الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(آداب العشرة مع الخادم:
(آداب الدعاء:
وهاك تفصيل ذلك في إيجازٍ غيرِ مُخِّل:
(معنى الأدب مع النفس:
(فصل الخطاب في الأدب مع النفس إلزامها والسير بها على هدي النبي صلى الله عليه وسلم في جميع سيرته وأقواله وأفعاله وهديه ظاهرا وباطنا.
قال ابن القيم رحمه الله (فللأكل آداب وللشرب آداب وللركوب آداب والدخول والسفر والإقامة والنوم آداب ولقضاء الحاجة آداب وللسكوت والاستماع آداب
…
) مدارج السالكين منزلة الأدب رقم (37)
(أهمية أدب النفس:
اعْلَمْ أَنَّ النَّفْسَ مَجْبُولَةٌ عَلَى شِيَمٍ مُهْمَلَةٍ، وَأَخْلَاقٍ مُرْسَلَةٍ، لَا يَسْتَغْنِي مَحْمُودُهَا عَنْ التَّأْدِيبِ، وَلَا يَكْتَفِي بِالْمُرْضِي مِنْهَا عَنْ التَّهْذِيبِ؛ لِأَنَّ لِمَحْمُودِهَا أَضْدَادًا مُقَابِلَةً يُسْعِدُهَا هَوًى مُطَاعٌ وَشَهْوَةٌ غَالِبَةٌ، فَإِنْ أَغْفَلَ تَأْدِيبَهَا تَفْوِيضًا إلَى الْعَقْلِ أَوْ تَوَكُّلًا عَلَى أَنْ تَنْقَادَ إلَى الأحْسَنِ بِالطَّبْعِ أَعْدَمَهُ التَّفْوِيضُ دَرَكَ الْمُجْتَهِدِينَ، وَأَعْقَبَهُ التَّوَكُّلُ نَدَمَ الْخَائِبِينَ، فَصَارَ مِنْ الأدَبِ عَاطِلًا، وَفِي صُورَةِ الْجَهْلِ دَاخِلًا؛ لِأَنَّ الأدب مُكْتَسَبٌ بِالتَّجْرِبَةِ، أَوْ مُسْتَحْسَنٌ بِالْعَادَةِ، وَلِكُلِّ قَوْمٍ مُوَاضَعَةٌ. وَذَلِكَ لَا يُنَالُ بِتَوْقِيفِ الْعَقْلِ وَلَا بِالانْقِيَادِ لِلطَّبْعِ حَتَّى يُكْتَسَبَ بِالتَّجْرِبَةِ وَالْمُعَانَاةِ، وَيُسْتَفَادَ بِالدُّرْبَةِ وَالْمُعَاطَاةِ. ثُمَّ يَكُونُ الْعَقْلُ عَلَيْهِ قَيِّمًا وَزَكِيُّ الطَّبْعِ إلَيْهِ مُسَلِّمًا. وَلَوْ كَانَ الْعَقْلُ مُغْنِيًا عَنْ الأدَبِ لَكَانَ أَنْبِيَاءُ اللَّهِ تَعَالَى عَنْ أَدَبِهِ مُسْتَغْنِينَ، وَبِعُقُولِهِمْ مُكْتَفِينَ أهـ
(وقال الإمام مالك رحمه الله: " كانت أمي تعمِّمني وتقول لي: اذهب إلى ربيعة فتعلم من أدبه قبل علمه ".
(وقال عبد الله بن المبارك رحمه الله: " كانوا يطلبون الأدب ثم العلم "، ويقول أيضا:"كاد الأدب يكون ثلثي العلم"، ويقول-رحمه الله:" تعلمت الأدب ثلاثين سنة، وتعلمت العلم عشرين سنة ".
(وقال سفيان الثوري رحمه الله: "ليس عمل بعد الفرائض أفضل من طلب العلم، وكان الرجل لا يطلب العلم حتى يتأدب ويتعبد قبل ذلك عشرين سنة".
