الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قَوْله: (الْكتاب)، بِالنّصب أَي: هَاتِي الْكتاب. أَو أخرجيه. قَوْله: (فأنخناها)، أَي: فأنخناها بَعِيرهَا. قَوْله: (أَو لَنُجَرِّدَنَّكِ) كلمة أَو هُنَا بِمَعْنى إِلَى، نَحْو: لألزمنك أَو تُعْطِينِي حَقي. قَوْله: (أهوت إِلَى حجزَتهَا) ، بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة وَسُكُون الْجِيم وبالزاي، قَالَ ابْن الْأَثِير: أصل الحجزة مَوضِع الْإِزَار، ثمَّ قيل للإزار حجزة للمجاورة. وَقَالَ غَيره: وحجزة الْإِزَار معقده، وحجزة السَّرَاوِيل الَّتِي فِيهَا التكة. واحتجز الرجل بِإِزَارِهِ إِذا شده على وَسطه. قَوْله:(محتجزة) أَي: شَادَّة كساها على وَسطهَا. فَإِن قلت: تقدم فِي الْجِهَاد أَنَّهَا أخرجته من العقاص لَا من الحجزة؟ قلت: الحجزة هِيَ المعقدة مُطلقًا، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ من وُجُوه. قَوْله:(مَا بِي إلَاّ أكون) كلمة: إلَاّ للاستثناء بِكَسْر الْهمزَة وَتَقْدِيره: أَن لَا أكون. قَوْله: (الْقَوْم) أَي: الْمُشْركين. قَوْله: (يَد) أَي: يَد نعْمَة وَيَد منَّة. قَوْله: (لَعَلَّ الله) قَالَ النَّوَوِيّ: معنى الترجي رَاجع إِلَى عمر لِأَن وُقُوعه مُحَقّق عِنْد الرَّسُول. قلت: الترجي فِي كَلَام الله وَكَلَام رَسُوله للوقوع، وَقد وَقع عِنْد أَحْمد وَأبي دَاوُد وَابْن أبي شيبَة من حَدِيث أبي هُرَيْرَة بِالْجَزْمِ، وَلَفظه: إِن الله اطلع على أهل بدر فَقَالَ: إعملوا مَا شِئْتُم فقد غفرت لكم، وَعند أَحْمد بِإِسْنَاد على شَرط مُسلم من حَدِيث جَابر مَرْفُوعا: لن يدْخل النَّار أحد شهد بَدْرًا. قَوْله: (إعملوا مَا شِئْتُم) ظَاهره مُشكل لِأَنَّهُ للْإِبَاحَة وَهُوَ خلاف عقد الشَّرْع. وَأجِيب: بِأَنَّهُ إِخْبَار عَن الْمَاضِي، أَي: كل عمل كَانَ لكم فَهُوَ مغْفُور، وَيُؤَيِّدهُ أَنه لَو كَانَ لما يسْتَقْبل من الْعَمَل لم يَقع بِلَفْظ الْمَاضِي، ولقال: فسأغفر لكم، ورد بِأَنَّهُ لَو كَانَ للماضي لما حسن الِاسْتِدْلَال بِهِ فِي قصَّة حَاطِب، لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم خَاطب بِهِ عمر مُنْكرا عَلَيْهِ مَا قَالَ فِي أَمر حَاطِب، وَهَذِه الْقِصَّة كَانَت بعد بدر بست سِنِين، فَدلَّ على أَن المُرَاد مَا سَيَأْتِي، وَإِنَّمَا أوردهُ بِلَفْظ الْمَاضِي مُبَالغَة فِي تَحْقِيقه، وَقيل: مَعْنَاهُ الغفران لَهُم فِي الْآخِرَة، وإلَاّ فَلَو توجه على أحد مِنْهُم حد مثلا يسْتَوْفى مِنْهُ، ألَا ترَى أَن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، حد قدامَة بن مَظْعُون حِين شرب الْخمر وَهُوَ يدْرِي؟ قَوْله:(أَو فقد غفرت لكم) شكّ من الرَّاوِي.
10 -
(بابٌ)
أَي: هَذَا بَاب كَذَا وَقع مُجَردا عَن التَّرْجَمَة، وَهُوَ غير مُعرب إلَاّ إِذا قدر مَا ذكرنَا، لِأَن الْإِعْرَاب يَسْتَدْعِي التَّرْكِيب، وكل مَا ذكر فِيهِ لَا يَخْلُو عَن أَمر من أُمُور بدر.
33 -
(حَدثنِي عبد الله بن مُحَمَّد الْجعْفِيّ حَدثنَا أَبُو أَحْمد الزبيرِي حَدثنَا عبد الرَّحْمَن بن الغسيل عَن حَمْزَة بن أبي أسيد وَالزُّبَيْر بن الْمُنْذر بن أبي أسيد عَن أبي أسيد رضي الله عنه قَالَ قَالَ لنا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ - يَوْم بدر إِذا أكثبوكم فارموهم واستبقوا نبلكم) عبد الله بن مُحَمَّد هُوَ الْمَعْرُوف بالمسندي وَأَبُو أَحْمد هُوَ مُحَمَّد بن عبد الله الْأَسدي الزبيرِي وَلَيْسَ من نسل الزبير بن الْعَوام وَعبد الرَّحْمَن هُوَ ابْن سُلَيْمَان بن عبد الرَّحْمَن بن عبد الله بن حَنْظَلَة الغسيل وَهُوَ الْمَعْرُوف بغسيل الْمَلَائِكَة قتل يَوْم أحد شَهِيدا قَتله أَبُو سُفْيَان بن حَرْب وَكَانَ قد ألم بأَهْله حِين خُرُوجه إِلَى أحد ثمَّ هجم عَلَيْهِ فِي الْخُرُوج إِلَى النفير مَا أنساه الْغسْل وأعجله عَنهُ فَلَمَّا قتل شَهِيدا أخبر رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ - بِأَن الْمَلَائِكَة غسلته وَسليمَان الْمَذْكُور نسب إِلَى حَنْظَلَة الْمَذْكُور وَهُوَ جد أَبِيه وَحَمْزَة بن أبي أسيد مصغر الْأسد واسْمه مَالك بن ربيعَة بن مَالك الْأنْصَارِيّ السَّاعِدِيّ الخزرجي وَالزُّبَيْر بن الْمُنْذر بِلَفْظ اسْم فَاعل من الانذار ابْن مَالك الْمَذْكُور وَفِيه اخْتِلَاف فَقيل هُوَ الزبير بن مَالك وَقَالَ الْحَاكِم فِي كتاب الْمدْخل هُوَ زبير بن الْمُنْذر بن أبي أسيد وَقيل زبير بن أبي أسيد وَقَالَ عبد الرَّحْمَن بن أبي حَاتِم الرَّازِيّ روى ابْن الغسيل عَن الزبير فَقَالَ عَن الزبير بن الْمُنْذر بن أبي أسيد عَن أبي أسيد وروى عَنهُ غَيره فَقَالَ عَن الزبير بن أبي أسيد عَن أبي أسيد وَقَالَ الْكرْمَانِي وَفِيه اخْتِلَاف آخر من جِهَة النّسخ فَفِي بَعْضهَا ذكر فِي الْإِسْنَاد ابْن الزبير بن الْمُنْذر وَفِي بَعْضهَا فِي الْإِسْنَاد الثَّانِي يَعْنِي الَّذِي يَأْتِي ذكر الْمُنْذر عَن أبي أسيد وَأسْقط لفظ الزبير هَذَا وَالْمَفْهُوم من بعض الْكتب أَن الزبير هُوَ بِنَفسِهِ الْمُنْذر سَمَّاهُ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ - بالمنذر والْحَدِيث مضى فِي كتاب الْجِهَاد فِي بَاب التحريض على الرَّمْي
أخرجه عَن أبي نعيم عَن عبد الرَّحْمَن بن الغسيل عَن حَمْزَة بن أبي أسيد عَن أَبِيه الحَدِيث قَوْله " إِذا أكثبوكم " من الاكثاب من الكثب بتحريك الثَّاء الْمُثَلَّثَة وَهُوَ الْقرب يُقَال رَمَاه من كثب وَيُقَال أكثبك الصَّيْد أَي أمكنك وَوَقع فِي الرِّوَايَة الثَّانِيَة يَعْنِي أَكثر وَكم قيل هَذَا تَفْسِير لَا يعرفهُ أهل اللُّغَة وَحَاصِل الْمَعْنى إِذا قربوا مِنْكُم فأمكنوكم من أنفسهم فارموهم قَوْله واستبقوا أَمر من الاستبقاء وَهُوَ طلب الْبَقَاء وَقَالَ بَعضهم هُوَ أَمر من الْإِبْقَاء (قلت) لَيْسَ كَذَلِك لَا يَقُول هَذَا إِلَّا من هُوَ عَار عَن علم التصريف وَقَالَ الدَّاودِيّ معنى قَوْله " ارموهم " يَعْنِي بِالْحِجَارَةِ لِأَنَّهَا لَا تكَاد تخطيء إِذا رمى بهَا فِي الْجَمَاعَة قَالَ وَمعنى قَوْله واستبقوا نبلكم أَي إِلَى أَن تحصل المصادمة والنبل السِّهَام الْعَرَبيَّة -
3985 -
حدَّثني مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ حدَّثنا أبُو أحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ حدَّثنا عَبْدُ الرَّحْمانِ بنُ الغَسِيلِ عنْ حَمْزَةَ بنِ أبِي أُسَيْدٍ والمُنْذِرِ بنِ أبِي أُسَيْدٍ عنْ أبِي أُسَيْدٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ قَالَ لَنَا رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يَوْمَ بَدْرٍ إِذا أكْثَبُوكُمْ يَعْنِي أكْثَرُوكُمْ فارْمُوهُمْ واسْتَبْقُوا نَبْلَكُمْ. (انْظُر الحَدِيث 2900 وطرفه) .
هَذَا طَرِيق آخر فِي الحَدِيث السَّابِق عَن مُحَمَّد بن عبد الرَّحِيم أبي يحيى الَّذِي يُقَال لَهُ: صَاعِقَة.
3986 -
حدَّثني عَمْرُو بنُ خَالِدٍ حدَّثنا زُهَيرٌ حدَّثنا أبُو إسْحَاقَ قَالَ سَمِعْتُ البَرَاءَ بنَ عَازِبٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُما قَالَ جَعَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم علَى الرُّمَاةِ يَوْمَ أُحُدٍ عبْدَ الله بنَ جُبَيْر فأصابُوا مِنَّا سَبْعِينَ وكانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وأصْحَابُهُ أصَابُوا مِنَ المُشْرِكِينَ يَوْمَ بَدْرٍ أرْبَعِينَ ومِائَةً سَبْعِينَ أسِيرَاً أوْ سَبْعِينَ قَتِيلاً: قَالَ أبُو سُفْيَانَ يَوْمٌ بِيَوْمِ بَدْرٍ والحَرْبُ سِجَالٌ. .
قد مر وَجه ذكره هُنَا فِي أول الْبَاب، وَعَمْرو بن خَالِد بن فروخ الْجَزرِي، وَزُهَيْر بن مُعَاوِيَة، وَأَبُو إِسْحَاق عَمْرو بن عبد الله السبيعِي.
والْحَدِيث مضى فِي الْجِهَاد عَن عَمْرو بن خَالِد أَيْضا عَن زُهَيْر عَن أبي إِسْحَاق عَن الْبَراء بأتم مِنْهُ مطولا، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
قَوْله: (عبد الله بن جُبَير)، بِضَم الْجِيم وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة: الْأنْصَارِيّ، كَانَ أَمِير الرُّمَاة يَوْم أحد فاستشهد. قَوْله:(أَبُو سُفْيَان) ، اسْمه صَخْر بن حَرْب بن أُميَّة وَالِد مُعَاوِيَة، وَكَانَ رَئِيس الْمُشْركين يَوْمئِذٍ فَأسلم يَوْم الْفَتْح. قَوْله:(يَوْم بِيَوْم بدر)، يَعْنِي: هَذَا يَوْم فِي مُقَابلَة يَوْم بدر. قَوْله: (سِجَال) ، جمع سجل وَهُوَ الدَّلْو شبه المتحاربان بالمستقيين يَسْتَقِي هَذَا دلواً وَذَلِكَ دلواً، كَمَا قَالَ الشَّاعِر:
(فَيوم علينا وَيَوْم لنا
…
وَيَوْم نُساء وَيَوْم نُسر)
3987 -
حدَّثني مُحَمَّدُ بنُ العَلاءِ حدَّثنا أبُو أُسَامَةَ عنْ بُرَيْدٍ عنْ جَدَّهِ أبِي بُرْدَةَ عنْ أبِي مُوسَى أُرَاهُ عنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ وإذَا الخَيْرُ مَا جاءَ الله بِهِ مِنَ الخَيْرِ بَعْدُ وثَوابِ الصِّدْقِ الَّذِي أتانَا بَعْدَ يَوْمِ بَدْرٍ. .
مُحَمَّد بن الْعَلَاء أَبُو كريب الْهَمدَانِي الْكُوفِي، وَهُوَ شيخ مُسلم أَيْضا، وَأَبُو أُسَامَة حَمَّاد بن أُسَامَة، و: بريد، بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة وَفتح الرَّاء وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالدال الْمُهْملَة: ابْن عبد الله بن أبي بردة عَامر بن أبي مُوسَى عبد الله بن قيس الْأَشْعَرِيّ. والْحَدِيث مضى فِي أَوَاخِر: بَاب عَلَامَات النُّبُوَّة، بِهَذَا الْإِسْنَاد بِعَيْنِه بأتم مِنْهُ، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
قَوْله: (وَإِذا الْخَيْر)، قِطْعَة من آخر الحَدِيث الْمَذْكُور فِي: بَاب عَلَامَات النُّبُوَّة وَقَبله: وَرَأَيْت فِيهَا بقرًا وَالله خير فَإِذا هم الْمُؤْمِنُونَ يَوْم أحد، وَإِذا الْخَيْر مَا جَاءَ الله بِهِ
…
إِلَى آخِره، توضيح ذَلِك: أَن رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم، رأى فِي الْمَنَام بقرًا تنحر وَخيرا، فَعبر نَحْو الْبَقر بِإِصَابَة الْمُؤمنِينَ، فَقَالَ: فَإِذا هم الْمُؤْمِنُونَ يَوْم أحد، يَعْنِي حَيْثُ أصيبوا فِيهِ، وَالْخَيْر بِأَنَّهُ هُوَ الْخَيْر الَّذِي جَاءَ الله بعد ذَلِك. قَوْله:(من الْخَيْر) بَيَان لقَوْله: مَا جَاءَ الله بِهِ، قَوْله:(بعد)، بِضَم الدَّال أَي: بعد ذَلِك، يَعْنِي: بعد يَوْم أحد، وَقد علم أَن مَا بعد: بعد، إِذا حذف وَقطع عَن
الْإِضَافَة يبْنى على الضَّم. قَوْله: (وثواب الصدْق)، بِالْجَرِّ عطف على قَوْله: من الْخَيْر، وَأُرِيد بِالصّدقِ الْأَمر المرضي الصَّالح، وَيحْتَمل أَن يكون من بَاب إِضَافَة الْمَوْصُوف إِلَى الصّفة، أَي: الصَّوَاب الصَّالح الْجيد.
3988 -
حدَّثني يَعْقُوبُ بنُ إبْرَاهِيمَ حدَّثنا إبْرَاهِيمُ بنُ سَعْدٍ عنْ أبِيهِ عنْ جَدَّهِ قَالَ قَالَ عَبْدُ الرَّحْمانِ ابنُ عَوْفٍ إنِّي لَفِي الصَّفِّ يَوْمَ بَدْرٍ إذِ الْتَفَتُّ فإذَا عنْ يَمِيني وعنْ يَسارِي فَتَيَانِ حدِيثَا السِّنِّ فكأنِّي لَمْ آمَنْ بِمَكَانِهِمَا إذْ قالَ لِي أحَدُهُمَا سِرَّاً مِنْ صاحِبِهِ يَا عَمِّ أرِنِي أبَا جَهْلٍ فقُلْتُ يَا ابنَ أخِي وَمَا تَصْنَعُ بِهِ قَالَ عاهَدْتُ الله إنْ رَأيْتَهُ أنْ أقْتُلَهُ أوْ أمُوتَ دُونَهُ فقالَ لِي الآخَرُ سِرَّاً مِنْ صاحِبِهِ مِثْلَهُ فَما سَرَّنِي أنِّي بَيْنَ رَجُلَيْنِ مَكانَهُمَا فأشَرْتُ لَهُمَا إلَيْهِ فَشَدَّا عَلَيْهِ مِثْلَ الصَّقْرَيْنِ حَتَّى ضَرَبَاهُ وهُمَا ابْنَا عَفْرَاءَ. (انْظُر الحَدِيث 3141 وطرفه) .
