المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الثاني: كتابة التقرير الصحفي - فن الكتابة الصحفية

[فاروق أبو زيد]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة:

- ‌الفصل الأول: فن الحديث الصحفي

- ‌المبحث الأول: تعريف الحديث الصحفي

- ‌المبحث الثاني: الإعداد للحديث الصحفي

- ‌المبحث الثالث: إجراء الحديث الصحفي

- ‌ تحديد موعد اللقاء:

- ‌ إدارة الْحِوَار:

- ‌ تسجيل الحوار:

- ‌المبحث الرابع: كتابة الحديث الصحفي

- ‌المبحث الخامس: الحديث التليفوني

- ‌المبحث السادس: المؤتمر الصحفي

- ‌الفصل الثاني: فن التحقيق الصحفي

- ‌المبحث الأول: تعريف التحقيق الصحفي

- ‌المبحث الثاني: إعداد التحقيق الصحفي

- ‌أولًا: اختيار فكرة التحقيق

- ‌ثانيًا: جَمْعُ المادة الأولية للتحقيق

- ‌ثالثا: تنفيذ التحقبق الصحفي

- ‌المبحث الثالث: كتابة التحقيق الصحفي

- ‌أولا: قالب الهرم المعتدل المبني على العرض الموضوعي

- ‌ثانيًا: قالب الهرم المعتدل المبني على الوصف التفصيلي

- ‌ثالثًا: قالب الهرم المعتدل المبني على السرد القصصي

- ‌الفصل الثالث: فن التقرير الصحفي

- ‌المبحث الأول: تعريف التقرير الصحفي

- ‌أولا: الفرق بين الخبر الصحفي والتقرير الصحفي

- ‌ثانيًا: الفرق بين التقرير الصحفي والتحقيق الصحفي

- ‌المبحث الثاني: كتابة التقرير الصحفي

- ‌المبحث الثالث: التقرير الإخباري

- ‌المبحث الرابع: التقرير الحي

- ‌المبحث الخامس: تقرير عرض الشخصيات

- ‌الفصل الرابع: فن المقال الصحفي

- ‌المبحث الأول: تعريف المقال الصحفي

- ‌المبحث الثاني: فن المقال الافتتاحي

- ‌المبحث الثالث: فن العمود الصحفي

- ‌المبحث الرابع: فن المقال النقدي

- ‌المبحث الخامس: فن المقال التحليلي

- ‌الفصل الخامس: الحملة الصحفية

- ‌المبحث الأول: تعريف الحملة الصحفية

- ‌المبحث الثاني: التغطية الصحفية للحملة

- ‌المبحث الثالث: نموذج تطبيقي للحملة الصحفية

- ‌المصادر والمراجع:

- ‌محتويات الكتاب:

الفصل: ‌المبحث الثاني: كتابة التقرير الصحفي

‌المبحث الثاني: كتابة التقرير الصحفي

تختلف طرق كتابة التقرير الصحفي عن طرق كتابة الخبر الصحفي. فإذا كان الخبر الصحفي يكتب بطريقة الهرم المقلوب

أي: أن توضع في المقدمة أهم الحقائق والأحداث أو المعلومات

ثم يوضع في جسم الخبر المعلومات أو الأحداث أو الحقائق الأقل أهمية1

إلا أن التقرير الصحفي يكتب بطريقة معاكسة للخبر الصحفي

أي: يكتب بطريقة الهرم المعتدل

أي: تضم مقدمة التقرير الصحفي مدخل أو مطلع يمهد لموضوع التقرير بأن يتناول زاوية معينة من زوايا الموضوع يختارها الكاتب بعناية

وهذا المدخل أو التمهيد لا يضم خلاصة الموضوع أو أهم حقائقه؛ وإنما يضم فقط مطلع أو مدخل منطقي يتوسل به الكاتب إلى شرح موضوع التقرير؛ بحيث يضم جسم التقرير التفاصيل والشواهد والصور الحية للموضوع؛ ليصل بنا الكاتب في النهاية إلى خاتمة التقرير الصحفي، وهي التي يكشف فيها عن نتائج أو خلاصة ما توصل إليه، أو يقدم لنا أهم نتيجة أو حقيقة وصل إليها في موضوع التقرير.

