المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة المائدة (5) : الآيات 38 إلى 39] - التحرير والتنوير - جـ ٦

[ابن عاشور]

فهرس الكتاب

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : الْآيَات 148 إِلَى 149]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : الْآيَات 150 إِلَى 152]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : الْآيَات 153 إِلَى 154]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : آيَة 155]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : الْآيَات 156 الى 158]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : آيَة 159]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : الْآيَات 160 إِلَى 162]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : الْآيَات 163 إِلَى 165]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : آيَة 166]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : آيَة 167]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : الْآيَات 168 إِلَى 169]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : آيَة 170]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : آيَة 171]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : الْآيَات 172 إِلَى 173]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : الْآيَات 174 إِلَى 175]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : آيَة 176]

- ‌5- سُورَةُ الْمَائِدَةِ

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : آيَة 2]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : آيَة 3]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : آيَة 5]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : آيَة 6]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : آيَة 7]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : آيَة 8]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : الْآيَات 9 إِلَى 10]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : آيَة 12]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : آيَة 13]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : آيَة 14]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : الْآيَات 15 إِلَى 16]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : آيَة 17]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : آيَة 18]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : آيَة 19]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : الْآيَات 20 إِلَى 22]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : الْآيَات 23 إِلَى 26]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : الْآيَات 27 إِلَى 30]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : آيَة 31]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : آيَة 32]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : الْآيَات 33 إِلَى 34]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : آيَة 35]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : الْآيَات 36 إِلَى 37]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : الْآيَات 38 إِلَى 39]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : آيَة 40]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : الْآيَات 41 الى 42]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : آيَة 43]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : آيَة 44]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : آيَة 45]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : الْآيَات 46 إِلَى 47]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : آيَة 48]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : آيَة 49]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : آيَة 50]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : الْآيَات 51 إِلَى 53]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : آيَة 54]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : الْآيَات 55 إِلَى 56]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : الْآيَات 57 إِلَى 58]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : الْآيَات 59 إِلَى 60]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : الْآيَات 61 إِلَى 63]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : آيَة 64]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : آيَة 65]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : آيَة 66]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : آيَة 67]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : آيَة 68]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : آيَة 69]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : آيَة 70]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : آيَة 71]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : آيَة 72]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : الْآيَات 73 إِلَى 74]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : آيَة 75]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : آيَة 76]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : آيَة 77]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : الْآيَات 78 إِلَى 79]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : الْآيَات 80 إِلَى 81]

الفصل: ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 38 إلى 39]

مَا فِي الْأَرْضِ وَزِيَادَةً فَلَمْ تَبْقَ جَدْوَى لِفَرْضِ الِافْتِدَاءِ بِمَا فِي الْأَرْضِ لِأَنَّهُ قَدِ انْدَرَجَ فِي مِثْلِه الَّذِي مَعَهُ.

وَيَجُوزُ أَنْ يُجْرَى الضَّمِيرُ مَجْرَى اسْمِ الْإِشَارَةِ فِي صِحَّةِ اسْتِعْمَالِهِ مُفْرَدًا مَعَ كَوْنِهِ عَائِدًا إِلَى مُتَعَدِّدٍ عَلَى تَأْوِيلِهِ بِالْمَذْكُورِ وَهَذَا شَائِعٌ فِي اسْمِ الْإِشَارَةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: عَوانٌ بَيْنَ ذلِكَ [الْبَقَرَة: 68] أَيْ بَيْنَ الْفَارِضِ وَالْبِكْرِ، وَقَوْلُهُ: وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً [الْفرْقَان:

