الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَتَسْلِيمُ الْقَلِيلِ لِأَجْلِ حَقِّ الْكَثِيرِ لِأَنَّ حَقَّهُمْ أَعْظَمُ وَتَسْلِيمُ الْمَارِّ لِشَبَهِهِ بِالدَّاخِلِ عَلَى أَهْلِ الْمَنْزِلِ وَتَسْلِيمُ الرَّاكِبِ لِئَلَّا يَتَكَبَّرَ بِرُكُوبِهِ فيرجع إلى التواضع
وقال بن الْعَرَبِيِّ حَاصِلُ مَا فِي الْحَدِيثِ أَنَّ الْمَفْضُولَ بِنَوْعِ مَا يَبْدَأُ الْفَاضِلُ انْتَهَى
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ
[5199]
(يُسَلِّمُ الرَّاكِبُ عَلَى الْمَاشِي) قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ
50 -
(بَابٌ فِي الرَّجُلِ يُفَارِقُ الرَّجُلَ ثُمَّ يَلْقَاهُ أَيُسَلِّمُ عَلَيْهِ)
[5200]
(عَنْ أَبِي مَرْيَمَ) هُوَ الْأَنْصَارِيُّ الشَّامِيُّ قَالَهُ الْمِزِّيُّ
وَهَكَذَا سَاقَ الْحَافِظُ الْمِزِّيُّ فِي الْأَطْرَافِ سَنَدَ حَدِيثِ أَحْمَدَ بْنِ سَعِيدٍ ثُمَّ قَالَ هَكَذَا وَقَعَ فِي رِوَايَتِنَا عَنْ أَبِي مُوسَى عَنْ أَبِي مَرْيَمَ
وَفِي رِوَايَةِ أَبِي الْحَسَنِ بْنِ الْعَبْدِ وَغَيْرِهِ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ عَنْ أَبِي مَرْيَمَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ لَيْسَ فِيهِ عَنْ أَبِي مُوسَى وَهُوَ أَشْبَهُ بِالصَّوَابِ فَإِنَّ أَبَا دَاوُدَ قَدْ رَوَى لِمُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ عَنْ أَبِي مَرْيَمَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثًا كَمَا سَيَأْتِي فِي مَوْضِعِهِ انْتَهَى كَلَامُ الْمِزِّيِّ فِي تَرْجَمَةِ عَبْدِ الْوَهَّابِ بْنِ بُخْتٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَوْ حَجَرٌ أَيْ كَبِيرٌ (فَلْيُسَلِّمْ عَلَيْهِ أَيْضًا) لَيْسَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ لَفْظُ أَيْضًا
قَالَ الطِّيبِيُّ فِيهِ حَثٌّ عَلَى إِفْشَاءِ السَّلَامِ وَأَنْ يُكَرَّرَ عِنْدَ كُلِّ تَغْيِيرِ حَالٍ وَلِكُلِّ جَاءٍ وَغَادٍ
وَالْحَدِيثُ سَكَتَ عَنْهُ الْمُنْذِرِيُّ
(وَحَدَّثَنِي عَبْدِ الْوَهَّابِ بْنِ بُخْتٍ) بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ الْمُعْجَمَةِ بَعْدَهَا مُثَنَّاةٌ كَذَا ضَبَطَهُ الْحَافِظُ فِي التقريب
وَالْحَدِيثُ سَكَتَ عَنْهُ الْمُنْذِرِيُّ
[5201]
(وَهُوَ فِي مَشْرُبَةٍ) بِضَمِّ الرَّاءِ وَفَتْحِهَا أَيْ غُرْفَةٍ (لَهُ) أَيْ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم
قلت ولا يَظْهَرُ مُنَاسَبَةُ الْحَدِيثِ بِالْبَابِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ فِي تَوْجِيهِهِ بِأَنَّ الْمُؤَلِّفَ أَرَادَ بِهَذَا التَّبْوِيبِ بَيَانَ أَرْبَعِ صُوَرٍ لِلتَّسْلِيمِ الْأَوَّلُ تَسْلِيمُ الرَّجُلِ عَلَى الرَّجُلِ تَسْلِيمَ اللِّقَاءِ ثُمَّ مُفَارَقَتُهُ إِيَّاهُ ثُمَّ لِقَاؤُهُ فَمَاذَا يَفْعَلُ فَأَوْرَدَ فِيهِ حَدِيثَ أبي هريرة رضي الله عنه وَفِيهِ دَلَالَةٌ وَاضِحَةٌ عَلَى تَسْلِيمِ الرَّجُلِ كُلَّمَا لَقِيَهُ فَإِنْ حَالَتْ بَيْنَهُمَا شَجَرَةٌ أَوْ جِدَارٌ أَوْ حَجَرٌ ثُمَّ لَقِيَهُ فَلْيُسَلِّمْ عَلَيْهِ
وَالثَّانِي تَسْلِيمُ الرَّجُلِ عَلَى الرَّجُلِ تَسْلِيمَ اللِّقَاءِ ثُمَّ مُفَارَقَتُهُ إِيَّاهُ ثُمَّ مَجِيئُهُ عَلَى بَابِ بَيْتِهِ للقاءه فَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُسَلِّمَ عَلَيْهِ ثَانِيًا تَسْلِيمَ الِاسْتِئْذَانِ
