المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة المائدة (5) : الآيات 46 إلى 47] - التحرير والتنوير - جـ ٦

[ابن عاشور]

فهرس الكتاب

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : الْآيَات 148 إِلَى 149]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : الْآيَات 150 إِلَى 152]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : الْآيَات 153 إِلَى 154]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : آيَة 155]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : الْآيَات 156 الى 158]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : آيَة 159]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : الْآيَات 160 إِلَى 162]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : الْآيَات 163 إِلَى 165]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : آيَة 166]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : آيَة 167]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : الْآيَات 168 إِلَى 169]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : آيَة 170]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : آيَة 171]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : الْآيَات 172 إِلَى 173]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : الْآيَات 174 إِلَى 175]

- ‌[سُورَة النِّسَاء (4) : آيَة 176]

- ‌5- سُورَةُ الْمَائِدَةِ

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : آيَة 2]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : آيَة 3]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : آيَة 5]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : آيَة 6]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : آيَة 7]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : آيَة 8]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : الْآيَات 9 إِلَى 10]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : آيَة 12]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : آيَة 13]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : آيَة 14]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : الْآيَات 15 إِلَى 16]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : آيَة 17]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : آيَة 18]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : آيَة 19]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : الْآيَات 20 إِلَى 22]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : الْآيَات 23 إِلَى 26]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : الْآيَات 27 إِلَى 30]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : آيَة 31]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : آيَة 32]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : الْآيَات 33 إِلَى 34]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : آيَة 35]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : الْآيَات 36 إِلَى 37]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : الْآيَات 38 إِلَى 39]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : آيَة 40]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : الْآيَات 41 الى 42]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : آيَة 43]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : آيَة 44]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : آيَة 45]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : الْآيَات 46 إِلَى 47]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : آيَة 48]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : آيَة 49]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : آيَة 50]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : الْآيَات 51 إِلَى 53]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : آيَة 54]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : الْآيَات 55 إِلَى 56]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : الْآيَات 57 إِلَى 58]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : الْآيَات 59 إِلَى 60]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : الْآيَات 61 إِلَى 63]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : آيَة 64]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : آيَة 65]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : آيَة 66]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : آيَة 67]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : آيَة 68]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : آيَة 69]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : آيَة 70]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : آيَة 71]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : آيَة 72]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : الْآيَات 73 إِلَى 74]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : آيَة 75]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : آيَة 76]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : آيَة 77]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : الْآيَات 78 إِلَى 79]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : الْآيَات 80 إِلَى 81]

الفصل: ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 46 إلى 47]

كَالْعَطِيَّةِ لِيُشِيرَ إِلَى فَرْطِ ثَوَابِهِ، وَبِذَلِكَ يَتَبَيَّنُ أَنَّ مَعْنَى كَفَّارَةٌ لَهُ أَنَّهُ يُكَفِّرُ عَنْهُ ذُنُوبًا عَظِيمَةً، لِأَجْلِ مَا فِي هَذَا الْعَفْوِ مِنْ جَلْبِ الْقُلُوبِ وَإِزَالَةِ الْإِحَنِ وَاسْتِبْقَاءِ نُفُوسِ وَأَعْضَاءِ الْأُمَّةِ.

