المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌في البيع ‌ ‌مدخل … الفصل الأول: في البيع. تعريفه: البيع لغة: نقل الملك في العين - فقه المعاملات

[عبد العزيز محمد عزام]

الفصل: ‌ ‌في البيع ‌ ‌مدخل … الفصل الأول: في البيع. تعريفه: البيع لغة: نقل الملك في العين

‌في البيع

‌مدخل

الفصل الأول: في البيع.

تعريفه:

البيع لغة: نقل الملك في العين بعقد المعاوضة، يقال: باع الشيء إذا أخرجه من ملكه، وباعه إذا اشتراه وأدخله في ملكه، وهو من أسماء الأضداد التي تطلق على الشيء، ونقيضه كالقرء، فإنه يطلق على الحيض وعلى الطهر، وكذا شرى إذا أخذ وشرى إذا باع. قال الله تعالى:{وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ} أي باعوه، وذلك؛ لأن كل واحد من المتبايعين يأخذ عوضا، ويعطي عوضا، فهو بائع لما أعطى ومشتر لما أخذ، فصلح الأسمان لهما جميعا1، قال ابن قتيبة وغيره: يقال: بعت الشيء بمعنى بعته وشريته، والشيء مبيع ومبيوع مثل مخيط ومخيوط. ويقال للبائع والمشتري بيعان -بتشديد الياء، وأباع الشيء عرضه للبيع والابتياع: الاشتراء2.

وأما معناه شرعا، فيعرف بتعريفات متعددة، من أحسنها ما ذكره الشيخ قليوبي في حاشيته بأنه عقد معاوضة مالية تفيد ملك عين، أو منفعة على التأبيد لا على وجه القربة، فخرج بالمعاوضة الهبة، ونحوها إذ لا معاوضة فيها، وبالمالية، عقد النكاح؛ لأنه وإن كان فيه معاوضة إلا أنها ليس معاوضة مالية، وإنما هي حل استمتاع كل من الزوجين بالآخر، وخرج بملك العين،

1 لكن لغة قريش استعمال باع إذا أخرج البيع عن ملكه، واشترى إذا أدخله فيه، وهو الجاري استعماله الآن، راجع البهجة في شرح التحفة لأبي الحسن علي بن عبد السلام التسولي "ج2 ص2"

2 راجع المختار من صحاح اللغة لمحمد محيي الدين بن عبد الحميد - محمد عبد اللطيف السبكي.

ص: 8

ومنفعته على التأبيد الإجارة؛ لأن الملك في الإجارة ينصب على المنفعة دون العين، فالمستأجر لعين من الأعيان كالسيارة، أو المنزل مثلا لا يملك تملك عينها، وإنما الانتفاع بالعين في مقابلة دفع الأجرة، كما أن المنفعة في الإجارة مؤقتة؛ لأن من شروطها التأقيت، والمراد بالمنفعة المؤبدة في التعريف: بيع حق الممر للماء إذا كان الماء لا يصل إلى محله إلا بواسطة ملك غيره1، وخرج بقوله: لا على وجه القربة: الوقف. فإنه تمليك منفعة مباحة على التأبيد للموقوف عليه، ولكن على وجه القربة.

وقد يعرف البيع بأنه تمليك عين مالية، أو منفعة على التأبيد بثمن مالي، وهذا التعريف للبيع الذي هو قسيم الشراء، وقسيم الشيء ما كان مباينا له، واندرج معه تحت أصل كلي، فيكون العقد مكونا من شقين أحدهما البيع الذي يسمى من يأتي به بائعا، ويعرف بأنه تمليك بعوض على وجه مخصوص، ويقابله الشراء الذي هو الشق الآخر الذي يسمى من يأتي به مشتريا، ويعرف بأنه تملك بعوض كذلك، والتعبير بالتمليك والتملك بالنظر للمعنى الشرعي، فإن الربا لا يقبل التمليك والتملك؛ لأنه محظور التعامل فيه شرعا، والتمليك دخول الملك في يد المشتري، وهو لا يحصل بمجرد الإيجاب من البائع بل بقبول المشتري، فلعل المراد بالتمليك ما يحصل به النقل من جانب البائع، وأما قول بعضهم البيع مقابلة مال بمال على وجه مخصوص، ففيه مسامحة تجعل البيع هو المقابلة إذ العقد ليس هو المقابلة، لكنه مستلزمها إلا أن يقال: عقد ذو مقابلة أي يستلزم المقابلة.

ولذلك عبر بعضهم عنه بقوله، وشرعا عقد يتضمن مقابلة مال بمال على وجه مخصوص.

1 راجع حاشية المدابغي على الإقناع "ج2 ص2".

ص: 9

وقد يجاب عن هذا الاعتاراض بأنه عقد ذو مقابلة، فهو على حذف مضاف.

وقد يطلق العقد على الانعقاد، أو الملك الناشيء عن العقد، كما في قوله فسخت البيع: إذا العقد الواقع لا يمكن فسخه، وإنما المراد فسخ ما ترتب عليه، ويستفاد من كلام الشارح أن للبيع إطلاقات ثلاثة، فهو يطلق على التمليك ويطلق على العقد، وعلى مطلق مقابلة شيء بشيء، وأخيرًا يطلق على الشراء الذي هو التملك.

دليل المشروعية:

وقد شرع البيع بالكتاب والسنة، وإجماع الأمة.

أما من الكتاب والسنة، فقوله تعالى:{أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا} 1، فالربا حرام، والبيع حلال وليس كل بيع حلال، كما يتوهم من عموم هذه الآية.

فإن الألف واللام فيها للجنس لا للعهد، إذ لم يتقدم بيع مذكور يرجع إليه، وإذا ثبت أن البيع عام، فهو مخصوص بما ذكرناه من الربا، وغير ذلك مما نهى عنه ومنع العقد عليه، كالخمر والميتة وغير ذلك مما هو ثابت في السنة، وإجماع الأمة النهي عنه2.

وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} 3، فقد حرم الله أكل أموال الناس بالباطل أي بغير

1 سورة البقرة آية: "275".

2 راجع الجامع لأحكام القرآن للقرطبي "ج3 ص356".

3 سورة النساء آية: "29".

ص: 10

عوض، ولا هبة فذلك باطل بإجماع الأمة، ويدخل ضمن ذلك سائر العقود الفاسدة التي لا تجوز شرعا من ربا أو جهالة، أو تقدير عوض فاسد كالخمر والخنزير، وغير ذلك فإن كانت الأموال أموال تجارة فذلك جائز، فالاستثناء في الآية منقطع؛ لأن أموال التجارة ليست من جنس الباطل، وقيل: الاستثناء بمعنى لكن أي ولكن كلوا بالتجارة، والتجارة هي البيع والشراء.

وأما السنة، فقد روى عنه صلى الله عليه وسلم قوله:"إنما البيع عن تراض" وخبر سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي أنواع الكسب أطيب. قال: "عمل الرجل بيده، وكل بيع مبرور". والمبيع المبرور، هو الذي لا غش فيه ولا خيانة، والغش تدليس يرجع إلى ذات المبيع، والتدليس كتمان عيب السلعة عن المشتري. أما الخيانة: فأعم من ذلك؛ لأنها تدليس في ذات المبيع، أو في صفته، أو في أمر خارج، كأن يصفه بصفات غير صحيحة، أو يذكر له ثمنا كاذبًا1.

ص: 11