَي: بوادي مَكَّة، وَالْوَاو فِي:(وحولي) للْحَال. قَوْله: (وجليل) بِالْجِيم، وَهُوَ نبت ضَعِيف يحشى بِهِ خصاص الْبيُوت. قَوْله:(أردن) مُتَكَلم الْمُضَارع بالنُّون الْخَفِيفَة. قَوْله: (مجنة) بِفَتْح الْمِيم وَالْجِيم وَالنُّون: اسْم مَوضِع على أَمْيَال من مَكَّة، وَكَانَ بِهِ سوق فِي الْجَاهِلِيَّة. قَوْله:(وَهل يبدون) أَي: وَهل يظهرن، وَهُوَ بالنُّون الْخَفِيفَة. قَوْله:(شامة) بالشين الْمُعْجَمَة وَتَخْفِيف الْمِيم (وطفيل) بِفَتْح الطَّاء الْمُهْملَة وَكسر الْفَاء، وهما جبلان بِقرب مَكَّة. وَقَالَ الْخطابِيّ، كنت أَحسب أَنَّهُمَا جبلان حَتَّى ثَبت عِنْدِي أَنَّهُمَا عينان، وَقَالَ بَعضهم: زعم بَعضهم أَن الصَّوَاب بِالْمُوَحَّدَةِ يَعْنِي: شَابة بِالْبَاء الْمُوَحدَة بدل الْمِيم، وَالْمَعْرُوف بِالْمِيم. قلت: الْقَائِل بِهِ هُوَ الصغاني:

(إِذا قَالَت حذام فصدقوها)

قَوْله: (فِي صاعها) ويروى: وصاعنا. قَوْله: (بِالْجُحْفَةِ) بِضَم الْجِيم وَسُكُون الْحَاء الْمُهْملَة وَفتح الْفَاء على سبع مراحل من الْمَدِينَة، وَبَينه وَبَين الْبَحْر سِتَّة أَمْيَال، وَهُوَ مِيقَات أهل مصر الْآن، وَأما فِي ذَلِك الْوَقْت فَكَانَ مسكن الْيَهُود، لعنهم الله تَعَالَى.

3927 -

حدَّثني عَبْدُ الله بنُ مُحَمَّدٍ حدَّثنا هِشامٌ أخبرَنا مَعْمَرٌ عنِ الزُّهْرِيِّ حدَّثني

ص: 61

عرْوَةُ بنُ الزُّبَيْرِ أنَّ عُبَيْدَ الله بنَ عَدِيٍّ أخْبَرَهُ دَخَلْتُ عَلَى عُثْمَانَ: وَقَالَ بِشْرُ بنُ شُعَيْبٍ حدَّثني أبِي عنِ الزُّهْرِيِّ حدَّثنِي عُرْوَةُ بنُ الزُّبَيْرِ أنْ عُبَيْدَ الله بنَ عَدِيِّ بنِ الْخِيَارِ أخْبَرَهُ قَالَ دَخَلْتُ علَى عُثْمَانَ فتَشَهَّدَ ثُمَّ قالَ أمَّا بَعْدُ فإنَّ الله بَعَثَ مُحَمَّدَاً صلى الله عليه وسلم بالحَقِّ وكُنْتُ مِمَّنِ اسْتَجَابِ لله ولِرَسُولِهِ وآمَنَ بِمَا بُعِثَ بِهِ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ هَاجَرْتُ هِجْرَتَيْنِ ونِلْتُ صِهْرَ رسُولِ الله صلى الله عليه وسلم وبايَعْتُهُ فَوَالله مَا عَصَيْتُهُ ولَا غَشَشْتُهُ حتَّى تَوَفَّاهُ الله تعالَى. (انْظُر الحَدِيث 3696 وطرفه) .

