الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نَتِيجَةُ البَحْثِ
لقد أرادت بعض تقارير الصحافة أن تترجم الأزمة التي اجتازها العالم أخيراً إلى لغة أرقام السوق المالية، فقدرت نتائجها بكميات البترول التي فقدتها صناعة أوروبا إبان حملة بورسعيد، وبملايين الدولارات التي ألقيت في تلك اللحظة. ومع ذلك فإن التقدير يتجاوز هذه الاعتبارات الاقتصادية، فالعدوان الثلاثي بنتائجه الأخلاقية والسياسية قد خلق في الواقع ملابسات دولية جديدة، فلقد بطل تأثير القوة التي أعلنت العدوان بالتأثير المضاد الذي أوقفه حين أبرز خطر نشوب حرب ذرية، وبهذا أدرك العالم في وقت قصير نسبياً وأمام تحدي هذه القوة أن السلام وحدة لا تنقسم، وأنه لهذا لا يمكن انتهاكه.
ولقد سجلت ليلة (6 نوفمبر 1956م) فعلاً بالنسبة إلى الإنسانية ساعة الصفر في عهد جديد، إذ كانت هذه الليلة- حسب تعبير نيتشه- هي (نقطة الانقلاب) في مجرى التاريخ، وكانت الحكومات العربية آنذاك في لحظة حاسمة، إذ عرفت كيف تتحاشى الكارثة حين تجنبت اتخاذ قرارات كان من شأنها أن تضغط على الزناد، وبرهنت الحكومة المصرية خاصة على ما تتمتع به من (دم بارد) وحكمة أمام مشكلة (المتطوعين) متحاشية في هذا الباب اتخاذ قرار قد يحدث تيار انفصال في عالم مشحون فوق طاقته.
وهكذا رأينا في بعض الملابسات الخاصة المؤسفة، الفاعلية الأخلاقية للرجل الأفرسيوي، وتأثيره المعدل للتوجيه السلمي في العالم الذي وجد نفسه فجأة على (حافة الهاوية). فبرهن الأفرسيوي في هذه الظروف على أن سلطته الأخلاقية يمكن أن تمارس تأثيرها على محور القوة في اتجاه المصلحة العليا للإنسانية.
ولكن هذه القوة قد تتيح له ما أطلق عليه غاندي (الغزو السلمي للغرب) ستزداد بازدياد الفاعلية الاجتماعية لهذا الرجل فهو حين يحل المشكلات العضوية التي يواجهه بها بقاؤه سيقوم بدور مهم جداً في المشكلات التي تواجهه بها القوة في العالم.
وإلى هذا الدور المزدوج أشار وزير خارجية اليابان مستر مامورو شيجميتسو ( Mamoru Shigemitsu) عندما أعلن في جلسة استقبال بلاده في هيئة الأمم المتحدة أن ((اليابان وهي مزيج من الحضارات الشرقية والغربية ستحاول جهدها أن تكون معبراً بين الشرق والغرب
…
)).
هذا المزيج هو في الواقع شرط التكوين الذي يجب أن يصوغ رجل العهد العالمي. فالرجل الأفرسيوي يجب أن يغزو ميدان (المواطنة العالمية) في عالم كان يعيش فيه منبوذاً تحت ضغط الاستعمار والقابلية للاستعمار، ولكن في مقابل هذا التوقع لا يصح أن نترك أوروبا تنطوي على محورها أو تنسحب من العالم لتراوغ الإنسانية التي لم تعد تسيطر عليها. بل يجب أن نبين لها أن أمنها لا يصدر عن القوة، وإنما يصدر عن تطور وعيها ليتسع لوجود الآخرين، وتطور عبقريتها مع الاتجاهات الراهنة ومع المصلحة العليا للإنسانية، ولن تستطع الإنسانية دخولاً في العهد العالمي مع ما يثقل كاهلها من مركبات نقص موروثة عن الاستعمار والقابلية للاستعمار. وإن مما يلزم حكام العالم اليوم هو أن يرحموا أنفسهم، ويرحموا كل ما هو إنساني، وذلك بأن يعلموا أن وراء أي انحلال بالغ أملاً لبعث جديد، وتحت أي ستار للقوة ينطوي ضعف كبير يلخص ضعف الإنسانية كلها.
ومهمة الحكم تتطلب كلما تقدم الزمان أسمى الصفات الأخلاقية، فإن من يريد أن يحكم اليوم يجب أن تكون لديه- أكثر من أي وقت مضى- روح الداعية إلى الخير، وحنان الأب الرحيم ....
***
مؤلفات مالك بن نبي
الصادرة عن دار الفكر في دمشق
• بين الرشاد والتيه
• تأملات
• دور المسلم ورسالته
• شروط النهضة
• الصراع الفكري في البلاد المستعمرة
• الظاهرة القرآنية
• فكرة الإفريقية الآسيوية
…
• فكرة كمنويلث إسلامي
• في مهب المعركة
• القضايا الكبرى
• مذكرات شاهد للقرن
• المسلم في عالم الاقتصاد
• مشكلة الأفكار في العالم الإسلامي
• مشكلة الثقافة
• من أجل التغيير
• ميلاد مجتمع
• وجهة العالم الإسلامي