المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌أولا - ما تسن فيه الجماعة: - فقه العبادات على المذهب الشافعي - جـ ١

[درية العيطة]

فهرس الكتاب

- ‌[مقدمات]

- ‌مقدمة هذه الطبعة [الخامسة]

- ‌مقدمة الطبعة الأولى

- ‌محمد بن إدريس الشافعي رضي الله عنه

- ‌لمحة عن حياته

- ‌نسبه:

- ‌مولده ونشأته:

- ‌طلبه للعلم ومنزلته العلمية:

- ‌العوامل التي هيأته للنبوغ العلمي:

- ‌1 - مواهبه وصفاته:

- ‌2- شيوخه:

- ‌3- دراساته الخاصة وتجاربه:

- ‌4- عصره:

- ‌لمحة عن عبادته وأخلاقه:

- ‌محنته:

- ‌مرضه ووفاته:

- ‌أشهر تلاميذه:

- ‌المراجع:

- ‌[كتاب فقه العبادات]

- ‌بعض ما ورد في فضل الفقه

- ‌تعريف الفقه والغرض منه

- ‌كتاب الطهارة

- ‌الباب الأول [الطهارة]

- ‌التعريف بالطهارة

- ‌المياه

- ‌ أقسام المياه

- ‌أولا - ماء طاهر مطهر:

- ‌ثانياً - ماء طاهر غير مطهر

- ‌ثالثاً - الماء المتنجس:

- ‌الشك في نجاسة الماء والتحري فيه: (الشك عند الفقهاء هو التردد بين وجود الشيء وعدمه. سواء كان الطرفان في التردد سواء أكان أحدهما راجحاً أما عند الأصوليين فهو ما استوى فيه الطرفان، وإلا فالراجح ظن، والمرجوح وهم. ومعنى التحري الاجتهاد، وطلب الصواب، والتفتيش

- ‌ملحقات [الأواني، السواك

- ‌1- استعمال أواني الذهب والفضة:

- ‌2- مستحبات [السواك

- ‌3- مكروهات:

- ‌الباب الثاني: قضاء الحاجة

- ‌آداب قضاء الحاجة

- ‌الاستنجاء والاستجمار

- ‌التعريف به:

- ‌حكمه:

- ‌شروط صحة الاستجمار بالحجر

- ‌الباب الثالث [الوضوء]

- ‌التعريف به

- ‌شروط صحة الطهارة (بالوضوء أو الغسل) (1)

- ‌فرائض الوضوء

- ‌أولاً النية

- ‌[ثانياً- غسل الوجه]

- ‌[ثالثاً: غسل اليدين مع المرفقين]

- ‌[رابعاً- مسح بعض الرأس]

- ‌خامساً - غسل الرجلين

- ‌[سادساً- الترتيب]

- ‌[سابعاً- الموالاة واستصحاب النية لدائم الحدث]

- ‌[ما يجزئ عن الوضوء]

- ‌[سنن الوضوء]

- ‌[ما يسن تركه في الوضوء]

- ‌[مكروهات الوضوء]

- ‌المسح على الخفين:

- ‌التعريف بالمسح:

- ‌حكمه

- ‌أدلة جواز المسح على الخفين:

- ‌شروط المسح على الخفين:

- ‌متى تبدأ المدة:

- ‌ما يبطل المسح على الخفين:

- ‌محل المسح

- ‌المقدار الممسوح:

- ‌المسح على الجوارب:

- ‌[نواقض الوضوء]

- ‌ما يحرم بالحدث الأصغر:

- ‌الباب الرابع: الغسل

- ‌التعريف بالغسل

- ‌موجبات الغسل:

- ‌الأغسال المسنونة:

- ‌فرائض الغسل:

- ‌سنن الغسل:

- ‌مكروهات الغسل:

- ‌ما يحرم بالجنابة

- ‌الباب الخامس: التيمم

- ‌التعريف

- ‌دليله

- ‌الحالات التي يباح فيها التيمم: هي ثلاث: فقد الماء، والمرض، والبرد

- ‌[شروط التيمم]

- ‌أركان التيمم

- ‌[سنن التيمم]

- ‌مبطلات التيمم:

- ‌حالة فاقد الطهورين:

- ‌الباب السادس: النجاسات

- ‌التعريف

- ‌أنواع النجاسات:

- ‌ما يطهر من النجاسات بالاستحالة:

- ‌التنجس بالنجاسة

- ‌تطهير ما تنجس بشيء من النجاسات:

- ‌الباب السابع: الحيض والنفاس والاستحاضة

- ‌الحيض:

- ‌[التعريف]

- ‌سن الحيض:

- ‌مدة الحيض:

- ‌مدة الطهر

- ‌النفاس:

- ‌تعريفه:

- ‌مدة النفاس:

- ‌ما يحرم بالحيض والنفاس:

- ‌الاستحاضة

- ‌تعريفها

- ‌[أحكامها]

- ‌[المستحاضات]

- ‌[الأولى: المبتدأة المميزة]

- ‌[الثانية: مبتدأة لا تمييز لها]

- ‌[الثالثة: معتادة غير مميزة]

- ‌[الرابعة: المعتادة الذاكرة المميزة]

- ‌كتاب الصلاة

- ‌الباب الأول [تعريف، حكم، شروط، وأوقات الصلاة

- ‌التعريف بالصلاة:

- ‌حكم الصلوات الخمس المكتوبة:

- ‌شروط الصلاة:

- ‌شروط وجوب الصلاة:

- ‌شروط صحة الصلاة

- ‌مواقيت الصلاة:

- ‌متى تجب الصلاة:

- ‌حالات يسن فيها تأخير الصلاة استثناء من وفضيلة أول الوقت:

- ‌دلائل دخول الوقت

- ‌قضاء الفائتة ووقته:

