الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: رَكَّبَ اللَّهُ الْمَلَائِكَةَ مِنْ عَقْلٍ بِلَا شَهْوَةٍ، وَرَكَّبَ الْبَهَائِمَ مِنْ شَهْوَةٍ بِلَا عَقْلٍ، وَرَكَّبَ ابْنَ آدَمَ مِنْ كِلَيْهِمَا؛ فَمَنْ غَلَّبَ عَقْلَهُ عَلَى شَهْوَتِهِ فَهُوَ خَيْرٌ مِنْ الْمَلَائِكَةِ، وَمَنْ غَلَبَتْ شَهْوَتُهُ عَلَى عَقْلِهِ فَهُوَ شَرٌّ مِنْ الْبَهَائِمِ.
(قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه: إيَّاكُمْ وَتَحْكِيمَ الشَّهَوَاتِ عَلَى أَنْفُسِكُمْ فَإِنَّ «عَاجِلَهَا ذَمِيمٌ، وَآجِلَهَا وَخِيمٌ» ، فَإِنْ لَمْ تَرَهَا تَنْقَادُ بِالتَّحْذِيرِ وَالإرْهَابِ، فَسَوِّفْهَا بِالتَّأْمِيلِ وَالإرْغَابِ، فَإِنَّ الرَّغْبَةَ وَالرَّهْبَةَ إذَا اجْتَمَعَا عَلَى النَّفْسِ ذَلَّتْ لَهُمَا وَانْقَادَتْ.
(وَقَدْ قَالَ ابْنُ السَّمَّاكِ: كُنْ لِهَوَاك مُسَوِّفًا، وَلِعَقْلِك مُسْعِفًا، وَانْظُرْ إلَى مَا تَسُوءُ عَاقِبَتُهُ فَوَطِّنْ نَفْسَك عَلَى مُجَانَبَتِهِ فَإِنَّ تَرْكَ النَّفْسِ وَمَا تَهْوَى دَاؤُهَا، وَتَرْكَ مَا تَهْوَى دَوَاؤُهَا، فَاصْبِرْ عَلَى الدَّوَاءِ، كَمَا تَخَافُ مِنْ الدَّاءِ.
(«الْهَوَى عاجِلُه ذميم وآجِلُه وخيم» ، «الْهَوَى مَطِيَّةُ الْفِتْنَةِ، وَدَارُ الْمِحْنَةِ»
(أخي الحبيب:
(احذر أفاعي الهوى وعقارب اللذات وارجع إلى ربك قبل الممات، قبل أن تتمنى المهلة وهيهات. وتأمل في الحديثين الآتيين بعين البصيرة وأمْعِنِ النظر فيهما واجعل لهما من سمعك مسمعا وفي قلبك موقِعاً عسى الله أن ينفعك بما فيهما من غرر الفوائد، ودرر الفرائد.
(حديث أبي برزة رضي الله عنه الثابت في صحيح الترغيب والترهيب) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إنما أخشى عليكم شهوات الغي في بطونكم وفروجكم ومضلات الهوى.
الغي: الضلال والانهماك في الشر.
المضلات: كل ما يبعد الناس عن الحق ويميلهم إلى الباطل ويهلكهم
الهوى: كل ما يريده الإنسان ويختاره ويرضاه ويشتهيه ويميل إليه.
(حديث أنس رضي الله عنه الثابت في صحيح الجامع) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ثلاث منجيات: خشيةُ الله تعالى في السر و العلانية والعدلُ في الرضا والغضب والقصد في الفقر و الغنى و ثلاث مهلكات: هوى متبع و شحٌ مطاع وإعجاب المرء بنفسه.
(قال بعض الحكماء: إذا اشتبه عليك أمران، فانظر أقربهما من هواك فاجتنبه.
(مدح مخالفة الهوى:
[*] (قال الإمام ابن الجوزي رحمه الله تعالى في كتابه المواعظ:
لله درُّ نفس تطهرت من أجناس هواها، وتجلببت جلباب الصَّبر عند دنياها، وشغلها ما رأى قلبها عما رأت عيناها، وإن مالت إلى الدنيا نهاها نُهاها، وإن مالت إلى الهوى شفاها شفاها، سهرت تطلب رضا المولى فرضي عنها وأرضاها، وقامت سوق المجاهدة على سوق هداها، فباعت حرصها بالقناعة فظفرت بغناها، وفوقت سهام العزائم إلى أهداف المحارم تبتغي علاها، ورمت نجائب الأسحار فساقها حادي الاستغفار إذ عناها، وقطعت بيداء الجد بآلة المستعد فبلغت مُنَاها، فمن أجلها ينزل القطر وينبت الزرع من جزاها، ولولاها لم تثبت الأرض بأهل دنياها، وما أعطَى الصَبابَة ما استَحقَت عَليهِ ولا قَضَى حق المنازل ملاحظها بعين غُرِّى غيري وزائراها بجسم غير ناحل.
