الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
في مفتاح دار السعادة عن سورة العصر (1/ 238): «فذكر تعالى المراتب الأربع في هذه السورة، وأقسم سبحانه في هذه السورة بالعصر أن كل أحد في خسر، إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات، وهم الذين عرفوا الحق، وصدقوا به. فهذه مرتبة.
وعملوا الصالحات، وهم الذين عملوا بما علموه من الحق. فهذه مرتبة أخرى.
وتواصوا بالحق، وصى به بعضهم بعضاً، تعليماً وإرشاداً. فهذه مرتبة ثالثة.
وتواصوا بالصبر، صبروا على الحق، ووصى بعضهم بعضاً بالصبر عليه، والثبات. فهذه مرتبة رابعة.
وهذا نهاية الكمال، فإن الكمال أن يكون الشخص كاملاً في نفسه، مكملاً لغيره، وكماله بإصلاح قوتيه العلمية والعملية، فصلاح القوة العلمية بالإيمان، وصلاح القوة العملية بعمل الصالحات، وتكميله غيره، وتعليمه إياه، وصبره عليه، وتوصيته بالصبر على العلم والعمل. فهذه السورة على اختصارها هي من أجمع سور القرآن للخير بحذافيره والحمد لله الذي جعل كتابه كافياً عن كل ما سواه، شافياً من كل داءٍ، هادياً إلى كل خير» ا. هـ.
[*] قال ابن الجوزي في صيد الخاطر (218):
(حكم تعلم العلم:
حكم تعلم العلم على التفصيل الآتي:
(1)
فرض عين: وهو ما يتعين وجوبه على الشخص، وعليه يحمل الحديث الآتي
(حديث أنس في صحيح ابن ماجة) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: طلب العلم فريضةٌ على كل مسلم.
وهذا العلم هو علم التوحيد لأن التوحيد مقدَّمٌ على العمل والأصلُ الذي يترتب عليه غيره إذ لا ينفع مع الشرك عمل.، وهو كذلك ما لا بد منه لصحة العبادات كعلم الطهارة والصلاة والصيام والحج والزكاة.
(2)
فرض كفاية:
وهو التوسع في العلوم ودقائقها ومباحثها ويدخل في هذا النوع كل علم لا يُستغنى عنه في قوام أمور الدنيا كالطب فإنه ضروري في حاجة بقاء الأبدان على الصحة، والحساب فإنه ضروري في قسمة المواريث والوصايا وغيرهم.
(ماذا نعني بالعلم، وكيف يطلب؟
مسألة: ماذا نعني بالعلم، وكيف يطلب؟
حين نقول العلم، فإنما نريد أن تعلم الأمة، كل الأمة، جميع الأمة، صغاراً وكباراً، رجالاً ونساءً، حكاماً ومحكومين، فكل أفراد الأمة على التعيين عليهم
أنْ يعرفوا الله: الله جل وعلا الذي يعبدونه، الله الذي استسلموا له بالإسلام، أن يعرفوا الله. من خلال عقيدة صحيحة صافية سليمة نقية واضحة.
وأن يعرفوا رسوله: فيعرفوه معرفة حقيقية؛ ليتبعوه، وليحبوه، وليوالوه، وليقتدوا ويتأسوا به، ولا يتركوا شيئاً من سنته وعمله إلا عملوه. وأن يعرفوا ما تلزم معرفته من أمر الدنيا والدين إذ ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، وللوسائل حكم المقاصد.
وتدبر في (حديث أنس الثابت في صحيح ابن ماجة) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: طلب العلم فريضةٌ على كل مسلم.
وتأتى هذه الأهمية بعد قضية الإيمان بالله عز وجل، فأول واجب على كل مسلم الإيمان بالله تعالى، ويليه العلم؛ لأنَّك بالتعلم تصحح إيمانك وعقيدتك، وتصحح عملك، فالتعلم هو الوسيلة التي يتمكن بها المكلف من تصحيح إيمانه، ومن تصحيح عمله.
[*] (والتعلم له طريقان بحسب طاقة الناس:
1) فمن كان قادراً على تلقى العلم من شيوخه بالجلوس عند ركبهم، ودراسة العلوم عليهم، وجب عليه أن يتعلم الحد الواجب من العلوم بهذه الطريقة.
