الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
{الرشوة واثارها}
الرشوة من كبائر الذنوب
س - من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى من يراه أو يسمعه من إخواني المسلمين سلك الله بي وبهم صراطه المستقيم ووقائي وإياهم عذاب الجحيم. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته أما بعد
فإن مما حرصه الإسلام وغلظ في تحريمه الرشوة. وهي دفع المال في مقابل قضاء مصلحة يجب على المسئول عنها قضاؤها بدونه. ويشتد التحريم إن كان الغرض من دفع هذا المال إبطال حق أو إحقاق باطل أو ظلما لأحد.
وقد ذكر ابن عابدين رحمه الله في حاشيته أن الرشوة هي ما يعطيه الشخص لحاكم أو غيره ليحكم له أو يحمله على ما يريد، وأوضح من هذه التعريف أن الرشوة أعم من أن تكون مالا أو منفعة يمكنه منها أو يقضيها له. والمراد بالحاكم القاضي وبغيره كل من يرجى عنده قضاء مصلحة الراشي سواء كان من ولاة الدولة وموظفيها أو القائمين بأعمال خاصة كوكلاء التجار والشركات وأصحاب العقارات ونحوهم، والمراد بالحكم للراشي وحمل المرتشي على ما يريده الراشي تحقيق رغبة الراشي ومقصده سواء كان ذلك حقا أو باطلاً.
والرشوة أيها الأخوة في الله من كبائر الذنوب التي حرمها الله على عباده، ولعن رسوله، صلى الله عليه وسلم، من فعلها فالواجب اجتنابها والحذر منها. وتحذير الناس من تعاطيها لما فيها من الفساد العظيم والإثم الكبير. والعواقب الوخيمة وهي من الإثم والعدوان اللذين نهى الله سبحانه وتعالى عن التعاون عليهما في قوله عز من قائل {وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان} .
وقد نهى عز وجل عن أكل أموال الناس بالباطل فقال سبحانه {يا أيها الذين
آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم..} وقال سبحانه {ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقاً من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون..} والرشوة من أشد أنواع أكل الأموال بالباطل لأنها دفع المال إلى الغير لقصد إحالته عن الحق، وقد شمل التحريم في الرشوة أركانها الثلاثة وهم الراشي والمرتشي والرائش وهو الوسيط بينهما. فقد قال، صلى الله عليه وسلم، {لعن الله الراشي والمرتشي والرائش} .. رواه أحمد والطبراني.
واللعن من الله هو الطرد والإبعاد عن مظان رحمته نعوذ بالله من ذلك وهو لا يكون إلا في كبيرة، كما أن الرشوة من أنواع السحت المحرم بالقرآن والسنة فقد ذم الله اليهود وشنع عليهم لأكلهم السحت في قوله سبحانه {سماعمون للكذب أكالون للسحت} كما قال تعالى عنهم.. {وترى كثيراً منهم يسارعون في الإثم والعدوان وأكلهم السحت لبئس ما كانوا يعملون، لولا ينهاهم الربانيون والأحبار عن قولهم الإثم وأكلهم السحت لبئس ما كانوا يصنعون} وقال تعالى {فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم وبصدهم عن سبيل الله كثيراً وأخذهم الربا وقد نهوا عنه وأكلهم أموال الناس بالباطل} .
وقد وردت أحاديث كثيرة في التحذير من هذا المحرم وبيان عقابة مرتكبيه منها ما رواه ابن جرير عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال {كل لحم أنبته السحت فالنار أولى به} قيل.. وما السحت؟ .. قال {الرشوة في الحكم} وروى الإمام أحمد عن عمرو بن العاص رضي الله عنه، قال سمعت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يقول " ما من قوم يظهر فيها الربا إلا أخذوا بالسنة، وما من قوم يظهر فيهم الرشا إلا أخذوا بالرعب " وروى الطبراني عن ابن مسعود قال السحت الرشوة في الدين وقال أبو محمد موفق الدين ابن قدامه رحمه الله في المغنى. قال الحسن وسعيد بن جبير في تفسير قوله تعالي أكالون للسحت هو الرشوة، وقال إذا قبل القاضي الرشوة بلغت به الكفر لأنه مستعد للحكم بغير ما أنزل الله ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون.
روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال.. قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم، {إن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيباً وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين} فقال تعالى
{يا أيها الرسل كلوا من الطيبات وأعملوا صالحا} وقال تعالى {يا أيها الذين أمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم..} ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يارب يارب ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام فأنى يستجاب له.
فاتقوا الله أيها المسلمون واحذروا سخطه أسباب غضبه فإنه جل وعلا غيور إذا انتهكت محارمه وقد ورد في الحديث الصحيح {لا أحد أغير من الله} وجنبوا أنفسكم وأهليكم المال الحرام والأكل الحرام نجاة بأنفسكم وأهليكم من النار التي جعلها الله أولى بكل لحم نبت من الحرام كما أن المأكل الحرام سبب لحجب الدعاء وعدم الإجابة لما مر من حديث أبي هريرة عن مسلم ولما رواه الطبراني عن أبن عباس رضي الله عنهما قال تليت عند رسول الله، صلى الله عليه وسلم، هذه الآية {يا أيها الناس كلوا مما في الأرض حلالا طيباً} فقام سعد بن أبي وقاص فقال يا رسول الله أدع الله أن يجعلني مستجاب الدعوة فقال النبي، صلى الله عليه وسلم، {يا سعد أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة، والذي نفس محمد بيده إن العبد ليقذف اللقمة الحرام في جوفه ما يقبل الله منه عملا أربعين يوماً، وأيما عبد نبت لحمه من سحت فالنار أولى به} ذكر ذلك الحافظ ابن رجب رحمه الله في جامع العلوم والحكم من رواية الطيراني- رحمه الله فدل ذلك على أن عدم إطابة المطعم وحلية المأكل مانع من استجابة الدعاء، حأجب عن رفعه إلى الله وكفى بذلك وبالا وخسرانا على صحابه نعوذ بالله من ذلك وقد دعاكم الله إلى وقاية أنفسكم وأهليكم من النار والنجاة بها من عذاب الله وأليم عقابة حيث قال سبحانه وتعالى {يا أيها الذين آمنوا قد أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون} فاستجيبوا أيها المسلمون لنداء ربكم وأطيعوا أمره واجتنبوا نهيه واحذروا أسباب غضبه تسعدوا في الدنيا والآخرة قال الله تعالى {يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم واعملوا أن الله يحول بين المرء وقلبه وأنه إليه تحشرون واتقوا فتنة لا تصبين الذين ظلموا منكم خاصة واعملوا أن الله شديد العقاب} والله المسؤول أن يجعلنا وإياكم ممن يستعون القول فيتبعون أحسنة ومن المتعاونين على البر والتقوى الملتزمين بكتاب الله وسنة رسوله، صلى الله عليه وسلم،. وأن يعيذنا وإياكم من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا