المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة المائدة (5) : آية 19] - التحرير والتنوير - جـ ٦

[ابن عاشور]

فهرس الكتاب

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : الْآيَات 148 إِلَى 149]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : الْآيَات 150 إِلَى 152]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : الْآيَات 153 إِلَى 154]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : آيَة 155]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : الْآيَات 156 الى 158]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : آيَة 159]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : الْآيَات 160 إِلَى 162]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : الْآيَات 163 إِلَى 165]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : آيَة 166]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : آيَة 167]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : الْآيَات 168 إِلَى 169]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : آيَة 170]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : آيَة 171]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : الْآيَات 172 إِلَى 173]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : الْآيَات 174 إِلَى 175]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : آيَة 176]

- ‌5- سُورَةُ الْمَائِدَةِ

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : آيَة 2]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : آيَة 3]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : آيَة 5]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : آيَة 6]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : آيَة 7]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : آيَة 8]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : الْآيَات 9 إِلَى 10]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : آيَة 12]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : آيَة 13]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : آيَة 14]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : الْآيَات 15 إِلَى 16]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : آيَة 17]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : آيَة 18]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : آيَة 19]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : الْآيَات 20 إِلَى 22]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : الْآيَات 23 إِلَى 26]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : الْآيَات 27 إِلَى 30]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : آيَة 31]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : آيَة 32]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : الْآيَات 33 إِلَى 34]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : آيَة 35]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : الْآيَات 36 إِلَى 37]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : الْآيَات 38 إِلَى 39]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : آيَة 40]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : الْآيَات 41 الى 42]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : آيَة 43]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : آيَة 44]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : آيَة 45]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : الْآيَات 46 إِلَى 47]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : آيَة 48]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : آيَة 49]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : آيَة 50]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : الْآيَات 51 إِلَى 53]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : آيَة 54]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : الْآيَات 55 إِلَى 56]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : الْآيَات 57 إِلَى 58]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : الْآيَات 59 إِلَى 60]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : الْآيَات 61 إِلَى 63]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : آيَة 64]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : آيَة 65]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : آيَة 66]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : آيَة 67]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : آيَة 68]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : آيَة 69]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : آيَة 70]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : آيَة 71]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : آيَة 72]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : الْآيَات 73 إِلَى 74]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : آيَة 75]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : آيَة 76]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : آيَة 77]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : الْآيَات 78 إِلَى 79]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : الْآيَات 80 إِلَى 81]

الفصل: ‌[سورة المائدة (5) : آية 19]

آدَمَ كُلَّهُمُ اسْتَحَقُّوا الْعَذَابَ الْأُخْرَوِيَّ بِخَطِيئَةِ أَبِيهِمْ آدَمَ، فَجَاءَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ مُخَلِّصًا وَشَافِعًا وَعَرَّضَ نَفْسَهُ لِلصَّلْبِ لِيُكَفِّرَ عَنِ الْبَشَرِ خَطِيئَتَهُمُ الْمَوْرُوثَةَ، وَهَذَا يُلْزِمُهُمُ الِاعْتِرَافَ بِأَنَّ الْعَذَابَ كَانَ مَكْتُوبًا عَلَى الْجَمِيعِ لَوْلَا كَفَّارَةُ عِيسَى فَحَصَلَ الرَّدُّ عَلَيْهِمْ بِاعْتِقَادِهِمْ بِهِ بَلْهَ اعْتِقَادِنَا.

ثُمَّ أُخِذَتِ النَّتِيجَةُ مِنَ الْبُرْهَانِ بِقَوْلِهِ: بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ أَيْ يَنَالُكُمْ مَا يَنَالُ سَائِرَ الْبَشَرِ. وَفِي هَذَا تَعْرِيضٌ أَيْضًا بِأَنَّ الْمَسِيحَ بَشَرٌ، لِأَنَّهُ نَالَهُ مَا يَنَالُ الْبَشَرَ مِنَ الْأَعْرَاضِ وَالْخَوْفِ، وَزَعَمُوا أَنَّهُ نَالَهُ الصَّلْبُ وَالْقَتْلُ.

