الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حكم بيع العجوة:
وإذا كنا قد عرفنا فيما سبق أنه يشترط عدم نزع نوى التمر منه حتى لا يتسارع إليه الفساد، فهل العجوة ينطبق عليها مثل هذا الشرط، فلا يجوز بيع بعضها ببعض، أو أن بيعها جائز؛ لأنها تدخر عادة، ولا يسرع إليها الفساد؟
في هذه المسألة نظر، والذي نرجحه أنه لا يجوز بيع بعضها ببعض؛ لأن نزع النوى من شأنه أن يعرضها للفساد، وأيضا فإن العجوة لا تخرج عن أن تكون أما رطبا نزع نواه أو تمرا، فإن كانت تمرا، فعدم الصحة مستفاد من أنها تمر منزوع النوى، وإن كانت رطبا فعد الصحة مستفاد من قولهم: لا يباع رطب برطب ولا جاف، وإذا كان التمر المنزوع النوى لا يصلح للإدخار؛ لأنه يفسد، ومن ثم فلا يجوز بيعه، فلو فرض أن الله تعالى خلق تمرا، أو زبيبا لا نوى له، فإنه يصح بيعه بمثله لكماله، وصلاحيته للادخار.
المبحث الرابع: بيع اللحم بجنسه، وما يتعلق به:
ومن الأموال التي يدخلها الربا، اللحم، وهو أجناس مختلفة في الأظهر، وقيل: هو جنس لا شتراكها في الاسم الذي لا يقع التمييز بعده إلا بالإضافة، فعلى أنه أجناس فإن البقر والجاموس جنس، والضأن والمعز جنس، والإبل جنس. وثمرة هذا الخلاف تظهر، فإنه يصح بيع لحم البقر بلحم الضأن متفاضلا إذا جرينا على أنه أجناس مختلفة، وعلى القول بأنه جنس، فلا يصح بيع شيء من اللحم ببعضه إلا مثلا بمثل يدا بيد، ويستوي في ذلك الوحشي والأهلي، والبري والبحري على الأصح في الروضة، وتعتبر مماثلة اللحم وقت جفافه إذا طاب، ونضج وصار مقددا.
ولا يصح بيع اللحم بحيوان حي في الأظهر؛ لأنه صلى الله عليه وسلم: "نهى عن بيع اللحم بالحيوان"1. وروى ابن عباس رضي الله عنه أن جزورا نحرت على عهد أبي بكر رضي الله عنه، فجاء رجل بعناق، فقال: أعطوني بها لحما فقال أبو بكر: لا يصلح هذا. وسبب المنبع أنه جنس فيه الربا بيع بأصله الذي فيه مثله، فلم يجز كبيع الشيرج بالسمسم.
وهل يدخل لحم السمك في ذلك، فيه وجهان: قال أبو إسحاق يدخل فيها، فلا يجوز بيعه بلحم شيء من الحيوان متفاضلا؛ لأن اسم اللحم يقع عليه، والدليل عليه قوله تعالى:{وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا} 2، ومن أصحابنا من قال: لا يدخل فيه لحم السمك وهو المذهب؛ لأنه لا يدخل في إطلاق اسم اللحم، ولهذا لو حلف لا يأكل اللحم لم يحنث بأكل لحم السمك.
وأما الطيور فالعصافير على اختلاف أنواعها جنس، والبطوط جنس، وكذا أنواع الحمام على الأصح، وبعض الطيور أجناس، والكبد والطحال، والقلب والكرش والرئة، والمخ أجناس وإن كانت من حيوان واحد لاختلاف أسمائها وصفاتها، وشحم الظهر والبطن واللسان، والرأس والأكارع أجناس، وأما حيوانات البحر فما كان منها على هيئة السمك المعروف كالحوت، واللبيس والمرجان، والبلطي والبوري، ونحو ذلك فقيل: كلها جنس واحد، وقيل: أجناس مختلفة، وأما بقية دوابة فإنها أجناس مختلفة باتفاق، على أن الجنس الواحد يختلف باختلاف كونه وحشيا أو أهليا، فبقر الوحش جنس يغاير البقر الأهلي، والمتولد من الجنسيين جنس ثالث3.
1 الحديث رواه مالك في الموطأ عن سعيد بن المسيب، وأخرجه الشافعي مرسلا، ووصله الدارقطني في الغريب، عن مالك عن الزهري، عن سهل بن سعد، وحكم بضعفه قال الشوكاني: ولا يخفى أن الحديث لا ينتهض للاحتجاج بمجموع طرقه "نيل الأوطار ج5 ص229، 230".
2 من الآية "12" من سورة فاطر.
3 راجع الفقه على المذاهب الأربعة "ج2 ص348".