وهذا التسلسل المنطقي في بناء التقرير الصحفي يجعله يختلف عن بناء الخبر الصحفي في جانبين هامين:

الأول: أنه في حين يحتوي الخبر الصحفي على جزأين فقط وهما: مقدمة الخبر وجسم الخبر

نجد التقرير الصحفي يحتوي على ثلاثة أجزاء هي: مقدمة التقرير

وجسم التقرير.. وخاتمة التقرير.

انجليزي يسحب اسكنر؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟

ص: 139

الثاني: أن بناء الخبر من مقدمة وجسم فقط، واحتواء هذا الجسم على الحقائق الأقل أهمية يتيح لكاتبه أو للصحيفة التي تنشره أن تحذف من جسم الخبر أية أجزاء تراها

دون أن يؤثر ذلك في سياق الخبر1. في حين أن بناء التقرير الصحفي من مقدمة وجسم وخاتمة، وقيام هذا البناء على تسلسل منطقي يجعل من أجزاء التقرير وَحْدَة عضوية مترابطة، ليس من السهل قطع أو حذف أي جزء منها دون أن يتأثر بذلك بناء التقرير نفسه، وغالبًا ما يؤدي حذف أي جزء -ولو صغيرًا منه- إلى صعوبة فهم هدف التقرير ونتيجته واهتزاز فكرته الأساسية وتسلسله المنطقي2.

ورغم اختلاف أنواع التقرير الصحفي وتعدد مجالاته، فلا بد أن يحتوي على الأجزاء الثلاثة التالية:

أولًا: مقدمة التقرير الصحفي:

وهذه المقدمة لها عدة وظائف، أهمها:

1-

أن تمهد للموضوع.

2-

أن تهيئ القارئ له.

ومقدمة التقرير الصحفي قد تحتوي على العناصر التالية:

1-

واقعة ملموسة.

2-

موقف معين.

3-

صورة منطقية.

4-

زاوية جديدة لموضوع غير جديد.

وتتحدد قيمة المقدمة على ضوء الاعتبارات التالية:

1-

مقدرة المقدمة على جذب انتباه القارئ إلى الموضوع الذي يعالجه التقرير الصحفي.

2-

قدرة المقدمة على دفع القارئ إلى متابعة قراءة بقية التقرير الصحفي وحتى نهايته.

ثانيًا: جسم التقرير الصحفي:

جسم التقرير الصحفي هو الجزء الذي يضم المعلومات والبيانات الجوهرية في موضوع التقرير

كذلك يضم الأدلة والشواهد أو الحجج المنطقية التي تدعم الموضوع الذي يتناوله التقرير.

انجليزي يسحب اسكنر؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟

ص: 140

ومن الضروري أن يحرص كاتب التقرير على أن يضمن جسم التقرير جانبين هامين؛ هما:

1-

مسار الحدث أو الواقعة التي يتناولها التقرير

وتطور هذا المسار منذ بدايته حتى نهايته.

2-

الربط بين الوقائع التي يضمها التقرير، وأن يكشف عن العلاقات بينها حتى يكشف ما وراءها أو ما يكتنفها من غموض.

ثالثًا: خاتمة التقرير الصحفي:

وهي آخر جزء في التقرير وأهم ما فيه، ولا بد أن تتضمن:

1-

تقييم المحرر لموضوع التقرير الصحفي.

2-

عرض للنتائج التي وصل إليها المحرر خلال بحثه في موضوع التقرير.

3-

التعميم لحقائق معينة أو آراء خاصة أو لبعض النتائج التي حصل عليها المحرر، وإن كان يفضل ألا يلجأ المحرر إلى التعميم إلا إذا كان مستندًا إلى وثائق أو حقائق لا تقبل الجدل أو النقاش.

ومن الضروري أن يراعي كاتب التقرير توفر صفتين هامتين في خاتمة التقرير الصحفي؛ وهما:

1-

أن تحرص بقدر الإمكان أن تثير في ذهن القارئ حوارًا حول موضوع التقرير، وأن تدفعه إلى التفكير في الموضوع ومتابعته فيما بعد إن كان الموضوع يستحق المتابعة.

2-

أن تترك خاتمة التقرير صدى عن موضوع التقرير لدى القارئ، وأن تدفعه -في بعض الأحيان- إلى اتخاذ موقف أو تكوين رأي معين تجاه الموضوع أو المشكلة التي يثيرها التقرير الصحفي.