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (ثمَّ هَاجَرت هجرتين) وَكَانَ عُثْمَان مِمَّن رَجَعَ من الْحَبَشَة فَهَاجَرَ من مَكَّة إِلَى الْمَدِينَة وَمَعَهُ زَوجته رقية بنت النَّبِي صلى الله عليه وسلم، وَعبد الله بن مُحَمَّد الْمَعْرُوف بالمسندي، وَهِشَام هُوَ ابْن يُوسُف الصَّنْعَانِيّ، وَمعمر بِفَتْح الميمين هُوَ ابْن رَاشد، وَعبيد الله بن عدي بتَشْديد الْيَاء ابْن الْخِيَار، ويروى بِدُونِ الْألف وَاللَّام النَّوْفَلِي، أدْرك زمن النَّبِي صلى الله عليه وسلم، وَلَكِن لم يثبت لَهُ رُؤْيَة وَلَا رِوَايَة، إِلَى هُنَا مَوْصُول. قَوْله:(وَقَالَ بشر) مُعَلّق، وَهُوَ بِكَسْر الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الشين الْمُعْجَمَة: ابْن شُعَيْب يروي عَن أَبِيه شُعَيْب بن أبي حَمْزَة الْحِمصِي عَن مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ. والْحَدِيث مر بأتم مِنْهُ فِي مَنَاقِب عُثْمَان، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَالْمُعَلّق وَصله أَحْمد فِي (مُسْنده) عَن بشر بن يَعْقُوب بِتَمَامِهِ. قَوْله:(هجرتين) هما هِجْرَة الْحَبَشَة وهجرة الْمَدِينَة. قَوْله: (ونلت) بالنُّون ويروى: وَكنت، صهر رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَي الِاتِّصَال بِهِ من جِهَة الْقَرَابَة النسبية، أَي: ببنتيه.

تابَعَهُ إسْحَاقُ الكَلْبِيُّ حدَّثني الزُّهْرِيُّ مِثْلَهُ

أَي: تَابع شعيباً الرَّاوِي عَن الزُّهْرِيّ بقوله: حَدثنِي إِسْحَاق بن يحيى الْكَلْبِيّ الْحِمصِي، وَوصل هَذِه الْمُتَابَعَة أَبُو بكر بن شَاذان بِإِسْنَادِهِ إِلَى يحيى بن صَالح عَنهُ عَن الزُّهْرِيّ مثله.

3928 -

حدَّثنا يَحْيَى بنُ سُلَيْمَانَ حدَّثني ابنُ وَهْبٍ حدَّثنا مالِكٌ ح وأخبرَني يُونُسُ عنِ ابنِ شِهَابٍ قَالَ أخبرَنِي عُبَيْدُ الله بنُ عَبْدِ الله أَن ابنَ عَبَّاسٍ أخْبرَهُ أنَّ عَبْدَ الرَّحْمانِ بنَ عَوْفٍ رَجَعَ إلَى أهْلِهِ وهْوَ بِمِنًى فِي آخِرِ حَجَّةٍ حَجَّهَا عُمَرُ فوَجَدَنِي فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمانِ فقُلْتُ يَا أمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إنَّ الْمَوْسِمَ يَجْمَعُ رَعاعَ النَّاسِ وإنِّي أرَى أنْ نُمْهِلَ حَتَّى تقْدَمَ المَدِينَةَ فإنَّهَا دارُ الهِجْرَةِ والسُّنَّةِ وتَخْلُصَ لأِهْلِ الفِقْهِ وأشْرَافِ النَّاسِ وذَوِي رأيِهِمْ قَالَ عُمَرُ لأقُومَنَّ فِي أوَّلِ مقَامٍ أقُومُهُ بالمَدِينَةِ. .

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (فَإِنَّهَا دَار الْهِجْرَة وَالسّنة) وَرِجَاله قد ذكرُوا غير مرّة، وَيحيى بن سُلَيْمَان الْجعْفِيّ سكن مصر، وَعبيد الله بن عبد الله بن عتبَة بن مَسْعُود.

والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ فِي الْمُحَاربين مطولا عَن عَليّ بن عبد الله وَعَن عبد الْعَزِيز بن عبد الله وَفِي الْمَغَازِي والاعتصام عَن مُوسَى بن إِسْمَاعِيل وَأخرجه بَقِيَّة الْجَمَاعَة. قَوْله: (قَالَ ابْن وهب: أَخْبرنِي يُونُس) وَكَذَلِكَ قَالَ فِي الْمَظَالِم فِي: بَاب مَا جَاءَ فِي السقائف حَيْثُ قَالَ: حَدثنِي يحيى بن سُلَيْمَان، قَالَ: حَدثنِي ابْن وهب، قَالَ: حَدثنِي مَالك وَأَخْبرنِي يُونُس عَن إِبْنِ شهَاب

إِلَى آخِره مُخْتَصرا، حَاصله أَن عبد الله بن وهب روى هَذَا الحَدِيث عَن مَالك، وروى عَن يُونُس بن يزِيد أَيْضا وَله فِيهِ شَيْخَانِ، والْحَدِيث الَّذِي يَأْتِي فِي الْمُحَاربين يُفَسر هَذَا لِأَنَّهُ مُخْتَصر مِنْهُ.

قَوْله: (رَجَعَ إِلَى أَهله وَهُوَ بمنى) أَي: وَالْحَال أَن أَهله بمنى وَأَرَادَ بِهِ منزله، ويوضحه مَا فِي حَدِيث الْمُحَاربين عَن ابْن عَبَّاس: كنت أقرىء رجَالًا من الْمُهَاجِرين مِنْهُم عبد الرَّحْمَن بن عَوْف، فَبَيْنَمَا أَنا فِي منزله بمنى وَهُوَ عِنْد عمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فِي آخر حجَّة حَجهَا إِذْ رَجَعَ إِلَى عبد الرَّحْمَن، فَقَالَ: لَو رَأَيْت رجلا أَتَى أَمِير الْمُؤمنِينَ الْيَوْم، فَقَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ! هَل لَك فِي فلَان؟ يَقُول: لَو قد مَاتَ عمر لقد بَايَعت فلَانا. فوَاللَّه مَا كَانَت بيعَة أبي بكر إِلَّا فلتة فتمت، فَغَضب عمر، ثمَّ قَالَ: إِنِّي إِن شَاءَ الله لقائم العشية فِي النَّاس فمحذرهم هَؤُلَاءِ الَّذين يُرِيدُونَ أَن يغصبوهم أُمُورهم، قَالَ عبد الرَّحْمَن: فَقلت: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ: لَا تفعل فَإِن الْمَوْسِم يجمع رعاع النَّاس وغوغاءهم،

ص: 62

إِلَى أَن قَالَ: فامهل حَتَّى تقدم الْمَدِينَة فَإِنَّهَا دَار الْهِجْرَة وَالسّنة، فتخلص بِأَهْل الفقة وأشراف النَّاس فَتَقول مَا قلت مُتَمَكنًا، فيعي أهل الْعلم مَقَالَتك ويضعونها على موَاضعهَا. فَقَالَ عمر: أما وَالله إِن شَاءَ الله لأقومن بذلك أول مقَام أقومه بِالْمَدِينَةِ