- ‌الأوقات التي يحرم فيها الصلاة النافلة

- ‌الباب الثاني: الأذان والإقامة

- ‌معنى الأذان، معنى الإقامة

- ‌دليلهما:

- ‌سبب مشروعيتهما وصيغة كل منهما:

- ‌حكم الأذان والإقامة:

- ‌شروط الأذان والإقامة:

- ‌شروط المؤذن:

- ‌ما يسن في الأذان والإقامة:

- ‌ما يسن قوله لسامع الأذان ولمستمعه وللمؤذن والمقيم:

- ‌ما يكره في الأذان:

- ‌الباب الثالث: صفة الصلاة

- ‌الفصل الأول: أركان الصلاة

- ‌الأول - النية:

- ‌الثاني - تكبيرة الإحرام:

- ‌الثالث - القيام:

- ‌الرابع- قراءة الفاتحة

- ‌الخامس- الركوع:

- ‌السادس- الاعتدال بعد الركوع:

- ‌السابع- السجود مرتين:

- ‌الثامن - الجلوس بين السجدتين:

- ‌التاسع - القعود بعد السجدتين الأخيرتين من كل صلاة

- ‌العاشر- التشهد في القعود الأخير:

- ‌الحادي عشر - الصلاة على النبي بعد التشهد الأخير قاعداً:

- ‌الثاني عشر - السلام:

- ‌الثالث عشر - الترتيب:

- ‌الفصل الثاني: سنن الصلاة

- ‌آ- الأبعاض:

- ‌ب- الهيئات، وهن:

- ‌الفصل الثالث: مكروهات الصلاة

- ‌الفصل الرابع: مبطلات الصلاة

- ‌الباب الرابع [سجود السهو والتلاوة والشكر]

- ‌الفصل الأول: سجود السهو

- ‌الفصل الثاني: سجود التلاوة

- ‌الفصل الثالث: سجود الشكر

- ‌الباب الخامس: الصلوات المسنونة

- ‌الفصل الأول: السنن الراتبة التابعة للفرائض: هي قسمان [مؤكدة وغير مؤكدة] :

- ‌أولاً- المؤكد:

- ‌ثانياً- غير المؤكدة:

- ‌الفصل الثاني: الصلوات المسنونة غير التابعة للفرائض، هي قسمان [ما تُسَنُّ فيه الجماعة، وما لا تُسَنّ] :

- ‌أولاً - ما تُسَنُّ فيه الجماعة:

- ‌ثانياً: ما لا تسن فيه الجماعة:

- ‌الباب السادس: صلاة الجماعة

- ‌معنى الجماعة، فضل صلاة الجماعة، حكمها:

- ‌معنى الجماعة

- ‌فضل صلاة الجماعة:

- ‌حكمها:

- ‌تحققها:

- ‌إدراك فضيلة الجماعة:

- ‌شروط صحة الجماعة:

- ‌أولا - شروط يجب توفرها في الإمام لتصح القدوة به:

- ‌ثانيا - شروط تطلب من المأموم لتصح قدوته:

- ‌حكم صلاة الجماعة في حال عدم المتابعة:

- ‌متى يدرك المأموم المسبوق الركعة مع الإمام:

- ‌مسألة الاستخلاف:

- ‌أحق الناس بالإمامة:

- ‌ما يندب في الجماعة:

- ‌ما يكره في الجماعة:

- ‌الباب السابع: صلاة الجمعة

- ‌حكمها:

- ‌شروط وجوب الجمعة:

- ‌شروط صحة الجمعة:

- ‌ما يسن عمله ليلة الجمعة ويومها:

- ‌ويسن لحاضر الجمعة:

- ‌ما يكره لحاضر الجمعة:

- ‌إدراك الجمعة:

- ‌أعذار الجمعة والجماعة:

- ‌الباب الثامن: صلاة المسافر (القصر والجمع)

- ‌الفصل الأول: قصر الصلاة

- ‌دليله:

- ‌الحكمة من القصر:

- ‌حكم القصر:

- ‌شروط جواز القصر:

- ‌شروط صحة القصر:

- ‌الفصل الثاني: جمع الصَّلاة

- ‌حكمه ودليله:

- ‌شروط جمع التقديم:

- ‌شروط جمع التأخير:

- ‌جمع التقديم في المطر:

- ‌الباب التاسع. صلاة الخوف

- ‌الحكمة من تشريعها، دليل مشروعيتها، حالات جوازها

- ‌صورها: جاءت صلاة الخوف على ستة عشر نوعاً نختار منها أربعاً:

- ‌الباب العاشر: الجنائز

- ‌ذكر الموت وعيادة المريض وخدمته:

- ‌ما يسن للمريض:

- ‌ما يسن عند الاحتضار:

- ‌ما يسن بعد الوفاة:

- ‌حق الميت على المكلفين:

- ‌تغسيل الميت:

- ‌تكفين الميت:

- ‌الصلاة على الميت:

- ‌حمل الجنازة:

- ‌اتباع الجنازة:

الفصل: ‌أولا - ما تسن فيه الجماعة:

‌أولاً - ما تُسَنُّ فيه الجماعة:

ص: 361

1-

صلاة العيدين:

تعريف: العيد مشتق من العَوْد، وهو الرجوع والمعاودة. وسمي بذلك لتكرره في كل عام.

حكمها: هي سنة مؤكدة لمواظبة الرسول صلى الله عليه وسلم عليها ويكره تركها.

ويسن حضور جماعتها للمقيم والمسافر، والحر والعبد، والخنثى والمرأة، سوى الجميلة أو ذات الهيئة، أما العجائز والنساء اللائي لا يشتهين فيحضرن بشروط ثلاثة هي: إذن الزوج، وترك الطيب، وعدم لبس ثياب الزينة والشهرة لما رواه أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(لا تمنعوا إماء الله مساجد الله، ولكن ليخرجن وهن تفلات)(أبو داود ج 1/ كتاب صلاة باب 53/565، وتفلات: غير عطرات)

وقتها: ما بين طلوع الشمس وزوالها؛ ويكفي طلوع جزء من الشمس؛ لكن يندب تأخيرها إلى أن ترتفع الشمس قدر رمح، فهي بذلك مستثناة من أفضلية فعل العبادة في أول وقتها. وفعلها قبل ارتفاع الشمس خلاف الأولى.

كيفيتها: شرعت جماعة. وتصح فرادي، والجماعة مطلوبة فيها للحاج فينس له صلاتها منفرداً لاشتغاله بأعمال الحج. ويكره تعدد جماعتها بلا حاجة.

ولا يسن لها أذان ولا إقامة، لحديث جابر رضي الله عنه" صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم العيدين غير مرة ولا مرتين، بغير أذان ولا إقامة"(مسلم ج 2/ كتاب صلاة العيدين/7) بل ينادي لها: الصلاة جامعة، قياساً على صلاة الكسوف.

وهي ركعتان لقول عمر رضي الله عنه: "صلاة الأضحى ركعتان، وصلاة الفطر ركعتان"(النسائي ج 3/ ص 183)

وصفتها المجزئة كصفة سائر الصلوات، وسننها كغيرها من الصلوات، وينوي بها صلاة العيد، وهذا أقلها.

وأكملها أن يحرم بالركعتين مع النية- ولا بد فيها من التعيين- أم يأتي بدعاء الافتتاح، ثم يكبر قبل التعوذ (ولا يفوت التكبير بالتعوذ لكن بالبدء بالقراءة) سبع تكبيرات سوى تكبيرتي الإحرام والركوع، ويجهر بالتكبير ولو كان مأموماً أو قاضياً لها، ويرفع يديه حذو منكبيه في الجميع، ويضع يمناه على يسراه تحت صدره بعد كل تكبيرة، ويسن جعل كل تكبيرة في نَفَس، ويفصل بين كل تكبيرتين بمقدار آية معتدلة، بأن يقول: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر (وهي الباقيات الصالحات، وعل صيغتها اتفق أكثر أصحاب الشافعي) ويقولها سراً، ويكره تركها، ثم يتعوذ بعد التكبيرات، ثم يقرأ الفاتحة، ثم يقرأ الفاتحة، ثم يقرأ سورة ق أو الأعلى أو الكافرون جهراً، وفي الثانية يكبر خمساً عدا تكبيرتي القيام والهوي إلى الركوع ثم يقرأ بعد الفاتحة سورة القمر إن قرأ في الأولى سورة ق (لحديث رواه أبو واقد الليثي، مسلم ج 2/كتاب صلاة العيدين باب 3/14) ، أو الغاشية إن قرأ في الأولى الأعلى (لحديث رواه النعمان بن بشير، مسلم ج 2/ كتاب الجمعة باب 16/62) أو الإخلاص إن قرأ في الأولى الكافرون. لما روي عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال نبي الله صلى الله عليه وسلم: (التكبير في الفطر سبع في الأولى وخمس في الآخرة، والقراءة بعدهما كلتيهما)(أبو داود ج 1/ كتاب الصلاة باب 251/1151)

ولو شك المصلي في عدد التكبيرات بنى على الأقل، أما المأموم فيتبع إمامه زاد أو نقص ولا يكبر المسبوق إلا ما أدرك.

على أن التكبيرات كلها ليست فرضاً ولا بعضاً، ولو نسيها وشرع في القراءة فاتت، حتى لو ذكرها وهو راكع فعاد إلى القيام ليكبرها عالماً بالتحريم، بطلت صلاته.

ثم يخطب الإمام بعدهما خطبتين لما روى ابن عمر رضي الله عنهما قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر رضي الله عنهما يصلون العيدين قبل الخطبة"(البخاري ج 1/ كتاب العيدين باب 8/920) ولما روى أبو سعيد الخدري رضي الله عنه قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يخرج يوم الفطر والأضحى إلى المصلى، فأول شيء يبدأ به الصلاة، ثم ينصرف فيقوم مقابل الناس، والناس جلوس على صفوفهم فيعظم ويوصيهم"(البخاري ج 1/ كتاب العيدين باب 6/913)

ولا بد أن تكون الخطبتان بعد الصلاة، لحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه المتقدم، فإن خطب قبل الصلاة بطلت الخطبة.

وهما كخطبتي الجمعة في الأركان لا في الشروط (انظر بحث صلاة الجمعة، الباب السابع من كتاب الصلاة) ويفتتح الأولى منها بتسع تكبيرات يسن جعلها متوالية، ويكبر قبل الثانية سبعاً ويندب للخطيب أن يجلس قبل الخطبة للاستراحة، جلسة قصيرة قدر أذان، ويستحب أن يعلمهم أحكام الفطرة في عيد الفطر وأحكام الأضحية في عيد الأضحى.

ومن دخل والإمام يخطب، فإن كان في الصحراء جلس ليستمع ما لم يخش فوات وقت العيد، وإلا صلى ركعتي العيد. وإن كانوا في المسجد صلاهما مع التحية.

ويستحب للناس استماع الخطبة، وليست الخطبة ولا استماعها شرطاً لصحة صلاة العيد، وإن كان تركها، أو التكلم فيها، أو الانصراف منها مكروهاً.

ولا خطبة لجماعة النساء، إلا أن يخطب لهن ذكر، أما لو قامت واحة منهن ووعظتهن فلا بأس.

ولا تجزئ صلاة العيد عن صلا الضحى، بل تسن صلاة الضحى سواء قبل صلاة العيد أو بعدها، لكن الأفضل أن تصلي قبل صلاة العيد تجنباً لخلاف العلماء.

سنن ليلتي العيدين ويوميهما:

(1)

إحياء ليلتي العيدين بالعبادة، لما روي عن أبي أمامة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(من قام ليلتي العيدين محتسباً لله لم يمت قلبه يوم تموت القلوب)(ابن ماجة ج 1/ كتاب الصيام باب 68/1782، وهو ضعيف لكن يعمل به في فضائل الأعمال)

(2)

الغسل، ويمتد وقته من منتصف ليلة العيد إلى آخر نهار يوم العيد، وأفضل وقت لفعله بعد طلوع الفجر. لما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:"كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغتسل يوم الفطر ويوم الأضحى"(ابن ماجة ج 1/ كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها باب 169/1315) وإسناده ضعيف لكن يعضده ما روي عن نافع " أن عبد الله بن عمر كان يغتسل يوم الفطر قبل أن يغدو إلى المصلى"(الموطأ ج 1/ كتاب العيدين باب 1/2) كما يعضده القياس على الجمعة.

(3)

التنظيف والتطيب والتزين، ولبس أحسن الثياب منها بخاصة، يستوي في ذلك القاعد على والخارج، والكبير والصغير، والمصلي وغيره.

(4)

الإفطار قبل الذهاب إلى صلاة عيد الفطر لتمييز عيد الفطر عما قبله، ويسن أن يكون الفطور تمرات، وأن يكون عددها وتراً. روي عن أنس:"كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يغدو يوم الفطر حتى يأكل تمرات، ويأكلهن وتراً"(البخاري ج 1/ كتاب العيدين باب 4/910)

ويسن الإمساك عن الفطور قبل صلاة عيد الأضحى إلى أن يرجع، ليأكل من أضحيته إذا ضحى، وهو الغالب، لذلك سن تأخير الفطور مطلقاً في الأضحى.

(5)

البكور بالخروج إلى صلاة العيد لغير الإمام. أما الإمام فيحضر مع دخول الوقت لحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج يوم الفطر والأضحى إلى المصلى فأول شيء يبدأ به الصلاة (البخاري ج 1 / كتاب العيدين باب 6/913)

(6)

الذهاب إلى الصلاة مشياً من طريق، والعودة منها من آخر، لحديث أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(إذا أقيمت الصلاة فلا تأتوها تسعون، وأتوها تمشون)(البخاري ج 1/ كتاب الجمعة باب 16/866) وهذا عام في كل صلاة تشرع فيها الجماعة ولحديث جابر رضي الله عنه قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان يوم عيد خالف الطريق"(البخاري ج 1/ كتاب العيدين باب 24/943)(7) إقامة الصلاة في المسجد لأنه أشرف وأنظف، إلا إذا ضاق فتكره فيه، وتصلى في الصحراء عندئذ.

(8)

تعجيل صلاة عيد النحر، وتأخير صلاة عيد الفطر لحديث أبي الحويرث " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إلى عمرو بن حزم وهو بنجران (عجل الأضحى وأخر الفطر)(البيهقي ج 3/ ص 282) ولأنه يسن أن يخرج صدقة الفطر قبل الصلاة، على حين أن السنة أن يضحي بعد صلاة الإمام، على أنه يسن بصورة عامة تأخير الصلاة إلى ما بعد ارتفاع الشمس.

التكبير في العيدين:

- هو سنة، ودليل مشروعيته في عيد الفطر قوله تعالى:{ولتكملوا العدة، ولتكبروا الله على ما هداكم} (البقرة: 185) ودليل مشروعيته في عيد الأضحى قوله تعالى: {واذكروا الله في أيام معدودات} (البقرة: 203) قال البخاري: قال ابن عباس: الأيام المعدودات أيام التشريق (البخاري ج 1/ كتاب العيدين باب 11)

والتكبير نوعان: مرسل ومقيد.

(1)

التكيير المرسل: هو التكبير غير المقيد بالصلاة. ووقته من غروب شمس ليلتي العيدين إلى دخول الإمام المسجد لصلاة العيد، فإن لم يصلّ مع الجماعة استمر تكبيره إلى إحرامه بصلاة العيد، فإن لم يصل استمر التكبير في حقه حتى الزوال.

ويندب هذا التكبير للذكر والأنثى، والحاضر والمسافر، والحر والعبد، إلا الحاج فإنه يلبي إلى أن يتحلل، لأن التلبية شعاره ما دام محرماً، ثم يكبر بعد تحلله، لما أخرجه البخاري في باب التكبير أيام منى، وإذا غدا إلى عرفة، قال:"وكان عمر رضي الله عنه يكبر في قبته بمنى فيسمعه أهل المسجد فيكبرون، ويكبر أهل الأسواق حتى ترتج منى تكبيراً. وكان ابن عمر يكبر بمنى تلك الأيام، وخلف الصلوات، وعلى فراشه، وفي فسطاطه (الفُسطاط: بيت من شعر) ومجلسه وممشاه تلك الأيام جميعاً، وكانت ميمونة تكبر يوم النحر، وكان النساء يكبرن خلف أبان بن عثمان، وعمر بن عبد العزيز ليالي التشريق مع الرجال في المسجد"(البخاري ج 1/ كتاب العيدين باب 12)

ويتأكد التكبير عند تغير الأحوال، كالاجتماع والذهاب والإياب والركوب.

يصح التكبير في كل الأحوال والأمكنة؛ في المنازل والأسواق والشوارع كما دل عليه حديث البخاري المتقدم.

ويندب رفع الصوت بالتكبير، إلا المرأة فتخفض صوتها في حال وجود أجانب بحيث تسمع نفسها فقط.

والتكبير أفضل ما يشتغل به العبد في هذه الأوقات، حتى إنه أولى من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ومن قراءة سورة الكهف إذا وافقت ليلة العيد ليلة الجمعة.

(2)

التكبير المقيد: هو التكبير خلف الصلوات في عيد الأضحى فقط، فرضاً كانت الصلاة أو نفلاً أداء أو قضاء، ولا يشترط أن يكون التكبير عقب الصلاة مباشرة، ولا يفوت بطول الفصل عن الصلاة.

