الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني: التغطية الصحفية للحملة
إن التغطية الصحفية للحملة.. تعني عملية جمع المعلومات والوثائق والبيانات المتعلقة بموضوع الحملة.. وهي عملية شاقة، وخاصة إذا كان هدف الحملة الكشف عن قضايا الفساد أو الانحراف.. إذ لا بد للصحفي أن يعمل على الحصول على الوثائق والأدلة التي تؤكد دعواه من ناحية.. والتي تحميه أمام القانون.. فلا يتهم بالقذف أو التشهير من ناحية ثانية.. ونجاح الصحيفة يقاس اليوم بمقدار ما تحصل عليه من أمثال هذه الأحداث الغامضة التي تزيح الستار عن حوادث هامة، أو وقائع مثيرة، أو بيانات مجهولة، أو يوجد من يتعمد إخفاءها لتحقيق مصالح شخصية، أو منافع مادية، أو التستر على جرائم، أو فضائح مالية أو خلقية، أو انحرافات في مجال سوء استخدام السلطة، وغير ذلك من القضايا التي تكشف عن الفضائح والجرائم المتنوعة.
فمثل هذه الحملات تهم القراء وتثير انتباههم بما تكشفه من حوادث الاختلاس أو الرشوة أو المحسوبية والإهمال أو استغلال النفوذ. وترضي رغبتهم في تنظيف المجتمع من الفساد1، وعندما تثبت الصحيفة للقارئ أنها صحيفة شجاعة لا تخشى شيئًا من أجل الكشف عن الفساد، ولو أدى الأمر دخولها في مواجهة مع عدد من أصحاب النفوذ، ففي مثل هذه الحالة فإن القارئ سيتطوع ليمد الجريدة بكثير من المعلومات والحقائق، ويكشف لها عن العديد من الأخطاء والانحرافات وأوجه الفساد في المجتمع، ويتحول القراء إلى مندوبين صحفيين في خدمة الجريدة، ومن الضروري أن يدرك الصحفي عندما يتصدى للكشف عن الانحراف والفساد أن تغطيته لمثل هذا الخبر ليس لمجرد حب الاستطلاع، ولا لمجرد استعراض مهارته الصحفية؛ وإنما لا بد أن يتأكد من أن هذه التغطية
1 Hoheherj. John. the Profess loual Jonrnalist. p.p. 308-312.
ستكون في خدمة المجتمع والقراء؛ لأنه ليس من السهل تلطيخ سمعة الناس من أجل إشباع رغبة حب الاستطلاع عند الصحفي أو حتى عند القراء. وعلى سبيل المثال، فإن الصحفي الذي يهتم بالكشف عن تاريخ حياة سياسي بارز سبق اتهامه في سن الشباب في قضية ما، فمثل هذه القصة الخبرية لا تفيد أحدًا، ولا تصلح شيئًا في المجتمع؛ وإنما هي تهدم سمعة رجل بارز، وربما تدمر حياته العائلية؛ بسبب غلطة سبق أن ارتكبها ودفع ثمنها وهو شاب صغير. نفس الأمر عندما يحاول الصحفي أن يكشف أن لأحد الوزراء شقيق أو قريب سبق اتهامه في قضية تمس الشرف أو النزاهة؛ إذ ما مدى مسئولية هذا الوزير عن انحراف شقيقه أو قريبه.. فهل يصح الإساءة لسمعة الوزير بدون ذنب جناه؛ ولكن الأمر يختلف إذا كان هذا الشقيق مدان في تهم تمس استغلاله لنفوذ شقيقه وتستر الشقيق الوزير على هذا الاستغلال أو شاركه فيه!
ولكن يظل هذا النوع من الحملات الصحفية التي تكشف عن الانحرافات والفساد إحدى المهام الرئيسية للصحافة الناجحة، وخاصة في المجتمعات الديمقراطية1. وفي أوربا وأمريكا استطاعت الصحافة أن ترسل بالعديد من السياسيين والنقابيين وكبار رجال الأعمال المنحرفين إلى السجون، ولعل أبرز الأمثلة لذلك الحملة التي كشفت فيها صحيفة الواشنطن بوسط الأمريكية في يونيو 1972 فضيحة ووتر جيت، وتورط الرئيس الأمريكي الأسبق نيكسون في التجسس على المقر الانتخابي للحزب الديمقراطي، وهو الحزب المنافس للحزب الجمهوري الذي ينتمي إليه الرئيس نيكسون. وقد انتهت حملة الواشنطن بوسط باستقالة نيكسون من رئاسة الولايات الأمريكية إحدى الدولتين العظميين في عالمنا المعاصر!..