68] إِشَارَةُ مَا ذُكِرَ مِنْ قَوْلِهِ: وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ [الْفرْقَان: 68] ، لِأَنَّ الْإِشَارَةَ صَالِحَةٌ لِلشَّيْءِ وَلِلْأَشْيَاءِ، وَهُوَ قَلِيلٌ فِي الضَّمِيرِ، لِأَنَّ صِيَغَ الضَّمَائِرِ كَثِيرَةٌ مُنَاسِبَةٌ لِمَا تَعُودُ إِلَيْهِ فَخُرُوجُهَا عَنْ ذَلِكَ عُدُولٌ عَنْ أَصْلِ الْوَضْعِ، وَهُوَ قَلِيلٌ وَلَكِنَّهُ فَصِيحٌ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصارَكُمْ وَخَتَمَ عَلى قُلُوبِكُمْ مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ [الْأَنْعَام: 46] أَيْ بِالْمَذْكُورِ.

وَقَدْ جَعَلَهُ فِي «الْكَشَّافِ» مَحْمُولًا عَلَى اسْمِ الْإِشَارَةِ، وَكَذَلِكَ تَأَوَّلَهُ رُؤْبَةُ لَمَّا. أَنْشَدَ قَوْلَهُ:

فِيهَا خُطُوطٌ مِنْ سَوَادٍ وَبَلَقْ

كَأَنَّهُ فِي الْجِلْدِ تَوْلِيعُ الْبَهَقْ

فَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: قُلْتُ: لِرُؤْبَةَ إِنْ أَرَدْتَ الْخُطُوطَ فَقُلْ: كَأَنَّهَا، وَإِنْ أَرَدْتَ السَّوَادَ فَقُلْ: كَأَنَّهُمَا، فَقَالَ: أَرَدْتُ كَأَنَّ ذَلِكَ وَيْلَكَ. وَمِنْهُ فِي الضَّمِيرِ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً [النِّسَاء: 4] . وَقَدْ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى:

عَوانٌ بَيْنَ ذلِكَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [68] .

وَقَوْلُهُ: وَلَهُمْ عَذابٌ مُقِيمٌ أَيْ دَائِمٌ تَأْكِيدٌ لِقَوْلِهِ: وَما هُمْ بِخارِجِينَ مِنْها.

[38، 39]

[سُورَة الْمَائِدَة (5) : الْآيَات 38 إِلَى 39]

وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما جَزاءً بِما كَسَبا نَكالاً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (38) فَمَنْ تابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (39)

جُمْلَةٌ مَعْطُوفَةٌ عَلَى جُمْلَةِ إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ [الْمَائِدَة: 33] . وَالسَّارِقُ

مُبْتَدَأٌ

ص: 189

وَالْخَبَرُ مَحْذُوفٌ عِنْدَ سِيبَوَيْهِ. وَالتَّقْدِيرُ: مِمَّا يُتْلَى عَلَيْكُمْ حُكْمُ السَّارِقِ وَالسَّارِقَةِ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا. وَقَالَ الْمُبَرِّدُ: الْخَبَرُ هُوَ جُمْلَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما، وَدَخَلَتِ الْفَاءُ فِي الْخَبَرِ لِتَضَمُّنِ الْمُبْتَدَأِ مَعْنَى الشَّرْطِ لِأَنَّ تَقْدِيرَهُ: وَالَّذِي سَرَقَ والّتي سرقت. والمصول إِذَا أُرِيدَ مِنْهُ التَّعْمِيمُ يُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ الشَّرْطِ- أَيْ يُجْعَلُ (الْ) فِيهَا اسْمَ مَوْصُولٍ فَيَكُونُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ مِنْ نِسائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ [النِّسَاء: 15]، قَوْله:

وَالَّذانِ يَأْتِيانِها مِنْكُمْ فَآذُوهُما [النِّسَاء: 16] . قَالَ سِيبَوَيْهِ: وَهَذَا إِذَا كَانَ فِي الْكَلَامِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُبْتَدَأَ ذُكِرَ فِي مَعْرِضِ الْقَصَصِ أَوِ الْحُكْمِ أَوِ الْفَرَائِضِ نَحْوَ وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ مِنْ نِسائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا وَالَّذانِ يَأْتِيانِها مِنْكُمْ فَآذُوهُما وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما إِذِ التَّقْدِيرُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ: وَحُكْمُ اللَّاتِي يَأْتِينَ، أَوْ وَجَزَاءُ السَّارِقِ وَالسَّارِقَةِ.

