الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مقدمة الكتاب:
مدخل لدراسة الفقه على مذهب الإمام الشافعي:
كثيرا ما يقع خلاف بين الأئمة فقهاء المذهب بل وفقهاء المذهب الواحد، إذ تختلف آراؤهم في المسألة الواحد تبعا لقوة الدليل الذي يؤيد هذا الرأي، أو ذاك.. وهذا أمر واضح يدركه كل من يتصدى لدراسة الفقه، أو يحاول أن يعالج بعض قضاياه من ينابيعها الأولى، ولهذا الاختلاف أسباب كثيرة من أبرزها، وأهمها تفاوت الفقهاء في فهم النصوص التي تستنبط منها الأحكام، أو أن بعضهم كان يفتي بحكم، ولا يعلم النص الذي يعارض ما ذهب إليه في حين أن غيره قد أخذ بهذا النص -وأفتى بمقتضاه، ومن هنا جاء الاختلاف.
ولذلك رأينا بعض الأئمة المجتهدين كالإمام الشافعي، حين قدم من العراق إلى مصر قد رجع عن كثير من آرائه التي دونها في العراق، وما ذلك إلا؛ لأنه قد ظهر له من الأدلة: ما كان خافيا عليه.
وإذا كان الخلاف يطول، ويترد في معظم مسائل الفقه وفروعه، فلا بد لدراس الفقه "في المذاهب عامة، وفي دراسة مذهبه بصفة خاصة" أن يعرف أوجه الخلاف ومراتبها، واتجاهاتها وذلك بفهم المصطلحات الفقهية، فإن معرفتها أمر له وجاهته، وأهميته في معرفة توجيه الخلاف، ونسبة الآراء إلى أصحابها، وبذلك تتضح السبل، وتتحدد المعالم، ويسير الدارس في دراسته على بصيرة من أمره، فلا يجهد ولا يتعب ولا يضل، ولا يشقى، والإمام النووي في كتابه المنهاج، وهو يحكي الخلاف في المذهب يعبر عنها تارة بالأظهر أو المشهور، وتارة أخرى بالأصح أو الصحيح، وطورا بالمذهب أو النص، وأزيد المسألة وضوحا فأقول:
إن الخلاف في المذهب إما أن يكون في الأقوال، أو الأوجه، أو الطريق وهو إما أن يكون قويا أو ضعيفا، وقوة الخلاف تتبع قوة الدليل، وضعف الخلاف ناتج عن ضعف الدليل أيضًا.
فالأقوال للإمام الشافعي والأوجه والطرق للأصحاب، وهم تلاميذ الإمام الذين أخذوا عنه قواعد المذهب، وتعمقوا في فهمه، وأصبحت لهم اجتهادات، يتفقون فيها مع إمامهم، وقد يختلفون.
فإن كان الخلاف في الأقوال قويا عبر عنه بالأظهر، وهنا يوحي بأن
المسألة فيها رأيان: أظهر وظاهر، والأظهر أقوى من الظاهر، فإن ضعف الخلاف عبر عنه بالمشهور، ويقابله رأي غريب لغرابة الدليل الذي يؤيده.
وأما الأوجه: فهي مسائل استنبطها الأصحاب من كلام الإمام أي أنها أقوال مخرجة للأصحاب، فهي أشبه بمسائل قياسية، وأما الطرق: فهي عبارة عن اختلاف الأصحاب في نقل آراء المذهب التي خلفها المتقدمون، وذلك بأن يحكي أحدهم في المسألة: قولين أو وجهين، أو أكثر فيقطع أخر بواحد، فالاختلاف في الطرق إنما هو في حكاية الآراء.
فإن كان الخلاف في الأوجه عبر عنه بالأصح أو الصحيح، والأصح أقوى من الصحيح، وإن كان طرقا عبر عنه بالمذهب، ومعناه الرأي الراجح في الأوجه، أو الأقوال المحكية عن الخلاف.
وقد اختار المصنف التعبير بالأظهر، أو المشهور في جانب الإمام دون الأصح، أو الصحيح تأدبا مع الإمام، وذلك؛ لأن التعبير بالأصح أو الصحيح مشعر بفساد ما يقابله، وليس من الأدب أن توصف أقوال الإمام بالفساد، فالمسألة: مجرد إصلاح لا فرق بينهما من حيث المعنى.
وأما النص فهو نص الشافعي، والمراد به الرأي الراجح عنده، ويقابله وجه ضعيف أو قول مخرج من نص له نظير المسألة لا يعمل به، وإذا قال: وقيل كذا فهو وجه ضعيف والأصح أو الصحيح خلافه، وإن قال: وفي قول كذا فالراجح خلافه، وإذا أطلق لفظ الإمام فالمراد به الإمام النووي، وإذا قال: في الجديد فالقديم بخلافه، أو قال في القديم فالجديد بخلافه، والمذهب المعمول به إلا أن ينص في مسألة: فيعمل بها في المذهب القديم، وذلك كامتداد مغيب الشفق الأحمر.
والمشور من رواة المذهب القديم أربعة: الكرابيس، والزعفراني، وأبو ثور، وأحمد بن حنبل، رضي الله عنهم.
والمشهور منهم بمصر: المزني، والبويطي، والربيع المرادي، والربيع الجيزي.