الحَدِيث بِطُولِهِ، فَإِن لم يقف النَّاظر فِيهِ لم يحصل لَهُ تمكن فِي فهم حَدِيث الْبَاب لِأَنَّهُ مُخْتَصر، والمطول شرح لَهُ، فَلذَلِك ذكرنَا مِنْهُ قدر الِاحْتِيَاج هَهُنَا، وَسَيَجِيءُ مزِيد الْكَلَام فِي الْمُحَاربين إِن شَاءَ الله تَعَالَى. قَوْله:(إِن الْمَوْسِم) أَي: موسم الْحَج، وَهُوَ مُجْتَمع النَّاس، وسمى بِهِ لِأَنَّهُ معلم لجَمِيع النَّاس. قَوْله:(رعاع النَّاس) بِفَتْح الرَّاء وَتَخْفِيف الْعين الْمُهْملَة الأولى: الأسقاط والسفلة وغوغاؤهم، أصل الغوغاء الْجَرَاد حَتَّى يخف للطيران، ثمَّ استعير للسفلة من النَّاس المسرعين إِلَى الشَّرّ، وَيجوز أَن يكون من الغوغاء: الصَّوْت والجلبة الْكَثِيرَة لِكَثْرَة لغلطهم وصياحهم. قَوْله: (وَالسّنة) ويروى: والسلامة عَن الْكشميهني. قَوْله: (وتخلص) أَي: تصل. قَوْله: (أول مقَام) أَرَادَ بِهِ قِيَامه فِي الْمَدِينَة بالْكلَام وَالْحكم.

3928 -

حدَّثنا يَحْيَى بنُ سُلَيْمَانَ حدَّثني ابنُ وَهْبٍ حدَّثنا مالِكٌ ح وأخبرَني يُونُسُ عنِ ابنِ شِهَابٍ قَالَ أخبرَنِي عُبَيْدُ الله بنُ عَبْدِ الله أَن ابنَ عَبَّاسٍ أخْبرَهُ أنَّ عَبْدَ الرَّحْمانِ بنَ عَوْفٍ رَجَعَ إلَى أهْلِهِ وهْوَ بِمِنًى فِي آخِرِ حَجَّةٍ حَجَّهَا عُمَرُ فوَجَدَنِي فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمانِ فقُلْتُ يَا أمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إنَّ الْمَوْسِمَ يَجْمَعُ رَعاعَ النَّاسِ وإنِّي أرَى أنْ نُمْهِلَ حَتَّى تقْدَمَ المَدِينَةَ فإنَّهَا دارُ الهِجْرَةِ والسُّنَّةِ وتَخْلُصَ لأِهْلِ الفِقْهِ وأشْرَافِ النَّاسِ وذَوِي رأيِهِمْ قَالَ عُمَرُ لأقُومَنَّ فِي أوَّلِ مقَامٍ أقُومُهُ بالمَدِينَةِ. .

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (فَإِنَّهَا دَار الْهِجْرَة وَالسّنة) وَرِجَاله قد ذكرُوا غير مرّة، وَيحيى بن سُلَيْمَان الْجعْفِيّ سكن مصر، وَعبيد الله بن عبد الله بن عتبَة بن مَسْعُود.

والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ فِي الْمُحَاربين مطولا عَن عَليّ بن عبد الله وَعَن عبد الْعَزِيز بن عبد الله وَفِي الْمَغَازِي والاعتصام عَن مُوسَى بن إِسْمَاعِيل وَأخرجه بَقِيَّة الْجَمَاعَة. قَوْله: (قَالَ ابْن وهب: أَخْبرنِي يُونُس) وَكَذَلِكَ قَالَ فِي الْمَظَالِم فِي: بَاب مَا جَاءَ فِي السقائف حَيْثُ قَالَ: حَدثنِي يحيى بن سُلَيْمَان، قَالَ: حَدثنِي ابْن وهب، قَالَ: حَدثنِي مَالك وَأَخْبرنِي يُونُس عَن إِبْنِ شهَاب

إِلَى آخِره مُخْتَصرا، حَاصله أَن عبد الله بن وهب روى هَذَا الحَدِيث عَن مَالك، وروى عَن يُونُس بن يزِيد أَيْضا وَله فِيهِ شَيْخَانِ، والْحَدِيث الَّذِي يَأْتِي فِي الْمُحَاربين يُفَسر هَذَا لِأَنَّهُ مُخْتَصر مِنْهُ.