وَجه ذكره هُنَا مَا ذَكرْنَاهُ فِي أول الْبَاب، وَيَعْقُوب ذكر مُجَردا فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَوَقع فِي رِوَايَة أبي ذَر والأصيلي: يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم، وَجزم الكلاباذي بِأَنَّهُ ابْن حميد بن كاسب، وَذكر فِي (رجال الصَّحِيحَيْنِ) : وللبخاري وَحده يَعْقُوب غير مَنْسُوب يُقَال هُوَ ابْن حميد بن كاسب أَبُو يُوسُف الْمدنِي سكن مَكَّة، سمع إِبْرَاهِيم بن سعد، روى عَنهُ البُخَارِيّ، وَقيل لَهُ: يَعْقُوب بن كاسب، مَا قَوْلك فِيهِ؟ قَالَ: لَمْ نر إلَاّ خيرا، وَهُوَ فِي الأَصْل صَدُوق، روى عَنهُ فِي الصُّلْح وَفِي: بَاب من شهد بَدْرًا من الْمَلَائِكَة، وَقَالَ: مَاتَ آخر سنة أَرْبَعِينَ وَمِائَتَيْنِ، وَقَالَ الْكرْمَانِي: الحَدِيث مسلسل بالأبوة إِذْ هُوَ: يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم بن سعد بن إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن، يَعْنِي: كل وَاحِد مِنْهُم يروي عَن أَبِيه قلت: هَذَا غلط، لِأَن يَعْقُوب مَاتَ قبل أَن يرحل البُخَارِيّ، وروى لَهُ الْكثير بِوَاسِطَة، وَالَّذِي قَالَه الْكرْمَانِي جوزه أَبُو مَسْعُود فِي (الْأَطْرَاف)، وَلَكنهُمْ غلطوه: فَكَأَن الْكرْمَانِي لم يطلع إلَاّ على هَذَا فَجزم بِأَنَّهُ يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم بن سعد، والآفة فِي مثل هَذَا من عدم التَّأَمُّل والتقليد، وَمَال الْمزي إِلَى: أَنه يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم الدَّوْرَقِي، وَالله أعلم، وَإِبْرَاهِيم بن سعد بن إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، يروي عَن أَبِيه سعد، وَسعد يروي عَن جده عبد الرَّحْمَن بن عَوْف.
والْحَدِيث مضى فِي الْخمس فِي: بَاب من لم يُخَمّس الأسلاب، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن مُسَدّد عَن يُوسُف بن الْمَاجشون بأتم مِنْهُ وأطول، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
قَوْله: (فَكَأَنِّي لم آمن بمكانهما) أَي: من الْعَدو لجِهَة مكانهما، وَيحْتَمل أَن يكون مكانهما كِنَايَة عَنْهُمَا، أَي: لم أَثِق بهما لِأَنَّهُ لم يعرفهما فَلم يَأْمَن أَن يَكُونَا من الْعَدو، وَجَاء فِي (مغازي ابْن عَائِذ) مَا يُوضح معنى هَذَا، فَإِنَّهُ أخرج هَذِه الْقِصَّة مُطَوَّلَة بِإِسْنَاد مُنْقَطع، وَزَاد فِيهَا: فاشفقت أَن يُؤْتى النَّاس من ناحيتي لكوني بَين غلامين حديثين. قَوْله: (إِذْ قَالَ)، أَي: حِين قَالَ (لي أَحدهمَا) أَي: أحد الغلامين الْمَذْكُورين. قَوْله: (أَرِنِي) ، بِفَتْح الْهمزَة، أَمر من الإراءة. قَوْله:(إِن رَأَيْته أَن أَقتلهُ أَو أَمُوت دونه) أَي: أَو أَن أَمُوت دونه، وَكلمَة: أَو، هُنَا يصلح أَن تكون شَرْطِيَّة لِأَنَّهَا من جملَة مَعَانِيهَا الاثنا عشر، وَلَكِن التَّحْقِيق هُنَا أَن كلمة: أَو، بِمَعْنى الْوَاو، وَلَكِن الْفِعْل الَّذِي قبلهَا دلّ على معنى حرف الشَّرْط فَدَخلَهَا معنى الشَّرْط، وَالْأولَى أَن تكون بِمَعْنى: إِلَى، وَالْمعْنَى: إِن رَأَيْته أَن أعالج قَتله إِلَى أَن أَمُوت دونه، قَوْله:(فَمَا سرني) كلمة: مَا، للنَّفْي. قَوْله:(مكانهما)، أَي: بدلهما. قَوْله: (إِلَيْهِ) أَي: إِلَى أبي جهل. قَوْله: (مثل الصقرين) تَثْنِيَة صقر وَهُوَ الطَّائِر الَّذِي يصاد بِهِ، وَإِنَّمَا شبههما بالصقر لما فِيهِ من الشهامة والإقدام على الصَّيْد، وَلِأَنَّهُ إِذا نشب لم يُفَارِقهُ حَتَّى يَأْخُذهُ، ولأول من صَاد بالصقر من الْعَرَب الْحَارِث بن مُعَاوِيَة بن ثَوْر الْكِنْدِيّ، ثمَّ اشْتهر الصَّيْد بِهِ. قَوْله:(وهما) أَي: الغلامان الْمَذْكُورَان (ابْنا عفراء) معَاذ ومعوذ، وَقد مر الْبَحْث فِيهِ قَرِيبا وبعيداً.
3988 -
حدَّثني يَعْقُوبُ بنُ إبْرَاهِيمَ حدَّثنا إبْرَاهِيمُ بنُ سَعْدٍ عنْ أبِيهِ عنْ جَدَّهِ قَالَ قَالَ عَبْدُ الرَّحْمانِ ابنُ عَوْفٍ إنِّي لَفِي الصَّفِّ يَوْمَ بَدْرٍ إذِ الْتَفَتُّ فإذَا عنْ يَمِيني وعنْ يَسارِي فَتَيَانِ حدِيثَا السِّنِّ فكأنِّي لَمْ آمَنْ بِمَكَانِهِمَا إذْ قالَ لِي أحَدُهُمَا سِرَّاً مِنْ صاحِبِهِ يَا عَمِّ أرِنِي أبَا جَهْلٍ فقُلْتُ يَا ابنَ أخِي وَمَا تَصْنَعُ بِهِ قَالَ عاهَدْتُ الله إنْ رَأيْتَهُ أنْ أقْتُلَهُ أوْ أمُوتَ دُونَهُ فقالَ لِي الآخَرُ سِرَّاً مِنْ صاحِبِهِ مِثْلَهُ فَما سَرَّنِي أنِّي بَيْنَ رَجُلَيْنِ مَكانَهُمَا فأشَرْتُ لَهُمَا إلَيْهِ فَشَدَّا عَلَيْهِ مِثْلَ الصَّقْرَيْنِ حَتَّى ضَرَبَاهُ وهُمَا ابْنَا عَفْرَاءَ. (انْظُر الحَدِيث 3141 وطرفه) .
وَجه ذكره هُنَا مَا ذَكرْنَاهُ فِي أول الْبَاب، وَيَعْقُوب ذكر مُجَردا فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَوَقع فِي رِوَايَة أبي ذَر والأصيلي: يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم، وَجزم الكلاباذي بِأَنَّهُ ابْن حميد بن كاسب، وَذكر فِي (رجال الصَّحِيحَيْنِ) : وللبخاري وَحده يَعْقُوب غير مَنْسُوب يُقَال هُوَ ابْن حميد بن كاسب أَبُو يُوسُف الْمدنِي سكن مَكَّة، سمع إِبْرَاهِيم بن سعد، روى عَنهُ البُخَارِيّ، وَقيل لَهُ: يَعْقُوب بن كاسب، مَا قَوْلك فِيهِ؟ قَالَ: لَمْ نر إلَاّ خيرا، وَهُوَ فِي الأَصْل صَدُوق، روى عَنهُ فِي الصُّلْح وَفِي: بَاب من شهد بَدْرًا من الْمَلَائِكَة، وَقَالَ: مَاتَ آخر سنة أَرْبَعِينَ وَمِائَتَيْنِ، وَقَالَ الْكرْمَانِي: الحَدِيث مسلسل بالأبوة إِذْ هُوَ: يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم بن سعد بن إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن، يَعْنِي: كل وَاحِد مِنْهُم يروي عَن أَبِيه قلت: هَذَا غلط، لِأَن يَعْقُوب مَاتَ قبل أَن يرحل البُخَارِيّ، وروى لَهُ الْكثير بِوَاسِطَة، وَالَّذِي قَالَه الْكرْمَانِي جوزه أَبُو مَسْعُود فِي (الْأَطْرَاف)، وَلَكنهُمْ غلطوه: فَكَأَن الْكرْمَانِي لم يطلع إلَاّ على هَذَا فَجزم بِأَنَّهُ يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم بن سعد، والآفة فِي مثل هَذَا من عدم التَّأَمُّل والتقليد، وَمَال الْمزي إِلَى: أَنه يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم الدَّوْرَقِي، وَالله أعلم، وَإِبْرَاهِيم بن سعد بن إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، يروي عَن أَبِيه سعد، وَسعد يروي عَن جده عبد الرَّحْمَن بن عَوْف.