كذلك فإن الصحافة الأمريكية هي التي كشفت عن تهرب سبيرو أجينيو نائب الرئيس الأمريكي السابق نيكسون من الضرائب، وحصوله على رشاوي من بعض كبار رجال المال؛ لتسهيل صفقاتهم مع الحكومة، بالإضافة إلى عدد آخر من التهم، والتي انتهت بإجباره على الاستقالة من منصبه الهام!
ثم هناك الدور الذي لعبته الصحافة في الكشف عن فضيحة رشاوي شركة لوكهيد، والتي أطاحت برئيس وزراء اليابان وعدد آخر من كبار السياسيين في العالم، الذين ثبت تقاضيهم رشاوي من هذه الشركة؛ لتسهيل صفقاتها
1 Hoggart. Richard: Bad News. p.p. 172-183.
التجارية مع الحكومات التي ينتمي إليها مَن أشارت إليهم أصابع الاتهام.
وفي مصر استطاعت دار أخبار اليوم الكشف عن الانحرافات في الاتحاد التعاوني الزراعي؛ حيث انتهت الحملة الصحفية بعزل المسئولين عن الاتحاد وتحويلهم إلى المحاكمة.
كذلك نجحت صحيفة أخبار اليوم في الكشف عن الانحرافات في هيئة الأوقاف المصرية، انتهت بعزل كبار المسئولين فيها، ثم تحويلهم إلى القضاء.
وهناك العديد من الصعوبات التي تواجه الصحفي عندما يتصدى لتغطية حملة تمس حالة من حالات الانحراف أو الفساد في المجتمع، فهناك كثير من المواطنين الذين يعرفون بعض التفاصيل عن هذه القضية قد يمتنعون عن الحديث؛ بل قد يقفون ضد الصحفي، ويحولون بينه وبين الوصول إلى الحقيقة، وذلك إما لخوفهم من التورط في الفضيحة أو لمجرد الخوف من أن تذكر أسماؤهم مقرونة بمثل هذه الفضيحة، أو قد تكون رغبة في حماية أو تعاطف مع جار أو زميل أو رئيس سبق أن عمل معه فترة من حياته، أو خوفًا من تهديد محتمل1؛ ولكن من ناحية أخرى قد يجد الصحفي مساعدات قيمة من رجال البوليس أو رجال النيابة؛ رغبة منهم في الشهرة أو المجد، حين تذكر أسماؤهم في الصحف مقرونة بأنهم يحاربون الفساد في المجتمع؛ بل إن الصحفي قد يجد مساعدات قيمة عن بعض نواب البرلمان أو بعض كبار المسئولين حين يتقدموا ببعض معلوماتهم عن الفساد.
والمذكرات أو البيانات التي يسجلها الصحفي في "النوتة" الخاصة به ليست كافية لإثبات أن المعلومات أو البيانات التي أدلى بها إليه بعض الشهود صحيحة، ونادرًا ما يعتد بها أمام القضاء، كذلك فإن أجهزة التسجيل غير معترف بها في المحاكم لسهولة تزييفها أو تعديلها؛ ولكنها مفيدة خارج المحكمة؛ إذ إنها كثيرًا ما تؤدي إلى انهيار المتهم واعترافه في حالة سماعه تسجيلًا لنفسه يكشف عن انحرافه؛ ولكن يجب الحرص على استعمال هذه الوسيلة في إطار القانون.
أما أهم الوسائل التي يلجأ إليها الصحفي لحماية نفسه من الاتهام بالقذف أو التشهير، ولإثبات الانحراف أو الفساد، هي أن يحاول ضمان أكبر عدد من الشهود في القضية؛ ولكن بشرط أن يتأكد الصحفي من صلابة الشاهد