وَلَقَدْ ذَكَرَهَا ابْنُ الْحَاجِبِ فِي «الْكَافِيَةِ» وَاخْتَصَرَهَا بِقَوْلِهِ: «وَالْفَاءُ لِلشَّرْطِ عِنْدَ الْمُبَرِّدِ وَجُمْلَتَانِ عِنْدَ سِيبَوَيْهِ، يَعْنِي: وَأَمَّا عِنْدَ الْمُبَرِّدِ فَهِيَ جُمْلَةُ شَرْطٍ وَجَوَابُهُ فَكَأَنَّهَا جُمْلَةٌ وَاحِدَةٌ وَإِلَّا فَالْمُخْتَارُ النَّصْبُ» . أَشَارَ إِلَى قِرَاءَةِ عِيسَى بْنِ عُمَرَ وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ- بِالنّصب-، وَهِي قرائة شَاذَّةٌ لَا يُعْتَدُّ بِهَا فَلَا يُخَرَّجُ الْقُرْآنُ عَلَيْهَا. وَقَدْ غَلِطَ ابْنُ الْحَاجِبِ فِي قَوْلِهِ:

فَالْمُخْتَارُ النَّصْبُ.

وَقَوْلُهُ: فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما ضَمِيرُ الْخِطَابِ لِوُلَاةِ الْأُمُورِ بِقَرِينَةِ الْمَقَامِ، كَقَوْلِهِ:

الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ [النُّور: 2] . وَلَيْسَ الضَّمِيرُ عَائِدًا عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا فِي قَوْلِهِ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ [النِّسَاء: 35] . وَجُمِعَ الْأَيْدِي بِاعْتِبَارِ أَفْرَادِ نَوْعِ السَّارِقِ. وَثُنِّيَ الضَّمِيرُ بِاعْتِبَارِ الصِّنْفَيْنِ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى فَالْجَمْعُ هُنَا مُرَادٌ مِنْهُ التَّثْنِيَةُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما [التَّحْرِيم: 4] .

وَوَجْهُ ذِكْرِ السَّارِقَةِ مَعَ السَّارِقِ دَفْعُ تَوَهُّمِ أَنْ يَكُونَ صِيغَةُ التَّذْكِيرِ فِي السَّارِقِ قَيْدًا بِحَيْثُ لَا يُجْرَى حَدُّ السَّرِقَةِ إِلَّا عَلَى الرِّجَالِ، وَقَدْ كَانَتِ الْعَرَبُ لَا يُقِيمُونَ لِلْمَرْأَةِ وَزْنًا فَلَا يُجْرُونَ عَلَيْهَا الْحُدُودَ، وَهُوَ الدَّاعِي إِلَى ذِكْرِ الْأُنْثَى فِي قَوْلِهِ

ص: 190

تَعَالَى فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ: [178] الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثى بِالْأُنْثى.

وَقَدْ سَرَقَتِ الْمَخْزُومِيَّةُ فِي زَمَنِ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَأَمَرَ بِقَطْعِ يَدِهَا وَعَظُمَ ذَلِكَ عَلَى قُرَيْشٍ، فَقَالُوا: مَنْ يَشْفَعُ لَهَا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ إِلَّا زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ، فَلَمَّا شَفَعَ لَهَا أَنْكَرَ عَلَيْهِ وَقَالَ: أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ، وَخَطَبَ فَقَالَ: «إِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ وَإِذَا سَرَقَ الضَّعِيفُ قَطَعُوهُ،

وَاللَّهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا»

. وَفِي تَحْقِيقِ مَعْنَى السَّرِقَةِ وَنِصَابِ الْمِقْدَارِ الْمَسْرُوقِ الْمُوجِبِ لِلْحَدِّ وَكَيْفِيَّةِ الْقَطْعِ مَجَالٌ لِأَهْلِ الِاجْتِهَادِ مِنْ عُلَمَاء السّلف وأيّمة الْمَذَاهِبِ وَلَيْسَ مِنْ غَرَضِ الْمُفَسِّرِ. وَلَيْسَ مِنْ عَادَةِ الْقُرْآنِ تَحْدِيدُ الْمَعَانِي الشَّرْعِيَّةِ وَتَفَاصِيلِهَا ولكنّه يؤصّل تأوصيلها وَيُحِيلُ مَا وَرَاءَ ذَلِكَ إِلَى مُتَعَارَفِ أَهْلِ اللِّسَانِ مِنْ مَعْرِفَةِ حَقَائِقِهَا وَتَمْيِيزِهَا عَمَّا يُشَابِهُهَا.

فَالسَّارِقُ: الْمُتَّصِفُ بِالسَّرِقَةِ. وَالسَّرِقَةُ مَعْرُوفَةٌ عِنْدَ الْعَرَبِ مُمَيَّزَةٌ عَنِ الْغَارَةِ وَالْغَصْبِ وَالِاغْتِصَابِ وَالْخِلْسَةِ، وَالْمُؤَاخَذَةُ بِهَا تَرْجِعُ إِلَى اعْتِبَارِ الشَّيْءِ الْمَسْرُوقِ مِمَّا يَشِحُّ بِهِ مُعْظَمُ النَّاسِ.

فَالسَّرِقَةُ: أَخْذُ أحد شَيْئا مَا يَمْلِكُهُ خُفْيَةً عَنْ مَالِكِهِ مُخْرِجًا إِيَّاهُ مِنْ مَوْضِعٍ هُوَ حِرْزُ مِثْلِهِ لَمْ يُؤْذَنْ آخِذُهُ بِالدُّخُولِ إِلَيْهِ.

وَالْمَسْرُوقُ: مَا لَهُ مَنْفَعَةٌ لَا يَتَسَامَحُ النَّاسُ فِي إِضَاعَتِهِ. وَقَدْ أَخَذَ الْعُلَمَاءُ تَحْدِيدَهُ بِالرُّجُوعِ إِلَى قِيمَةِ أَقَلِّ شَيْءٍ حكم النّبيء صلى الله عليه وسلم بِقَطْعِ يَدِ مَنْ سَرَقَهُ. وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ حَكَمَ بِقَطْعِ يَدِ سَارِقِ حَجَفَةٍ- بِحَاءٍ مُهْمَلَةٍ فَجِيمٍ مفتوحتين- (ترس بن جِلْدٍ) تُسَاوِي رُبُعَ دِينَارٍ فِي قَوْلِ الْجُمْهُورِ،

ص: 191

وَتُسَاوِي دِينَارًا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالثَّوْرِيِّ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَتُسَاوِي نِصْفَ دِينَارٍ فِي قَوْلِ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ.

وَلَمْ يَذْكُرِ الْقُرْآنُ فِي عُقُوبَةِ السَّارِقِ سِوَى قَطْعِ الْيَدِ. وَقَدْ كَانَ قَطْعُ يَدِ السَّارِقِ حُكْمًا مِنْ عَهْدِ الْجَاهِلِيَّةِ، قَضَى بِهِ الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ فَأَقَرَّهُ الْإِسْلَامُ كَمَا فِي الْآيَةِ. وَلَمْ يَرِدْ فِي السُّنَّةِ خَبَرٌ صَحِيحٌ إِلَّا بِقَطْعِ الْيَدِ. وَأَوَّلُ رَجُلٍ قُطِعَتْ يَدُهُ فِي الْإِسْلَامِ الْخِيَارُ بْنُ عَدِيِّ بْنِ نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ، وَأَوَّلُ امْرَأَةٍ قُطِعَتْ يَدُهَا الْمَخْزُومِيَّةُ مُرَّةُ بِنْتُ سُفْيَانَ.

فَاتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ أَوَّلَ مَا يُبْدَأُ بِهِ فِي عُقُوبَةِ السَّارِقِ أَنْ تُقْطَعَ يَدُهُ. فَقَالَ الْجُمْهُورُ: الْيَدُ الْيُمْنَى، وَقَالَ فَرِيقٌ: الْيَدُ الْيُسْرَى، فَإِنْ سَرَقَ ثَانِيَةً، فَقَالَ جُمْهُورُ الْأَئِمَّةِ:

تُقْطَعُ رِجْلُهُ الْمُخَالِفَةُ لِيَدِهِ الْمَقْطُوعَةِ.

وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: لَا يُقْطَعُ وَلَكِنْ يُحْبَسُ وَيُضْرَبُ.

وَقَضَى بِذَلِكَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ.

فَقَالَ عَلِيٌّ: إِنِّي لَأَسْتَحْيِي أَنْ أَقْطَعَ يَدَهُ الْأُخْرَى فَبِأَيِّ شَيْءٍ يَأْكُلُ وَيَسْتَنْجِي أَوْ رِجْلَهُ فَعَلَى أَيِّ شَيْءٍ يَعْتَمِدُ فَإِنْ سَرَقَ الثَّالِثَةَ وَالرَّابِعَةَ

فَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ: تُقْطَعُ يَدُهُ الْأُخْرَى وَرِجْلُهُ الْأُخْرَى، وَقَالَ الزُّهْرِيُّ:

لَمْ يَبْلُغْنَا فِي السُّنَّةِ إِلَّا قَطْعُ الْيَدِ وَالرِّجْلِ لَا يُزَادُ عَلَى ذَلِكَ، وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ،

وَالثَّوْرِيُّ، وَحَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ. وَيَجِبُ الْقَضَاءُ بِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، فَإِنَّ الْحُدُودَ تُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ وَأَيُّ شُبْهَةٍ أَعْظَمُ مِنِ اخْتِلَافِ أَئِمَّةِ الْفِقْهِ الْمُعْتَبَرِينَ.

وَالْجَزَاءُ: الْمُكَافَأَةُ عَلَى الْعَمَلِ بِمَا يُنَاسِبُ ذَلِكَ الْعَمَلَ مِنْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ، قَالَ تَعَالَى:

إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفازاً- إِلَى قَوْلِهِ- جَزاءً مِنْ رَبِّكَ عَطاءً حِساباً فِي سُورَةِ النَّبَأِ [31- 36]، وَقَالَ تَعَالَى: وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها فِي سُورَةِ الشُّورَى [40] .

وَالنَّكَالُ: الْعِقَابُ الشَّدِيدُ الَّذِي مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَصُدَّ الْمُعَاقَبَ عَنِ الْعَوْدِ إِلَى مِثْلِ عَمَلِهِ الَّذِي عُوقِبَ عَلَيْهِ، وَهُوَ مُشْتَقٌّ مِنَ النُّكُولِ عَنِ الشَّيْءِ، أَيِ النُّكُوصِ عَنْهُ وَالْخَوْفِ مِنْهُ.

ص: 192

فَالنَّكَالُ ضَرْبٌ مِنْ جَزَاءِ السُّوءِ، وَهُوَ أَشَدُّهُ، وَتَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: فَجَعَلْناها نَكالًا الْآيَةَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [66] .

وَانْتَصَبَ جَزاءً عَلَى الْحَالِ أَوِ الْمَفْعُولِ لِأَجْلِهِ، وَانْتَصَبَ نَكالًا عَلَى الْبَدَلِ مِنْ جَزاءً بَدَلَ اشْتِمَالٍ.