(وقال الحسن البصري رحمه الله:" إن كان الرجل ليخرج في أدب نفسه السنتين ثم السنتين".
(وقال ابن سِيرين رحمه الله: "كانوا يتعلمون الهديَ كما يتعلمون العلم" (1).
(وقال بعض السلف لابنه: " يا بني، لأن تتعلم باباً من الأدب أحب إليَّ من أن تتعلم سبعين باباً من أبواب العلم " (2).
(وقال الذهبي: " كان يحضر مجلس الإمام أحمد خمسة آلاف، خمسمائة يكتبون، والباقون يستمدون من سمته وخلقه وأدبه " (3).
(وقال مخلد بن الحسين لابن المبارك: " نحن إلى كثير من الأدب أحوج منا إلى كثير من الحديث " (4).
وتأمل في الأحاديث الآتية بعين البصيرة وأمْعِنِ النظر فيها واجعل لها من سمعك مسمعا وفي قلبك موقِعاً عسى الله أن ينفعك بما فيها من غرر الفوائد، ودرر الفرائد.
((حديث أبي هريرة الثابت في صحيح الجامع) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق.
((حديث النواس ابن سمعان الثابت في صحيح مسلم) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: البر حسن الخلق و الإثم ما حاك في صدرك و كرهت أن يطلع عليه الناس.
((حديث عبد الله بن عمرو الثابت في الصحيحين) قال لم يكن رسول الله فاحشاً ولا متفحشاً وكان يقول: إن من خياركم أحسنكم أخلاقاً.
((حديث أبي الدرداء الثابت في صحيحي أبي داوود والترمذي) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما من شيء أثقل في الميزان من حسن الخلق، فإن الله يُبْغِضُ الفاحشَ البذيء.
((حديث عائشة الثابت في صحيح أبي داود) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم.
((حديث عائشة رضي الله عنها الثابت في صحيح الجامع) قالت: كان خُلُقٌه القرآن.
[*] قال المناوي في فيض القدير: أي ما دل عليه القرآن من أوامره ونواهيه ووعده ووعيده إلى غير ذلك. وقال القاضي: أي خلقه كان جميع ما حصل في القرآن. فإن كل ما استحسنه وأثنى عليه ودعا إليه فقد تحلى به، وكل ما استهجنه ونهى عنه تجنبه وتخلى عنه. فكان القرآن بيان خلقه. انتهى. وقال في الديباج: معناه العمل به والوقوف عند حدوده والتأدب بآدابه والاعتبار بأمثاله وقصصه وتدبره وحسن تلاوته. أهـ
(1) تذكرة السامع والمتكلم ص 14.
(2)
تذكرة السامع والمتكلم ص 14.
(3)
سير أعلام النبلاء 11/ 316.
(4)
تذكرة السامع والمتكلم ص 14.
[*] أخرج الحافظ أبو نعيم ٍ في حلية الأولياء عن الزهري، قال: كنا نأتي العالم فما نتعلم من أدبه أحب إلينا من علمه.
(أورد الماوردي رحمه الله تعالى في أدب الدين والدنيا عن عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه قَالَ: إنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ مَكَارِمَ الأخْلَاقِ وَمَحَاسِنَهَا وَصْلًا بَيْنَهُ وَبَيْنَكُمْ، فَحَسْبُ الرَّجُلِ أَنْ يَتَّصِلَ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى بِخُلُقٍ مِنْهَا.
(قال بعض أهل العلم: مِنْ فَضِيلَةِ الأدَبِ أَنَّهُ مَمْدُوحٌ بِكُلِّ لِسَانٍ، وَمُتَزَيَّنٌ بِهِ فِي كُلِّ مَكَان، وَبَاقٍ ذِكْرُهُ عَلَى أَيَّامِ الزَّمَانِ.