(مدح الله تعالى مخالفة الهوى فقال تعالى: (وَأَمّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبّهِ وَنَهَى النّفْسَ عَنِ الْهَوَىَ * فَإِنّ الْجَنّةَ هِيَ الْمَأْوَىَ)[النازعات 40: 41]
قال المفسرون: هو نهي النفس عما حرم الله عليها.
وقال مقاتل: هو الرجل يهم بالمعصية فيذكر مقامه للحساب فيتركها.
قال تعالى: (وَاتّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث)[الأعراف: 176] وقال تعالى: (وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً)[الكهف: 28]
وقال تعالى: (أَرَأَيْتَ مَنِ اتّخَذَ إِلََهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً)[الفرقان: 43] وقال تعالى: (بَلِ اتّبَعَ الّذِينَ ظَلَمُوَاْ أَهْوَآءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَن يَهْدِي مَنْ أَضَلّ اللّهُ)[الروم: 29]
وقال تعالى: (فَإِن لّمْ يَسْتَجِيبُواْ لَكَ فَاعْلَمْ أَنّمَا يَتّبِعُونَ أَهْوَآءَهُمْ وَمَنْ أَضَلّ مِمّنْ اتّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مّنَ اللّهِ إِنّ اللّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظّالِمِينَ)[القصص: 50]
قال بعض الحكماء: «الهوى ملك عسوف وسلطان ظالم دانت له القلوب وانقادت له النفوس.»
وقال آخر: إن لكل شيء أبا جاد وإن أبا جاد الحكمة طرد الهوى ووزن الأعمال.
[*] (قال الإمام ابن الجوزي رحمه الله تعالى في كتابه اللطائف:
الناسُ مِنَ الهَوى عَلى أَصنافِ هَذا ناقِضُ العَهدِ وَهَذا وافي، هَيهَات مِنً الكُدورِ تَبغي الصافي، ما يَصلُحُ لِلحَضرَةِ قَلبٌ جافي.
[*] (وقال الإمام ابن الجوزي رحمه الله تعالى في كتابه المواعظ:
قال تعالى: (وَأَمّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبّهِ وَنَهَى النّفْسَ عَنِ الْهَوَىَ * فَإِنّ الْجَنّةَ هِيَ الْمَأْوَىَ)[النازعات 40: 41]
والمراد بالهوى هنا: ما يهوى العبد من المحارم فيذكر مقامه للحسنات.
واعلم: أن من تفكر عند إقدامه على الخطيئة في نظر الحق إليه رده فكره خجلاً مما هم به، فالناس في ذلك على مراتب فمنهم من يتفكر عند جولان الهم بالذنب فيستحي من مساكنة ذلك الخاطر وهذا مقام أهل الصفا، ومنهم من قويت أسباب غفلته فهو ساكن ذلك الهم إلا أنه لا يعزم عليه، ومنهم من يعزم لقوة غفلته فهو يستسقي إقدامه فيما عزم عليه ومنهم من زاد على ذلك بمقارنته المحظور ومداناته ثم تدركه اليقظة وإنما يكون هذا على مقدار تكاثف الغفلة وقلتها فيفكر عند خاطره في عظمته من قد علم وعند يقظه في جلال من قد سمع وعند فعله في عزة من قد رأى وهذا الفكر إنما نبت عن إصرار راسخ من الإيمان في القلب راعاه الحق إليه حذار علته ومعاملة صادقة في الخلوة.
مسألة: ما هو التفسير الشرعي للغفلة عن التذكرة والسعي على جادة الهوى؟
[*] (قال الإمام ابن الجوزي رحمه الله تعالى في كتابه المواعظ:
الغفلة عن التذكرة والسعي على جادة الهوى غشي على القلب وران عليه، فإذا هم بخطيئة أو قاربها اقتلب مراعاة الحق إليه: خذ مراعاته بحق الحق قبل ذلك كما قال تعالى: (فَلَوْلَا أَنّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَىَ يَوْمِ يُبْعَثُونَ)[الصافات 143: 144]
وقال (وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً)[الكهف: 82] وكما في الحديث الآتي:
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح الجامع) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة.
فما ينفر طائر قلبه من (وسخ العزم على الذنب) ثم عام في (بحر الحياة) خجلاً مما هَمَّ به يخرج نقياً بعد الوسخ طاهراً بعد النجس لأن الأصل محفوظ بالصدق ومرهون بالإيمان، ولولا لطف الحق لكشف حجب الغفلة لبراقع الذنب غير أنه أراه برهان الهدى فرجع وأقام له هاتف التقوى فخشع، والقلوب تحن إلى ما اعتادت وألفت وتنازع إلى ما مرنت عليه وعرفت 0
[*] (وأورد الخرائطي رحمه الله تعالى في اعتلال القلوب عن وهب بن منبه قال: «قالت امرأة العزيز ليوسف: القيطون، فادخل معي. قال: إن القيطون لا يسترني من ربي»