وهذا التكبير المقيد أفضل من التكبير المرسل لأنه تابع للصلاة.

وقته: ويبدأ وقته من صبح يوم عرفة إلى غروب شمس آخر أيام التشريق، وهذا لغير الحاج. أما الحاج فيكبر من ظهر يوم النحر، بعد أن يتحلل، إلى صبح آخر أيام التشريق.

والتكبير الواقع بين غروب شمس ليلة عيد الأضحى إلى صلاة العيد هو تكبير مرسل مقيد معاً.

صيغة التكبير: الله أكبر الله أكر الله أكبر، ثلاثاً نَسَقاً (نسقاً: على نظام واحد) وما زاد من ذكر الله فحسن، من ذلك لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر، ولله الحمد" قال الشافعي في الأم:"أحب أن تكون زيادته: الله أكبر كبيراً، والحمد لله كثيراً، وسبحان الله بكرة وأصيلاً، لا إله إلا الله، ولا نعبد إلا إياه مخلصين له الدين ولو كره الكافرون، لا إله إلا الله وحده، صدق وعده ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده لا إله إلا الله" واحتجوا له بأن النبي صلى الله عليه وسلم قاله على الصفا، وقد رواه مسلم في صحيحه من رواية جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أخصر [بأخصر؟؟] من هذا اللفظ (مسلم ج 2/ كتاب الحج باب 19/147)

ويندب التكبير في غير العيدين في الأيام المعلومات (الأيام المعلومات: أيام العشر - عشر ذي الحجة - ذكره البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما ج 1/ كتاب العيدين باب 11) ذكر البخاري عن أبي هريرة وابن عمر رضي الله عنهم أنهما كانا يخرجان إلى السوق أيام العشر يكبران ويكبر الناس بتكبيرهما (البخاري ج 1/ كتاب العيدين باب 11)

ص: 362

2-

صلاة الكسوف وصلاة الخسوف:

المعنى اللغوي لكل منهما: الكسوف هو الاستتار أو التغير إلى سواد، وتوصف به الشمس حين يستتر نورها وتسود بحيلولة جرم القمر بينها والأرض؛ ولذلك يحصل الكسوف غالباً عند تمام الشهور.

والخسوف: هو المحو أو النقصان أو الذل، ويوصف به القمر حين يظلم، وهذا الوصف أليق بالقمر لأنه جرم عاتم يضيء بمقابلته للشمس، فإذا حال جرم الأرض بين القمر والشمس منع وصول نور الشمس إلى القمر فيظلم، ولذلك يحصل الخسوف غالباً في أنصاف الشهور.

حكم الصلاتين ودليلهما: هما سنة مؤكدة لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث روته عنه عائشة رضي الله عنها: (إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينخسفان لموت أحد (بعد أن قال الناس إن الشمس كَسَفت لموت إبراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا لحياته، فإذا رأيتم ذلك فادعوا الله وكبروا وصلوا

) (البخاري ج 1/ كتاب الكسوف باب 2/997) ولقوله تعالى: {لا تسجدوا للشمس ولا للقمر، واسجدوا لله الذي خلقهن إن كنتم إياه تعبدون} (فصلت: 37) وتصح فرادى لكن يسن أن تصلى جماعة، وأن ينادى لها: الصلاة جامعة، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه قال:"لما كسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم نودي: إن الصلاة جامعة"(البخاري ج 1/ كتاب الكسوف باب 3/998) ويجوز لمن صلاها وحده ثم أدركها مع الإمام أن يصليها معه ثانية كما يفعل في المكتوبة.

ويسن الاغتسال لها لأنها صلاة شرع لها الاجتماع والخطبة فسن لها الاغتسال كصلاة الجمعة

كيفيتها: صلاتا الخسوف والكسوف سواء في الكيفية.

وأقل إحداهما ركعتان عاديتان كسنة الظهر، لما ورد في حديث قَبيصة الهلالي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(فإذا رأيتم من ذلك شيئاً فصلوا كأحدث صلاة مكتوبة صليتموها)(النسائي ج 3/ ص 144)

ويجهر بهما في الخسوف ويسر في الكسوف لما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما "

فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام قياماً طويلاً نحواً من قراءة سورة البقرة" (البخاري ج 1/ كتاب الكسوف باب 9/1004) وهو يدل على أنه لم يجهر، لأنه لو جهر لسمعه، ولما قدره بغيره" عن سَمُرة رضي الله عنه قال: "صلى بنا النبي صلى الله عليه وسلم في كسوف لا نسمع له صوتاً"(الترمذي ج 2/ أبواب الصلاة باب 397/562) ووردت أحاديث في الجهر منها حديث عائشة رضي الله عنها: "جهر النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الخسوف بقراءته"(البخاري ج 1/ كتاب الكسوف باب 19/1016) فيجمع بين الأدلة بأن الإسرار في كسوف الشمس لأنها صلاة نهار، والجهر في خسوف القمر لأنها صلاة ليل.

وأقل الكمال: ركعتان، في كل ركوعان وقيامان وسجدتان، ويطيل القراءة والركوع والسجود. ودليل ذلك حديث عائشة رضي الله عنها قالت:"خسفت الشمس في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس، فقام فأطال القيام، ثم ركع فأطال الركوع، ثم قام فأطال القيام وهو دون القيام الأول، ثم ركع فأطال الركوع وهو دون الركوع الأول، ثم سجد فأطال السجود، ثم فعل في الركعة الثانية مثل ما فعل في الأولى، ثم انصرف وقد انجلت الشمس فخطب الناس فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: (إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينخسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتم ذلك فادعوا الله وكبروا وصلوا وتصدقوا) ثم قال: (يا أمة محمد والله ما من أحد أغْيَرَ من الله أن يزني عبده أو تزني أمته، يا أمة محمد والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً) "(البخاري ج 1/ كتاب الكسوف باب 2/997)

أما صورتها المثلى فتفصيلها كالتالي:

(1)

النية مع التعيين.