قَوْله: (رَجَعَ إِلَى أَهله وَهُوَ بمنى) أَي: وَالْحَال أَن أَهله بمنى وَأَرَادَ بِهِ منزله، ويوضحه مَا فِي حَدِيث الْمُحَاربين عَن ابْن عَبَّاس: كنت أقرىء رجَالًا من الْمُهَاجِرين مِنْهُم عبد الرَّحْمَن بن عَوْف، فَبَيْنَمَا أَنا فِي منزله بمنى وَهُوَ عِنْد عمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فِي آخر حجَّة حَجهَا إِذْ رَجَعَ إِلَى عبد الرَّحْمَن، فَقَالَ: لَو رَأَيْت رجلا أَتَى أَمِير الْمُؤمنِينَ الْيَوْم، فَقَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ! هَل لَك فِي فلَان؟ يَقُول: لَو قد مَاتَ عمر لقد بَايَعت فلَانا. فوَاللَّه مَا كَانَت بيعَة أبي بكر إِلَّا فلتة فتمت، فَغَضب عمر، ثمَّ قَالَ: إِنِّي إِن شَاءَ الله لقائم العشية فِي النَّاس فمحذرهم هَؤُلَاءِ الَّذين يُرِيدُونَ أَن يغصبوهم أُمُورهم، قَالَ عبد الرَّحْمَن: فَقلت: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ: لَا تفعل فَإِن الْمَوْسِم يجمع رعاع النَّاس وغوغاءهم، إِلَى أَن قَالَ: فامهل حَتَّى تقدم الْمَدِينَة فَإِنَّهَا دَار الْهِجْرَة وَالسّنة، فتخلص بِأَهْل الفقة وأشراف النَّاس فَتَقول مَا قلت مُتَمَكنًا، فيعي أهل الْعلم مَقَالَتك ويضعونها على موَاضعهَا. فَقَالَ عمر: أما وَالله إِن شَاءَ الله لأقومن بذلك أول مقَام أقومه بِالْمَدِينَةِ

الحَدِيث بِطُولِهِ، فَإِن لم يقف النَّاظر فِيهِ لم يحصل لَهُ تمكن فِي فهم حَدِيث الْبَاب لِأَنَّهُ مُخْتَصر، والمطول شرح لَهُ، فَلذَلِك ذكرنَا مِنْهُ قدر الِاحْتِيَاج هَهُنَا، وَسَيَجِيءُ مزِيد الْكَلَام فِي الْمُحَاربين إِن شَاءَ الله تَعَالَى. قَوْله:(إِن الْمَوْسِم) أَي: موسم الْحَج، وَهُوَ مُجْتَمع النَّاس، وسمى بِهِ لِأَنَّهُ معلم لجَمِيع النَّاس. قَوْله:(رعاع النَّاس) بِفَتْح الرَّاء وَتَخْفِيف الْعين الْمُهْملَة الأولى: الأسقاط والسفلة وغوغاؤهم، أصل الغوغاء الْجَرَاد حَتَّى يخف للطيران، ثمَّ استعير للسفلة من النَّاس المسرعين إِلَى الشَّرّ، وَيجوز أَن يكون من الغوغاء: الصَّوْت والجلبة الْكَثِيرَة لِكَثْرَة لغلطهم وصياحهم. قَوْله: (وَالسّنة) ويروى: والسلامة عَن الْكشميهني. قَوْله: (وتخلص) أَي: تصل. قَوْله: (أول مقَام) أَرَادَ بِهِ قِيَامه فِي الْمَدِينَة بالْكلَام وَالْحكم.