والْحَدِيث مضى فِي الْخمس فِي: بَاب من لم يُخَمّس الأسلاب، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن مُسَدّد عَن يُوسُف بن الْمَاجشون بأتم مِنْهُ وأطول، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
قَوْله: (فَكَأَنِّي لم آمن بمكانهما) أَي: من الْعَدو لجِهَة مكانهما، وَيحْتَمل أَن يكون مكانهما كِنَايَة عَنْهُمَا، أَي: لم أَثِق بهما لِأَنَّهُ لم يعرفهما فَلم يَأْمَن أَن يَكُونَا من الْعَدو، وَجَاء فِي (مغازي ابْن عَائِذ) مَا يُوضح معنى هَذَا، فَإِنَّهُ أخرج هَذِه الْقِصَّة مُطَوَّلَة بِإِسْنَاد مُنْقَطع، وَزَاد فِيهَا: فاشفقت أَن يُؤْتى النَّاس من ناحيتي لكوني بَين غلامين حديثين. قَوْله: (إِذْ قَالَ)، أَي: حِين قَالَ (لي أَحدهمَا) أَي: أحد الغلامين الْمَذْكُورين. قَوْله: (أَرِنِي) ، بِفَتْح الْهمزَة، أَمر من الإراءة. قَوْله:(إِن رَأَيْته أَن أَقتلهُ أَو أَمُوت دونه) أَي: أَو أَن أَمُوت دونه، وَكلمَة: أَو، هُنَا يصلح أَن تكون شَرْطِيَّة لِأَنَّهَا من جملَة مَعَانِيهَا الاثنا عشر، وَلَكِن التَّحْقِيق هُنَا أَن كلمة: أَو، بِمَعْنى الْوَاو، وَلَكِن الْفِعْل الَّذِي قبلهَا دلّ على معنى حرف الشَّرْط فَدَخلَهَا معنى الشَّرْط، وَالْأولَى أَن تكون بِمَعْنى: إِلَى، وَالْمعْنَى: إِن رَأَيْته أَن أعالج قَتله إِلَى أَن أَمُوت دونه، قَوْله:(فَمَا سرني) كلمة: مَا، للنَّفْي. قَوْله:(مكانهما)، أَي: بدلهما. قَوْله: (إِلَيْهِ) أَي: إِلَى أبي جهل. قَوْله: (مثل الصقرين) تَثْنِيَة صقر وَهُوَ الطَّائِر الَّذِي يصاد بِهِ، وَإِنَّمَا شبههما بالصقر لما فِيهِ من الشهامة والإقدام على الصَّيْد، وَلِأَنَّهُ إِذا نشب لم يُفَارِقهُ حَتَّى يَأْخُذهُ، ولأول من صَاد بالصقر من الْعَرَب الْحَارِث بن مُعَاوِيَة بن ثَوْر الْكِنْدِيّ، ثمَّ اشْتهر الصَّيْد بِهِ. قَوْله:(وهما) أَي: الغلامان الْمَذْكُورَان (ابْنا عفراء) معَاذ ومعوذ، وَقد مر الْبَحْث فِيهِ قَرِيبا وبعيداً.
3989 -
حدَّثنا مُوسَى بنُ إسْمَاعِيلَ حدَّثنا إبْرَاهِيمُ أخبرَنَا ابنُ شِهَابٍ قَالَ أخبرَنِي عَمْرو بنُ أسيدِ بنِ جارِيَةَ الثَّقَفِيُّ حَلِيفُ بنِي زُهْرَةَ وكانَ مِنْ أصْحَابِ أبِي هُرَيْرَةَ عنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِي
الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ بَعَثَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم عَشَرَةَ عَيْنَاً وأمَّرَ عَلَيْهِمْ عاصِمَ بنَ ثابِتٍ الأنْصَارِيَّ جدَّ عاصِمِ ابنِ عُمرَ بنِ الخَطَّابِ حتَّى إذَا كَانُوا بالْهَدَأةِ بَيْنَ عُسْفَانَ ومَكَّةَ ذُكِرُوا لِحَيٍّ مِنْ هُذَيْلٍ يُقالُ لَهُمْ بَنُو لِحْيَانَ فنَفَرُوا لَهُمْ بِقَرِيبٍ مِنْ مِائَةِ رَجُلٍ رامٍ فاقْتَصُّوا آثَارَهُمْ حتَّى وجَدُوا مأكَلَهُمُ التَّمْرَ فِي مَنْزِلٍ نَزَلُوهُ فقالُوا تَمْرَ يَثْرِبَ فاتَّبَعُوا آثارَهُمْ فلَمَّا حَسَّ بِهِمْ عاصِمٌ وأصْحَابُهُ لَجؤا إِلَى مَوْضِعٍ فأحاطَ بِهِمِ القَوْمُ فقالُوا لَهُمْ انْزِلُوا فأعْطُوا بأيْدِيكُمْ ولَكُمُ العَهْدُ والمِيثَاقُ أنْ لَا نَقْتُلَ مِنْكُمْ أحَدَاً فَقَالَ عاصِمُ بنُ ثابِتٍ أيُّهَا القَوْمُ أمَا أنَا فَلا أنْزِلُ فِي ذِمَّةِ كافِرٍ ثُمَّ قالَ أللَّهُمَّ أخْبِرْ عَنَّا نَبِيَّكَ صلى الله عليه وسلم فرَمُوهُمْ بالنَّبْلِ فَقَتَلُوا عاصِمَاً ونَزَلَ إلَيْهِمْ ثلَاثَةُ نَفَرٍ علَى الْعَهْدِ والمِيثَاقِ مِنْهُمْ خُبَيْبٌ وزَيْدُ بنُ الدَّثِنَةِ ورَجُلٌ آخَرُ فلَمَّا اسْتَمْكَنُوا مِنْهُمْ أطْلَقُوا أوْتَارَ قِسِيِّهِمْ فرَبَطُوهُمْ بِهَا قَالَ الرَّجُلُ الثَّالِثُ هاذَا أوَّلُ الغَدْرِ وَالله لَا أصْحَبُكُمْ إنَّ لِي بِهاؤُلاءِ أُسْوَةً يُرِيدُ القَتْلَى فجَرَّرُوهُ وعَالَجُوهُ فأبَى أنْ يَصْحَبَهُمْ فانْطُلِقَ بِخُبَيْبٍ وزَيْدِ بنِ الدَّثِنَةِ حتَّى باعُوهَما بعْدَ وَقْعَةِ بَدْرٍ فابْتاعَ بنُو الحَرِثِ بنِ عامِرِ ابنِ نَوْفَلٍ خُبَيْبَاً وكانَ خُبَيْبٌ هُوَ قتَلَ الحَرِثَ بنَ عامِرٍ يَوْمَ بَدْرٍ فلَبِثَ خُبَيْبٌ عِنْدَهُمْ أسِيرَاً حتَّى أجْمَعُوا قتْلَهُ فاسْتَعَارَ مِنْ بَعْضِ بَناتِ الحَارِث مُوساى يَسْتَحِدُّ بِهَا فأعَارَتْهُ فدَرَجَ بُنَيُّ لَهَا وهْيَ غافِلَةٌ عَنْهُ حتَّى أتَاهُ فوَجَدَتْهُ مُجْلِسَهُ علَى فَخْذِهِ والمُوساى بِيَدِهِ قالَتْ فَفَزِعْتُ فَزْعَةً عَرَفَها خُبَيْبٌ فَقالَ أتَخْشَيْنَ أنْ أقْتُلَهُ مَا كُنْتُ لأفْعَلَ ذالِكَ قالَتْ وَالله مَا رأيْتُ أسِيراً قَطُّ خَيْرَاً مِنْ خُبِيبٍ وَالله لَقَدْ وجَدْتُهُ يَوْمَاً يأكُلُ قِطْفاً مِنْ عِنَبٍ فِي يَدِهِ وإنَّهُ لَمُوثَقٌ بالحَدِيدِ وَمَا بِمَكَّةَ مِنْ ثَمَرَةٍ وكانَتْ تَقُولُ إنَّهُ لَرِزْقٌ رَزَقَهُ الله خُبَيْبَاً فلَمَّا خَرَجُوا بِهِ مِنَ الحَرَمِ لِيَقْتُلُوهُ فِي الحِلِّ قَالَ لَهُمْ خُبَيْبٌ دَعُونِي أُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ فتَرَكُوهُ فرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ فَقالَ وَالله لَوْلَا أنْ تَحْسِبُوا أنَّ مَا بِي جَزَعٌ لَزِدْتُ ثُمَّ قالَ اللَّهُمَّ أحْصِهِمْ عَدَدَاً واقْتُلْهُمْ بِدَدَاً ولَا تُبْقِ مِنْهُمْ أحَدَاً ثُمَّ أنْشأ يَقُولُ:
(فَلَسْتُ أبَالِي حِينَ أُقْتَلُ مُسْلِمَاً
…
علَى أيِّ جَنْبٍ كانَ لله مَصْرَعِي)
(وذالِكَ فِي ذَاتِ الإلاهِ وإنْ يَشأ
…
يُبَارِكُ علَى أوْصَالِ شِلْوٍ مُمَزَّعِ)
ثُمَّ قامَ إلَيْهِ أبُو سِرْوَعَةَ عُقْبَةُ بنُ الحَارِثِ فقَتَلَهُ وكانَ خُبَيْبٌ هُوَ سَنَّ لِكُلِّ مُسْلِمٍ قُتِلَ صَبْرَاً الصَّلَاةَ وأخْبَرَ أصْحَابَهُ يَوْمَ أُصِيبُوا خَبَرَهُمْ وبَعَث ناسٌ منْ قُرَيْشٍ إِلَى عاصِمِ بنِ ثابِتٍ حينَ حُدِّثُوا أنَّهُ قُتِلَ أنْ يُؤْتُوا بِشَيْءٍ منْهُ يُعْرَفُ وكانَ قَتَلَ رَجُلاً عَظِيمَاً منْ عُظَمَائِهِمْ فبَعَثَ الله لِعاصِمٍ مِثْلَ الظُّلْمَةِ مِنَ الدَّبْرِ فَحَمَتْهُ مِنْ رُسُلِهِمْ فلَمْ يَقُدِرُوا أنْ يَقْطَعُوا مِنْهُ شَيْئاً.