(وَقَالَ ابْنُ الْمُقَفَّعِ: مَا نَحْنُ إلَى مَا نَتَقَوَّى بِهِ عَلَى حَوَاسِّنَا مِنْ الْمَطْعَمِ وَالْمَشْرَبِ بِأَحْوَجِ مِنَّا إلَى الأدَبِ الَّذِي هُوَ لِقَاحُ عُقُولِنَا، فَإِنَّ الْحَبَّةَ الْمَدْفُونَةَ فِي الثَّرَى لَا تَقْدِرُ أَنْ تَطْلُعَ زَهْرَتُهَا وَنَضَارَتُهَا إلا بِالْمَاءِ الَّذِي يَعُودُ إلَيْهَا مِنْ مُسْتَوْدَعِهَا.
(وَحَكَى الأصْمَعِيُّ رحمه الله تعالى أَنَّ أَعْرَابِيًّا قَالَ لِابْنِهِ: يَا بُنَيَّ الْعَقْلُ بِلَا أَدَبٍ كَالشَّجَرِ الْعَاقِرِ، وَمَعَ الأدبِ دِعَامَةٌ أَيَّدَ اللَّهُ بِهَا الألبابِ، وَحِلْيَةٌ زَيَّنَ اللَّهُ بِهَا عَوَاطِلَ الأحْسَابِ، فَالْعَاقِلُ لَا يَسْتَغْنِي وَإِنْ صَحَّتْ غَرِيزَتُهُ، عَنْ الأدبِ الْمُخْرِجِ زَهْرَتُهُ، كَمَا لَا تَسْتَغْنِي الأرضُ وَإِنْ عَذُبَتْ تُرْبَتُهَا عَنْ الْمَاءِ الْمُخْرِجِ ثَمَرَتُهَا.
(وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: الأدبُ صُورَةُ الْعَقْلِ فَصَوِّرْ عَقْلَك كَيْفَ شِئْتَ.
(وَقَالَ آخَرُ: الْعَقْلُ بِلَا أَدَبٍ كَالشَّجَرِ الْعَاقِرِ، وَمَعَ الأدبِ كَالشَّجَرِ الْمُثْمِرِ.
(وَقَالَ بَعْضُ الْبُلَغَاءُ: الْفَضْلُ بِالْعَقْلِ والأدب، لَا بالأصلِ وَالْحَسَبِ؛ لِأَنَّ مَنْ سَاءَ أَدَبُهُ ضَاعَ نَسَبُهُ، وَمَنْ قَلَّ عَقْلُهُ ضَلَّ أَصْلُهُ.
(وَقَالَ بَعْضُ الأدباء: ذَكِّ قَلْبَك بالأدبِ كَمَا تُذَكَّى النَّارُ بِالْحَطَبِ، وَاِتَّخِذْ الأدبَ غُنْمًا، وَالْحِرْصَ عَلَيْهِ حَظًّا، يَرْتَجِيكَ رَاغِبٌ، وَيَخَافُ صَوْلَتَك رَاهِبٌ، وَيُؤَمِّلُ نَفْعَكَ، وَيُرْجَى عَدْلُك.
(وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: «الأدبُ وَسِيلَةٌ إلَى كُلِّ فَضِيلَةٍ، وَذَرِيعَةٌ إلَى كُلِّ شَرِيعَةٍ»
(قال الآجري رحمه الله تعالى في أدب النفوس:
فإن قال قائل: ما دل على تأديب النفس؟ قيل له: القرآن، والسنة، وقول علماء المسلمين، فإن قال: فاذكره؟ قيل: نعم إن شاء الله. قال تعالى: (يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ قُوَاْ أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً)[التحريم: 6]،
قلت: فمن سمع هذا وجب عليه أن يطلب علم هذا، ولا يغفل عنه. فإن قال: فاذكر ما يقي به الإنسان نفسه، وأهله من النار، قيل: نعم
(أورد الإمام ابن كثير رحمه الله في تفسيره عن علي ابن أبي طالب رضي الله عنه في قوله تعالى (يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ قُوَاْ أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً) يقول: أدبوهم، عَلموهم.
