الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
160 -
حكم لبس السوار لقصد النفع أو دفع الضر
س: تقول السائلة: مشكلتي كما يأتي: أنا امرأة محجبة بحمد الله وأداوم على الصلاة في أوقاتها، وأخاف الله عز وجل، وأومن بأن الأعمار بيد الله، وكنت عندما أنجب طفلا يموت، فأشار علي بعض الناس بشيء متعارف هنا في ليبيا، وهذا الشيء هو أن أجمع قطعة نقود من كل بيت، يوجد فيه شخص يسمى باسم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، أي أنه يسمى محمدا سواء كان هذا الشخص طفلا أو صبيا أو رجلا، وتجمع النقود ويشترى بثمنها سوارة تضعها المرأة التي عندما تنجب طفلا يموت تضعها في يدها، السوارة عادة تكون من الحديد، وفعلت ذلك فعلا، فشاء الله عز وجل أن يعيش الأطفال الذين أنجبتهم بعد ذلك، فلما رأت أختي السوارة وعرفت لماذا وضعتها أنا، وعرفت كذلك قصة السوارة، قالت لي: اخلعيها فورا من يدك؛ إن هذا شرك صريح بالله عز وجل، ولو توفاك الله وأنت تلبسينها باعتقادك أنها تفيدك وتضرك فإنك تموتين وأنت مشركة، فهل هذا صحيح؟ أي: هل يعتبر لبسي لها على هذا، الأساس شركا بالله عز وجل أم لا؟ وإن كان شركا فكيف أكفر عن ذنبي العظيم هذا؟ وهل صلاتي وصيامي وحسناتي السابقة ذهبت هباء منثور أم لا؟ ثالثا: إذا مكنكم الله من
إذاعة رسالتي هذه فأرجو أن تكون الإجابة واضحة مفصلة! لكي أستفيد ويستفيد من يسمعها جزاكم الله خيرا (1).
ج: إن هذا الذي فعلتيه أيتها السائلة وأرشدك إليه بعض الناس؛ رجاء أن يعيش الولد شيء لا أصل له، ولا أساس له، بل هو منكر وبدعة، ولا دليل عليه، ويسمى مثل هذا تميمة، والرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن التمائم، وأمر بقطعها، يقول عليه الصلاة والسلام:«من تعلق تميمة فلا أتم الله له، ومن تعلق ودعة فلا ودع الله له (2)» ، «من تعلق تميمة فقد أشرك (3)» .
وبعث عليه الصلاة والسلام في بعض غزواته من يقطع القلائد التي تعلق على الدواب؛ خشية العين وهي الأوتار، وقال:«إن الرقى والتمائم والتولة شرك (4)» . وهي الرقى التي لا توافق الشرع، والتمائم ما يعلق على الإنسان، خشية العين أو خشية الجن، والتولة نوع من الصرف، والعطف نوع من السحر. فبين صلى الله عليه وسلم أنها كلها من الشرك، وفي مسند أحمد رحمه الله بإسناد جيد عن عمران بن حصين رضي الله تعالى عنهما، «أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلا في يده حلقة من صفر فقال:" ما هذا؟ فقال: من الواهنة - يعني: علقتها من أجل الواهنة - قال: " انزعها؛ فإنها لا تزيدك إلا وهنا، فإنك لو مت وهي عليك ما أفلحت
(1) السؤال الأول من الشريط رقم (96).
(2)
أخرجه الإمام أحمد في مسند الشاميين، حديث عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه برقم 16969.
(3)
أخرجه الإمام أحمد في مسند الشاميين، حديث عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه، برقم 16969.
(4)
أخرجه الإمام أحمد في مسند المكثرين من الصحابة، مسند عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه برقم 3604.
أبدا (1)». فهذا وعيد عظيم في جعل هذه الحلقة الذي يزعم أنه جعلها من أجل الواهنة، مرض باليد يقال له: الواهنة. وجاء عن حذيفة رضي الله عنه أنه دخل على رجل قد علق خيطا في يده، فسأله فقال: من أجل الحمى، فقطعه حذيفة وتلا قوله تعالى:{وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} (2).
وجاء عن إبراهيم النخعي قال: كان أصحاب ابن مسعود يكرهون التمائم كلها، من القرآن ومن غير القرآن يحرمونها، وقال سعيد بن جبير - تابعي جليل رحمه الله: من قطع تميمة من إنسان كان كعدل رقبة. كأنه أعتق رقبة؛ لأنه خلصه من رق الشرك.
وبهذا تعلمين - أيتها السائلة - الذي قيل لك: تجمعين نقودا من كل بيت فيه اسم محمد، ثم يشترى بها حاجة كالسوار، ويعلق لعله يعش الولد، هذا شيء لا أصل له، وهذا باطل، وعليك التوبة إلى الله من ذلك، والرجوع إلى الله سبحانه وتعالى، ومن تاب تاب الله عليه، وهذا الذي يسره الله من كون الأطفال عاشوا بعد ذلك، هذا من فضل الله صادف قدرا، لا من أجل السوارة هذه، بل صادف قدر الله الماضي، وأن أولادك يعيشون بعد الأولاد الذين ماتوا سابقا، وليس من أجل السوارة، لكنه أمر الله الماضي في قدره السابق؛ فإنه سبحانه وتعالى قدر ما يكون من أولاد ومن عقم، ومن موت طفل ومن حياة.
(1) أخرجه الإمام أحمد في مسند البصريين حديث عمران بن حصين رضي الله عنهما برقم 19498.
(2)
سورة يوسف الآية 106
طفل إلى غير ذلك، كله مقدر كما في الحديث الصحيح، يقول النبي صلى الله عليه وسلم:«كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماء والأرض بخمسين ألف سنة، وعرشه على الماء (1)» ، رواه الإمام مسلم في صحيحه، وفي الصحيحين من حديث ابن مسعود رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم:«أن العبد إذا أكمل في الرحم - يعني الإنسان، إذا اكمل في الرحم - مائة وعشرين يوما - ثلاثة أطوار - يرسل إليه ملك، فيكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد (2)» ، فالعمر بيد الله جل وعلا فقد سبق في علم الله وفي قدره السابق، أن أولادك يعيشون بعد الذين ماتوا، وليس من أجل السوارة، ولكنه ابتلاء وامتحان وقع لك، فعليك التوبة إلى الله جل وعلا، والرجوع إليه والندم على ما مضى، وهذا شرك أصغر، تعليق التمائم من الشرك الأصغر لا تحبط معه صلاتك ولا صومك ولا عبادتك السابقة، أعمالك الطيبة السابقة التي لله فعلتيها، لا تبطل بهذا! لأنه شرك أصغر لا تبطل به الأعمال، وإن كنت أردت بهذا السوار وقصدت أنه ينفع ويضر دون الله، فهذا شرك أكبر، لكن ليس المسلم يقصد هذا، ولا يظن هذا ولا يعتقد هذا، وإنما يعتقد أنها
(1) أخرجه مسلم في كتاب القدر، باب حجاج آدم وموسى عليهما السلام، برقم 2653.
(2)
أخرجه البخاري في كتاب بدء الخلق، باب ذكر الملائكة، برقم 3208، ومسلم في كتاب القدر، باب كيفية خلق الآدمي في بطن أمه وكتابة رزقه وأجله وعمله وشقاوته وسعادته، برقم 2643.
أسباب، كما يكفي عن المرض، وكما يتعاطى الأدوية من الحبوب والإبر، كلها أسباب، وهكذا تعليق السوار، الذي نعتقد فيك أنك ظننتيها أسبابا، أنها من الأسباب فبكل حال عليك التوبة من ذلك، وإن كنت تعتقدين فيها أنها تنفع وتضر فعليك التوبة إلى الله من ذلك أيضا، والرجوع إليه بالتوبة النصوح، ولعل جهلك بذلك يكون شافعا في سلامة أعمالك الصالحة، والعبد متى تاب أيضا إلى الله، ورجع عن شركه وباطله، فإن أعماله الصالحة تبقى له، ولا تبطل إلا إذا مات على الكفر بالله سبحانه وتعالى، ولهذا لما أسلم حكيم بن حزام، وذكر رضي الله عنه للنبي صلى الله عليه وسلم أنه سبق منه عتاقة في الجاهلية، وصدقة في الجاهلية، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:«أسلمت على ما أسلفت من خيرا (1)» .
والله سبحانه قال عن الكفار إنما أعمالهم تحبط إذا ماتوا على الكفر: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} (2)، الآية. وقال سبحانه:{وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ} (3). فقيد فيمن مات وهو كافر، فدل ذلك على أن من لم يمت كافرا، بل مات على الإسلام فإن أعماله الصالحة تبقى له، ولا تفوت عليه والحمد لله
(1) أخرجه البخاري في كتاب الزكاة، باب من تصدق في الشرك ثم أسلم، برقم 1436، ومسلم في كتاب الإيمان، باب بيان حكم عمل الكافر إذا أسلم، برقم 123.
(2)
سورة البقرة الآية 161
(3)
سورة البقرة الآية 217
ونوصيها بتقوى الله عز وجل، والأخذ بالأسباب التي أباحها الله، كعرض الطفل على الطبيب، وتعاطي الأدوية المباحة، والقراءة على المريض والنفث عليه، والكي إذا دعت الحاجة إليه، وأشباه ذلك من الأدوية النافعة، والأسباب المباحة، أما الشيء الذي حرمه الله كتعليق التمائم، أو دعاء غير الله، أو الاستغاثة بالجن، أو إتيان الكهان والمنجمين، كل هذا باطل لا يجوز، وإنما يجوز للمؤمن الأسباب المباحة، والوسائل المباحة فقط، والله سبحانه جعل لكل داء دواء، كما في الحديث الصحيح:«ما أنزل الله داء إلا أنزل له شفاء، علمه من علمه وجهله من جهله (1)» . وقال عليه الصلاة والسلام: «لكل داء دواء، فإذا أصيب دواء الداء برئ بإذن الله (2)» .
والمؤمن إذا أصابه شيء يعرضه على أهل الخبرة من الأطباء، أو غيرهم من أهل العلم والبصيرة، فإن كان هناك طبيب يعرف هذا الداء عالجه، وإن كان يحتاج إلى قراءة قرأ عليه بعض إخوانه المسلمين وعالجوه بالقراءة والدعاء هكذا المشروع، أما أن يعلق حديدة، أو قرطاسة أو خشبة أو شيئا يقرأ فيه، يقرأ ويعلق كل هذا ما يجوز حتى ولو من القرآن على الصحيح، وإن كان بعض السلف خالف في ذلك، فإن الصحيح الذي عليه المحققون أن تعليق التمائم لا يجوز، ولو كان من القرآن، لسد
(1) أخرجه مسلم في كتاب السلام، باب لكل داء دواء، برقم 2204.
(2)
مسلم السلام (2204)، أحمد (3/ 335).