الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(إلَاّ فِي غَزْوَة) وَجه هَذَا الِاسْتِثْنَاء أَن غير صفة، وَالْمعْنَى: مَا تخلفت إلَاّ فِي تَبُوك حَال مُغَايرَة تخلف بدر لتخلف تَبُوك، لِأَن التَّوَجُّه فِيهِ لم يكن بِقصد الْغَزْو بل بِقصد أَخذ العير، وَهُوَ معنى قَوْله:(إِنَّمَا خرج رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم إِلَى آخِره. قَوْله: (وَلم يُعَاتب) ، على صِيغَة الْمَجْهُول، وَلَفظ (أحد) مَرْفُوع، وَفِي رِوَايَة الكشمسهيني:(وَلم يُعَاتب الله أحدا) قَوْله: (يُرِيد عير قُرَيْش) ، جملَة حَالية، يَعْنِي: لم يرد الْقِتَال. قَوْله: (على غير ميعاد) يَعْنِي: بَين النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَبَين كفار قُرَيْش.
4 -
(بابُ قَوْلِ الله تعَالى {إذْ تسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فاسْتَجَابَ لكُم أنِّي مُمِدُّكُمْ بألْفٍ مِنَ المَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ وَمَا جَعَلَهُ الله إلَاّ بُشْرَى ولِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إلَاّ مِنْ عِنْدِ الله إنَّ الله عَزِيزٌ
حَكِيمٌ إذْ يُغَشِّيكُمْ النعاسَ أمَنَةً مِنْهُ ويُنَزِّلُ علَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاء لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ ويُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ ولِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ ويُثَبِّتَ بِهِ الأقْدَامَ إذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى المَلائِكَةِ أنِّي مَعَكُمْ فثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كفَرُوا الرُّعْبَ فاضْرِبُوا فوقَ الأعْنَاقِ واضْرِبُوا مِنْهُمْ كلَّ بَنانٍ ذالِكَ بِأنَّهُمْ شَاقُوا الله ورَسُولَهُ ومَنْ يُشَاقِقِ الله ورَسُولَهُ فإنَّ الله شَديدَ العِقَابِ. (الْأَنْفَال: 9 12) .)
أَي: هَذَا بَاب فِي ذكر قَول الله تَعَالَى: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ ربَّكم} الْآيَات، هَكَذَا سيقت هَذِه الْآيَات كلهَا فِي رِوَايَة كَرِيمَة، وَفِي رِوَايَة الْأَكْثَرين: بَاب قَول الله تَعَالَى: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ ربكُم} إِلَى قَوْله: {شَدِيد الْعقَاب} قَوْله: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ} بدل من قَوْله {إِذْ يَعدكُم} (الْأَنْفَال: 7) . وَقيل: يتَعَلَّق بقوله: {ليحق الْحق وَيبْطل الْبَاطِل} (الْأَنْفَال: 8) . واستغاثتهم أَنهم لما علمُوا أَنه لَا بُد من الْقِتَال طفقوا يدعونَ الله تَعَالَى، أَي: رب انصرنا على عَدوك، يَا غياث المستغيثين أغثنا، وَسَيَجِيءُ بَيَان الاستغاثة فِي حَدِيث ابْن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا. قَوْله:{إنِّي مُمِدكُمْ} من