(2)

دعاء الافتتاح

(3)

التعوذ وقراءة الفاتحة.

(4)

التعوذ وقراءة الفاتحة.

(4)

قراءة سورة طويلة كالبقرة مثلاً في القيام الأول لحديث ابن عباس رضي الله عنهما المتقدم.

(5)

يركع ويسبح في ركوعه طويلاً قدر مائة آية من سورة البقرة.

(6)

يعتدل ويقرأ، بعد الفاتحة، طويلاً، نحو آل عمران، كما ورد في سنن أبي داود (انظر أبو داود ج 1/ كتاب الصلاة باب 263/1187)

(7)

يركع ثانية ويسبح، وأعلى الكمال أن يسبح بمقدار ثمانين آية من البقرة.

(8)

يعتدل، ثم يسجد سجدتين، ويجعل تسبيح كل سجدة طويلاً بقدر كل من الركوعين المذكورين.

(9)

في الركعة الثانية يقرأ بعد الفاتحة نحو النساء، ثم يركع فيسبح بقدر سبعين آية من سورة البقرة، ثم يعتدل ويقرأ بعد المائدة، ثم يركع ويسبح بقدر خمسين آية من سورة البقرة. ويسبح في السجودين مثل ذلك (وذكر النووي في المنهاج قريباً مما ذكرنا، فقال: الأكمل أن يقرأ في القيام الأول بعد الفاتحة البقرة، وفي الثاني كمائتي آية منها، وفي الثالث مائة وخمسين، والرابع مائة، تقريباً ويسبح في الركوع الأول قدر مائة من البقر، وفي الثاني ثمانين، وفي الثالث سبعين، والرابع خمسين، تقريباً، وذكر غير ذلك رحمه الله

ويسن أن يخطب الإمام بعد صلاة الخسوف أو الكسوف لما ورد في حديث عائشة رضي الله عنها المتقدم. ويستحب أن يخطب خطبتين هما كخطبتي الجمعة في الأركان (انظر بحث صلاة الجمعة، الباب السابع، من كتاب الصلاة) لكن لا يشترط فيهما من شروط خطبتي الجمعة إلا أن يسمع الناس، وكونهما بالعربية، وكون الخطيب ذكراً.

وفي الخطبتين يحث الناس على التوبة، وفعل الخير من صوم وصلاة وصدقة وعتق، لحديث عائشة رضي الله عنها المتقدم. ولا ما روي عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت:"لقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالعَتاقة (العَتاقة والإعتاق بمعنى واحد) في كسوف الشمس"(البخاري ج 1/ كتاب الكسوف باب 11/1006)

فواتها: تفوت صلاة الكسوف بأحد أمرين:

(1)

بانجلاء قرض الشمس جميعه يقيناً لحديث جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (فإذا رأيتم شيئاً من ذلك فصلوا حتى تنجلي)(مسلم ج 2/ كتاب الكسوف باب 3/10) فلو انجلى بعضه وبقي لم تفت، وكذا لو شك بالانجلاء (كما في حال وجود سحاب كثيف) فتصلى. ولو حصل الانجلاء أثناء الصلاة أتمها.

(2)

بغروب الشمس كاسفة، فليس له أن يشرع في الصلاة إذا حان الغروب، أما إذا كان في الصلاة وغربت الشمس وهي كاسفة فيتمها.

وتفوت صلاة خسوف القمر بانجلائه جميعه يقيناً، أو بطلوع الشمس، أما طلوع الفجر أو غروب القمر مخسوفاً فلا يُفوِّتُها.

وتسن صلاة ركعتين عند الفزع من الزلازل والصواعق ونحو ذلك من الآيات، لكن لا تسن بها الجماعة لأن هذه الآيات كانت أيام النبي صلى الله عليه وسلم ولم ينقل عنه أنه صلى منها جماعة غير الكسوف.

ص: 363

3-

صلاة الاستسقاء:

الاستسقاء لغة: طلب السقيا.

وشرعاً: سؤال الله تعالى أن يسقي عباده عند حاجتهم.

والأصل في مشروعيته ما روى البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رجلاً دخل يوم الجمعة من باب كان وُجاه المنبر ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يخطب، فاستقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم قائماً، فقال: يا رسول الله، هلكت المواشي وانقطعت السبل، فادع الله يغيثنا. قال: فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه فقال: (اللهم اسقنا) - ثلاثاً - قال أنس: ولا والله ما نرى في السماء من سحاب ولا قزعة ولا شيئاً، وما بيننا وبين سَلْع من بيت ولا دار، قال: فطلعت من ورائه سحابة مثل التُّرس، فلما توسطت السماء انتشرت ثم أمطرت، قال: والله ما رأينا الشمس ستاً، ثم دخل رجل من ذلك الباب في الجمعة المقبلة ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يخطب، فاستقبله قائماً فقال: يا رسول الله الله هلكت الأموال، وانقطعت السبل فادع الله يمسكها. قال: فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه ثم قال: (اللهم حوالينا ولا علينا، اللهم على الآكام والجبال، والآجام والظراب والأودية ومنابت الشجر) قال: فانقطعت وخرجنا نمشي في الشمس. قال شَرِيك: فسألت أنساً: أهو الرجل الأول؟ قال: لا أدري"

(البخاري ج 1/ كتاب الاستسقاء باب 5/967. والقزعة: قطعة من السحاب رقيقة، والجمع قَزَع. وسَلْع معروف بالمدينة. ومثل الترس: أي مستديرة ولم ير أنها مثله في القدر. والآكام: الهضاب. والآجام: الأجمة: الشجر الكثير الملتف، والأجُم: الحصن. والظراب: جمع ظَرِب وهو ما نتأ من الحجارة وحدّ طرفه، أو الجبل المنبسط أو الصغير.)

أنواع الاستسقاء: والاستسقاء أنواع:

أدناها: الدعاء بلا صلاة، ولا خلف صلاة، فرادى ومجتمعين، في مسجد وغيره، وأحسنه ما كان من أهل الخير.

وأوسطها: الدعاء خلف صلاة الجمعة أو غيرها من الصلوات، وفي خطبة الجمعة، ونحو ذلك.

وأفضلها: الاستسقاء بصلاة ركعتين وخطبتين وتأهب لها قبل ذلك.

وحكم صلاة الاستسقاء هذه أنها سنة مؤكدة لتكرر الأحاديث الصحيحة فيها، من ذلك ما روى عبَّاد بن تميم عن عمه قال:"أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج بالناس ليستسقي فصلى بهم ركعتين جهر بالقراءة فيهما، وحول رداءه، ورفع يديه فدعا واستسقى واستقبل القبلة"(أبو داود ج 1/ كتاب الصلاة باب 258/1161) وتجوز إعادتها أكثر من مرة حتى يسقوا.

ويكون التأهب لها بأن يخطب الإمام الناس قبل عدة أيام من الخروج للصلاة، فيعظهم ويذكرهم، ويأمرهم بالخروج من المظالم، والتوبة من المعاصي، لما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:"ما طفف قوم الميزان إلا أخذهم الله بالسنين"(البيهقي ج 3/ ص 347، والتطفيف: البخس في الميزان والمكيال. والسنين: مفردها سنة وهي القحط والجدب) وبمصالحة المتشاحنين، والصدقة والإقبال على الطاعات، لأنه أرجى للإجابة، وبصيام ثلاثة أيام (وهذا الصيام يكون واجباً إذا أمر به الإمام) قبل موعد الخروج، ثم يخرج بهم في اليوم الرابع صائمين لما روى أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثلاثة لا ترد دعوتهم: الإمام العادل، والصائم حتى يفطر، ودعوة المظلوم) (ابن ماجة ج 1/ كتاب الصيام باب 48/1752)

ويستحب لمن يخرج للاستسقاء التنظف بغسل وسواك لأنها صلاة يسن لها الاجتماع والخطبة فشرع لها الغسل والتنظف، لكن يستحب ألا يتطيب، وألا يخرج في زينة، بل يخرج في ثياب بذلة، وهي ثياب المهنة، وأن يخرج متواضعاً، خاشعاً متذللاً، متضرعاً ما شياً، ولا يركب في شيء من طريق ذهابه إلا لعذر كمرض ونحوه. روى ابن عباس رضي الله عنهما، قال:"خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم متبذلاً متواضعاً، متضرعاً"(الترمذي ج 2/ أبواب الصلاة باب 395/558)

ويستحب إخراج البهائم وإيقافها بمعزل عن الناس لعل الله تعالى يرحمها لما روى أبو هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قول: (خرج نبي من الأنبياء يستسقي، فإذا هو بنملة رافعة بعض قوائمها إلى السماء، فقال: ارجعوا فقد استجيب لكم من أجل شان النملة)(المستدرك ج 1/ ص 325)

ويكره إخراج الكفار، وكراهة خروج الصبيان منهم أخف لأن كفرهم ليس عناداً بخلاف الكبار. فإن خرجوا (أي الكفار عامة) لا يمنعون، إلا أنه يكره اختلاطهم بالمسلمين.

والسنة أن تصلى في الصحراء بلا خلاف، لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلاها في الصحراء ولأنه يحضرها غالب الناس والصبيان والحُيّض والبهائم وغيرهم، فالصحراء أوسع لهم وأرفق بهم.

ولا يؤذن للصلاة ولا يقام، بل يستحب أن يقال: الصلاة جامعة، كصلاة الكسوف، لما روى أبو هريرة رضي الله عنه قال:"خرج النبي صلى الله عليه وسلم يوماً يستسقي فصلى ركعتين بلا أذان ولا إقامة ثم خطبنا فدعا الله، وحول وجهه نحو القبلة رافعاً يديه"(البيهقي ج 3/ ص 347)

كيفية الصلاة: هي ركعتان كصلاة العيد من حيث الافتتاح والتعوذ والتكبير سبعاً زائدة في الأولى، وخمساً زائدة في الثانية، لما ورد عن طلحة قال: أرسلني مروان إلى ابن عباس أسأله عن سنة الاستسقاء، فقال:"سنة الاستسقاء سنة الصلاة في العيدين إلا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قلب رداءه فجعل يمينه على يساره، ويساره على يمينه، وصلى ركعتين وكبر في الأولى سبع تكبيرات، وقرأ سبح اسم ربك الأعلى، وقرأ في الثانية هل أتاك حديث الغاشية وكبر فيها خمس تكبيرات"(الدارقطني ج 2/ص 66) ويرفع يديه في كل مرة، ويجهر بالقراءة، والأفضل أن يقرأ في الركعتين ما يقرأ في العيد.

والسنة أن يخطب الإمام بعد الصلاة خطبتين، لما روى أبو هريرة رضي الله عنه قال: "خرج النبي صلى الله عليه وسلم يوماً يستسقي فصلى ركعتين بلا أذان ولا إقامة ثم خطبنا

" (البيهقي ج 3/ص 347) وخطبتا الاستسقاء كالخطبتين في العيدين في الأركان والسنن، لكن يستغفر الله في الخطبتين بدلاً عن التكبير، فيفتتح الأولى بالاستغفار تسع مرات، والثانية بالاستغفار سبعاً يقول: "أستغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه" ويختم كلامه بالاستغفار، ويكثر منه في الخطبة حتى يكون أكثر كلامه، كما يكثر من قوله تعالى:{استغفروا ربكم إنه كان غفاراً يرسل السماء عليكم مدراراً، ويمددكم بأموال وبنين، ويجعل لكم جنات، ويجعل لكم أنهاراً} (نوح: 10-12)

