الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحافظ عبد الغني المقدسي. هذه كتب ينبغي حفظها، تفيد وتنفع، من الكتب المهمة.
38 -
فضل حفظ أسماء الله الحسنى
س: يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «إن لله تسعة وتسعين اسما، لا يحفظها أحد إلا دخل الجنة (1)» أو كما قال صلى الله عليه وسلم. هل كل من حفظ أسماء الله يضمن دخوله الجنة؟ (2).
ج: هذا من أحاديث الوعد، ومن أحاديث الفضائل، وفيه غيره من أحاديث الفضائل، يقول صلى الله عليه وسلم:«إن لله تسعة وتسعين اسما، مائة إلا واحدا، من أحصاها دخل الجنة (3)» . وفيه لفظ آخر: «من حفظها دخل الجنة (4)» متفق على صحته.
هذا فيه حث على العناية بأسماء الله، وتدبرها، وحفظها، وإحصائها، حتى يستفيد من هذه المعاني العظيمة، وحتى يكون هذا من أسباب الخشوع لله، وطاعته له، والقيام بحقه
(1) أخرجه البخاري في كتاب الشروط، باب ما يجوز من الاشتراط والثنيا في الإقرار، برقم 2736، ومسلم في كتاب الذكر والدعاء، باب في أسماء الله تعالى وفضل من أحصاها، برقم 2677.
(2)
السؤال الحادي والعشرون من الشريط رقم (321).
(3)
أخرجه البخاري في كتاب الشروط، باب ما يجوز من الاشتراط والثنيا في الإقرار، برقم 2736، ومسلم في كتاب الذكر والدعاء، باب في أسماء الله تعالى وفضل من أحصاها، برقم 2677.
(4)
أخرجه البخاري في كتاب الدعوات، باب لله مائة اسم غير واحدا، برقم 6410.
سبحانه وتعالى.
ومن أسباب دخول الجنة لمن حفظها، وأدى حق الله، ولم يغش الكبائر. أما من غشي الكبائر من المعاصي فهو معرض لوعيد الله، وتحت مشيئة الله؛ إن شاء عذبه، وإن شاء أدخله الجنة. لكن حفظ هذه الأسماء وإحصاؤها من أسباب دخول الجنة، لمن سلم من الموانع الأخرى؛ فإن دخول الجنة له أسباب، وله موانع كالإقامة على المعاصي من أسباب منع دخول الجنة، مع أول من دخلها، مع الداخلين أولا، فيعذب ثم بعد ما يطهر ويمحص إذا كان مات على المعاصي يدخل الجنة.
وقد يعفو الله عنه، ويدخل من أول وهلة، يقول النبي صلى الله عليه وسلم:«الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان - كفارات لما بينهن، ما لم تغش الكبائر (1)» يعني: كبائر الذنوب، وهي المعاصي التي فيها وعيد أو غضب أو لعن، مثل الزنى، ومثل شرب الخمر، ومثل عقوق الوالدين، أو أحدهما، ومثل أكل الربا، ومثل الغيبة، والنميمة، وأشباهها من المعاصي.
هذه الأشياء خطيرة، وأمرها خطير، وصاحبها إذا مات عليها تحت مشيئة الله؛ إن شاء الله غفر له وأدخله الجنة بتوحيده وإسلامه، وإن شاء عذبه على قدرها، ثم بعد ما يطهر ويمحص في النار يخرجه الله من النار إلى الجنة. وقد تواترت الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن كثيرا من
(1) أخرجه مسلم في كتاب الطهارة، باب الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، برقم 233.
العصاة يدخلون النار بمعاصيهم، ويعذبون فيها على قدر معاصيهم.
ثم بعد التطهير والتمحيص يخرجهم الله من النار؛ بعضهم بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم، وبعضهم بشفاعة غيره من الملائكة والأنبياء والأفراط، وبعضهم بمجرد عفو الله عنه؛ لقول الله عز وجل:{إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} (1).
هذه المعاصي تحت مشيئة معلقة؛ إن شاء الله عفا عنهم وأدخلهم الجنة، وإن شاء عذبهم على قدر معاصيهم، ثم يخرجون من النار بعد التطهير، ولا يخلدون، فيدخلون الجنة بعد ذلك. ولا يخلد في النار إلا صاحب الكفر بالله والشرك، فهم الذين يخلدون لا يغفر لهم.
أما أهل المعاصي فمن دخل النار لا يخلد عند أهل السنة والجماعة، خلافا للخوارج والمعتزلة ومن سار على مذهبهم الباطل، فإنهم يرون أن العصاة يخلدون في النار، فمذهبهم باطل. أما أهل السنة والجماعة فيقولون: العصاة تحت المشيئة إذا ماتوا على التوحيد والإسلام وعندهم معاص فهم تحت المشيئة إذا لم يتوبوا. . وفق الله الجميع.