وهناك عدة محاذير يجب أن يتنبه لها كاتب التقرير الصحفي وهو يكتب خاتمة التقرير؛ أهمها:

1-

أن يحذر الوقوع في براثن الخاتمة الخطابية التي لا معنى لها، والتي لا تضيف شيئًا إلى موضوع التقرير، فإن من شأن هذه الخاتمة أن تضعف من تأثير التقرير وتفسد أي جهد يكون المحرر قد بذله في كتابة التقرير وجمع مواده.

2-

أن يحذر الوقوع في خطأ عدم الاتساق بين المعلومات التي يحتويها جسم التقرير وبين النتائج التي يصل إليها في الخاتمة.. فإن من شأن ذلك أن يفقد التقرير وضوحه الفكري، ويقع به في براثن الغموض الذي يؤدي إلى عدم فهم القارئ لمعنى التقرير ومضمونه، فلا معنى مثلًا لأن يكتب المحرر تقريرًا من إيران يؤكد فيه بالشواهد والأدلة أن الشعب الإيراني كله لا يؤيد الشاه

وفي خاتمة التقرير

ص: 141

نراه يقول بأنه من المتوقع أن يعود الشاه إلى بلاده ويحسم الصراع لصالحه. ويوضح الشكل التالي طريقة كتابة التقرير الصحفي المبني على قالب الهرم المعتدل:

رسم يسحب اسكنر؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟

بناء التقرير الصحفي "الهرم المعتدل"

وكتابة التقرير الصحفي رغم أنها تأخذ شكل قالب الهرم المعتدل، إلا أنها تختلف حسب نوع كل تقرير.. ذلك أن هناك عدة أنواع من التقرير الصحفي تختلف باختلاف المجالات التي تطرقها والأشكال التي تأخذها.. ولكن يبقى أن أهم هذه الأنواع ثلاثة: التقرير الإخباري.. والتقرير الحي.. وتقرير عرض الأشخاص.. وهم موضوع المباحث التالية.

ص: 142

نموذج للتقرير الصحفي المبني على قالب الهرم المعتدل:

صورة تسحب اسكنر؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟

1

- لقد بدأ المحرر تقريره بمقدمة حاول أن يجعل منها تمهيدًا للموضوع، واختار لموضوع المقدمة زاوية جديدة لموضوع قديم؛ هو كيفية الوقاية من الحرب النووية. أما الزاوية الجديدة فكانت الإشارة لأقوال بعض المتطرفين في خوفهم من الحرب النووية القادمة والإشارة لاستعداد البعض منهم بالفعل للحرب القادمة:

1 الشرق الأوسط 31/ 3/ 1980.

ص: 143

اللورد بيلستد المسئول عن استعدادات الدفاع في بريطانيا يقول: إن ما لا يزيد عن 15 مليون نسمة فقط يمكن أن ينجوا في حالة تعرض بريطانيا لهجوم نووي.

وقال: إن عدد الباقين على قيد الحياة يمكن أن يزداد إذا طبق أفراد الشعب البريطاني التعليمات التي ستنشرها الحكومة البريطانية عما قريب ضمن كتيب يهدف إلى إرشاد الناس إلى ما يجب عمله في حالة تعرض البلاد لهجوم نووي.

وقبل تصريح اللورد بيلستد بشهر قدم التليفزيون التجاري في لندن مقابلة مع عقيد سابق في الجيش البريطاني كان نجمه لمع أبان الحرب العالمية الثانية؛ ولكن موضوع المقابلة لم يكن عن الحرب العالمية الثانية؛ بل عن الثالثة.

موضوع المقابلة اقتصر على هذا الضابط وعلى قريته الصغيرة القابعة في جزء جميل من الريف الإنجليزي. فمنذ مدة وهذا الضابط يهيئ قريته لمواجهة هجوم نووي، وكل فرد في تلك القرية يعرف الدور الذي سيلعبه والمهمة الملقاة على عاتقه في حالة تعرض بريطانيا لهجوم نووي.

كما أن القرية مجهزة بملاجئ تحت الأرض لمنع تسرب الإشعاع النووي إليها، والغرض من تلك الملاجئ أن يبقى فيها أهل القرية مدة الـ14 يومًا التي تعقب التفجير النووي، والتي من المفروض أن يظل مفعول الإشعاع النووي فتاكًا خلالها؛ لذلك فهي مجهزة بمخازن الطعام وخزانات المياه العذبة التي تكفي لإطعام أهل القرية وإرواء ظمئهم خلال المدة المذكورة.