والمستحب أن يدعو في الخطبة الأولى بما شاء من الأدعية، والأفضل أن يقول:"اللهم اسقنا غيثاً مغيثاً، مريئاً (مريئاً: حميد العاقبة) مريعاً (مريعاً ذا ريع وخصب) ، مجللاً، طبقاً (طبقاً: شاملاً، عاماً) سحاً (سحاً: صباً) دائماً. اللهم اسقينا الغيث ولا تجعلنا من القانتين. اللهم إن بالعباد والبلاد من اللأواء (اللأواء: الشدة) والجَهْد والضَنْك (الضنك: الضيق) ما لا نشكو إلا إليك. اللهم أنبت لنا الزرع، وأدّر لنا الضرع، واسقنا من بركات السماء، اللهم ارفع عنا الجهد والجوع، والعري، واكشف عنا ما يكشفه غيرك، اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفاراً، فأرسل السماء علينا مدراراً".

ويستحب في الخطبة الثانية أن يستقبل القبلة ويحول رداءه فيجعل يمينه يساره، وينكسه، فيجعل أسفله أعلاه، ويفعل الناس فعله لما روى عبد الله بن زيد الأنصاري رضي الله عنه" أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج إلى المصلى يصلي، وأنه لما دعا أو أراد أن يدعو استقبل القبلة وحول رداءه"(البخاري ج 1/ كتاب الاستسقاء باب 19/982)، ويفعل ذلك- تحويل الرداء- تفاؤلاً بتغير الحال إلى الخصب والسعة) وفي رواية عند أبي داود:"وحول رداءه فجعل عطافه الأيمن على عاتقه الأيسر، وجعل عطافه الأيسر على عاتقه الأيمن"(أبو داود ج 1/ كتاب الصلاة باب 258/1163)

كما يستحب فيها أن يدعو سراً ليجمع في الدعاء بين الجهر والإسرار ليكون أبلغ. وإذا أسر دعا الناس سراً، وإذا جهر أمنوا،. ويستحب أن يبالغوا جميعاً في الدعاء، ويرفعوا أيديهم فيه قال الشافعي: وليكن من دعائهم في هذه الحال: "اللهم أنت أمرتنا بدعائك ووعدتنا إجابتك، وقد دعوناك كما أمرتنا فأجبنا كما وعدتنا، اللهم امنن علينا بمغفرة ما قارفنا، وإجابتك في سقيانا، وسعة رزقنا"

ويسن لكل من حضر أن يستشفع سراً بخالص عمله، وبأهل الصلاح، ولا سيما أقاربه عليه الصلاة والسلام.

ويسن أن يدعو عند نزول المطر بقوله: "اللهم اجعله صيِّباً، هنيئاً (ابن ماجة ج 2/ كتاب الدعاء باب 21/3890، والصيب هو ما سال من المطر) وسَيْباً نافعاً (ابن ماجة ج 2/ كتاب الدعاء باب 21/3889، وسَيْباً أي مطراً جارياً على وجه الأرض من كثرته) مطرنا بفضل الله (البخاري ج 1/ كتاب الاستسقاء باب 27/991) وله أن يدعو بما شاء.

ويقول عند التضرر بكثرة المطر: "اللهم حوالينا ولا علينا" لما ورد في حديث أنس رضي الله عنه المتقدم.

ص: 364

4-

صلاة التراويح:

وهي عشرون ركعة بعشر تسليمات، في كل ليلة من رمضان، وينوي بكل ركعتين التراويح أو قيام رمضان. كما يدعو بدعاء التوجه في ركعتين. وإذا صلى أربعاً بتسليمة واحدة لم تصح.

ووقتها من صلاة العشاء إلى طلوع الفجر الصادق، مثل الوتر. ويندب تقديمها على الوتر وتسن قراءة جزء من القرآن فيها كل يوم، كما تسن الجماعة فيها وفي الوتر بعدها.

والدليل عليها وعلى سنية صلاتها جماعة ما روي عن عائشة رضي الله عنها: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج ليلة من جوف اللي - في رمضان - فصلى في المسجد وصلى رجال بصلاته، فأصبح الناس فتحدثوا فاجتمع أكثر منهم فصلوا معه، فأصبح الناس فتحدثوا، فكثر أهل المسجد من الليلة الثالثة، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى، فصلوا بصلاته، فلما كانت الليلة الرابعة عجز المسجد عن أهله حتى خرج صلى الله عليه وسلم لصلاة الصبح، فلما قضى الفجر أقبل على الناس فتشهد ثم قال: (أما بعد، لم يخف علي مكانكم، ولكني خشيت أن تُفْرض عليكم فتعجزا عنها) فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم والأمر على ذلك"(البخاري ج 2/ كتاب صلاة التراويح باب 1/1908) وبقي الأمر على ما هو عليه في خلافة أبي بكر وصدراً من خلافه عمر رضي الله عنهما، ثم جمع عمر رضي الله عنه الرجال لصلاتها وجعل أبي بن كعب رضي الله عنه إماماً عليهم (انظر البخاري ج 2/ كتاب صلاة التراويح باب 1/1906) وجمع النساء كذلك وجعل سليمان بن أبي حثمة إماماً لهن. وقال عثمان رضي الله عنه في خلافته:"نوّر الله قبر عمر كما نور مساجدنا"، مشيراً إلى فعله هذا.

والدليل على أنها عشرون ما روي عن السائب بن يزيد الصحابي رضي الله عنه قال: "كانوا يقومون على عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، في شهر رمضان، بعشرين ركعة، قال: وكانوا يقرؤون بالمئين، وكانوا يتوكؤون على عصيهم في عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه من شدة القيام"(البيهقي ج 2/ ص 496. والمئون: سور القرآن التي تزيد آياتها على مائة أو تقاربها)

ص: 365