س: هل من حفظ الأسماء الحسنى دخل الجنة؟ (2)
ج: جاء في الحديث الصحيح، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إن لله تسعة
(1) سورة النساء الآية 48
(2)
السؤال الثاني من الشريط رقم (241).
وتسعين اسما، مائة إلا واحدا، من أحصاها دخل الجنة (1)». وفي لفظ:«من حفظها دخل الجنة (2)» ، ولم يبينها صلى الله عليه وسلم في الأحاديث الصحيحة. لكن لو وفق الإنسان فأحصاها وحفظها، وصادف أنها تسعة وتسعون - فهو موعود بهذا الخير.
هذا من أحاديث الفضائل إن لم يمت على كبيرة من كبائر الذنوب، فالذي مات على كبيرة، والكبائر من أسباب حرمان دخول الجنة، من أسباب دخول النار، إلا أن يعفو الله عنه.
والقاعدة الشرعية أن الآيات المطلقة والأحاديث المطلقة يجب أن تحمل على المقيدة وتفسر بها؛ لأن القرآن لا يتناقض، والسنة لا تتناقض. والأحاديث يصدق بعضها بعضا، والآيات يصدق بعضها بعضا، فوجب حمل المطلق من الآيات والأحاديث على المقيد، وتفسر بذلك، تفسير هذا بهذا.
وقد قال الله سبحانه: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا} (3). فاشترط في تكفير السيئات ودخول الجنة اجتناب الكبائر. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان - كفارات لما بينهن، ما لم تؤت الكبائر (4)» .
فإذا حفظ الأسماء الحسنى التسعة والتسعين، وهو مقيم على الزنى أو الخمر - فهو معرض للوعيد. وهو على خطر من دخول النار، إلا أن يعفو الله عنه أو يتوب. لكن إن دخلها
(1) أخرجه البخاري في كتاب التوحيد، باب إن لله مائة اسم إلا واحدا، برقم 7392. ومسلم في كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب في أسماء الله تعالى، وفضل من أحصاها، برقم 2677.
(2)
أخرجه البخاري في كتاب الدعوات، باب لله مائة اسم غير واحدا، برقم 6410.
(3)
سورة النساء الآية 31
(4)
أخرجه مسلم في كتاب الطهارة، باب الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، برقم 233.
وهو موحد مسلم بسبب بعض الكبائر لا يخلد فيها، خلافا للخوارج والمعتزلة، بل يعذب على قدر الجريمة، ثم يخرجه الله من النار فضلا منه وإحسانا، ولا يخلد في النار إلا الكفار، الذين حكم عليهم القرآن بأنهم كفار أو السنة.
أما العصاة فلا يخلدون إذا دخلوا النار كالزاني والسارق والعاق لوالديه، ونحو ذلك من أهل المعاصي لا يخلدون إذا دخلوا النار، إذا ماتوا عليها ولم يتوبوا، هم متوعدون بالنار. فإن عفا الله عنهم فهو أهل الجود والكرم سبحانه وتعالى، وإن لم يعف عنهم عذبهم على قدر الجريمة التي ماتوا عليها، ثم بعد ذلك يطهرون، ثم بعد ذلك يخرجون من النار.
وقد أخبر النبي بهذا عليه الصلاة والسلام في أحاديث كثيرة متوافقة، أن العصاة يخرجون من النار، ويشفع فيهم صلى الله عليه وسلم عدة شفاعات، ويشفع الملائكة، ويشفع المؤمنون، ويشفع الأفراط. هذا هو الحق الذي عليه أهل السنة والجماعة، خلاف الخوارج والمعتزلة. ويدل على هذا قوله سبحانه في كتابه العظيم:{إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} (1)، فجعل المعاصي تحت مشيئته سبحانه وتعالى، وجعل الشرك لا يغفر إذا مات عليه.
من مات على الشرك فإنه لا يغفر، بل صاحبه مخلد في النار، نعوذ بالله! إذا مات عليه، وهو ليس من أهل الفترة، ولا من في حكمهم - فإنه يخلد في النار، نعوذ بالله!
أما من مات على شيء من المعاصي، ولم يتب - فإنه تحت مشيئة الله سبحانه؛ إن شاء الله عفا عنه
(1) سورة النساء الآية 48
فضلا منه وإحسانا، وإن شاء عذبه على قدر الجريمة التي مات عليها. ثم بعد التطهير والتمحيص يخرجه الله من النار، فضلا منه ورحمة سبحانه وتعالى، خلافا للخوارج والمعتزلة فإنهم يقولون بخلود العاصي في النار، وقولهم باطل عند أهل الحق.