ص: 144

وإذا ظن القارئ أن هذا الضابط البريطاني عليه مس من الجنون، فإننا نشير عليه بمتابعة القراءة؛ إذ سيجد أن المجانين كثر.

- أما جسم التقرير فقد حشد المحرر فيه النقاط الهامة التالية:

أ- المعلومات والبيانات الجوهرية في الموضوع، والتي تكشف عن وجود جماعات متطرفة بالفعل تستعد من اليوم لما ستسفر عنه الحرب النووية من دمار.. وهي بذلك تشكل بالنسبة للمحرر الأدلة والشواهد والحجج المنطقية التي تؤكد ما سبق وذكره من إشارات مثيرة في المقدمة عن هذه الجماعات المتطرفة:

ففي الولايات المتحدة تسيطر فكرة انتهاء الحضارة الغربية عن عقول عدد كبير من الناس الذين ينتمون إلى مدن وقرى مختلفة.

وإذا كانت نسبة كبيرة من هؤلاء المتشائمين تعتقد اعتقادًا راسخًا أن نهاية الحضارة الغربية -بل ونهاية العالم على حد تعبير المتناهين في التشاؤم منهم- ستأتي نتيجة لاندلاع حرب نووية، فإن نسبة لا بأس بها تعتقد أنه حتى لو امتنع زعماء العالم عن ضغط أزرار إطلاق الصواريخ وقرع أجراس الهول والدمار، فإن سلسلة متعاقبة من الأمراض والكوارث الطبيعية تقف بالمرصاد للفتك بالحضارة الغربية.

وفي مدينة كارسون في ولاية كاليفورنيا الأمريكية توجد مؤسسة تجارية ضخمة تنحصر نشاطاتها التجارية في تلبية طلبات الباقين على قيد الحياة، الذين ينفقون مئات الآلاف من الدولارات في شراء كميات ضخمة من المواد الغذائية لخزنها بانتظار الموعد المشئوم، وفي العام الماضي بلغت مبيعات تلك المؤسسة أكثر من مليون دولار.

ومن الشخصيات المعروفة على شاشة التليفزيون الأمريكي شخصية ألان رف الذي

ص: 145

يرشد الناس إلى الطرق السليمة للبقاء على قيد الحياة بعد انتهاء الحضارة الغربية، وبالإضافة إلى برنامجه الأسبوعي فإنه يصدر نشرة شهرية في نفس الموضوع ترسل بالبريد إلى 125000 مشترك، يدفع كل منهم 145 دولارًا مقابل اشتراك سنوي. ومن الفضائح التي يسديها لقرائه التخلص من الودائع النقدية واقتناء الذهب والأحجار الكريمة.

ويبدو أن ولاية كاليفورنيا بالذات تئوي نسبة كبيرة من "الباقين على قيد الحياة"، فمن رواد هذه الحركة هناك شخص اسمه بوب سلون، وهو رب عائلة في الـ51 من العمر، مهنته مهندس ميكانيكي. ويرى بوب أن كل شخص عاقل يجب أن يخزن طعامه وما يلزمه من مياه الشرب، وأن يكيف نفسه على العيش بدون كهرباء ولا بنزين، وأن يدافع عن نفسه ضد الأشخاص الذين لم يتخذوا هذه الاستعدادات، فأخذوا على حين غرة يوم النهاية المحتومة.

وفي هذا المجال فإن بوب يسير في استعداداته دون هوادة، منزله يمتلئ بالمأكولات المعلبة، أما بركة السباحة التي تحتل جزءًا جميلًا من حديقة منزله الخلفية، فقد حولها إلى خزان ماء يتسع لكمية من مياه الشرب تصل إلى 18000 جالون.

وكان بوب قد ضحى بمستقبل مهنته، وبالحياة الرغدة التي كان يتنعم بها في بلدة ريتشموند الأرستقراطية في قلب كاليفورنيا؛ لينتقل بأسرته إلى قرية نائية تقبع بين جبال وعرة تعزلها عن مباهج الحياة في معظم مدن ولاية كاليفورنيا الجذابة.

وإذا كانت القرية الإنجليزية تستعد للدفاع عن نفسها، فإن قرية بوب سلون الأمريكية تستعد للهجوم؛ إذ رسم بوب خطة منذ

ص: 146

الآن للتصرف والأخذ بزمام المبادرة في اللحظة التي تلوح فيها عند الأفق بوادر انهيار المجتمع الأمريكي.