وَجُمْلَةُ قَوْلِهِ: يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ كَالِاحْتِرَاسِ، لِأَنَّهُ لَمَّا رَتَّبَ عَلَى نَوَالِ الْعَذَابِ إِيَّاهُمْ أَنَّهُمْ بَشَرٌ دَفَعَ تَوَهُّمَ النَّصَارَى أَنَّ الْبَشَرِيَّةَ مُقْتَضِيَةٌ اسْتِحْقَاقَ الْعَذَابِ بِوِرَاثَةِ تَبِعَةِ خَطِيئَةِ آدَمَ فَقَالَ: يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ، أَيْ مِنَ الْبَشَرِ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ.

[19]

[سُورَة الْمَائِدَة (5) : آيَة 19]

يَا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا مَا جاءَنا مِنْ بَشِيرٍ وَلا نَذِيرٍ فَقَدْ جاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (19)

كَرَّرَ اللَّهُ مَوْعِظَتَهُمْ وَدَعْوَتَهُمْ بَعْدَ أَنْ بَيَّنَ لَهُمْ فَسَادَ عَقَائِدِهِمْ وَغُرُورَ أَنْفُسِهِمْ بَيَانًا لَا يَدَعُ لِلْمُنْصِفِ مُتَمَسَّكًا بِتِلْكَ الضَّلَالَاتِ، كَمَا وَعَظَهُمْ وَدَعَاهُمْ آنِفًا بِمِثْلِ هَذَا عَقِبَ بَيَانِ نَقْضِهِمُ الْمَوَاثِيقَ. فَمَوْقِعُ هَذِهِ الْآيَةِ تَكْرِيرٌ لِمَوْقِعِ قَوْلِهِ: يَا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتابِ [الْمَائِدَة: 15] الْآيَاتِ، إِلَّا أَنَّهُ ذَكَرَ الرَّسُولَ صلى الله عليه وسلم هُنَا بِوَصْفِ مَجِيئِهِ عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ لِيُذَكِّرَهُمْ بِأَنَّ كُتُبَهُمْ مُصَرِّحَةٌ بِمَجِيءِ رَسُولٍ عَقِبَ رُسُلِهِمْ، وَلِيُرِيَهُمْ أَنَّ مَجِيئَهُ لَمْ يَكُنْ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ إِذْ كَانُوا يَجِيئُونَ عَلَى فِتَرٍ بَيْنَهُمْ. وَذُكِرَ الرَّسُولُ هُنَالِكَ بِوَصْفِ تَبْيِينِهِ مَا يُخْفُونَهُ مِنَ الْكِتَابِ لِأَنَّ

ص: 157

مَا ذُكِرَ قَبْلَ الْمَوْعِظَةِ هُنَا قَدْ دَلَّ عَلَى مُسَاوَاةِ الرُّسُلِ فِي الْبَشَرِيَّةِ وَمُسَاوَاةِ الْأُمَمِ فِي الْحَاجَةِ إِلَى الرِّسَالَةِ، وَمَا ذُكِرَ قَبْلَ الْمَوْعِظَةِ هُنَالِكَ إِنَّمَا كَانَ إِنْبَاءً بِأَسْرَارِ كُتُبِهِمْ وَمَا يُخْفُونَ عِلْمَهُ عَنِ النَّاسِ لِمَا فِيهِ مِنْ مَسَاوِيهِمْ وَسُوءِ سُمْعَتِهِمْ. وَحُذِفَ مَفْعُولُ يُبَيِّنُ لِظُهُورِ أَنَّ الْمُرَادَ بَيَانُ الشَّرِيعَةِ. فَالْكَلَامُ خِطَابٌ لِأَهْلِ الْكِتَابِ يَتَنَزَّلُ مَنْزِلَةَ تَأْكِيدٍ لِجُمْلَةِ يَا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ [الْمَائِدَة: 15] ، فَلِذَلِكَ فُصِّلَتْ.

وَقَوْلُهُ: عَلى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ حَالٌ مِنْ ضَمِيرِ يُبَيِّنُ لَكُمْ، فَهُوَ ظَرْفٌ مُسْتَقِرٌّ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ظَرْفًا لَغْوًا مُتَعَلِّقًا بِ جاءَكُمْ. وَيَجُوزُ تَعَلُّقُهُ بِفِعْلِ يُبَيِّنُ لِأَنَّ الْبَيَانَ انْقَطَعَ فِي مُدَّةِ الْفَتْرَةِ.