الْإِمْدَاد، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ عَن قريب، وأصل (أَنِّي) بِأَنِّي، فَحذف الْجَار وسلط عَلَيْهِ: اسْتَجَابَ، فنصب مَحَله، وَعَن أبي عَمْرو أَنه قَرَأَ: أَنِّي مُمِدكُمْ، بِالْكَسْرِ على إِرَادَة القَوْل أَو على إِجْرَاء اسْتَجَابَ مجْرى: قَالَ، لِأَن الاستجابة من القَوْل. قَوْله:{مُردفِينَ} أَي: مردف بَعضهم بَعْضًا، وَعَن ابْن عَبَّاس: مُتَتَابعين، يَعْنِي وَرَاء كل ملك ملك، وَقَالَ ابْن جرير: حَدثنِي الْمثنى حَدثنَا إِسْحَاق حَدثنَا يَعْقُوب بن مُحَمَّد الزُّهْرِيّ حَدثنِي عبد الْعَزِيز بن عمرَان عَن الربيعي عَن أبي الْحُوَيْرِث عَن مُحَمَّد بن جُبَير عَن عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قَالَ: نزل جِبْرِيل، عليه الصلاة والسلام، فِي ألف من الْمَلَائِكَة عَن ميمنة النَّبِي صلى الله عليه وسلم، وفيهَا أَبُو بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَنزل مِيكَائِيل فِي ألف من الْمَلَائِكَة عَن ميسرَة النَّبِي صلى الله عليه وسلم، وَأَنا فِي الميسرة، وَهَذَا يَقْتَضِي لَو صَحَّ إِسْنَاده أَن الْألف مردفة بِمِثْلِهَا، وَلِهَذَا قَرَأَ بَعضهم: مُردفِينَ، بِفَتْح الدَّال. قَوْله:(وَمَا جعله الله)، أَي: وَمَا جعل الله بعث الْمَلَائِكَة وإعلامه إيَّاكُمْ بهم {إلَاّ بشرى لكم ولتطمئن بِهِ قُلُوبكُمْ} (الْأَنْفَال: 7) . وإلَاّ فَالله تَعَالَى قَادر على نصركم على أعدائكم بِدُونِ ذَلِك، وَلِهَذَا قَالَ:{وَمَا النَّصْر إلَاّ من عِنْد الله} قَوْله: {إِذْ يغشيكم النعاس} كلمة: إِذْ، بدل ثَان من: إِذْ يَعدكُم، أَو مَنْصُوب بالنصر، أَو بِمَا فِي من عِنْد الله من معنى الْفِعْل، أَو بِمَا جعله الله، وَمعنى: يغشيكم يغطيكم، يُقَال: غشاه تغشية إِذا غطاه، قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: قرىء بِالتَّشْدِيدِ وَالتَّخْفِيف، وَنصب النعاس، وَالضَّمِير لله عز وجل. قَوْله:(أَمَنَة) مفعول لَهُ، أَي: لأمنكم، قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: ذكرهم الله بِمَا أنعم بِهِ عَلَيْهِم من إلقائه النعاس عَلَيْهِم أَمَانًا من خوفهم الَّذِي حصل لَهُم من كَثْرَة عدوهم وَقلة عَددهمْ، وَقَالَ أَبُو طَلْحَة: كنت مِمَّن أَصَابَهُ النعاس يَوْم أحد، وَلَقَد سقط السَّيْف من يَدي مرَارًا، وَلَقَد نظرت إِلَيْهِم يمتدون وهم تَحت الجحف، وَقَالَ سُفْيَان الثَّوْريّ: عَن أبي عَاصِم عَن أبي رزين عَن عبد الله بن عَبَّاس، أَنه قَالَ: النعاس فِي الْقِتَال أَمَنَة من الله، وَفِي الصَّلَاة وَسْوَسَة من الشَّيْطَان، وَقَالَ قَتَادَة: النعاس فِي الرَّأْس وَالنَّوْم فِي الْقلب، وَقَالَ سهل بن عبد الله: هُوَ يحل فِي الرَّأْس مَعَ حَيَاة الْقلب، وَالنَّوْم يحل فِي الْقلب بعد نُزُوله من الرَّأْس. قَوْله:{وَينزل عَلَيْكُم} إِلَى قَوْله: {الْأَقْدَام} وَعَن ابْن عَبَّاس: نزل الْمُسلمُونَ يَوْم بدر على كثيب أعفر سوخ فِيهِ الْأَقْدَام وحوافر الدَّوَابّ، وسبقهم الْمُشْركُونَ إِلَى مَاء بدر وغلبوهم عَلَيْهِ، وَأصْبح الْمُسلمُونَ بَعضهم محدثين وَبَعْضهمْ
