الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثانيًا: إن الله حرم الربا في النقدين؛ لأنهما وضعا أساسا ليكونا ميزانا لتقديم قيم الأشياء التي ينتفع بها بالناس في معايشهم، فإذا تحول هذا، وصار النقد مقصودًا بالاستغلال، فإن هذا يؤدي إلى انتزاع الثورة من أيد أكثر الناس، وحصرها في أيدي الذين يجعلون أعمالهم قاصرة على استغلال المال بالمال، فينمو المال ويربوا عندهم في المصارف، والبنوك، ويبخس العاملون قيم أعمالهم؛ لأن الربح يكون معظمه من المال نفسه، وبذلك يهلك الفقراء.
ثالثا: أنه لا يصح أن يكون الإنسان ماديا بحتا ليس فيه عاطفة خير لأخيه، فيستغل فرصة احتياجه، ويوقعه في شرك الربا، فيقضي على ما بقي فيه من حياة من أن الله تعالى قد أوصى الأغنياء بالفقراء، وجعل لهم حقًّا معلومًا في أموالهم، وشرع القرض لإغاثة الملهوفين، وإغاثة المضطرين حتى لا يكون الناس في تعاملهم كالذئاب لا يعرفون الرحمة، والتعاون عند الشدائد والأزمات، لهذا وغيره حرم الله الربا.
الأشاء التي يكون فيها الربا محرمًا
…
المبحث الأول: الأشياء التي يكون الربا فيها محرما:
وهي الذهب والفضة والبر، والشعير والتمر والملح، وذلك لما روى عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:"الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر والشعير بالشعير، والتمر بالتمر والملح بالملح مثلا بمثل سواء بسواء يدا بيد، فإذا اختلفت هذه الأصناف، فبيعوا كيف شيئتم إذا كان يدا بيد"1.
1 الحديث عزاه المصنف للشافعي بسنده، عن طريق مسلم بن يسار، وغيره عنه وزاد مسلم:"فمن زاد أو استزاد، فقد أربى الآخذ والمعطي سواء". "التلخيص ج3 ص7".
فأما الذهب والفضة، فإنه يحرم فيهما الربا لعلة واحدة، وهي أنهما من جنس الأثمان، فيحرم الربا فيهما، ولا يحرم فيما سواهما من الأموال كالحديد والنحاس والرصاص، والفلوس إذا راجت رواج النقود، ولا ربا كذلك في المواد التجارية كلها من قطن، وكتان وصوف وغزل وغيرها، فيجوز بيع بعضها ببعض متفاضلا، ومؤجلا ولا خلاف في شيء من ذلك إلا وجها حكاه المتولى والرافعي، ولا فرق في النقدين أن يكون مضروبا أو غير مضروب، فلا يصح أن يشتري جنيهين بثلاثة لأجل، أو مقابضة كما لا يصح أن يشتري قطعة مصنوعة من الذهب، زنتها عشرة مثاقيل بقطعة زنتها ثلاثة عشر؛ لأن مبادلة الجنس بمثله يشترط فيه ثلاثة شروط: التماثل والحلول، والتقابض قبل التفرق، فإن اختلفت الأجناس جاء التفاضل، واشترط الحلول والتقابض، وأما الأعيان الأربعة الباقية ففيها قولان: قال في الجديد: العلة فيها أنها مطعومة. والطعام اسم لكل ما يطعم، فعلى هذا يحرم الربا في كل ما يطعم، وهو يشمل ثلاثة أمور:
أحدهما: أن يكون للقوت كالبر والشعير والمقصود منهما التقوت، والحق بهما ما يشاركهما في ذلك كالأرز والذرة، وغير ذلك مما جرت عادة الناس بتحصيلة لأكل الآدميين بشراء أو زراعة، أو إدخار أو غير ذلك، واختلف في الماء العذب، فقيل: إنه يلحق بالقوت؛ لأنه ضروري للبدن، وقد أطلق الله عليه أنه طعام قال تعالى:{وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي} 1، وقيل: إنه مصلح للبدن، فهو ملحق بالتداوي.
والثاني: التفكه والتأدم، والتفكه هي الفاكهة، والحلاوات، والتأدم
1 من الآية "249" من سورة البقرة.
الغموس فالحق بهما كل ما في معناهما كالتين، والزيت وغيرهما.
والثالث: أن يكون لإصلاح الطعام أو لإصلاح البدن، وقد نص الحديث على الملح، فيلحق به كل ما في معناه مما يصلح الغذاء، أو يصلح البدن فإن الغذاء يحفظ الصحة، والأدوية ترد الصحة، فلا ربا فيما يختص به الجن كالعظم، أو البهائم كالتين والحشيش والنووي، أو غلب تناولها له، وإن قصده الآدميون كما قال الماوردي، وجرى عليه الشارح، وخالف في ذلك بعض المتأخرين، أما إن كانا على حد سواء، فالأصح ثبوت الربا فيه، ولا ربا في الحيوان مطلقا سواء أجاز بلعه كصغار السمك أم لا؛ لأنه لا يعد للأكل على هيئته، والدليل على أن الحيوان لا يدخله الربا أن عبد الله بن عمرو بن العاص، قال: أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن أجهز جيشا، فنفدت الإبل فأمرني أن آخذ على قلاص1 الصدقة، فكنت آخذ البعير بالبعيرين"، وباع ابن عباس رضي الله عنه بعيرا بأربعة أبعرة، ولا ربا في الجلود التي لم تؤكل غالبا؛ لأنها لم تخلق لذلك.
وقال في القديم: العلة فيها أنها مطعومة مكيلة، أو مطعومة موزونة، فعلى هذا لا يحرم الربا فيما لا يكال، ولا يوزن من الأطعمة كالرومان، والسفر جل والقثاء والبطيخ، وما أشبهها.
1 القلوص من النوق، الشابة وجمعها قلص وقلائص "المصباح المنير ج3 ص620".