1 Ibid. p.p. 137-145.
وعدم إمكانية تغييره لشهادته من أجل المال أو تحت ضغط التهديد، وهناك بعض الصحفيين الذين يلجئون إلى تسجيل أقوال الشهود أمام أحد المحلفين، وذلك في أمريكا وأوربا1؛ ولكن المهم في كل الحالات هو دراسة الشهود دراسة دقيقة ووافية من جميع الوجوه قبل الوصول إليهم وتسجيل أقوالهم. وفي الولايات المتحدة الأمريكية وأوربا الغربية يستخدم الصحفيون أجهزة تسجيل دقيقة لتسجيل بعض الاعترافات أو تسجيل جوانب من ألوان الانحراف أو الفساد. وبعضهم يعمد إلى إخفاء هذه الأجهزة في أزرار القميص أو الجاكت أو في دبوس ربطة العنق؛ ولكن لا بد من الحرص على عدم استخدام الوسائل غير القانونية؛ كمراقبة مكالمات التليفون، وغير ذلك من الوسائل التي تضع الصحفي تحت طائلة القانون؛ لتدخله في حريات الآخرين.
كذلك يجب على الصحفي أن يحرص على عدم الاعتماد على الشهود الذين يستعدون للشهادة من أجل المال، حتى لو كانت شهادتهم صحيحة؛ فإن صحافة دفتر الشيكات -كما تطلق الصحف البريطانية2 على بعض الصحف الأمريكية- غير مضمونة العواقب؛ لأن الشاهد قد يغير أقواله من أجل مزيد من النقود. إن صحافة دفتر الشيكات قد تدفع بعض الصحفيين إلى تزوير الفضائح من أجل الحصول على الشهرة أو المال؛ كما حدث مع صحيفة الديلي ميل البريطانية في قضية اللورد ليلاند في صيف عام 1977 3، وحقيقة القضية أن أحد محرري صحيفة الديلي ميل نشر خبرًا عن اللورد ليلاند، وهو أحد أثرياء إنجلترا، وله مجموعة من الشركات الدولية التي تتعامل في صفقات بمئات الملايين من الجنيهات، ونشر محرر الديلي ميل خطابًا باسم اللورد ليلاند يوصي فيه بمنح رشوة لعدد من كبار السياسيين والمسئولين في عدد من الدول؛ لتسهيل عدة صفقات لإحدى شركاته، وهددت فضيحة العديد من السياسيين والمسئولين في إنجلترا أو بعض دول العالم بفقد مناصبهم، واحتمال تقديمهم إلى القضاء؛ ولكن لم يستمر الأمر طويلًا، واكتشف زيف الحملة التي نشرتها الديلي ميل، فقد اتضح من تحليل مضمون الخطاب المنسوب إلى اللورد ليلاند أنه مزور؛ لأنه وجد بالخطاب أخطاء إملائية؛ بينما عرف اللورد ليلاند بتمكنه من اللغة الإنجليزية، وهكذا انهارت الحملة كلها. وتم القبض على محرر الديلي
انجليزي يسحب اسكنر؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
ميل الذي اعترف بأنه اختلق الحملة، وأنه استعان بأحد المديرين العاملين في إحدى شركات اللورد ليلاند؛ ليزور له الخطاب مقابل عدة آلاف من الجنيهات، وكان موقفًا للديلي ميل لا تحسد عليه، واستغلت الصحف البريطانية الأخرى الفرصة وطالبت باستقالة مستر ديفيد انجلش رئيس تحرير الديلي1..
ولا بد أن ننتبه إلى أن الشهود الذين يقبلون الشهادة من أجل النقود قد يبالغون في شهادتهم من أجل الحصول على أموال أكثر، وهو الأمر الذي يمكن أن يعرض الصحيفة إلى إدانة شخص بريء.
كذلك فإن الصحيفة التي تتعهد بإعطاء الشاهد الرئيسي أموالًا قد تجد نفسها في موقف مدان في المحكمة بتهمة التأثير على العدالة. مثل ذلك: فضيحة بروفيمو وزير البحرية البريطانية، الذي تورط في علاقة غير شرعية مع كريستين كيلر، استغلها أحد الجواسيس السوفيت للحصول على معلومات عن الجيش البريطاني، فقد كشفت الحملة شهود مزيفين كذبوا مقابل أموال دفعت إليهم، وقد كشفتهم الصحافة وقدمتهم إلى المحاكمة2.
كذلك فمن الضروري أن يلجأ الصحفي الذي يهتم بتغطية حملة عن انحراف أو فساد أو يكشف فضيحة نقابية أو مالية أو أخلاقية إلى محامي أو مستشار قانوني يحدد له مدى قانونية تحركاته أثناء تغطية الحدث، والمحامي الرديء هو الذي سيقول للصحفي ما يجب أن يمتنع عن نشره، أما المحامي الذكي فهو الذي يبين للصحفي إلى أي مدى يمكن أن يذهب في النشر.