جنبا، وأصابهم الظمأ ووسوس إِلَيْهِم الشَّيْطَان، وَقَالَ: تَزْعُمُونَ أَن فِيكُم نَبِي الله وأنكم أَوْلِيَاء الله وَقد غَلَبَكُمْ الْمُشْركُونَ على المَاء وَأَنْتُم تصلونَ جنبا ومحدثين؟ فَكيف ترجون أَن تظهروا عَلَيْهِم؟ فَأرْسل الله عَلَيْهِم مَطَرا من السَّمَاء سَالَ مِنْهُ الْوَادي، فَشرب مِنْهُ الْمُسلمُونَ وَاغْتَسلُوا وَسقوا الركاب. وملأوا الأسقية وَأَطْفَأت الْغُبَار وَاشْتَدَّ الرمل حَتَّى ثبتَتْ عَلَيْهِ الْأَقْدَام وزالت وَسْوَسَة الشَّيْطَان، فَذَلِك قَوْله تَعَالَى:{وَينزل عَلَيْكُم} الْآيَة. قَوْله: (إِذْ يوحي رَبك) بدل ثَالِث من: {إِذْ يَعدكُم} (الْأَنْفَال: 7) . وَأَنه نصب: بيثبت بِهِ الْأَقْدَام. قَوْله: (إِنِّي مَعكُمْ) ، مفعول يوحي، وقرىء: إِنِّي: بِالْكَسْرِ على إِرَادَة القَوْل. قَوْله: (فثبتوا الَّذين آمنُوا) الْمَعْنى: أَنِّي معينكم على التثبيت فثبتوهم، وَقَالَ ابْن إِسْحَاق: فآزروهم، وَقيل: قَاتلُوا مَعَهم، وَقيل: كَثُرُوا سوادهم. قَوْله: (الرعب)، أَي: الْخَوْف والمذلة وَالصغَار، فاضربوا فَوق الْأَعْنَاق، وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ أَرَادَ أعالي الْأَعْنَاق الَّتِي هِيَ المذابح لِأَنَّهَا مفاصل، فَكَانَ إِيقَاع الضَّرْب فِيهَا حزاً وتطييراً للرؤوس، وَقيل: أَرَادَ الرؤوس لِأَنَّهَا فَوق الْأَعْنَاق. قَوْله: (كل بنان)، قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: البنان الْأَصَابِع، يُرِيد الْأَطْرَاف، وَقيل: كل مفصل. قَوْله: (ذَلِك) إِشَارَة إِلَى مَا أَصَابَهُم من الضَّرْب وَالْقَتْل وَالْعِقَاب العاجل، وَمحله الرّفْع على الِابْتِدَاء، وَقَوله:(بِأَنَّهُم) خَبره أَي: ذَلِك الْعقَاب وَقع عَلَيْهِم بِسَبَب مشاقهم. قَوْله: (شاقوا الله وَرَسُوله) أَي: خالفوهما. قَوْله: (شَدِيد الْعقَاب) أَي: هُوَ الطَّالِب الْغَالِب لمن خَالفه وناواه، لَا يفوتهُ شَيْء وَلَا يقوم لغضبه شَيْء.
3952 -
حدَّثنا أبُو نُعَيْمٍ حدَّثنا إسْرَائِيلُ عنْ مُخارِقٍ عنْ طارِقِ بنِ شِهَاب قَالَ سَمِعْتُ ابنَ مسْعُودٍ يقُولُ شَهِدْتُ مِنَ المِقْدَادِ بنِ الأسْوَدِ مَشْهَدَاً لأنْ أكُونَ أنَا صاحِبَهُ أحَبَّ إليَّ مِمَّا عُدِلَ بهِ أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وهْوَ يدْعُو علَى المُشْرِكِينَ فَقال لَا نَقُولُ كَمَا قَالَ قَوْمُ مُوساى إذْهَبْ أنْتَ ورَبك فقَاتِلَا ولاكِنَّا نُقاتِلُ عنْ يَمِينِكَ وعنْ شِمالِكَ وبَيْنَ يَدَيْكَ وخَلْفَكَ فرَأيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أشْرَقَ وجْهُهُ وسَرَّهُ يَعْني قَوْلَهُ. (الحَدِيث 3952 طرفه فِي: 4609) .
ذكر فِي هَذَا الْبَاب حديثين: أَحدهمَا: هَذَا، وَهُوَ فِي بَيَان مَا وَقع قبل الْوَقْعَة. وَالْآخر: حَدِيث ابْن عَبَّاس فِيهِ بَيَان الاستغاثة، وكل مِنْهُمَا مُتَعَلق بِمَا ذكر فِي الْآيَات الْكَرِيمَة والمطابقة بِهَذَا الْمِقْدَار تَكْفِي. وَأَبُو نعيم الْفضل بن دُكَيْن، وَإِسْرَائِيل هُوَ ابْن يُونُس بن أبي إِسْحَاق السبيعِي، ومخارق، بِضَم الْمِيم وَتَخْفِيف الْخَاء الْمُعْجَمَة وَكسر الرَّاء وَفِي آخِره قَاف: ابْن عبد الله ابْن جَابر البَجلِيّ الأحمسي، بالمهملتين، وَيُقَال: اسْم أَبِيه عبد الرَّحْمَن، وَيُقَال: خَليفَة، وَهُوَ كُوفِي ثِقَة عِنْد الْجَمِيع، وَقيل: لَيْسَ لَهُ رِوَايَة عَن غير طَارق بن شهَاب بن عبد شمس بن سَلمَة البَجلِيّ الأحمسي الْكُوفِي، يكنى أَبَا عبد الله، رأى النَّبِي صلى الله عليه وسلم، وغزا فِي خلَافَة أبي بكر وَعمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ أَو ثَلَاثًا وَأَرْبَعين غَزْوَة، سمع جمَاعَة من الصَّحَابَة وَمَات سنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي التَّفْسِير عَن أبي نعيم أَيْضا، وَعَن حمدَان بن عَمْرو، وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي التَّفْسِير عَن أبي بكر بن النَّضر.
قَوْله: (شهِدت من الْمِقْدَاد)، بِكَسْر الْمِيم: ابْن الْأسود، وَفِي الْحَقِيقَة اسْم أَبِيه عَمْرو، وَالْأسود كَانَ تبناه فَصَارَ ينْسب إِلَيْهِ. قَوْله:(لِأَن أكون أَنا) اللَّام فِيهِ مَفْتُوحَة، وَلَفْظَة: أَنا، وَقعت فِي رِوَايَة الْكشميهني: وعَلى هَذِه الرِّوَايَة يجوز فِي قَوْله: (صَاحبه) الرّفْع وَالنّصب، وعَلى رِوَايَة غَيره يتَعَيَّن النصب. قَوْله:(صَاحبه)، أَي: صَاحب المشهد. قَوْله: (مِمَّا عدل بِهِ) ، على صِيغَة الْمَجْهُول، أَي: مِمَّا وزن بِهِ من شَيْء يُقَابله، وَقَالَ الْكرْمَانِي: أَي: من الثَّوَاب الَّذِي عدل ذَلِك المشهد بِهِ، وَهَذَا فِيهِ مُبَالغَة وإلَاّ قدره من الثَّوَاب خير من الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، وَالْأولَى أَن يُقَال: أَي من كل شَيْء يُقَابل ويوازن بِهِ من الدنيويات. قَوْله: (وَهُوَ يَدْعُو) الْوَاو فِيهِ للْحَال. قَوْله: (فَقَالَ)، أَي: الْمِقْدَاد، قَوْله:(لَا نقُول)، بنُون الْجمع. قَوْله:(كَمَا قَالَ قوم مُوسَى)، أَي: كَقَوْل قوم مُوسَى لمُوسَى، عليه السلام، وأصل ذَلِك مَا رَوَاهُ ابْن مرْدَوَيْه، حَدثنَا عَليّ بن الْحسن حَدثنَا أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ حَدثنَا مُحَمَّد بن عبد الله الْأنْصَارِيّ حَدثنَا حميد عَن أنس: أَن رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم، لما سَار إِلَى بدر اسْتَشَارَ الْمُسلمين، فَأَشَارَ عَلَيْهِ عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، ثمَّ استشارهم،