وتقضي الخطة بأن يهب هو ورجاله ممن تحت إمرته للانقضاض على مستودعات الحرس القومي والاستيلاء على عرباته المصفحة ودباباته وأسلحته الثقيلة؛ ولكن ضد من ستستخدم هذه الترسانة من الأسلحة؟ وهل تضم قوات الاحتلال السوفيتية المتصورة الاستيلاء على قرية بوب سلون حتى قبل سقوط واشنطن؟

كلا إن هذه الأسلحة لن تستعمل لإيقاف الزحف السوفيتي عند أبواب قريته؛ بل للقضاء على مواطنيه الأمريكيين؛ إذ يعتقد بوب سلون أنه في حالة انهيار المجتمع الأمريكي سيحاول الكثيرون النزوح إلى قريته "الفاضلة"، والاستفادة من الاستعدادات الكبيرة التي قام بها أهل قريته، ثم ستدب الفوضى ويسود الذعر والقلق، وتنتهي أحلامه وتتحطم آمال الكثيرين الذين وضعوا كل ثقتهم من منقذهم. إذن لا بد من حماية القرية والدفاع عن ثرواتها المخزونة. وبالتالي لا بد من إطلاق قذائف دبابات الحرس القومي على المواطنين الأمريكيين.

وإذا ظن المرء أن تلك مجرد أفكار لن يتم تنفيذها أبدًا، فإن ما يقوم به بوب سلون ورجاله كفيل بإثبات عكس ذلك؛ إذ استأجروا ساحة واسعة وحولوها إلى ميدان تدريب على إطلاق النيران.

وعلى عكس نظرة بوب سلون المتشائمة، فإن زعيمًا لمجموعة أخرى من "الباقين على قيد الحياة" ينتظر بفارغ الصبر سقوط المجتمع الغربي وانهيار حضارته. ويعتقد الشخص هذا الذي يُدْعَى كيرت ساكسون أن انتهاء الحضارة

ص: 147

الغربية المعاصرة أمر لا بد منه؛ ولكن هذه الفكرة بالنسبة له تدعو للإثارة وحب المغامرة.

فانتهاء الحضارة يعني فرصة أخرى للبناء من جديد، وسيقتنص هو وأمثاله هذه الفرصة لدخول التاريخ بإقامتهم مجتمعًا جديدًا يعتمد نجاحه على جهود الباقين على قيد الحياة.

وعلى خلاف بوب سلون، فإن كيرت ساكسون كاتب وناشر وكيميائي، وهوايته جمع المعدات الثقيلة واقتناء الأسلحة. ومن بين مؤلفاته كتاب في أربعة أجزاء بعنوان "البقاء على قيد الحياة". وفيه يرسم صورة لحياة المجتمع الناهض من بين الأنقاض كما يراها ويخطط لها.

وإذا ما تجولت في منزله تشعر وكأنك في مستودع للخردة، فمعظم المعدات التي يقتنيها قديمة يعود بعضها إلى عام 1934. كما حول ركنًا من منزله إلى مختبر صغير لإجراء التجارب على أنواع المواد المتفجرة التي يقوم بإنتاجها، وفي إحدى تلك التجارب انفجرت شحنة مما أدى إلى جرح يده اليسرى؛ بحيث لا يقدر على استعمالها مطلقًا.

وهو في فكرته -عن الاستعدادات التي يجب على المرء أن يتخذها كي يبقى حيًّا- يخالف أفكار ألان رف الذي يناشد أتباعه اقتناء الذهب والأحجار الكريمة؛ لأن كل همه انحصر في اقتناء الأسلحة، ويشرح هذا المخلوق نظريته قائلًا:"سيكون هنالك شخصان: واحد يملك الذهب، والآخر يملك السلاح. وقد يحاول الأول تطبيق نظام المقايضة، فيعرض ذهبه على الثاني مقابل بندقيته؛ ولكن صاحب البندقية يكون في وضع قوي يسمح له باستخدام القوة لانتزاع الذهب من الآخر، وإذا كان الكرم والعفو من شيم أجداده فقد يسمح له بمغادرة المكان حيًّا؟ ".