وَ (عَلَى) لِلِاسْتِعْلَاءِ الْمَجَازِيِّ بِمَعْنَى (بَعْدَ) لِأَنَّ الْمُسْتَعْلِيَ يَسْتَقِرُّ بَعْدَ اسْتِقْرَارِ مَا يَسْتَعْلِي هُوَ فَوْقَهُ، فَشُبِّهَ اسْتِقْرَارُهُ بَعْدَهُ بِاسْتِعْلَائِهِ عَلَيْهِ، فَاسْتُعِيرَ لَهُ الْحَرْفُ الدَّالُّ عَلَى الِاسْتِعْلَاءِ.

وَالْفَتْرَةُ: انْقِطَاعُ عَمَلٍ مَا. وَحَرْفُ (مِنْ) فِي قَوْله: مِنَ الرُّسُلِ لِلِابْتِدَاءِ، أَيْ فَتْرَةٍ مِنَ الزَّمَنِ ابْتِدَاؤُهَا مُدَّةُ وُجُودِ الرُّسُلِ، أَيْ أَيَّامُ إِرْسَالِ الرُّسُلِ.

وَالْمَجِيءُ مُسْتَعَارٌ لِأَمْرِ الرَّسُولِ بِتَبْلِيغِ الدِّينِ، فَكَمَا سُمِّيَ الرَّسُولُ رَسُولًا سُمِّيَ تَبْلِيغُهُ مَجِيئًا تَشْبِيهًا بِمَجِيءِ الْمُرْسَلِ مِنْ أَحَدٍ إِلَى آخَرَ.

وَالْمُرَادُ بِالرُّسُلِ رُسُلُ أَهْلِ الْكِتَابِ الْمُتَعَاقِبِينَ مِنْ عَهْدِ مُوسَى إِلَى الْمَسِيحِ، أَوْ أُرِيدَ الْمَسِيحُ خَاصَّةً. وَالْفَتْرَةُ بَيْنَ الْبَعْثَةِ وَبَيْنَ رَفْعِ الْمَسِيحِ، كَانَتْ نَحْوَ خَمْسِمِائَةٍ وَثَمَانِينَ سَنَةً.

وَأَمَّا غَيْرُ أَهْلِ الْكِتَابِ فَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلٌ مِثْلُ خَالِدِ بْنِ سِنَانٍ وَحَنْظَلَةَ بْنِ صَفْوَانَ.

وأَنْ تَقُولُوا تَعْلِيلٌ لِقَوْلِهِ: قَدْ جاءَكُمْ لِبَيَانِ بَعْضِ الْحِكَمِ مِنْ بَعْثَةِ