3929 -

حدَّثنا مُوسَى بنُ إسْمَاعِيلَ حدَّثنا إبْرَاهِيمُ الأنْصَارِي بنُ سَعْدٍ أخبرَنَا ابنُ شِهابٍ عنْ خَارِجَةَ بنِ زَيْدِ بنِ ثابِتٍ أنَّ أمَّ العَلَاءِ امْرَأةً مِنْ نِسَائِهِمْ بايَعَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أخْبَرَتْهُ أنَّ عُثْمَانَ بنَ مَظْعُونٍ طارَ لَهُمْ فِي السُّكْنَى حِينَ اقْتَرَعَتِ الأنْصَارُ عَلَى سُكْنَى الْمُهَاجِرِينَ قالَتْ أُمُّ العَلاءِ فاشْتَكَى عُثْمَانُ عِنْدَنَا فَمَرَّضْتُهُ حتَّى تُوُفِّيَ وجَعَلْنَاهُ فِي أثْوَابِهِ فدَخَلَ عَلَيْنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فقُلْتُ رَحْمَةُ الله علَيْكَ أبَا السَّائِبِ شَهَادَتي علَيْكَ لَقَدْ أكْرَمَكَ الله فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ومَا يُدْرِيكِ أنَّ الله أكْرَمَهُ قالَتْ قُلْتُ لَا أدْرِي بأبِي أنْتَ وأُمِّي يَا رَسُولَ الله فَمَنْ قالَ أمَّا هُوَ فقَدْ جاءَهُ وَالله الْيَقِينُ وَالله إنِّي لأرْجُو لَهُ الخَيْرَ ومَا أدْرِي وَالله وأنَا رسُولُ الله مَا يُفْعَلُ بِي قالَتْ فَوَالله لَا أُزَكِّي أحَدَاً بَعْدَهُ قالَتْ فأحْزَنَني ذَلِكَ فَنمت فأرِيتُ لِعُثْمَانَ بنِ مَظْعُونٍ عَيْنَاً تَجْرِي فَجِئْتُ رسُولَ الله صلى الله عليه وسلم فأخْبَرْتُهُ فقَالَ ذَلِكَ عَمَلُهُ. .

مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (حِين اقترعت الْأَنْصَار على سُكْنى الْمُهَاجِرين) وَإِبْرَاهِيم بن سعد بن إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن ابْن عَوْف، وَأم الْعَلَاء. قَالَ التِّرْمِذِيّ: هِيَ وَالِدَة خَارِجَة بن زيد بن ثَابت الرَّاوِي عَنْهَا، وَأم الْعَلَاء هِيَ بنت الْحَارِث بن ثَابت بن خَارِجَة الْأَنْصَارِيَّة الخزرجية، وَاسْمهَا كنيتها. والْحَدِيث مر فِي كتاب الْجَنَائِز فِي: بَاب الدُّخُول على الْمَيِّت، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ: عَن يحيى ن بكير عَن اللَّيْث عَن عقيل عَن ابْن شهَاب

إِلَى آخِره. قَوْله: (من نِسَائِهِم)، أَي: من نسَاء الْأَنْصَار. قَوْله: (حَتَّى اقترعت)، وَوَقع أَيْضا: قرعت، وَالْأول هُوَ الْمَعْرُوف. قَوْله:(طَار لَهُم) أَي: خرج لَهُم فِي الْقرعَة. قَوْله: (أَبَا السَّائِب) هُوَ كنية عُثْمَان بن مَظْعُون، بالظاء الْمُعْجَمَة.

408 -

(حَدثنَا عبيد الله بن سعيد حَدثنَا أَبُو أُسَامَة عَن هِشَام عَن أَبِيه عَن عَائِشَة رضي الله عنها قَالَت كَانَ يَوْم بُعَاث يَوْمًا قدمه الله عز وجل لرَسُوله صلى الله عليه وسلم َ - فَقدم رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ - الْمَدِينَة وَقد افترق ملوهم وَقتلت سرواتهم فِي دُخُولهمْ فِي الْإِسْلَام) مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله فَقدم رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ - وَعبيد الله بن سعيد بن يحيى أَبُو قدامَة الْيَشْكُرِي السَّرخسِيّ وَهُوَ من مَشَايِخ مُسلم أَيْضا وَأَبُو أُسَامَة حَمَّاد بن أُسَامَة وَهِشَام يروي عَن أَبِيه عُرْوَة بن الزبير عَن أم الْمُؤمنِينَ عَائِشَة والْحَدِيث فِي بَاب مَنَاقِب الْأَنْصَار فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن عبيد بن إِسْمَاعِيل عَن أبي أُسَامَة إِلَى آخِره قَوْله " يَوْم بُعَاث " بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة وَتَخْفِيف