فَحِكْمَةُ مَشْرُوعِيَّةِ الْقَطْعِ الْجَزَاءُ عَلَى السَّرِقَةِ جَزَاءً يُقْصَدُ مِنْهُ الرَّدْعُ وَعَدَمُ الْعَوْدِ، أَيْ جَزَاءً لَيْسَ بِانْتِقَامٍ وَلَكِنَّهُ اسْتِصْلَاحٌ. وَضَلَّ مَنْ حَسِبَ الْقَطْعَ تَعْوِيضًا عَنِ الْمَسْرُوقِ، فَقَالَ مِنْ بَيْتَيْنِ يُنْسَبَانِ إِلَى المعرّي (وليسا فِي «السَّقْطِ» وَلَا فِي «اللُّزُومِيَّاتِ» ) :

يَدٌ بِخمْس مئين عسجدا وُدِيَتْ

مَا بَالُهَا قُطِعَتْ فِي رُبُعِ دِينَارٍ

وَنُسِبَ جَوَابُهُ لِعَلَمِ الدِّينِ السَّخَاوِيِّ:

عِزُّ الْأَمَانَةِ أَغْلَاهَا وَأَرْخَصَهَا

ذُلُّ الْخِيَانَةِ فَافْهَمْ حِكْمَةَ الْبَارِي

وَقَوْلُهُ: فَمَنْ تابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ أَيْ مَنْ تَابَ مِنَ السَّارِقِينَ مِنْ بَعْدِ السَّرِقَةِ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ، أَيْ قُبِلَتْ تَوْبَتُهُ. وَقَدْ تَقَدَّمَ مَعْنَاهُ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى:

فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ فَتابَ عَلَيْهِ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [37] . وَلَيْسَ فِي الْآيَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى إِسْقَاطِ عُقُوبَةِ السَّرِقَةِ عَنِ السَّارِقِ إِنْ تَابَ قَبْلَ عِقَابِهِ، لِأَنَّ ظَاهِرَ (تَابَ- وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ) أَنَّهُ فِيمَا بَيْنَ الْعَبْدِ وَبَيْنَ رَبِّهِ فِي جَزَاءِ الْآخِرَةِ فَقَوْلُهُ: فَمَنْ تابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ تَرْغِيبٌ لِهَؤُلَاءِ الْعُصَاةِ فِي التَّوْبَةِ وَبِشَارةٌ لَهُمْ. وَلَا دَلِيلَ فِي الْآيَةِ عَلَى إِبْطَالِ حُكْمِ الْعُقُوبَةِ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ كَمَا فِي آيَةِ الْمُحَارِبِينَ، فَلِذَلِكَ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ: تَوْبَةُ السَّارِقِ لَا تُسْقِطُ الْقَطْعَ وَلَوْ جَاءَ تَائِبًا قَبْلَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ. وَيَدُلُّ لِصِحَّةِ قَوْلِهِمْ أنّ النبيء صلى الله عليه وسلم قَطَعَ يَدَ الْمَخْزُومِيَّةِ وَلَا شَكَّ أَنَّهَا تَائِبَةٌ.

قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: لِأَنَّ الْمُحَارِبَ مُسْتَبِدٌّ بِنَفْسِهِ مُعْتَصِمٌ بِقُوَّتِهِ لَا يَنَالُهُ الْإِمَامُ إِلَّا بِالْإِيجَافِ بِالْخَيْلِ وَالرِّكَابِ فَأُسْقِطَ إِجْزَاؤُهُ بِالتَّوْبَةِ اسْتِنْزَالًا مِنْ تِلْكَ الْحَالَةِ كَمَا فَعَلَ بِالْكَافِرِ فِي مَغْفِرَةِ جَمِيعِ مَا سَلَفَ اسْتِئْلَافًا عَلَى الْإِسْلَامِ. وَأَمَّا السَّارِقُ وَالزَّانِي فَهُمَا فِي قَبْضَةِ الْمُسْلِمِينَ، اه.

ص: 193