2) ومن لم يكن قادراً على ذلك فليتعلم بطريقة السؤال؛ يسأل أهل الذكر وأهل العلم عن المسائل الضرورية التي يصحح بها عمله، ويصحح بها إيمانه ..
قال الله تعالى: " فاسألوا أهل الذكر إنْ كنتم لا تعلمون "[النحل /43]
وقال صلى الله عليه وسلم " فإنَّما شفاء العي السؤال " وهو ثابت في صحيح أبي داوود عن جابر رضي الله تعالى عنه.
وقد سلك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كلا المسلكين، كلٌ على قدر طاقته، وعلى قدر إمكاناته، فالمهاجرون والأنصار الذين كانوا معه في المدينة النبوية المباركة أكثرهم تلقوا العلم من فم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن لم يسمعه من فمه صلى الله عليه وسلم يسمعه عمن سمعه منه صلى الله عليه وسلم، وكانوا يتناوبون على سماع العلم منه صلى الله عليه وسلم، وتأمل في الحديث الآتي بعين البصيرة وأمْعِنِ النظر فيه واجعل له من سمعك مسمعا وفي قلبك موقِعاً عسى الله أن ينفعك بما فيه من غرر الفوائد، ودرر الفرائد. (
(حديث بن عباس رضي الله عنهما الثابت في الصحيحين) عن عمر قال: كنت أنا وجار لي من الأنصار في بني أمية بن زيد وهي من عوالي المدينة، وكنا نتناوب النزول على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ينزل يومًا، وأنزل يومًا، فإذا نزلت جئته بخبر ذلك اليوم من الوحي وغيره، وإذا نزل فعل مثل ذلك.
وكثير من المسلمين في عهده الذين لم يستطيعوا التعلم بهذه الطريقة تلقوه بطريق السؤال، كانوا يأتون رسول الله صلى الله عليه وسلم من كل حدب وصوب يسألون عن الضروري من أمور دينهم، فيجيبهم صلى الله عليه وسلم بأوجز وأبلغ عبارة، فيفهمون المراد، ويرجعون إلى بلادهم وأقوامهم، يبادرون إلى العمل.
فهذا رجل من ثقيف يأتي بعد أن امتن الله على قبيلته فدخلت في الإسلام لكن ذلك كان في فترة متأخرة، فيرغب في الخير الذي حصَّله من سبقه، فيسأل النبي سؤالاً جامعًا، ويجيبه النبي بإجابة بليغة وجيزة.
عن سفيان بن عبد الله الثقفي قال: قلت: يا رسول الله قل لي في الإسلام قولا لا أسأل عنه أحدا بعدك ـ وفي رواية "غيرك " ـ قال: قل آمنت بالله فاستقم وهو ثابت في صحيح مسلم.
وقد كان الصحابة رضوان الله عليهم يفرحون بمجيء أحد من الأطراف، خاصة إذا كان من البادية؛ لأنهم كانوا يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن مسائل كان الصحابة يتهيبون من سؤاله صلى الله عليه وسلم عنها.
ولذلك قال أنس: كنا نهاب أن نسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شيء، وكان يعجبنا أن يأتيه الرجل من أهل البادية فيسأله، ونحن نستمع. (1)
وذلك بعد أن أنزل الله تعالى قوله تعالى: (يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ لَا تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَآءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ)[المائدة/101]
بل وحتى النساء كن يحرصن على سؤاله صلى الله عليه وسلم، وتعلم أمور الدين منه صلى الله عليه وسلم، فكانت المرأة من الصحابيات إذا استحيت أن تسأله مباشرة، سألته بواسطة بعض أمهات المؤمنين إذا كان الأمر يتعلق بشيء مما يستحي منه النساء، وأما في غير ذلك فيسألنه صلى الله عليه وسلم، ويحرصن على تلقي العلم منه.
(حديث عائشة في الصحيحين) أن امرأة سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن غسلها من المحيض فأمرها كيف تغتسل. قال خذي ِفرصةٍ من مسكٍ فتطهري بها. قالت كيف أتطهر بها؟ قال تطهري بها. قالت كيف؟ قال سبحان الله تطهري بها. فاجتبذتها إليَّ فقلت تتبعي بها أثر الدم.