الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فإن تجتنبها كنت سلماً لأهلها
…
وإن تجتذبها تنازعتك كلابها
(ومما ورد في ذم التنافس على الدنيا ما يلي:
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: اشترى رجل من رجل عقارا له، فوجد الرجل الذي اشترى العقار في عقاره جرة فيها ذهب، فقال له الذي اشترى العقار: خذ ذهبك مني، إنما اشتريت منك الأرض، ولم أبتع منك الذهب. وقال الذي له الأرض: إنما بعتك الأرض وما فيها، فتحاكما إلى رجل، فقال الذي تحاكما إليه: ألكما ولد؟ قال أحدهما: لي غلام، وقال الآخر: لي جارية، قال: أنحكوا الغلام الجارية، وأنفقوا على أنفسهما منه وتصدقا.
وقد تضمن هذا الحديث غرر الفوائد، ودرر الفرائد:
ففي هذا الحديث الجليل يخبرنا نبينا صلى الله عليه وسلم عن رجلين صالحين من الأمم السابقة اشترى أحدهما من الآخر أرضاً فوجد في هذه الأرض جرّة (إناء كبير من الخزف) مملوءة ذهباً فلم يقع منهما التنافس للحصول على هذا الذهب والاستئثار به دون الآخر، بل لم يقبل كل واحد منهما أن يأخذ من الذهب شيئاً ويترك لصاحبه الباقي خوفاً من أن يكون حراماً، والمال الحرام يّذهب البركة ويجلب غضب الربا ويمنع إجابة الدعاء ويؤدي إلى دخول النار ويكون الحساب عليه يوم القيامة بالحسنات والسيئات حيث لا درهم ولا دينار.
فلصلاح هذين الرجلين ذهبا يحتكمان إلى عالم من علمائهم، وكانت حجة البائع أنه باع الأرض بما فيها، فالذهب ليس له، وكانت حجة المشتري أنه اشترى الأرض ولم يشتر الذهب، ولو كان غيرهما من الناس لكانت هذه الحجج يستدل بها كل طرف على استحقاقه هو للمال دون صاحبه، ولكن الخوف من الله تعالى زهدهما في هذا المال المشتبه فيه.
فجاء الحكم الذي رضي به الطرفان وهو تزويج ابن أحدهما ببنت الآخر، والإنفاق من هذا المال على الأسرة الجديدة التي تقوي أخوة الإيمان بين هاتين الأسرتين الصالحتين، وكذلك التصدق من هذا المال.
(حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه الثابت في صحيح مسلم) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الدنيا حلوة خضرة وإن الله مستخلفكم فيها فينظر كيف تعملون فاتقوا الدنيا واتقوا النساء فإن أول فتنة بنى إسرائيل كانت في النساء.
(أقسام الناس في حبهم للدنيا:
(انقسم بنو آدم فى الدنيا إلى قسمين:
أحدهما: من أنكر أن للعباد داراً بعد الدنيا للثواب والعقاب وهؤلاء هم الذين قال الله فيهم: {إَنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءنَا وَرَضُواْ بِالْحَياةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّواْ بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ أُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمُ النُّارُ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ} (يونس: الآية: 7 - 8).
وهؤلاء همهم التمتع فى الدنيا واغتنام لذاتها قبل الموت كما قال تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الأنعام وَالنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ} (محمد: من الآية: 12).
والقسم الثانى: من يُقِرُّ بدارٍ بعد الموت للثواب والعقاب، وهم المنتسبون إلى المرسلين، وهم منقسمون إلى ثلاثة أقسام: ظالم لنفسه ومقتصد، وسابق بالخيرات بإذن الله.
والظالم لنفسه: هم الأكثرون، وأكثرهم واقف مع زهرة الدنيا وزينتها، فأخذها من غير وجهها، واستعملها فى غير وجهها، وصارت الدنيا أكبر همّه، بها يرضى، وبها يغضب، ولها يوالى، وعليها يعادى، وهؤلاء أهل اللعب واللهو والزينة، وإن كانوا يؤمنون بالآخرة إيماناً مجملاً فهم لم يعرفوا المقصود من الدنيا، ولا أنها منزلة يتزود فيها لما بعدها.
والمقتصد: من أخذ الدنيا من وجوهها المباحة، وأدى واجبها، وأمسك لنفسه الزائد على الواجب يتوسع به فى التمتع بشهوات الدنيا، وهؤلاء لا عقاب عليهم فى ذلك إلا أنه ينقص درجاتهم كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: لولا أن تنقص من حسناتى لخالفتكم فى لين عيشكم ولكن سمعت الله عَيََّر قوماً فقال: {أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُم بِهَا} (الأحقاف: من الآية: 20).
وأما السابق بالخيرات بإذن الله: فهم الذين فهموا المراد من الدنيا وعملوا بمقتضى ذلك، فعلموا أن الله إنما أسكن عبادة فى الدار ليبلوهم أيهم أحسن عملاً كما قال تعالى:{إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً} (الكهف: الآية: 7).
يعنى: أزهد فى الدنيا وأرغب فى الآخرة، ثم قال تعالى:{وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيدًا جُرُزًا} (الكهف: الآية: 8).
فاكتفى السابقون منها بما يكفى المسافر من الزاد، كما في الحديث الآتي:
(حديث ابن مسعود رضي الله عنه الثابت في صحيح الترغيب والترهيب) قال نام رسول الله صلى الله عليه وسلم على حصير فقام وقد أثر في جنبه قلنا يا رسول الله لو اتخذنا لك وطاء فقال ما لي وللدنيا ما أنا في الدنيا إلا كراكب استظل تحت شجرة ثم راح وتركها.
وعاش فيها كأنه غريب أو عابر سبيل امتثالاً لوصية النبي صلى الله عليه وسلم كما في الحديث الآتي:
(حديث بن عمر رضي الله عنهما الثابت في صحيح البخاري) قال: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنكبي فقال: (كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل). وكان ابن عمر يقول: إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وخذ من صحتك لمرضك، ومن حياتك لموتك.
وكان زاده فيها كزاد الراكب امتثالاً لقول النبي صلى الله عليه وسلم كما في الحديث الآتي:
(حديث سلمان الفارسي رضي الله عنه الثابت في صحيح الجامع) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ليكف الرجل منكم كزاد الراكب.
ومتى نوى من تناول شهواته المباحة التقوى على طاعة الله كانت شهواته له طاعة يثاب عليها، كما قال معاذ رضي الله عنه:" إنى لأحتسب نومتى كما أحتسب قومتى ".
[*] قال سعيد بن جبير: " متاع الغرور ما يلهيك عن طلب الآخرة، وما لم يلهك فليس بمتاع الغرور ولكن متاع بلاغ إلى ما هو خير منه ".
[*] وقال يحيى بن معاذ: " كيف لا أحب دنيا قُدر لى فيها قوت أكتسب به حياة، أدرك به طاعة، أنال بها الجنة ".
[*] وسُئل أبو صفوان الرعينى: ما هى الدنيا التى ذمها الله فى القرآن والتى ينبغى للعاقل أن يتجنبها؟، فقال:" كل ما أصبت فى الدنيا تريد به الدنيا فهو مذموم، وكل ماأصبت منا تريد به الآخرة فليس منها ".
[*] وقال الحسن: " نعمت الدار الدنيا كانت للمؤمن، وذلك أنه عمل قليلاً وأخذ زاده منها للجنة، وبئست الدار كانت للكافر والمنافق، وذلك أنه ضيع لياليه وكان زاده منها إلى النار ".
[*] قال عون بن عبد الله: " الدنيا والآخرة فى القلب ككفتى الميزان ما ترجح إحداهما تخف الأخرى ".
[*] وقال وهب:" إنما الدنيا والآخرة كرجل له امرأتان إذا أرضى إحداهما أسخط الأخرى.
[*] وقال أبو الدرداء: " لئن حلفتم لى على رجل أنه أزهدكم لأحلفن لكم أنه خيركم ".
[*] وقال رجل للتابعين: " لأنتم أكثر عملاً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكنهم كانوا خيراً منكم، كانوا أزهد فى الدنيا ".
[*] قول سعيد ابن المسيب في الدنيا: