الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
اعقلوا رحمكم الله علم هذا المثل، وتفقهوا به، تفلحوا وتنجحوا، وقد قلت في هذا المثل أبياتا تشبه هذا المثل: أرى النفس تهوى ما تريد وفي متابعتي لها عطب شديد تقول وقد ألحت في هواها مرادي كل ما أهوى أريد فأمنحها نصحي لكي تنزجر فتأبى وربي على ذي شهيد فإن أنا تابعتها ندمت وخفت العقوبة يوم الوعيد فإن كنت للنفس يا ذا محبا فقيد، ولو بقيد الحديد ورضها رياضة مهر يراض بالسوط، والسوط سوط حديد يمنعه الرائض ما يشتهي يريد بالمنع صلاحا وفهما يريد يحمده الراكب يوم اللقى والخيل في الحرب وجهد جهيد.
(وجوه لزوم التأديب:
(لزوم التأديب:
(أورد الآجري رحمه الله تعالى في أدب النفوس عن وهب بن منبه قال: «النفس كنفوس الدواب، والإيمان قائد، والعمل سائق، والنفس حرون (1)(2)، فإن فتر قائدها حرنت على سائقها، وإن فتر سائقها ضلت على الطريق»
(1) الحرون: الدابة التي لا تنقاد وإذ اشتد بها الجري وقفت، وشبه بها النفس لتقلبها وعدم تحكم الإنسان فيها.
(وأورد الآجري رحمه الله تعالى في أدب النفوس عن الحسن، في وصية لقمان لابنه: يا بني لا تنتفع بالإيمان إلا بالعقل، فإن الإيمان قائد، والعمل سائق، والنفس حرون، فإن فتر سائقها ضلت عن الطريق، فلم تستقم لصاحبها، وإن فتر قائدها حرنت، فلم ينتفع سائقها، فإذا اجتمع ذلك استقامت طوعا وكرها، ولا يستقيم الدين إلا بالتطوع والكره، إن كان الإنسان كلما كره من الدين شيئا تركه، أوشك أن لا يبقي معه شيء من دين الله عز وجل، فلا تقنع لنفسك بقليل من الإيمان، ولا تقنع لها بضعيف من العمل، ولا ترخص لها في قليل من معصية الله عز وجل، ولا تعدها بشيء من استحلال الحرام، فإن النفس إذا أطمعت طمعت، وإذا أيستها أيست، وإذا أقنعتها قنعت، إذا أرخيت لها طغت، وإذا زجرتها انزجرت، وإذا عزمت عليها أطاعت، وإذا فوضت إليها أساءت، وإذا حملتها على أمر الله صلحت، وإذا تركت الأمر إليها فسدت، فاحذر نفسك واتهمها على دينك، وأنزلها منزلة من لا حاجة له فيها، ولا بد منها، فإن لا حاجة لك في باطلها، ولا بد لك من تهمتها، ولا تغفلها عن الزجر فتفسد عليك، ولا تأمنها فتغلبك، فإنه من قوم نفسه حتى تستقيم، فبالحري أن ينفع نفسه وغيرها، ومن غلبته نفسه فأنفس الناس أحرى أن تغلبه، وكيف لا يضعف عن أنفس الناس وقد ضعف عن نفسه؟ وكيف يؤمن على شيء من النفس، وهو متهم على نفسه؟ وكيف يهتدى بمن قد أضل نفسه؟ وكيف يرجا من قد حرم حظ نفسه؟ يا بني ثقفهم بالحكمة واستعن بما فيها، فإن وافقك الهوى أو خالفك، فاصبر نفسك للحق، وكن من أهل الحكم، فإن الحكيم يذل نفسه بالمكاره حتى تعترف بالحق، وإن الأحمق يخير نفسه في الأخلاق، فما أحبت منها أحب، وما كرهت منها كره قال أبو بكر: اعقلوا رحمكم الله عن لقمان الحكيم ما تسمعون، اعلموا أنه من لم يحسن أن يكون طبيبا لنفسه، لم يصلح أن يكون طبيبا لنفس غيره، ومن لم يحسن أن يؤدب نفسه، لم يحسن أن يؤدب نفس غيره، واعلموا أنه من لم يعرف ما لله عز وجل عليه في نفسه مما أمره به، ونهاه عنه، ولم يأخذ نفسه بعلم ذلك، كيف يصلح أن يؤدب زوجته وولده، قد أخذ الله عز وجل عليه تعليمهم ما جهلوه. ما أسوأ حال من توانى عن تأديب نفسه ورياضتها بالعلم وما أحسن حال من عني بتأديب نفسه، وعلم ما أمره الله عز وجل به وما نهاه عنه، وصبر على مخالفة نفسه، واستعان بالله العظيم عليها
(وأورد الآجري رحمه الله تعالى في أدب النفوس عن قتادة قال: «يا ابن آدم إن كنت تريد أن لا تأتي الخير إلا على نشاط، فإن نفسك إلى السآمة (1)(1) والفتور والكلل أقرب، ولكن المؤمن هو العجاج، والمؤمن هو المتوقي، والمؤمن هو المتشدد، وإن المؤمنين هم الجائرون إلى الله عز وجل بالليل والنهار، والله ما زال المؤمنون يقولون: ربنا ربنا، في السر والعلانية حتى استجاب لهم»
مسألة: ما هي وجوه لزوم التأديب؟
(قال الماوردي رحمه الله تعالى في أدب الدين والدنيا:
التَّأْدِيبُ يَلْزَمُ مِنْ وَجْهَيْنِ:
(أَحَدُهُمَا مَا لَزِمَ الْوَالِدَ لِوَلَدِهِ فِي صِغَرِهِ.
(وَالثَّانِي مَا لَزِمَ الإنسانَ فِي نَفْسِهِ عِنْدَ نُشُوئِهِ وَكِبَرِهِ.
(فَأَمَّا التَّأْدِيبُ اللَازِمُ لِلْأَبِ فَهُوَ أَنْ يَأْخُذَ وَلَدَهُ بِمَبَادِئِ الآدابِ لِيَأْنَسَ بِهَا، وَيَنْشَأَ عَلَيْهَا، فَيَسْهُلَ عَلَيْهِ قَبُولُهَا عِنْدَ الْكِبْرِ لِاسْتِئْنَاسِهِ بِمَبَادِئِهَا فِي الصِّغَرِ؛ لِأَنَّ نُشُوءَ الصِّغَرِ عَلَى الشَّيْءِ يَجْعَلُهُ مُتَطَبِّعًا بِهِ، وَمَنْ أُغْفِلَ تَأْدِيبُهُ فِي الصِّغَرِ كَانَ تَأْدِيبُهُ فِي الْكِبَرِ عَسِيرًا.
(وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: بَادِرُوا بِتَأْدِيبِ الأطفالِ قَبْلَ تَرَاكُمِ الأشغالِ وَتَفَرُّقِ الْبَالِ.
(وَقَالَ بَعْضُ الشُّعَرَاءِ:
إنَّ الْغُصُونَ إذَا قَوَّمْتَهَا اعْتَدَلَتْ وَلَا يَلِينُ إذَا قَوَّمْتَهُ الْخَشَبُ
قَدْ يَنْفَعُ الأدبُ الأحْدَاثَ فِي صِغَرٍ وَلَيْسَ يَنْفَعُ عِنْدَ الشَّيْبَةِ الأدبُ
(وَأَمَّا الأدبُ اللَازِمُ لِلْإِنْسَانِ عِنْدَ نُشُوئِهِ وَكِبَرِهِ فَأَدَبَانِ:
«أَدَبُ مُوَاضَعَةٍ وَاصْطِلَاحٍ، وَأَدَبُ رِيَاضَةٍ وَاسْتِصْلَاحٍ» .
(1) السآمة: الملل.