وَعَادَ فَحَذَّرَ مِنْ مُخَالَفَةِ حُكْمِ اللَّهِ فَقَالَ: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ لِيُنَبِّهَ عَلَى أَنَّ التَّرْغِيبَ فِي الْعَفْوِ لَا يَقْتَضِي الِاسْتِخْفَافَ بِالْحُكْمِ وَإِبْطَالَ الْعَمَلِ بِهِ لِأَنَّ حُكْمَ الْقِصَاصِ شُرِعَ لِحَكَمٍ عَظِيمَةٍ: مِنْهَا الزَّجْرُ، وَمِنْهَا جَبْرُ خَاطِرِ الْمُعْتَدَى عَلَيْهِ، وَمِنْهَا التَّفَادِي مِنْ تَرَصُّدِ الْمُعْتَدَى عَلَيْهِمْ لِلِانْتِقَامِ مِنَ الْمُعْتَدِينَ أَوْ مِنْ أَقْوَامِهِمْ. فَإِبْطَالُ الْحُكْمِ بِالْقِصَاصِ يُعَطِّلُ هَذِهِ الْمَصَالِحَ، وَهُوَ ظُلْمٌ، لِأَنَّهُ غَمْصٌ لِحَقِّ الْمُعْتَدَى عَلَيْهِ أَوْ وَلَيِّهِ. وَأَمَّا الْعَفْوُ عَنِ الْجَانِي فَيُحَقِّقُ جَمِيعَ الْمَصَالِحِ وَيَزِيدُ مَصْلَحَةَ التَّحَابُبِ لِأَنَّهُ عَنْ طِيبِ نَفْسٍ، وَقَدْ تَغْشَى غَبَاوَةُ حُكَّامِ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى أَفْهَامِهِمْ فَيَجْعَلُوا إِبْطَالَ الْحُكْمِ بِمَنْزِلَةِ الْعَفْوِ، فَهَذَا وَجْهُ إِعَادَةِ التَّحْذِيرِ عَقِبَ اسْتِحْبَابِ الْعَفْوِ. وَلَمْ يُنَبِّهْ عَلَيْهِ الْمُفَسِّرُونَ. وَبِهِ يَتَعَيَّنُ رُجُوعُ هَذَا التَّحْذِيرِ إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ مِثْلَ سَابِقِهِ.

وَقَوْلُهُ: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ الْقَوْلُ فِيهِ كَالْقَوْلِ فِي نَظِيرِهِ الْمُتَقَدِّمِ. وَالْمُرَادُ بِالظَّالِمِينَ الْكَافِرُونَ لِأَنَّ الظُّلْمَ يُطْلَقُ عَلَى الْكُفْرِ فَيَكُونُ هَذَا مُؤَكِّدًا لِلَّذِي فِي الْآيَةِ السَّابِقَةِ. وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْجَوْرُ فَيَكُونُ إِثْبَاتُ وَصْفِ الظُّلْمِ لِزِيَادَةِ التَّشْنِيعِ عَلَيْهِمْ فِي كُفْرِهِمْ لِأَنَّهُمْ كافرون ظَالِمُونَ.

[46، 47]

[سُورَة الْمَائِدَة (5) : الْآيَات 46 إِلَى 47]

وَقَفَّيْنا عَلى آثارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْراةِ وَآتَيْناهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدىً وَنُورٌ وَمُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْراةِ وَهُدىً وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ (46) وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ (47)

ص: 217

عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ فِيها هُدىً وَنُورٌ [الْمَائِدَة: 44] انْتِقَالًا إِلَى أَحْوَالِ النَّصَارَى لِقَوْلِهِ: وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ، وَلِبَيَانِ نَوْعٍ آخَرَ مِنْ أَنْوَاعِ إِعْرَاضِ الْيَهُودِ عَنِ الْأَحْكَامِ الَّتِي كَتَبَهَا اللَّهُ عَلَيْهِمْ، فَبَعْدَ أَنْ ذَكَرَ نَوْعَيْنِ رَاجِعَيْنِ إِلَى تَحْرِيفِهِمْ أَحْكَامَ التَّوْرَاةِ: أَحَدُهُمَا: مَا حَرَّفُوهُ وَتَرَدَّدُوا فِيهِ بَعْدَ أَنْ حَرَّفُوهُ فَشَكُّوا فِي آخِرِ الْأَمْرِ وَالْتَجَئُوا إِلَى تَحْكِيمِ الرَّسُولِ وَثَانِيهِمَا:

مَا حَرَّفُوهُ وَأَعْرَضُوا عَنْ حُكْمِهِ وَلَمْ يَتَحَرَّجُوا مِنْهُ وَهُوَ إِبْطَالُ أَحْكَامِ الْقِصَاصِ. وَهَذَا نَوْعٌ ثَالِثٌ: وَهُوَ إِعْرَاضُهُمْ عَنْ حُكْمِ اللَّهِ بِالْكُلِّيَّةِ، وَذَلِكَ بِتَكْذِيبِهِمْ لِمَا جَاءَ بِهِ عِيسَى- عليه السلام.

وَالتَّقْفِيَةُ مَصْدَرُ قَفَّاهُ إِذَا جَعَلَهُ يَقْفُوهُ، أَيْ يَأْتِي بَعْدَهُ. وَفِعْلُهُ الْمُجَرَّدُ قَفَا- بِتَخْفِيفِ الْفَاءِ- وَمَعْنَى قَفَاهُ سَارَ نَحْوَ قَفَاهُ، وَالْقَفَا الظَّهْرُ، أَيْ سَارَ وَرَاءَهُ. فالتقفية الإتباع متشقّة مِنَ الْقَفَا، وَنَظِيره: توجّه مشتقّا مِنَ الْوَجْهِ، وَتَعَقَّبَ مِنَ الْعقب. وَفعل قفّى الْمُشَدَّدُ مُضَاعَفُ قَفَا الْمُخَفَّفِ، وَالْأَصْلُ فِي التَّضْعِيفِ أَنْ يُفِيدَ تَعْدِيَةَ الْفِعْلِ إِلَى مَفْعُولٍ لَمْ يَكُنْ مُتَعَدِّيًا إِلَيْهِ، فَإِذَا جُعِلَ تَضْعِيفُ قَفَّيْنا هُنَا مُعَدِّيًا لِلْفِعْلِ اقْتَضَى مَفْعُولَيْنِ: أَوَّلُهُمَا: الَّذِي كَانَ مَفْعُولًا قَبْلَ التَّضْعِيفِ، وَثَانِيهِمَا: الَّذِي عُدِّيَ إِلَيْهِ الْفِعْلُ، وَذَلِكَ عَلَى طَرِيقَةِ بَابِ كَسَا فَيَكُونُ حَقُّ التَّرْكِيبِ: وَقَفَّيْنَاهُمْ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ، وَيَكُونُ إِدْخَالُ الْبَاءِ فِي بِعِيسَى لِلتَّأْكِيدِ، مثل وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ [الْمَائِدَة: 6] ، وَإِذَا جُعِلَ التَّضْعِيفُ لِغَيْرِ التَّعْدِيَةِ بَلْ لِمُجَرَّدِ تَكْرِيرِ وُقُوعِ الْفِعْلِ، مِثْلَ جَوَّلْتُ وَطَوَّفْتُ كَانَ حَقُّ التَّرْكِيبِ: وَقَفَّيْنَاهُمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ. وَعَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي جَرَى كَلَامُ «الْكَشَّافِ» فَجَعَلَ بَاءَ بِعِيسَى لِلتَّعْدِيَةِ. وَعَلَى كِلَا الْوَجْهَيْنِ يَكُونُ مَفْعُولُ قَفَّيْنا مَحْذُوفًا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ عَلى آثارِهِمْ لِأَنَّ فِيهِ ضَمِيرَ الْمَفْعُولِ الْمَحْذُوفِ، هَذَا تَحْقِيقُ كَلَامِهِ وَسَلَّمَهُ أَصْحَابُ حَوَاشِيهِ.

وَقَوْلُهُ عَلى آثارِهِمْ تَأْكِيدٌ لِمَدْلُولِ فِعْلِ قَفَّيْنا وَإِفَادَةُ سُرْعَةِ التَّقْفِيَةِ.

ص: 218

وَضَمِيرُ آثارِهِمْ لِلنَّبِيئِينَ وَالرَّبَّانِيِّينَ وَالْأَحْبَارِ. وَقَدْ أُرْسِلَ عِيسَى على عقب زَكَرِيَّاء كَافِلِ أُمِّهِ مَرْيَمَ وَوَالِدِ يَحْيَى. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى عَلى آثارِهِمْ عَلَى طَرِيقَتِهِمْ وَهَدْيِهِمْ. وَالْمُصَدِّقُ:

الْمُخْبِرُ بِتَصْدِيقِ مُخْبِرٍ، وَأُرِيدَ بِهِ هُنَا الْمُؤَيِّدُ الْمُقَرِّرُ لِلتَّوْرَاةِ.