ص: 63

الْعين الْمُهْملَة وَفِي آخِره ثاء مُثَلّثَة وَهُوَ يَوْم جرى بَين الْأَوْس والخزرج فِيهِ قتال قَوْله " وَقد افترق " الْوَاو فِيهِ للْحَال قَوْله " ماؤهم " أَي أَشْرَافهم قَوْله " وسرواتهم " أَي ساداتهم وَهُوَ جمع سراة وَيجمع السرى يَعْنِي النفيس على سراة أَيْضا على غير قِيَاس قَوْله فِي دُخُولهمْ يتَعَلَّق بقوله قدمه الله تَعَالَى يَعْنِي لَو كَانَ صَنَادِيدهمْ أَحيَاء لما انقادوا لرَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ - حبا للرياسة

409 -

(حَدثنِي مُحَمَّد بن الْمثنى حَدثنَا غنْدر حَدثنَا شُعْبَة عَن هِشَام عَن أَبِيه عَن عَائِشَة أَن أَبَا بكر دخل عَلَيْهَا وَالنَّبِيّ صلى الله عليه وسلم َ - عِنْدهَا يَوْم فطر أَو أضحى وَعِنْدهَا قينتان تُغنيَانِ بِمَا تقاذفت الْأَنْصَار يَوْم بُعَاث فَقَالَ أَبُو بكر مزمار الشَّيْطَان مرَّتَيْنِ فَقَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ - دعهما يَا أَبَا بكر إِن لكل قوم عيدا وَإِن عيدنا هَذَا الْيَوْم) مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ أَنه مُطَابق للْحَدِيث السَّابِق فِي ذكر يَوْم بُعَاث والمطابق للمطابق للشَّيْء مُطَابق لذَلِك الشَّيْء وَلم أر أحدا من الشُّرَّاح ذكر لَهُ مُطَابقَة وَالَّذِي ذكرته من الْفَيْض الالهي وَرِجَاله قد ذكرُوا غير مرّة وغندر مُحَمَّد بن جَعْفَر وَهِشَام يروي عَن أَبِيه عُرْوَة بن الزبير بن الْعَوام رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ والْحَدِيث قد مر بأتم مِنْهُ فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ فِي بَاب إِذا فَاتَتْهُ صَلَاة الْعِيد يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ عَن يحيى بن بكير عَن اللَّيْث عَن عقيل عَن ابْن شهَاب إِلَى آخِره وَقد مر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ قَوْله وَالنَّبِيّ صلى الله عليه وسلم َ - الْوَاو فِيهِ للْحَال قَوْله " أَو أضحى " شكّ من الرَّاوِي أَي أَو يَوْم أضحى قَوْله " قينتان " تَثْنِيَة قينة بِفَتْح الْقَاف وَهِي الْمُغنيَة قَوْله " بِمَا تقاذفت " بِالْقَافِ والذال الْمُعْجَمَة أَي بِمَا ترامت بِهِ الْأَنْصَار فِي ذَلِك الْيَوْم ويروى بِمَا تعازفت بِالْعينِ الْمُهْملَة وَالزَّاي قَالَ الْخطابِيّ يحْتَمل أَن يكون من عزف اللَّهْو وَضرب المعازف على تِلْكَ الْأَشْعَار المحرضة لِلْقِتَالِ وَأَن يكون من العزف وَهُوَ أصوات الوغى كعزيف الرِّيَاح وَهُوَ مَا يسمع من دويها وَالْمَعَازِف الملاهي والعازف اللاعب بهَا وَفِي بعض النّسخ وَعِنْدهَا قينتان بِمَا تقاذفت الْأَنْصَار بِدُونِ لفظ تُغنيَانِ فَلذَلِك قَالَ الْخطابِيّ يُرِيد بالقينتين جارتين لَا مغنيتين وَأَرَادَ بِهَذَا تَنْزِيه بَيت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ - من أَن يكون فِيهِ غناء من مغنيتين مشهورتين (قلت) فعلى هَذَا الابدان بِقدر مُتَعَلق مُنَاسِب لقَوْله بِمَا وَهُوَ أَن يُقَال قينتان تنشدان بِمَا تقاذفت الْأَنْصَار فَافْهَم -