(وأورد كذلك عن ابن عباس رضي الله عنهما: {قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا} يقول: اعملوا بطاعة الله، واتقوا معاصي الله، ومُروا أهليكم بالذكر، ينجيكم الله من النار. أهـ
وفي معنى هذه الآية الحديث الآتي:
((حديث عبد الله بن عمرو الثابت في صحيحي أبي داوود والترمذي) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: مروا أولادكم بالصلاة و هم أبناء سبع سنين و اضربوهم عليها و هم أبناء عشر سنين و فرقوا بينهم في المضاجع.
(وقال الآجري رحمه الله تعالى في أدب النفوس أيضا:
ألا ترون رحمكم الله إلى مولاكم الكريم، يحثكم على تأديب نفوسكم وأهليكم؟ فاعقلوا رحمكم الله عن الله عز وجل، وألزموا أنفسكم علم ذلك. ثم اعلموا رحمكم الله أنه يلزمكم علم حالين لا بد منهما:
(علم معرفة النفس، وقبح ما تدعوكم إليه، مما تهواه وتلذه، مضمرة لذلك، وقائلة وفاعلة، فواجب عليكم أن تزجروها عنه، حتى لا تبلغوها ذلك.
(والحال الثاني: علم كيف السياسة لها؟، وكيف تراض؟، وكيف تؤدب؟، فهذان الحالان لا بد لكل مسلم عاقل أن يطلب علمه حتى يعرف نفسه، ويعرف كيف يؤدبها. قلت: فأما معرفة النفس، وقبيح ما تدعو إليه، فقد تقدم ذكري له، وأنا أزيدك في فضحتها:{هي جامعة لكل بلاء. وخزانة إبليس، وإليها يأوي، ويطمئن. تظهر لك الزهد وهي راغبة. وتظهر لك الخوف، وهي آمنة، تفرح بحسن ثناء من جهلها بباطل، فتحمده، وتدينه، ويثقل عليها الصدق من ذمها بحق، نصحا منه لها، فتبغضه وتقصيه} وأنا أمثل لك مثالا لا يخفى عليك أمرها إن شاء الله: اعلم أن النفس مثلها كمثل المُهْرِ الحسن من الخيل، إذا نظر إليه الناظر أعجبه حسنه وبهاؤه، فيقول أهل البصيرة به: لا ينتفع بهذا حتى يراض رياضة حسنة، ويؤدب أدبا حسنا، فحينئذ ينتفع به، فيصلح للطلب والهرب، ويحمد راكبه عواقب تأديبه ورياضته. فإن لم يؤدب لم ينتفع بحسنه ولا ببهائه، ولا يحمد راكبه عواقبه عند الحاجة. فإن قيل صاحب هذا المهر قول أهل النصيحة والبصيرة به، علم أن هذا قول صحيح فدفعه إلى رائض فراضه. ثم لا يصلح أن يكون الرائض إلا عالما بالرياضة، معه صبر على ما معه من علم الرياضة، فإن كان معه بالرياضة ونصحه انتفع به صاحبه، فإن كان الرائض لا معرفة معه بالرياضة، ولا علم بأدب الخيل، أفسد هذا المهر وأتعب نفسه، ولم يحمد راكبه عواقبه، وإن كان الرائض معه معرفة الرياضة والأدب للخيل إلا أنه مع معرفته لم يصبر على مشقة الرياضة، وأحب الترفيه لنفسه، وتوانى عما وجب عليه، من النصيحة في الرياضة، أفسد هذا المهر، وأساء إليه، ولم يصلح للطلب، ولا للهرب، وكان له منظر بلا مخبر، فإن كان مالكه هو الرائض له، ندم على توانيه يوم لا ينفعه الندم، حين نظر إلى غيره في وقت الطلب، قد طلب فأدرك، وفي وقت الهرب قد هرب فسلم، وطلب فهو لم يدرك، وهرب فلم يسلم، كل ذلك بتوانيه، وقلة صبره بعد معرفته منه، ثم أقبل على نفسه يلومها ويبخها، فيقول: لم فرطت؟ لم قصرت؟، لقد عاد علي من قلة صبرى كل ما أكره. والله المستعان.