الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ونسأل الله للجميع الهداية والتوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
* * * *
رداً على مقال نشرته جريدة السياسة الكويتية في لمز الملتحين
ما هكذا الدعوة إلى إصلاح الأواضع يا حمد
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد
فقد اطلعت على ما نشر في جريدة السياسة بعددها 668 في 19 8 1404هـ لكاتبه أحمد السعيدانه وقد نسب إلى هداه الله كلاما عن حلق اللحية تجرأ فيه بشيء لم أقله، ومما ذكر أني قلت أي فتوى تصدر باسمي يجب أن تكون ممهورة بخاتمي ومصدقة من وزارة الأوقاف الإسلامية على ما يصدر مني من الفتاوي. ثم استرسل في الكلام عن حلق اللحية وغيرها وزعم أن قول النبي، صلى الله عليه وسلم، {خالفوا المشركين، أحفوا الشوارب وأوفوا اللحى} يقتضي بهذا العصر أن نحلق اللحى لأن المجوس والمشركين واليهود والسيخ وغيرهم يطلقون اللحى، وقال " عليه يجب مخالفة هذه الفئات نحلق لحانا، وقد قام رجال الأزهر بتطبيق هذا الحديث وهو مخالفة المشركين وغيرهم وحلقوا لحاهم " إلى آخر ما قال، ولا شك أن هذه جرأة من الكاتب وسوء أدب منه مع سنة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فبيانه، صلى الله عليه وسلم، أوضح وأمره واجب الامتثال والتنفيذ ويخشى على مخالفة من العاقبة السيئة كما قال الله تعالى {فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم} وأمره صلى الله عليه وسلم بإعفاء اللحية واضح وتنفيذه واجب إلى قيام الساعة سواء وفر الكفار أم حلقوها، وموافقتهم لنا في شيء من شرعنا كإعفاء اللحية لا يقتضي أن نخالف شرعنا كما أن دخولهم في الإسلام أمر واجب عليهم ومحبوب لنا ونحن مأمورين بدعوتهم إلى ذلك ولا يقتضي ذلك خروجنا من الإسلام إذا دخلوا فيه حتى
نخالفهم بل علينا أن ندعوهم إلى دين الله وألا نتشبه بهم فيما خلفوا فيه شرع الله وهذا أمر معلوم عند جميع أهل العلم.
وهذه الجرأة من الكتاب في حمل الحديث الشريف على وجوب حلقها لأن المشركين وغيرهم تركوا حلقها جرأة شنيعة في نشر الباطل والدعوة إليه، ثم هي مخالفة للواقع فليس كل الكفار قد وفروا لحاهم بل فيهم من يعفيها وفيهم من يحلقها، ولو فرضنا أنهم كلهم أعفوا لم يجز لنا أن نخالف أمر الرسول، صلى الله عليه وسلم، فنحلقها لمخالفتهم وهذا لا يقوله من له أدنى علم وبصيرة بشرع الله عز وجل، ويلزم عليه لوازم باطلة ومنكرات كثيرة، وأما ما ذكره عن شيوخ الأزهر من كونهم حلقال لحاهم لما رأووا بعض الكفار قد أعفاها فهذا لو سلمنا صحته لا حجة فيه فإن مخالفة بعض المسلمين لما شرعه الله لا يحتج بها على ترك الشرع المطهر بل الواجب الإنكار على من خالف الشرع والتحذير من الإقتداء به لا أن يحتج بعمله على مخالفة الشرع، وكثير من العلماء قد خالفوا الشرع المطهر في مسائل كثيرة إما لجهل بالدليل وإما لأسباب أخرى ولا يجوز أن يكونا حجة في جواز مخالفة ما علم من الشرع لكونهم لم يأخذوا به بل غاية ما هناك أن يعتذر عنهم بأن الشرع لم يبلغهم أو بلغهم من وجه لم يثبت لديهم أو لأعذار أخرى، كما بسط ذلك الإمام العلامة شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في كتابه الجليل " رفع الملام عن الأئمة الأعلام " وقد أجاد فيه وأفاد وأوضح أعذار أهل العلم فيما خالفوا من الشرع فليراجع فإنه مفيد جداً لطالب الحق، وإني أنصح الكاتب (أحمد) بأن يتقي الله ويحذر لمز الملتحين وسوء الظن بهم، كما أنصحه بأن يحسن الظن بجميع إخوانه المسلمين الذي يحرصون على تطبيق الشريعة ويتتبعون سنة الرسول، صلى الله عليه وسلم، ويتأسون به في أقواله وأعماله، وأن يحملهم على أحسن المحامل عملاً بقول الله عز وجل في سورة الحجرات {يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونواً خيراًَ منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيراً منهن ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون} .
ومعنى قوله {ولا تلمزوا أنفسكم} أي لا يلمز بعضكم بعضاً، واللمز العيب، ثم قال الله سبحانه وتعالى {يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيراً من الظن إن بعض الظن آثم} الآية
فأمر سبحانه وتعالى باجتناب كثير من الظن، وأخبر أن بعضه إثم وهو الظن الذي لا دليل عليه ولا أمارة شرعية ترشد إليه، ولهذا ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي،، أنه قال {إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث} وهذا كله لا يمنع من نصيحة من أخطأ من أهل العلم أو الدعاء إلى الله في شيء من عمله أو دعوته أو سيرته بل يجب أن يوجه إلى الخير ويرشد إلى الحق بأسلوب حسن لا باللمز وسوء الظن والأسلوب العنيف فإن ذلك ينفر من الحق أكثر مما يدعو إليه، ولهذا قال عز وجل لرسوليه موسى وهارون لما بعثهما إلى أكفر الخلق في زمانه {فقولا له قولاً لينا لعله يتذكر أو يخشى} وأخبر الله عن نبيه، صلى الله عليه وسلم، بما جبله عليه من الرفق والحكمة واللين اللطف في الدعوة فقال سبحانه " فيما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لا نفضوا من حولك " الآية، وأمره سبحانه أن يدعو إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة فقال عز وجل {ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن} وهذا الأمر ليس خاصاً به، صلى الله عليه وسلم، بل هو موجه إليه وإلى جميع علماء الأمة وإلى كل داع يدعو إلى حق، لأن أوامر الله سبحانه وتعالى لنبيه، صلى الله عليه وسلم، لا تخصه بل تعم الأمة جميعاً، إلا ما قام الدليل على أنه خاص به، ولقوله الله سبحانه {لقد كانو لكم في رسول الله أسوة حسنة} الآية ولقوله عز وجل {فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون} وقول سبحانه {والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً ذلك الفوز العظيم} وصحح عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أنه قال {من يحرم الرفق يحرم الخير كله} وقال عليه السلام {إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شأنه} وقال أيضا عليه الصلاة والسلام {إن الله يعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف} في أحاديث كثيرة تدل على أن الواجب على الدعاة إلى الله سبحانه والناصحين لعباده أن يتخيروا الأساليب المفيدة والعبارات التي ليس فيها عنف ولا تنفير من الحق والتي يرجى من ورائها انصياع من خالف الحق إلى قبوله والرضى به وإيثاره والرجوع عما هو عليه من الباطل، وأن لا يسلك في دعوته المسالك التي تنفر من
الحق وتدعو على رده وعدم قبوله، وأسأل الله أن يوفقنا وسائر المسلمين للفقه في دنيه، والثبات عليه، والدعوة إليه على بصيرة، وأن يعيذنا وسائر المسلمين من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، ومن القول عليه سبحانه وعلى رسوله، صلى الله عليه وسلم، بغير علم إنه ولي ذلك والقادر عليه وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه ومن أهتدى بهداه إلى يوم الدين.
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز
* * * *