3932 -

حدَّثنا مُسَدَّدٌ حدَّثنا عَبْدُ الوَارِثِ ح وحدَّثنا إسْحَاقُ بنُ مَنْصُورٍ أخْبرنَا عبْدُ الصَّمَدِ قَالَ سَمِعْتُ أبِي يُحَدِّثُ حدَّثنا أبُو التَّيَّاحَ يَزِيدُ بنُ حُمَيْدٍ الضُّبَعِيُّ قَالَ حدَّثني أنَسُ بنُ مالِكٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ لَمَّا قدِمَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم المَدِينَةَ نَزَلَ فِي عُلْوِ المَدِينَةِ فِي حَيٍّ يُقالُ لَهُمْ بَنُو عَمْرِو بنِ عَوْفٍ قَالَ فأقَامَ فِيهِمْ أرْبَعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً ثُمَّ أرْسَلَ إِلَى مَلاءِ بَنِي النَّجَّارِ قَالَ فَجاؤُا مُتَقَلِّدِي سُيُوفِهِمْ قَالَ وكأنِّي أنْظُرُ إِلَى رسُولِ الله صلى الله عليه وسلم علَى رَاحِلَتِهِ وأبُو بَكْرٍ رِدْفَهُ ومَلإ بَنِي النَّجَّار حَوْلَهُ حَتَّى ألْقَى بِفَنَاءِ أبِي أيُّوبَ قَالَ فَكانَ يُصَلِّي حَيْثُ أدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ ويُصَلِّي فِي مَرَابِضِ الغَنَمِ قَالَ ثُمَّ إنَّهُ أمَرَ بِبِناءِ الْمَسْجِدِ فأرْسَلَ إلَى مَلأ بَنِي النَّجَّارِ فَجاؤا فقَال يَا بَنِي النَّجَّارِ ثامِنُونِي حائِطَكُمْ هاذَا فقَالُوا لَا وَالله لَا نَطْلُبُ ثَمَنَهُ إلَاّ الله تَعَالَى قَالَ فكانَ فِيهِ مَا أقُولُ لَكُمْ كانَتْ فِيهِ قُبُورُ المُشْرِكِينَ وكانَتْ فِيهِ خِرَبٌ وكانَ فِيهِ نَخْل فأمَرَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم بِقُبُورِ المُشْرِكِينَ فَنُبِشَتْ وبالخِرَبِ فَسُوِّيَتْ وبالنَّخْلِ فقُطِعَ قَالَ فَصَفُّوا النَّخْلَ قِبْلَةَ المَسْجِدِ قَالَ وجعَلُوا عِضَادَتَيْهِ حِجَارَةً قَالَ جَعَلُوا يَنْقُلُونَ ذَاكَ الصَّخْرَ وهُمْ يَرْتَجِزُونَ ورسُولُ الله صلى الله عليه وسلم معَهُمْ يَقُولُونَ:

(أللَّهُمَّ إِنَّه لَا خَيْرَ إلَاّ خَيْرُ الآخِرَهْفانْصُرِ الأنْصَارَ والمُهَاجِرَهْ)

.

ص: 64