ذكره هُنَا لأجل قَوْله: (وَكَانَ قتل عَظِيما من عظمائهم) . فَإِنَّهُ سَيَأْتِي فِي الطَّرِيق الآخر التَّصْرِيح بِأَن ذَلِك يَوْم بدر، وَالَّذِي قَتله عَاصِم الْمَذْكُور يَوْم بدر من الْمُشْركين، عقبَة بن أبي معيط بن أبي عَمْرو بن أُميَّة، قَتله صبرا بِأَمْر النَّبِي صلى الله عليه وسلم.
ومُوسَى بن إِسْمَاعِيل أَبُو سَلمَة الْمنْقري الْبَصْرِيّ الَّذِي يُقَال لَهُ: التَّبُوذَكِي، وَإِبْرَاهِيم هُوَ ابْن سعد بن إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن
ابْن عَوْف، وَابْن شهَاب هُوَ مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ، وَعَمْرو، بِفَتْح الْعين: ابْن أسيد، بِفَتْح الْهمزَة وكسير السِّين: ابْن جَارِيَة، بِالْجِيم، هَكَذَا وَقع فِي رِوَايَة الْكشميهني، وَفِي رِوَايَة غَيره: عَمْرو بن جَارِيَة وَهُوَ هُوَ غير أَنه نسب إِلَى جده فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَوَقع فِي رِوَايَة البُخَارِيّ فِي غَزْوَة الرجيع: عَمْرو بن أبي سُفْيَان، وَهِي كنية أَبِيه أسيد، وَأكْثر أَصْحَاب الزُّهْرِيّ قَالُوا فِيهِ: عَمْرو، بِفَتْح الْعين، وَقَالَ بَعضهم بِضَم الْعين، وَرجح البُخَارِيّ أَنه عَمْرو بِالْوَاو، وَقَالَ ابْن السكن فِي رِوَايَة: عُمَيْر بِالتَّصْغِيرِ وَالْأَكْثَرُونَ على أَنه: عَمْرو، بِفَتْح الْعين.
والْحَدِيث قد مضى فِي كتاب الْجِهَاد فِي: بَاب هَل يستأسر الرجل؟ وَمضى الْكَلَام فِيهِ مستقصى.
قَوْله: (عينا) أَي: جاسوساً، وانتصابه على أَنه بدل من: عشرَة. قَوْله: (أَمر) بتَشْديد الْمِيم. قَوْله: (جد عَاصِم بن عمر) يَعْنِي لأمه. قَوْله: (بالهدأة) بِفَتْح الْهَاء وَالدَّال الْمُهْملَة والهمزة، وَقيل بِإِسْكَان الدَّال بِالْألف وَاللَّام، وَقيل بِغَيْرِهِمَا، وَالنِّسْبَة إِلَيْهَا: هدوي على غير قِيَاس، وَقيل: رويت بتَخْفِيف الدَّال وتشديدها، وَعَن أبي حَاتِم: أَن هَذِه بَين مَكَّة وَالْمَدينَة، وَقَالَ ابْن سعد: على على سَبْعَة أَمْيَال من عسفان، وَهُوَ بِضَم الْعين الْمُهْملَة: مَوضِع على مرحلَتَيْنِ من مَكَّة. قَوْله: (ذكرُوا) على صِيغَة الْمَجْهُول. قَوْله: (بَنو لحيان) بِكَسْر اللَّام وَسُكُون الْحَاء الْمُهْملَة وَتَخْفِيف الْيَاء آخر الْحُرُوف، وَقَالَ الرشاطي: لحيان فِي هُذَيْل، وَقَالَ الْهَمدَانِي: لحيان من بقايا جرهم دخلت فِي هُذَيْل، وَقَالَ ابْن دُرَيْد: هُوَ من لحيث الْعود ولحوته إِذا قشرته، وهذيل، هُوَ ابْن مدركة بن إلْيَاس بن مُضر. قَوْله:(فنفروا إِلَيْهِم) أَي: ذَهَبُوا لقتالهم. قَوْله: (مَأْكَلهمْ) اسْم الْمَكَان أَي: فِي مَأْكَلهمْ. قَوْله: (فأعطونا بِأَيْدِيكُمْ) أَي: انقادوا وسلموا. قَوْله: (مِنْهُم خبيب)، بِضَم الْخَاء الْمُعْجَمَة وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفِي آخِره بَاء مُوَحدَة أُخْرَى: وَهُوَ ابْن عدي الْأنْصَارِيّ. قَوْله: (وَزيد بن الدثنة) ، بِفَتْح الدَّال الْمُهْملَة وَكسر الثَّاء الْمُثَلَّثَة وبالنون، ابْن مُعَاوِيَة بن عبيد بن عَامر بن بياضة الْأنْصَارِيّ البياضي. قَوْله:(وَرجل آخر) هُوَ عبد الله بن طَارق حَلِيف بني ظفر. قَوْله: (أوتار قسيهم) ، الأوتار جمع وتر، والقسي جمع قَوس، وَأَصله: قووس، لِأَنَّهُ فعول، إلَاّ أَنهم قدمُوا اللَاّم وصيروه: قسواً، على وزن فلوع، ثمَّ قلبوا الْوَاو يَاء فَصَارَ: قسي: ثمَّ كسروا السِّين فَصَارَ على وزن: فليع، وَيجمع الْقوس على أقواس أَيْضا، وَقِيَاس، والقوس يذكر وَيُؤَنث فَمن أنثه قَالَ فِي تصغيره: قويسية، وَمن ذكره قَالَ: قويس. قَوْله: (فَأبى أَن يصحبهم)، وَلم يبين فِيهِ مَا فعلوا بِهِ وَبَين فِي غَزْوَة الرجيع أَنهم قَتَلُوهُ. قَوْله:(فَابْتَاعَ بَنو الْحَارِث) أَي: اشْترى، وَفِي (التَّوْضِيح) : فَابْتَاعَ حُجَيْر بن أبي إهَاب خبيباً لِابْنِ أَخِيه عقبَة بن الْحَارِث بن عَامر خَال أبي إهَاب ليَقْتُلهُ بِأَبِيهِ، وَعند أبي معشر: اشترت خبيباً ابْنة أبي سروعة، واشترك مَعهَا نَاس، وَقَالَ الْوَاقِدِيّ اشْترى صَفْوَان بن أُميَّة زيدا ليَقْتُلهُ بِأَبِيهِ بِخَمْسِينَ فَرِيضَة، وَيُقَال: إِنَّه اشْترك فِيهِ نَاس من قُرَيْش، وخبيب اشْتَرَاهُ حُجَيْر بن أبي إهَاب بِثَمَانِينَ مِثْقَالا من ذهب، وَيُقَال: بِخَمْسِينَ فَرِيضَة، وَالْفَرِيضَة بالضاد الْمُعْجَمَة: الْبَعِير الْمَأْخُوذ من الزَّكَاة، ثمَّ اتَّسع فِيهِ حَتَّى سمي الْبَعِير فَرِيضَة فِي غير الزَّكَاة، وَيُقَال: اشترته بنت الْحَارِث بِمِائَة من الْإِبِل، وَعند معمر: اشْتَرَاهُ بَنو الْحَارِث ابْن نَوْفَل، وَعند ابْن عقبَة: اشْترك فِي ابتياع خبيب أَبُو إهَاب بن عَزِيز، وَعِكْرِمَة بن أبي جهل، والأخنس بن شرِيف، وَعبيدَة بن حَكِيم بن الأوقص، وَأُميَّة بن أبي عتبَة، وَبَنُو الْحَضْرَمِيّ، وَشعْبَة بن عبد الله وَصَفوَان بن أُميَّة، وهم أَبنَاء من قتل من الْمُشْركين ببدر، ودفعوه إِلَى عقبَة بن الْحَارِث فسجنه فِي دَاره. قَوْله:(وَكَانَ خبيب هُوَ قتل الْحَارِث بن عَامر) وَاعْترض الدمياطي فَقَالَ: لم يقتل خبيب هَذِه، وَإِنَّمَا هُوَ أحد بني جحجبي الْحَارِث بن عَامر بن نَوْفَل بن عبد منَاف، وَلم يشْهد بَدْرًا، وَالَّذِي شهد بَدْرًا وَقتل فِيهَا الْحَارِث هُوَ خبيب بن يسَاف بن عقبَة بن عَمْرو بن خديج بن عَامر بن جشم بن الْحَرْث بن الْخَزْرَج، وخبيب بن عدي أحد بني عَمْرو بن عَوْف بن مَالك بن الْأَوْس، شهد أحدا وَمَات خبيب بن يسَاف فِي زمن عُثْمَان، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. قلت: قَالَ أَبُو عمر فِي كِتَابه (الِاسْتِيعَاب) : خبيب بن عدي الْأنْصَارِيّ من بني جحجبي بن كلفة بن عَمْرو بن عَوْف، شهد بَدْرًا وَأسر يَوْم الرجيع، وَقَالَ أَيْضا خبيب بن أساف وَيُقَال: يسَاف، شهد بَدْرًا وأحداً وَالْخَنْدَق، وَكَانَ نازلاً بِالْمَدِينَةِ. قَوْله:(مُوسَى) جَازَ صرفه وَمنعه نظرا إِلَى اشتقاقه، كَذَا قَالَه الْكرْمَانِي: سكت عَلَيْهِ. قلت: مُوسَى مَا يحلق بِهِ من أوسى رَأسه أَي: حلق، قَالَ الْفراء: هِيَ فعلى وتؤنث، وَقَالَ عبد الله بن سعيد الأموري: هُوَ مُذَكّر لَا غير، يُقَال: هَذَا مُوسَى، وَهُوَ مفعل، وَقَالَ: أَبُو عبيد لم يسمع التَّذْكِير فِيهِ إلَاّ من الْأمَوِي، وَقَالَ أَبُو عَمْرو