س: أسأل سماحتكم عن حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: «إن لله تسعة وتسعين اسما، مائة إلا واحدا، من أحصاها دخل الجنة» . هل كلمة "أحصاها" الواردة في الحديث معناها حفظها؟ أم قراءتها فقط؟ وجهوني، جزاكم الله خيرا! (1).
ج: هذا الحديث مخرج في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم، وله لفظان: أحدهما: " أحصاها "، واللفظ الثاني:«من حفظها دخل الجنة (2)» . معنى " أحصاها " أي حفظها وأتقنها دخل الجنة. وإحصاؤها يكون بحفظها، ويكون بالعمل بمقتضاها.
أما لو أحصاها، وما عمل بمقتضاها، ولا يؤمن بهاء - فإنها لا تنفعه، فالإحصاء يدخل فيه حفظها، ويدخل فيه العمل بمعناها. فالواجب على من وفقه الله لإحصائها وحفظها أن يعمل بمقتضاها، فيكون رحيما، ويكون أيضا عاملا بمقتضى بقية الأسماء. يؤمن بأن الله عزيز حكيم، رءوف رحيم، قدير عالم بكل شيء.
يؤمن بذلك، ثم يراقب الله، ويخاف الله، فلا يصر على المعاصي التي يعلمها
(1) السؤال الرابع عشر من الشريط رقم (289).
(2)
أخرجه البخاري في كتاب الدعوات، باب لله مائة اسم غير واحدا، برقم 6410.
ربه، بل يحذر المعاصي، ويبتعد عنها وعن الكفر بالله كله بأنواعه، إلى غير ذلك.
فهو يجتهد في حفظها مع العمل بمقتضاها، مع الإيمان بالله ورسوله، وإثبات الصفات والأسماء لله، على الوجه اللائق بالله، من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل. يعلم أنها حق، وأنها صفات لله وأسماء لله، وأنه سبحانه الكامل في ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله. لا شبيه له ولا مثل له، كما قال عز وجل في كتابه العظيم:{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} (1){اللَّهُ الصَّمَدُ} (2){لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ} (3){وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} (4).
يؤمن بهذا، وأنه صمد لا شبيه له، تصمد إليه الخلائق، وتحتاج إليه سبحانه وتعالى. هو الكامل في كل شيء، وأنه لم يلد ولم يولد، وأنه لا كفو له، لا في صفاته ولا في أفعاله. ليس له كفء ولا مثل ولا سمي، قال تعالى:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} (5) وقال: {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} (6)، وقال:{فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ} (7).
فهو سبحانه لا سمي له ولا شبه له، ولا كفو له ولا ند له، هو الكامل في كل شيء سبحانه في علمه وفي ذاته، وفي حكمته وفي رحمته وفي عزته وفي قدرته. وفي جميع صفاته سبحانه وتعالى، فمن أحصاها علما وعملا وحفظها علما وعملا أدخله
(1) سورة الإخلاص الآية 1
(2)
سورة الإخلاص الآية 2
(3)
سورة الإخلاص الآية 3
(4)
سورة الإخلاص الآية 4
(5)
سورة الشورى الآية 11
(6)
سورة مريم الآية 65
(7)
سورة النحل الآية 74
الله الجنة.
أما إذا أحصاها وحفظها، لكن قد أقام على المعاصي والسيئات - فهو تحت مشيئة الله؛ إن شاء الله غفر له، وإن شاء عذبه بمعاصيه. ثم بعد تطهيره من المعاصي يخرجه الله من النار إلى الجنة، إذا كان مات على التوحيد والإسلام، كما قال الله سبحانه:{إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} (1).
والكبائر تشمل الشرك وأنواع الكفر، وتشمل المعاصي التي حرم الله وجاء فيها اللعن، والغضب والوعيد من الكبائر. فعلى العبد من العباد الرجال والنساء أن يجتنبوها؛ ولهذا قال سبحانه:{إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} (2) يعني الصغائر {وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا} (3).
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: «الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان - كفارات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر (4)» وفي لفظ: «ما لم تغش الكبائر (5)» ، كالزنى والسرقة وعقوق الوالدين أو أحدهما، وقطيعة الرحم، وأكل الربا، والغيبة والنميمة، والتولي يوم الزحف، والسحر، إلى غيرها مما حرمه الله من الكبائر.
(1) سورة النساء الآية 31
(2)
سورة النساء الآية 31
(3)
سورة النساء الآية 31
(4)
أخرجه الإمام أحمد في مسند المكثرين، مسند أبي هريرة رضي الله عنه، برقم 8498.
(5)
أخرجه مسلم في كتاب الطهارة، باب الصلوات الخمس والجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن ما اجتنبت الكبائر، برقم 233.