وَجَعَلَهَا بَيْنَ يَدَيْهِ لِأَنَّهَا تَقَدَّمَتْهُ، وَالْمُتَقَدِّمُ يُقَالُ: هُوَ بَيْنَ يَدَيْ مَنْ تَقَدَّمَ. ومِنَ التَّوْراةِ بَيَانٌ لِما. وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى مَعْنَى التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ فِي أَوَّلِ سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ.

وَجُمْلَةُ فِيهِ هُدىً وَنُورٌ حَالٌ. وَتَقَدَّمَ مَعْنَى الْهُدَى وَالنُّورِ.

ومُصَدِّقاً حَالٌ أَيْضًا مِنَ الْإِنْجِيلِ فَلَا تَكْرِيرَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ قَوْلِهِ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقاً لِاخْتِلَافِ صَاحِبِ الْحَالِ وَلِاخْتِلَافِ كَيْفِيَّةِ التَّصْدِيقِ فَتَصْدِيقُ عِيسَى التَّوْرَاةَ أَمْرُهُ بِإِحْيَاءِ أَحْكَامِهَا، وَهُوَ تَصْدِيقٌ حَقِيقِيٌّ وَتَصْدِيقُ الْإِنْجِيلِ التَّوْرَاةَ اشْتِمَالُهُ عَلَى مَا وَافَقَ أَحْكَامَهَا فَهُوَ تَصْدِيقٌ مَجَازِيٌّ. وَهَذَا التَّصْدِيقُ لَا يُنَافِي أَنَّهُ نَسَخَ بَعْضَ أَحْكَامِ التَّوْرَاةِ كَمَا حَكَى اللَّهُ عَنْهُ وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ [آل عمرَان: 50] ، لِأَنَّ الْفِعْلَ الْمُثْبَتَ لَا عُمُومَ لَهُ.

وَالْمَوْعِظَةُ: الْكَلَامُ الَّذِي يُلَيِّنُ الْقَلْبَ وَيَزْجُرُ عَنْ فِعْلِ الْمَنْهِيَّاتِ.

وَجُمْلَةُ وَلْيَحْكُمْ مَعْطُوفَةٌ عَلَى آتَيْناهُ. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ وَلْيَحْكُمْ- بِسُكُونِ اللَّامِ وَبِجَزْمِ الْفِعْلِ- عَلَى أَنَّ اللَّامَ لَامُ الْأَمْرِ. وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا الْأَمْرَ سَابِقٌ عَلَى مَجِيءِ الْإِسْلَامِ، فَهُوَ مِمَّا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ الَّذِينَ أَرْسَلَ إِلَيْهِمْ عِيسَى مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، فَعُلِمَ أَنَّ فِي الْجُمْلَةِ قَوْلًا مُقَدَّرًا هُوَ الْمَعْطُوفُ عَلَى جُمْلَةِ وَآتَيْناهُ الْإِنْجِيلَ، أَيْ وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ الْمَوْصُوفَ بِتِلْكَ الصِّفَاتِ الْعَظِيمَةِ، وَقُلْنَا: لِيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ، فَيَتِمُّ التَّمْهِيدُ لِقَوْلِهِ بَعْدَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ، فَقَرَائِنُ تَقْدِيرِ الْقَوْلِ مُتَظَافِرَةٌ مِنْ أُمُورٍ عِدَّةٍ.

وَقَرَأَ حَمْزَةُ- بِكَسْرِ لَامِ- لْيَحْكُمْ وَنَصْبِ الْمِيمِ- عَلَى أَنَّ اللَّامَ لَامُ كَيْ لِلتَّعْلِيلِ، فَجُمْلَةُ لْيَحْكُمْ عَلَى هَذِهِ الْقِرَاءَةِ مَعْطُوفَةٌ عَلَى قَوْلِهِ فِيهِ هُدىً إِلَخْ، الَّذِي هُوَ حَالٌ، عُطِفَتِ الْعِلَّةُ عَلَى الْحَالِ عَطْفًا ذِكْرِيًّا لَا يُشَرِّكُ فِي الْحُكْمِ لِأَنَّ التَّصْرِيحَ

ص: 219