فَأَمَّا أَدَبُ الْمُوَاضَعَةِ وَالاصْطِلَاحِ فَيُؤْخَذُ تَقْلِيدًا عَلَى مَا اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ اصْطِلَاحُ الْعُقَلَاءِ، وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ اسْتِحْسَانُ الأدباء. وَلَيْسَ لِاصْطِلَاحِهِمْ عَلَى وَضْعِهِ تَعْلِيلٌ مُسْتَنْبَطٌ، وَلَا لِاتِّفَاقِهِمْ عَلَى اسْتِحْسَانِهِ دَلِيلٌ مُوجِبٌ، كَاصْطِلَاحِهِمْ عَلَى مُوَاضَعَاتِ الْخِطَابِ، وَاتِّفَاقِهِمْ عَلَى هَيْئَاتِ اللِّبَاسِ، حَتَّى إنَّ الإنسانَ الآن إذَا تَجَاوَزَ مَا اتَّفَقُوا عَلَيْهِ مِنْهَا صَارَ مُجَانِبًا لِلْأَدَبِ، مُسْتَوْجِبًا لِلذَّمِّ. لِأَنَّ فِرَاقَ الْمَأْلُوفِ فِي الْعَادَةِ، وَمُجَانَبَةَ مَا صَارَ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ بِالْمُوَاضَعَةِ، مُفْضٍ إلَى اسْتِحْقَاقِ الذَّمِّ بِالْعَقْلِ مَا لَمْ يَكُنْ لِمُخَالَفَتِهِ عِلَّةٌ ظَاهِرَةٌ وَمَعْنًى حَادِثٌ. وَقَدْ كَانَ جَائِزًا فِي الْعَقْلِ أَنْ يُوضَعَ ذَلِكَ عَلَى غَيْرِ مَا اتَّفَقُوا عَلَيْهِ فَيَرَوْنَهُ حَسَنًا، وَيَرَوْنَ مَا سِوَاهُ قَبِيحًا، فَصَارَ هَذَا مُشَارِكًا لِمَا وَجَبَ بِالْعَقْلِ مِنْ حَيْثُ تَوَجُّهُ الذَّمِّ عَلَى تَارِكِهِ وَمُخَالِفًا لَهُ مِنْ حَيْثُ أَنَّهُ كَانَ جَائِزًا فِي الْعَقْلِ أَنْ يُوضَعَ عَلَى خِلَافِهِ.
وَأَمَّا أَدَبُ الرِّيَاضَةِ وَالاسْتِصْلَاحِ فَهُوَ مَا كَانَ مَحْمُولًا عَلَى حَالٍ لَا يَجُوزُ فِي الْعَقْلِ أَنْ يَكُونَ بِخِلَافِهَا، وَلَا أَنْ تَخْتَلِفَ الْعُقَلَاءُ فِي صَلَاحِهَا وَفَسَادِهَا. وَمَا كَانَ كَذَلِكَ فَتَعْلِيلُهُ بِالْعَقْلِ مُسْتَنْبَطٌ، وَوُضُوحُ صِحَّتِهِ بِالدَّلِيلِ مُرْتَبِطٌ. وَلِلنَّفْسِ عَلَى مَا يَأْتِي مِنْ ذَلِكَ شَاهِدٌ أَلْهَمَهَا اللَّهُ تَعَالَى إرْشَادًا لَهَا. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:{فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا} [الشمس: 8]
(قال الإمام ابن كثير رحمه الله في تفسيره:
وقوله: {فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا} أي: فأرشدها إلى فجورها وتقواها، أي: بين لها ذلك، وهداها إلى ما قدر لها.
قال ابن عباس: {فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا} بين لها الخير والشر. وكذا قال مجاهد، وقتادة، والضحاك، والثوري. أهـ
مسألة: ما هو أَوَّلُ مُقَدَّمَاتِ أَدَبِ الرِّيَاضَةِ وَالاسْتِصْلَاحِ؟