ابْن الْعَلَاء: هُوَ مفعل، يدل على ذَلِك أَنه يصرف فِي النكرَة، وفعلى لَا تَنْصَرِف على حَال. قَوْله:(يستحد بهَا) من الاستحدادد، وَهُوَ إِزَالَة شعر الحانة، وَأَرَادَ بِهِ التَّنْظِيف للمقاربة، لِأَن ذَلِك كَانَ حِين فهم إِجْمَاعهم على الْقَتْل. قَوْله:(فدرج)، أَي: ذهب إِلَيْهِ. قَوْله: (مَجْلِسه)، بِضَم الْمِيم إسم فَاعل من الإجلاس مُضَاف إِلَى الْمَفْعُول. قَوْله:(قَالَت: فَفَزِعت فزعة) لِأَنَّهَا لما رَأَتْ الصَّبِي على فَخذه والموسى بِيَدِهِ ظنت أَنه يقْتله، فَقَالَ خبيب: أتخشين أَن أَقتلهُ؟ كلمة: أَن، مَصْدَرِيَّة، أَي: أتخشين قَتله؟ ويروى: أتخشى، بِحَذْف النُّون بِغَيْر جازم وناصب لُغَة، وَيفهم من كَلَام ابْن إِسْحَاق: أَن هَذِه الْمَرْأَة هِيَ مَارِيَة مولاة حُجَيْر بن أبي إهَاب، لِأَنَّهُ روى أَن خبيباً قَالَ لَهَا: إبعثي إِلَيّ بحديدة، قَالَت: فَأعْطيت غُلَاما من الْحَيّ الموسى، فَقلت: أَدخل بهَا على هَذَا الرجل الْبَيْت، قَالَت: فوَاللَّه مَا هُوَ إلَاّ أَن ولَّى الْغُلَام بهَا إِلَيْهِ، قلت: مَا صنعت أصَاب الرجل وَالله ثَأْره بقتل هَذَا الْغُلَام، فَلَمَّا نَاوَلَهُ الحديدة قَالَ: لعمرك وَالله مَا خَافت أمك غدري حِين بَعَثْتُك بِهَذِهِ الحديدة إِلَى قَوْله: (يَأْكُل قطفاً)، بِكَسْر الْقَاف وَهُوَ العنقود من الْعِنَب وبجمعه جَاءَ الْقُرْآن:{قطوفها دانية} (الحاقة: 23) . وَيُقَال: قطف الْعِنَب إِذا قطعه من الْكَرم قطافاً، وَقد يَجْعَل القطاف إسماً للْوَقْت، وَمن بَاعَ إِلَى القطاف، وَالْفَتْح لُغَة، وَقَالَ إِبْنِ إِسْحَاق: حَدثنِي عبد الله بن أبي نجيح أَنه حدث عَن مَارِيَة مولاة حُجَيْر بن إهَاب، وَكَانَت قد أسلمت، قَالَت: كَانَ خبيب حبس فِي بَيْتِي، فَلَقَد اطَّلَعت عَلَيْهِ يَوْمًا وَإِن فِي يَده لقطفاً من عِنَب مثل رَأس الرجل يَأْكُل مِنْهُ. قَوْله:(مَا بِي جزع) الَّذِي: هُوَ ملتبس بِي من إِرَادَة الصَّلَاة. قَوْله: (احصهم) ، من الإحصاء بالمهملتين، دَعَا عَلَيْهِم بِالْهَلَاكِ استئصالاً بِحَيْثُ لَا يبْقى وَاحِد من عَددهمْ. قَوْله:(بدداً) ، بِكَسْر الْبَاء الْمُوَحدَة وَفتح الدَّال الْمُهْملَة الأولى، أَي: مُتَفَرِّقَة متقطعة. قَوْله: (ثمَّ قَامَ إِلَيْهِ أَبُو سروعة) بِكَسْر السِّين الْمُهْملَة وَسُكُون الرَّاء وَفتح الْوَاو وبالعين الْمُهْملَة، وَقَالَ ابْن إِسْحَاق: حَدثنِي يحيى بن عباد عَن أَبِيه عباد عَن عقبَة بن الْحَارِث، قَالَ: سمعته يَقُول: وَالله مَا أَنا قتلت خبيباً لِأَنِّي كنت أَصْغَر من ذَلِك، وَلَكِن أَبَا ميسرَة أخابني عبد الدَّار أَخذ الحربة فَجَعلهَا فِي يَدي، ثمَّ أَخذ بيَدي وبالحربة ثمَّ طعنه بهَا حَتَّى قَتله، وَقَالَ الْحَاكِم فِي (الإكليل) : رموا زيدا، يَعْنِي: ابْن الدثنة بِالنَّبلِ وَأَرَادُوا فتنته فَلم يَزْدَدْ إلَاّ إِيمَانًا، وَأَنه، صلى الله عليه وسلم، قَالَ وَهُوَ جَالس فِي الْيَوْم الَّذِي قتلا فِيهِ: وعليكما أَو عَلَيْك السَّلَام، خبيب، قَتله قُرَيْش وَلَا نَدْرِي أذكر زيدا أم لَا، وَزَعَمُوا أَن خبيباً دَفنه عَمْرو بن أُميَّة، وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي (دلائله) : أَن خبيباً لما قَالَ: أللهم إِنِّي لَا أجد رَسُولا إِلَى رَسُولك يبلغهُ عني السَّلَام، جَاءَ جِبْرِيل، عليه السلام، إِلَى رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم، فَأخْبرهُ بذلك، وَقَالَ ابْن سعد: وَكَانَا صليا رَكْعَتَيْنِ قبل أَن يقتلا. قلت: نَص البُخَارِيّ على أَن خبيباً هُوَ الَّذِي صلاهما، قَوْله:(الصَّلَاة)، بِالنّصب لِأَنَّهُ مفعول قَوْله:(سنّ)، قَوْله:(وَأخْبر أَصْحَابه)، أَي: وَأخْبر النَّبِي صلى الله عليه وسلم، وَأَصْحَابه بقضية هَؤُلَاءِ، وَهُوَ من المعجزات. قَوْله:(يَوْم أصيبوا) على صِيغَة الْمَجْهُول أَي: يَوْم أُصِيب هَؤُلَاءِ. ويروى: يَوْم أُصِيب، على تَقْدِير: أُصِيب كل وَاحِد مِنْهُم. قَوْله: (حِين حدثوا)، على صِيغَة الْمَجْهُول أَي: حِين أخبروا. قَوْله: (مثل الظلة من الدبر) الظلة، بِضَم الظَّاء الْمُعْجَمَة وَتَشْديد اللَّام: كل مَا أظلك، وَيجمع على: ظلل، وَمِنْه:{عَذَاب يَوْم الظلة} (الشُّعَرَاء: 189) . وَهِي: سَحَابَة أظلتهم فلجأوا إِلَى ظلها من شدَّة الْحر، فأطبقت عَلَيْهِم وأهلكتهم، و: الدبر، بِفَتْح الدَّال الْمُهْملَة وَسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة وبالراء: الزنابير. قَالَه أَبُو حنيفَة، قَالَ: وَقد يُقَال أَيْضا للنحل: دبر، بِالْفَتْح وواحدها: دبرة، قَالَ: وَيُقَال لَهُ: خشرم، وَلَا وَاحِد لَهُ من لَفظه: قيل: واحده: خشرمة، وَقَالَ الْأَصْمَعِي: الدبر النَّحْل، وَلَا وَاحِد لَهُ، روى ذَلِك أَبُو عُبَيْدَة عَنهُ، وَأما غَيره فروى عَنهُ أَن واحدتها: دبرة، قَالَ أَبُو حنيفَة: والدبر عِنْد من رَأينَا من الْأَعْرَاب الزنابير، وَقَالَ الْبَاهِلِيّ: الدبر النَّحْل وَالْجمع الدبور، وَذكر بعض الروَاة أَنه يُقَال لأَوْلَاد الْجَرَاد: الدبر، وَذكر أَبُو يُوسُف فِي (لطائفه) : قَالَ صلى الله عليه وسلم: أَيّكُم ينزل خبيباً من خشبته وَله الْجنَّة؟ فَقَالَ الزبير: أَنا والمقداد، قَالَا: فَوَجَدنَا حول الْخَشَبَة أَرْبَعِينَ رجلا فأنزلناه، فَإِذا هُوَ رطب لم يتَغَيَّر بعد أَرْبَعِينَ يَوْمًا، وَيَده على جرحه وَهُوَ ينبض، أَي: يسيل دَمًا كالمسك، فَحَمله الزبير على فرسه، فَلَمَّا لحقه الْكفَّار قذفه فابتلعته الأَرْض فَسُمي: بليع الأَرْض.
وَقَالَ كَعْبُ بنُ مالِكٍ ذَكَرُوا مُرَارَةَ بنَ الرَّبِيعِ العَمْرِيَّ وهِلالَ بنَ أُمَيَّةَ الْوَاقِفِيَّ رَجُلَيْنِ صالِحَيْنِ قَدْ شَهِدَا بَدْرَاً
لما كَانَت هَذِه الْأَبْوَاب الْمَذْكُورَة فِيمَا يتَعَلَّق بغزوة بدر، والترجمة الأولى فِي: بَاب عدَّة أَصْحَاب بدر، ذكر أَن مرَارَة ابْن الرّبيع وهلال بن أُميَّة من أهل بدر، وأنهما داخلان فِي الْعدة، ردا على من أنكر من النَّاس أَنَّهُمَا لم يشهدَا بَدْرًا، وَرُبمَا نسب ذَلِك أَيْضا إِلَى الزُّهْرِيّ، فَرد ذَلِك بنسبته إِلَى كَعْب بن مَالك. فَإِن الحَدِيث الطَّوِيل الْمَوْصُول الَّذِي سَيَأْتِي فِي غَزْوَة تَبُوك قد أَخذ عَنهُ، وَهُوَ أعرف بِمن شهد بَدْرًا مِمَّن لم يشْهد. فَقَوله:(وَقَالَ كَعْب بن مَالك) إِلَى آخِره، قِطْعَة من الحَدِيث الطَّوِيل، وَمِمَّنْ رد ذَلِك وَاعْترض الْحَافِظ الدمياطي، فَإِنَّهُ قَالَ: لم يذكر أحد أَن مرَارَة وهلالاً شَهدا بَدْرًا إلَاّ مَا جَاءَ فِي حَدِيث كَعْب هَذَا، وَإِنَّمَا ذكرا فِي الطَّبَقَة الثَّانِيَة من الْأَنْصَار مِمَّن لم يشْهد بَدْرًا، وشهدا أحدا، ورد عَلَيْهِ بجزم البُخَارِيّ بذلك مَعَ جمَاعَة تبعوه فِي ذَلِك، على أَن الْمُثبت أولى من النَّافِي مَعَ إِخْبَار الْمُثبت بِهِ، وَالله أعلم.
3990 -
حدَّثنا قُتَيْبَةُ حدَّثنا لَ يْثٌ عنْ يَحْيَى عنْ نافِعٍ أنَّ ابنَ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُما ذُكِرَ لَهُ أنَّ سَعِيدَ بنَ زَيْدِ بنِ عَمْرِو بنِ نُفَيْلٍ وكانَ بَدْرِياً مَرِضَ فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ فرَكِبَ إلَيْهِ بعْدَ أنْ تَعَالَى النَّهَارُ واقْتَرَبَتِ الجُمُعَةُ وتَرَكَ الْجُمُعَةَ.
ذكره هُنَا لقَوْله: وَكَانَ بَدْرِيًّا، وَإِنَّمَا نسب إِلَيْهِ مَعَ أَنه لم يشهده لِأَنَّهُ كَانَ مِمَّن ضرب لَهُ النَّبِي صلى الله عليه وسلم، بسهمه وأجره، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم، بَعثه وَطَلْحَة بن عبيد الله إِلَى طَرِيق الشَّام يتجسسان الْأَخْبَار عَن عير أهل مَكَّة، ففاتهما بدر، فَضرب بسهميهما وأجريهما، فَعدا بذلك من أهل بدر.
وقتيبة هُوَ ابْن سعيد، وَاللَّيْث بن سعد، وَيحيى هُوَ ابْن سعيد الْأنْصَارِيّ، والْحَدِيث من أَفْرَاده.
قَوْله: (ذكر لَهُ) ، على صِيغَة الْمَجْهُول، أَي: ذكر لعبد الله بن عمر. قَوْله: (أَن سعيد بن زيد)، هُوَ أحد الْعشْرَة المبشرة. قَوْله:(فَركب إِلَيْهِ) أَي: فَركب ابْن عمر إِلَى سعيد. قَوْله: (وَترك الْجُمُعَة) أَي: ترك صَلَاة الْجُمُعَة، قَالَ الْكرْمَانِي: كَانَ لعذر، وَهُوَ إشراف الْقَرِيب على الْهَلَاك، لِأَنَّهُ كَانَ ابْن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَزوج أُخْته، وَقَالَ صَاحب (التَّوْضِيح) أَيْضا: هَذَا لأجل قرَابَته مِنْهُ وَهُوَ عذر. قلت: فِيمَا قَالَا نظر، نعم لَو كَانَ فِي عدم حُضُوره هَلَاكه لأجل عِلّة من الْعِلَل كَانَ لَهُ فِي ذَلِك الْوَقْت ترك الْجُمُعَة، وَقَالَ ابْن التِّين: يتْرك الْجُمُعَة إِذا لم يكن مَعَه من يقوم بِهِ.
3991 -
وقَالَ اللَّيْثُ حدَّثَنِي يُونُسُ عنِ ابنِ شِهابٍ قَالَ حدَّثني عُبَيْدُ الله بنُ عَبْدِ الله بنِ عُتْبَةَ أنَّ أبَاهُ كَتَبَ إلَى عُمَرَ بنِ عَبْدِ الله بنِ الأرْقَمِ الزُّهْرِيِّ يأمُرُهُ أنْ يَدْخُلَ علَى سُبَيْعَةَ بِنْتِ الحارِثِ الأسْلَمِيَّةِ فيَسْألَهَا عنْ حَدِيثِهَا وعنْ مَا قالَ لَهَا رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم حِينَ اسْتَفْتَتْهُ فكَتَبَ عُمَرُ بنُ عَبْدِ الله بنِ الأرْقَمِ إلَى عَبْدِ الله بنِ عُتْبَةَ يُخْبِرُهُ أنَّ سُبَيْعَةَ بِنْتَ الحَارِثِ أخْبَرَتْهُ أنَّهَا كانَتْ تَحْتَ سَعْدِ بنِ خَوْلَةَ وهُوَ مِنْ بَنِي عامِرِ بنِ لُؤَيٍّ وكانَ مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرَاً فَتُوُفِّيَ عَنْهَا فِي حَجَّةِ الوَدَاعِ وهْيَ حامِلٌ فَلَمْ تَنْشَبْ أنْ وضَعَتْ حَمْلَهَا بَعْدَ وفاتِهِ فلَمَّا تَعمَلتُ مِنْ نِفاسِهَا تَجَمَّلَتْ لِلْخِطَابِ فدَخَلَ علَيْهَا أبُو السَّنَابِلِ ابنُ بَعْكَكٍ رَجُلٌ مِنْ بَنِي عَبْدِ الدَّار فَقالَ لَهَا مالِي أرَاكِ تَجَمَّلْتِ لِلْخُطَّابِ تُرَجِّينَ النِّكَاحَ فإنَّكِ وَالله مَا أنْتِ بِنَاكِحٍ حتَّى تَمُرَّ عَلَيْكِ أرْبَعَةُ أشْهُرٍ وعَشْرٌ قالَتْ سُبَيْعَةُ فَلَمَّا قَالَ لِي ذالِكَ جَمَعْتُ عَلَيَّ ثِيَابِي حِينَ أمْسَيْتُ وأتَيْتُ رسُولَ الله صلى الله عليه وسلم فسألْتُهُ عنْ ذالِكَ فأفْتَانِي بأنِّي قَدْ حَلَلْتُ حِينَ وَضَعْتُ حَمْلِي وأمَرَنِي بالتَّزَوُّجِ إنْ بَدَا لِي. (الحَدِيث 3991 طرفه فِي: 5319) .