ص: 148

ب- الرابط بين هذه الوقائع والمعلومات في نسيج واحد والخروج من ذلك بمقولة: إن هناك من الناس الأسوياء من ينظرون بجدية إلى مثل هذه الأمور، ويضرب المحرر لذلك بمثل يؤكد أن هذه القضية أثيرت في أسئلة بعض الامتحانات المدرسية في كاليفورنيا.. بل إن الموضوع كان مادة لاستفتاء علمي في المجتمع الأمريكي:

هذه هي الحياة الجديدة التي يستعد ألان رف -بل عشرات الآلاف من الأمريكيين- لاستقبالها بعد انتهاء الحضارة المعاصرة. وإذا ظن المرء أن فكرة استخدام القوة والأسلحة الثقيلة للقضاء على الذين لم يستعدوا لذلك العصر الأسود تسيطر فقط على عقول أناس مثل بوب سلون، فما عليه إلا أن يحاول الإجابة على هذا السؤال الذي كان جزءًا من امتحانات إحدى المدارس الثانوية في كاليفورنيا في نهاية العام الماضي.

يقول السؤال: اندلعت الحرب النووية ففتكت إشعاعاتها الذرية بكل حي ولم ينجُ سوى 15 شخصًا فروا إلى مخبأ محصن ضد الإشعاع؛ ولكن لسوء الحظ فإن كمية الأغذية المخزونة التي يجب أن تستهلك على مدى المدة التي يظل فيها الإشعاع فتاكًا في البيئة لا تكفي إلا لعشرة أشخاص فقط؛ لذا يجب إخراج خمسة أشخاص ليلاقوا حتفهم، وعلى الطالب أن يقرر أي الأشخاص الخمسة يجب أن يساقوا إلى المذبح؟

وإذا كان الاستغراب من توجيه مثل هذا السؤال إلى طلبة المدارس هو رد الفعل الطبيعي المتوقع، فإن استطلاعًا للرأي على عينات مختلفة من طبقات المجتمع الأمريكي أثار الدهشة الممزوجة بالقلق؛ إذ كان السؤال الذي وُجه إليهم: هل تعتقد أن مصير الحضارة المعاصرة الانهيار والدمار في المستقبل القريب؟ وتفاوتت الأجوبة

ص: 149

لأن ثلاثة من عشرة يعتقدون بنهاية الحضارة المعاصرة؛ نتيجة لسلسلة من الكوارث قد تستغرق أسابيع فقط، وستة من عشرة يرون أن الحضارة بدأت عملية الانحلال منذ مدة، وبتطبيق قانون التسارع فإن النهاية تقترب يومًا بعد يوم وسنة بعد سنة، وقد فات الأوان على إيقاف العجلة.

ولكن الشيء الذي أثار الدهشة والقلق أن شخصًا واحدًا من الذين وجه إليهم هذا السؤال لم يكن ليعتقد أنه سؤال سخيف، وصرفه على أنه كلام فارغ؛ بل انحصرت الاختلافات بين وجهات النظر في الطريقة التي ستنهار فيها الحضارة الغربية.

- أما خاتمة التقرير فقد اختار لها المحرر جانبًا طريفًا يخفف من الكآبة التي يمكن أن تصيب القارئ عندما يفكر في الحرب النووية القادمة.. فقد طلب المحرر من القارئ بأن يقوم بأداء أحد الاختبارات التي وضعها دعاة مقاومة الحرب النووية! ومع أن الاختبار مستحيل أن ينفذ -وخاصة من جانب قراء الصحيفة- إلا أنه حقق أحد وظائف الخاتمة؛ وهي أن تترك صدى لدى القارئ

عن الموضوع.. حتى لو كان هذا الانطباع مجرد الابتسام لطرافة الموضوع!:

"بدون أي إنذار مسبق، انهض من فراشك في الصباح واقطع جميع إمدادات الكهرباء والغاز والماء عن أهل البيت، وأصدر الأوامر إليهم بالبقاء في المنزل ثلاثة أيام كاملة، لا مدارس، لا عمل، لا تسوق، ولا تسمح لأي فرد باستعمال الهاتف.

الطبخ يجب أن يتم باستعمال الشموع أو بحرق أوراق الصحف القديمة، وإذا شعرت بالبرد فإياك واللجوء إلى التدفئة المركزية؛ بل تلحف بكل ما تقع عليه يدك من ملابس قديمة".

هذا هو الاختيار الذي يطلب أحد دعاة البقاء على قيد الحياة إجراءه لمعرفة مدى استعداد الأفراد لمواجهة نهاية الحضارة الغربية!!

ص: 150