ص: 158

الرَّسُولِ، وَهِيَ قَطْعُ مَعْذِرَةِ أَهْلِ الْكِتَابِ عِنْدَ مُؤَاخَذَتِهِمْ فِي الْآخِرَةِ، أَوْ تَقْرِيعُهُمْ فِي الدُّنْيَا عَلَى مَا غَيَّرُوا مِنْ شَرَائِعِهِمْ، لِئَلَّا يَكُونَ مِنْ مَعَاذِيرِهِمْ أَنَّهُمُ اعْتَادُوا تعاقب الرُّسُل إرشادهم وَتَجْدِيدِ الدِّيَانَةِ، فَلَعَلَّهُمْ أَنْ يَعْتَذِرُوا بِأَنَّهُمْ لَمَّا مَضَتْ عَلَيْهِمْ فَتْرَةٌ بِدُونِ إِرْسَالِ رَسُولٍ لَمْ يَتَّجِهْ عَلَيْهِمْ مَلَامٌ فِيمَا أَهْمَلُوا مِنْ شَرْعِهِمْ وَأَنَّهُمْ لَوْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ لَاهْتَدَوْا. فَالْمَعْنَى أَنْ تَقُولُوا: مَا جَاءَنَا رَسُولٌ فِي الْفَتْرَةِ بَعْدَ مُوسَى أَوْ بَعْدَ عِيسَى. وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنْ يَقُولُوا: مَا جَاءَنَا رَسُولٌ إِلَيْنَا أَصْلًا، فَإِنَّهُمْ لَا يَدَّعُونَ ذَلِكَ، وَكَيْفَ وَقَدْ جَاءَهُمْ مُوسَى وَعِيسَى. فَكَانَ قَوْلُهُ: أَنْ تَقُولُوا مَا جاءَنا مِنْ بَشِيرٍ وَلا نَذِيرٍ تَعْلِيلًا لِمَجِيءِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم إِلَيْهِمْ، وَمُتَعَلِّقًا بِفِعْلِ مَا جاءَنا. وَوَجَبَ تَقْدِيرُ لَامِ التَّعْلِيلِ قَبْلَ (أَنْ) وَهُوَ تَقْدِيرٌ يَقْتَضِيهِ الْمَعْنَى. وَمِثْلُ هَذَا التَّقْدِيرِ كَثِيرٌ فِي حَذْفِ حَرْفِ الْجَرِّ قَبْلَ (أَنْ) حَذْفًا مُطَّرِدًا، وَالْمَقَامُ يُعَيِّنُ الْحَرْفَ الْمَحْذُوفَ فَالْمَحْذُوفُ هُنَا حَرْفُ اللَّامِ.

وَيَشْكُلُ مَعْنَى الْآيَةِ بِأَنَّ عِلَّةَ إِرْسَالِ الرَّسُولِ إِلَيْهِمْ هِيَ انْتِفَاءُ أَنْ يَقُولُوا مَا جاءَنا مِنْ بَشِيرٍ وَلا نَذِيرٍ لَا إِثْبَاتُهُ كَمَا هُوَ وَاضح، فَلَمَّا ذَا لَمْ يَقُلْ: أَنْ لَا تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِنْ بشير وَلَا نذر، وَقَدْ جَاءَ فِي الْقُرْآنِ نَظَائِرُ لِهَذِهِ الْآيَةِ، وَفِي شِعْرِ الْعَرَبِ كَقَوْلِ عَمْرِو بْنِ كُلْثُومٍ:

فَعَجَّلْنَا الْقِرَى أَنْ تَشْتُمُونَا

أَرَادَ أَنْ لَا تَشْتُمُونَا. فَاخْتَلَفَ النَّحْوِيُّونَ فِي تَقْدِيرِ مَا بِهِ يَتَقَوَّمُ الْمَعْنَى فِي الْآيَاتِ وَغَيْرِهَا: فَذَهَبَ الْبَصْرِيُّونَ إِلَى تَقْدِيرِ اسْمٍ يُنَاسِبُ أَنْ يَكُونَ مَفْعُولًا لِأَجْلِهِ لِفِعْلِ جاءَكُمْ، وَقَدَّرُوهُ:(كَرَاهِيَةَ أَنْ تَقُولُوا) ، وَعَلَيْهِ دَرَجَ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» وَمُتَابِعُوهُ مِنْ جُمْهُورِ الْمُفَسِّرِينَ وَذَهَبَ الْكُوفِيُّونَ إِلَى تَقْدِيرِ حَرْفِ نَفْيٍ مَحْذُوفٍ بَعْدَ (أَنْ)، وَالتَّقْدِيرُ: أَنْ لَا

تَقُولُوا، وَدَرَجَ عَلَيْهِ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ مِثْلُ الْبَغَوِيِّ فَيَكُونُ مِنْ إِيجَازِ الْحَذْفِ اعْتِمَادًا عَلَى قَرِينَةِ السِّيَاقِ وَالْمَقَامِ. وَزَعَمَ ابْنُ هِشَامٍ فِي «مُغْنِي اللَّبِيبِ» أَنَّهُ تَعَسُّفٌ، وَذَكَرَ أَنَّ بَعْضَ النَّحْوِيِّينَ زَعَمَ أَنَّ مِنْ مَعَانِي (أَنْ) أَنْ تَكُونَ بِمَعْنَى (لِئَلَّا) .

ص: 159