ذكره هُنَا لأجل قَوْله: (وَكَانَ مِمَّن شهد بَدْرًا) . وَعبيد الله، بِضَم الْعين: يرْوى عَن أَبِيه عبد الله بن عتبَة، بِضَم الْعين وَسُكُون الْمُثَنَّاة من فَوق: ابْن مَسْعُود الْهُذلِيّ يروي عَن عمر بن عبد الله بن الأرقم بن عبد يَغُوث الزُّهْرِيّ، وَعبد الله بن الأرقم أسلم عَام الْفَتْح وَكتب للنَّبِي صلى الله عليه وسلم وَاسْتَعْملهُ عمر بن الْخطاب على بَيت المَال، وسبيعة، بِضَم السِّين الْمُهْملَة وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة مصغر سَبْعَة بنت الْحَارِث الأسْلَمِيَّة، وَتَعْلِيق اللَّيْث وَصله قَاسم بن أصبغ فِي (مُصَنفه) : عَن الْمطلب بن شُعَيْب عَن عبد الله بن صَالح عَن اللَّيْث بِتَمَامِهِ.
والْحَدِيث أخرجه أَيْضا فِي الطَّلَاق مُخْتَصرا عَن يحيى بن بكير عَن اللَّيْث عَن يزِيد بن أبي خبيب. وَأخرجه مُسلم فِي الطَّلَاق عَن أبي الطَّاهِر بن أبي السَّرْح وحرملة بن يحيى. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن سُلَيْمَان بن دَاوُد. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن يُونُس بن عبد الْأَعْلَى وَعَن كثير بن عبيد. وَأخرجه ابْن مَاجَه فِيهِ عَن أبي بكر بن أبي شيبَة.
قَوْله: (يَأْمُرهُ) من الْأَحْوَال الْمقدرَة. قَوْله: (حِين استفتته) أَي: فِي انْقِضَاء عدَّة الْحَامِل بِالْوَضْعِ. قَوْله: (يُخبرهُ)، من الْأَحْوَال الْمقدرَة أَيْضا. قَوْله:(سعد بن خَوْلَة) بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْوَاو وباللام، وَهُوَ من بني عَامر بن لؤَي من أنفسهم عِنْد بَعضهم، وَعند بَعضهم هُوَ حَلِيف لَهُم، وَقَالَ ابْن هِشَام: هُوَ من الْيمن حَلِيف لبني عَامر بن لؤَي، وَقَالَ غَيره: كَانَ من عجم الْفرس وَكَانَ من مهاجرة الْحَبَشَة الْهِجْرَة الثَّانِيَة فِي قَول الْوَاقِدِيّ، وَذكر ابْن هِشَام عَن زِيَاد عَن ابْن إِسْحَاق: أَنه مِمَّن شهد بَدْرًا، وَكَذَا فِي رِوَايَة البُخَارِيّ. قَوْله:(فِي حجَّة الْوَدَاع) هَذَا لَا خلاف فِيهِ إلَاّ مَا ذكره الطَّبَرِيّ مُحَمَّد بن جرير، فَإِنَّهُ قَالَ: توفّي سعد بن خَوْلَة سنة سبع، وَالصَّحِيح مَا ذكره البُخَارِيّ، قَوْله:(وَهِي)، أَي: سبيعة ذَات حمل. قَوْله: (فَلم تنشب) أَي: فَلم تلبث (أَن وضعت حملهَا بعد وَفَاته) أَي: وَفَاة سعد بن خَوْلَة، وَقَالَ أَبُو عمر: وضعت بعد وَفَاة زَوجهَا بِليَال، وَقيل: بِخمْس وَعشْرين لَيْلَة، وَقيل: بِأَقَلّ من ذَلِك. قَوْله: (فَلَمَّا تعلت) بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَتَشْديد اللَّام، يُقَال: تعلت الْمَرْأَة من نفَاسهَا وتعللت: إِذا خرجت مِنْهُ وطهرت من دَمهَا. قَوْله: (تجملت) أَي: تزينت. قَوْله: (للخطاب) بِضَم الْخَاء الْمُعْجَمَة: جمع خَاطب. قَوْله: (أَبُو السنابل) بِفَتْح السِّين الْمُهْملَة وَالنُّون وبالباء الْمُوَحدَة وباللام. (ابْن بعك) بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَإِسْكَان الْعين الْمُهْملَة وَفتح الْكَاف الأولى، وَهُوَ منصرف، واسْمه: عَمْرو قَالَه الْكرْمَانِي: وَقَالَ أَبُو عمر فِي بَاب الْحَاء فِي (الِاسْتِيعَاب) : حَبَّة بن بعكك أَبُو السنابل الْقرشِي العامري وَهُوَ مَشْهُور بكنيته، وحبة بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة، وَذكر فِي بَاب الكنى: أَبُو السنابل بن بعكك بن الْحجَّاج بن الْحَارِث بن السباق بن عبد الدَّار بن قصي الْقرشِي الْعَبدَرِي، وَأمه عمْرَة بنت أَوْس من بني عذرة بن هذيم، قيل: اسْمه حَبَّة بن بعكك من مسلمة الْفَتْح كَانَ شَاعِرًا وَمَات بِمَكَّة، روى عَنهُ الْأسود بن يزِيد قصَّته مَعَ سبيعة الأسْلَمِيَّة، قَوْله:(لَعَلَّك ترجِّين) من الترجية وَفِي رِوَايَة مُسلم: فَقَالَ أَبُو السنابل: مَالِي أَرَاك متجملة؟ لَعَلَّك ترجين النِّكَاح، إِنَّك وَالله مَا أَنْت بناكح، أَي: لَيْسَ من شَأْنك النِّكَاح وَلست من أَهله، يُقَال: امْرَأَة ناكح مثل حَائِض وَطَالِق، وَلَا يُقَال: ناكحة، إلَاّ إِذا أَرَادوا بِنَاء الِاسْم لَهَا، فَيُقَال: نكحت فَهِيَ ناكحة. قَوْله: (إِن بداء لي) أَي: ظهر لي.
وَفِي مُسلم بعد هَذَا: قَالَ ابْن شهَاب: فَلَا أرى بَأْسا أَن تتَزَوَّج حِين وضعت وَإِن كَانَت فِي دَمهَا، غير أَنَّهَا لَا يقربهَا زَوجهَا حَتَّى تطهر. قلت: وَهَذَا قَول أَكثر الصَّحَابَة وَالْفُقَهَاء، وتأولوا قَوْله تَعَالَى:{يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَة أشهر وَعشرا} (الْبَقَرَة: 234) . فِي الْحَائِل دون الْحَامِل عملا بِالْآيَةِ الْأُخْرَى، وَهِي:{وَأولَات الْأَحْمَال أَجلهنَّ أَن يَضعن حَملهنَّ} (الطَّلَاق: 4) . وروى عَن عَليّ وَابْن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم: إِنَّهَا تَعْتَد بآخر الْأَجَليْنِ، وَبِه قَالَ سَحْنُون، حَكَاهُ عَنهُ عبد الْحق، وَعند أَصْحَابنَا: عدَّة الْحَامِل بِوَضْع الْحمل سَوَاء كَانَت حرَّة أَو أمة، وَسَوَاء كَانَت الْعدة عَن طَلَاق أَو وَفَاة أَو غير ذَلِك، لِأَن آيَة الْحمل مُتَأَخِّرَة فَيكون غَيرهَا مَنْسُوخا بهَا أَو مَخْصُوصًا.
تابَعَهُ أصْبَغُ عنِ ابنِ وهْبٍ عنْ يُونُسَ
أَي: تَابع اللَّيْث أصبغ بن الْفرج الْمصْرِيّ أحد مَشَايِخ البُخَارِيّ فِي رِوَايَته الحَدِيث الْمَذْكُور عَن عبد الله بن وهب عَن يُونُس بن يزِيد، وَهَذِه الْمُتَابَعَة رَوَاهَا الْإِسْمَاعِيلِيّ من طَرِيق مُحَمَّد بن عبد الْملك بن رنجويه عَن أصبغ.
وَقَالَ اللَّيْثُ حدَّثني يُونُسُ عنِ ابنِ شِهَابٍ وسألْنَاهُ فَقال أخبرَنِي مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمانِ بنِ ثَوْبَانَ مَوْلَى بَنِي عامِرِ بِنِ لُؤَيٍّ أنَّ مُحَمَّدَ بنَ إيَاسِ بنِ البُكَيْرِ وكانَ أبُوهُ شَهِدَ بَدْرَاً أخْبَرَهُ