ومن الأفضل أن يعمل الصحفي في مثل هذه الحالات على أن تكون جميع الأقوال والتصريحات التي يحصل عليها موقعة من أصحابها وفي حضور شهود، كذلك عليه أن يعمل نسخًا مصورة من المستندات التي يحصل عليها كلما أمكنه ذلك، وعليه ألا يستخدم مستندات مسروقة، وإلا تعرضت شهرته للخطر وعرض نفسه للمحاكمة. مثال ذلك: أن دانيال الزبرج الذي سرق سبعة آلاف وثيقة من وثائق وزارة الدفاع الأمريكية "البنتاجون" عام 1971 الخاصة بفظائع
1 The times: july 13، 1977.
2 Daily Mail.
الجيش الأمريكي في فيتنام، ونشرها متتابعة في صحيفة النيويورك تايمز، قد عرَّض نفسه للسجن عدة سنوات من أجل حصوله على وثائق مسروقة1.
وفي مثل هذه الأخبار أيضًا لا بد أن يحرص الصحفي على البحث عن أكبر عدد من الأدلة غير الشهود، وهو يمكن أن يجد بعض هذه الأدلة في سجلات وثائق الحكومة الرسمية المسموح بالبحث فيها ونقلها؛ مثل: سجلات الوزارات والمحاكم والهيئات والمؤسسات العامة وأرشيف الحكومة نظير رسم معلوم، ففي بريطانيا مثلًا هناك مكتب الوثائق العامة؛ حيث يوجد به جميع وقائع وسجلات المجالس البلدية والمحلية في بريطانيا، ويمكن الاطلاع عليها، وهي تبين تفاصيل مدفوعات الشركات ومرتبات الموظفين الرسميين وامتلاك الأسهم والسندات ونصوص العقود الخاصة بالبيع والشراء وغير ذلك من الأمور المشابهة.
وفي هذه السجلات الرسمية المصرح بالبحث فيها يمكن للصحفي الكشف عن النمو في ثروات بعض المسئولين.. وظروف وملابسات حصولهم على ثرواتهم، وما إذا كانوا قد أساءوا استخدام سلطتهم في الحصول عليها2.
ومن المؤسف أن مثل هذه المعلومات غير متوفرة للصحفي العربي؛ حيث لا توجد سجلات أو أرشيف به هذه المعلومات في بلادنا، وإذا وجد بعضها فهي تعتبر سرًّا من أسرار الدولة لا يباح للصحف البحث فيه، فقد عجزت الصحافة المصرية مرة عن الحصول على أسماء مَن يفتحون مكاتب الاستيراد والتصدير من أقارب المسئولين؛ بسبب عدم وجود المعلومات المنظمة عن مثل هذه الأشياء.
وفي مثل هذه الحالات يمكن للصحفي أن يطلب هذه المعلومات من القراء أنفسهم، فمن يعرف شيئًا يبعث به للصحيفة، وقد نجحت هذه الوسيلة في حالات كثيرة، فقد استطاعت صحيفة وستيرن ميل البريطانية أن تكشف طرق التحايل في ملكية الأراضي في مدينة كاردف، عن طريق كشفها لإحدى حالات التزوير في ملكية قطعة أرض حكومية والاستيلاء عليها، وطلبت من القراء موافاتها بالحالات المماثلة، وكان أن وجدت بين يديها عشرات الحالات معتمدة بالوثائق والمستندات3. ونفس الأمر كررته نفس الصحيفة في الشكوى
انجليزي يسحب اسكنر؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
من أن اختيار نظار المدارس في جنوب ويلز يتم عن طريق الرشوة بالنقود، وحققت الصحيفة في الاتهام، وطلبت من القراء أن يشاركوها في كشف الحقائق والأسرار المتعلقة بالموضوع. وقد مد القراء الصحيفة بالمعلومات المطلوبة؛ ولكن في طريق عكسي؛ إذ أثبتوا أن الاتهام غير صحيح، وقد اتضح ذلك بالفعل باستثناء حالة واحدة فقط تم فيها تعيين أحد النظار مقابل رشوة1.
ففي مثل هذه الحالات لا بد للصحفي أثناء تغطيته للحملة أن يتخذ الاحتياطات الكافية لعدم الإساءة إلى الأبرياء.
1 Western. Mail. july 12، 1977.