وَالثَّالِثُ تَسْلِيمُ الرَّجُلِ عَلَى الرَّجُلِ تَسْلِيمَ الِاسْتِئْذَانِ فَلَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فَرَجَعَ ثُمَّ جَاءَهُ ثَانِيًا يَسْتَأْذِنُهُ فَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُسَلِّمَ عَلَيْهِ ثَانِيًا تَسْلِيمَ الِاسْتِئْذَانِ
وَالرَّابِعُ تَسْلِيمُ الرَّجُلِ عَلَى الرَّجُلِ تَسْلِيمَ الِاسْتِئْذَانِ فَلَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فَرَجَعَ ثُمَّ جَاءَهُ ثَانِيًا يَسْتَأْذِنُهُ وَسَلَّمَ تَسْلِيمَ الِاسْتِئْذَانِ فَأَذِنَ لَهُ فَدَخَلَ فَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُسَلِّمَ عَلَيْهِ تَسْلِيمَ اللِّقَاءِ فَعَلَى الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ اسْتَدَلَّ الْمُؤَلِّفُ بِحَدِيثِ عُمَرَ رضي الله عنه
وَهَذَا الْحَدِيثُ مُخْتَصَرٌ مِنَ الْحَدِيثِ الطَّوِيلِ الَّذِي أَوْرَدَهُ الْإِمَامُ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ وَفِي كِتَابِ الْمَظَالِمِ مَا لَفْظُهُ قَالَ عُمَرُ فَصَلَّيْتُ صَلَاةَ الْفَجْرِ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَدَخَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَشْرُبَةً لَهُ فَاعْتَزَلَ فِيهَا فَدَخَلْتُ عَلَى حَفْصَةَ فَإِذَا هِيَ تَبْكِي فَقُلْتُ مَا يُبْكِيكِ أَلَمْ أَكُنْ حَذَّرْتُكِ هَذَا أَطَلَّقَكُنَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قَالَتْ لَا أَدْرِي هَا هُوَ ذَا مُعْتَزِلٌ فِي الْمَشْرُبَةِ فَخَرَجْتُ فَجِئْتُ إِلَى الْمِنْبَرِ فَإِذَا حَوْلَهُ رَهْطٌ يَبْكِي بَعْضُهُمْ فَجَلَسْتُ مَعَهُمْ قَلِيلًا ثُمَّ غَلَبَنِي مَا أَجِدُ فَجِئْتُ الْمَشْرُبَةَ الَّتِي فِيهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقُلْتُ لِغُلَامٍ لَهُ أَسْوَدَ اسْتَأْذِنْ لِعُمَرَ فَدَخَلَ الْغُلَامُ فَكَلَّمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ كَلَّمْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَذَكَرْتُكَ لَهُ فَصَمَتَ فَانْصَرَفْتُ حَتَّى جَلَسْتُ مَعَ الرَّهْطِ الَّذِينَ عِنْدَ الْمِنْبَرِ ثُمَّ غَلَبَنِي مَا أَجِدُ فَجِئْتُ فَقُلْتُ لِلْغُلَامِ اسْتَأْذِنْ لِعُمَرَ فَدَخَلَ ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ قَدْ ذَكَرْتُكَ لَهُ فَصَمَتَ فَرَجَعْتُ فَجَلَسْتُ مَعَ الرَّهْطِ الَّذِينَ عِنْدَ الْمِنْبَرِ ثُمَّ غَلَبَنِي مَا أَجِدُ فَجِئْتُ الْغُلَامَ فَقُلْتُ اسْتَأْذِنْ فَدَخَلَ ثُمَّ رَجَعَ إِلَيَّ فَقَالَ قَدْ ذَكَرْتُكَ لَهُ فَصَمَتَ فَلَمَّا وَلَّيْتُ مُنْصَرِفًا إِذَا الْغُلَامُ يَدْعُونِي فَقَالَ قد
أَذِنَ لَكَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ فَإِذَا هُوَ مُضْطَجِعٌ عَلَى رِمَالِ حَصِيرٍ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ فِرَاشٌ قَدْ أَثَّرَ الرِّمَالُ بِجَنْبِهِ مُتَّكِئًا عَلَى وِسَادَةٍ مِنْ أَدَمٍ حَشْوُهَا لِيفٌ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ الْحَدِيثَ بِطُولِهِ
فَفِي هَذَا دَلَالَةٌ لِكُلٍّ مِنْ ثَلَاثِ الصُّوَرِ الْبَاقِيَةِ
أما الثانية فلأن عمر رضي الله عنه صَلَّى صَلَاةَ الْفَجْرِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فلا يظن بعمر رضي الله عنه أَنَّهُ تَرَكَ تَسْلِيمَ اللِّقَاءِ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لقوله صلى الله عليه وسلم إِذَا لَقِيَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ فَلْيُسَلِّمْ عَلَيْهِ الْحَدِيثَ ثم فارقه عمر رضي الله عنه إِلَى أَنْ جَاءَ الْمَشْرُبَةَ الَّتِي فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَاسْتَأْذَنَهُ وَالِاسْتِئْذَانُ لَا يَكُونُ إِلَّا مَعَ التَّسْلِيمِ كَمَا تَقَدَّمَ عِنْدَ الْمُؤَلِّفِ مِنْ حَدِيثِ رَجُلٍ مِنْ بَنِي عَامِرٍ عَلَى أَنَّهُ فِي قِصَّةِ الِاعْتِزَالِ أَيْضًا مُصَرَّحٌ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ أَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه سَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم تَسْلِيمَ الِاسْتِئْذَانِ ثُمَّ قَالَ أَيَدْخُلُ عُمَرُ فَهَذَا التَّسْلِيمُ تَسْلِيمُ الِاسْتِئْذَانِ بَعْدَ تَسْلِيمِ اللِّقَاءِ وَقْتَ صَلَاةِ الصُّبْحِ
وَأَمَّا الثَّالِثَةُ فَلِأَنَّ عُمَرَ سَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم تَسْلِيمَ الِاسْتِئْذَانِ فَلَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فَرَجَعَ ثُمَّ جَاءَ وَاسْتَأْذَنَ فَكَيْفَ يَتْرُكُ عُمَرُ تَسْلِيمَ الِاسْتِئْذَانِ ثَانِيًا مَعَ عِلْمِهِ بِذَلِكَ
وَأَمَّا الرابعة فلأن عمر سلم عليه صلى الله عليه وسلم تَسْلِيمَ الِاسْتِئْذَانِ أَوَّلًا كَمَا تَدُلُّ عَلَيْهِ رِوَايَةُ الْمُؤَلِّفِ فَلَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فَرَجَعَ ثُمَّ جَاءَ ثَانِيًا وَاسْتَأْذَنَ فَكَيْفَ يَتْرُكُ عُمَرُ تَسْلِيمَ الِاسْتِئْذَانِ فَإِذَا أَذِنَ لَهُ دَخَلَ عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم وَسَلَّمَ عَلَيْهِ تَسْلِيمَ اللِّقَاءِ وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ مِنَ التَّكَلُّفِ وَالتَّعَسُّفِ وَأَحْسَنُ منه أن يقال إن عمر رضي الله عنه أَتَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ فِي مَشْرُبَةٍ لَهُ فَاسْتَأْذَنَ بِوَاسِطَةِ غُلَامٍ لَهُ أَسْوَدَ فَقَالَ فِي اسْتِئْذَانِهِ السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَيَدْخُلُ عُمَرُ وَقَدْ وَقَعَ الِاسْتِئْذَانُ مِنْ عُمَرَ فِي هَذِهِ الْوَاقِعَةِ ثَلَاثَ مِرَارٍ عَلَى مَا أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ اخْتَصَرَ مِنْهُ الْمُؤَلِّفُ هَذَا الْحَدِيثَ
وَقَدْ دَلَّ هَذَا الْحَدِيثُ عَلَى طَرِيقِ اسْتِئْذَانِ عُمَرَ وَهُوَ قَوْلُهُ السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِلَى آخِرِهِ وَهَذَا الطَّرِيقُ هُوَ الَّذِي عَلَّمَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم كَمَا تَقَدَّمَ قَرِيبًا فِي بَابِ كَيْفَ الِاسْتِئْذَانُ مِنْ قَوْلِهِ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَأَدْخُلُ وَقَدْ وَرَدَ هَذَا الطَّرِيقُ فِي عِدَّةِ أَحَادِيثَ ذَكَرَهَا الْحَافِظُ بن كثير في تفسير قوله تعالى يا أيها الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ الْآيَةَ بَلْ قَدْ جَاءَ الِاكْتِفَاءُ فِي الِاسْتِئْذَانِ عَلَى مُجَرَّدِ السَّلَامِ أَيْضًا كَمَا تَقَدَّمَ فِي ثَالِثِ أَبْوَابِ الِاسْتِئْذَانِ وَبِهَذَا يَظْهَرُ الْمُطَابَقَةُ بَيْنَ ترجمة الباب وبين حديث عمر رضي الله عنه إِذْ قَدْ وَقَعَ الِاسْتِئْذَانُ مِنْ عُمَرَ فِي هَذِهِ الْوَاقِعَةِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ الِاسْتِئْذَانَ لَا بُدَّ فِيهِ مِنَ التَّسْلِيمِ أَوْ هُوَ التَّسْلِيمُ وَأَيُّمَا كَانَ فَقَدْ سَلَّمَ عُمَرُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي كُلِّ لِقَاءٍ بَعْدَ مُفَارَقَةٍ وَلَوْ بِوَاسِطَةٍ وَقَدْ قَرَّرَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا فَارَقَ الرَّجُلَ ثُمَّ لَقِيَهُ سَلَّمَ وَهُوَ مَقْصُودُ التَّرْجَمَةِ وَاللَّهُ أعلم