المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الثالث: فن العمود الصحفي - فن الكتابة الصحفية

[فاروق أبو زيد]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة:

- ‌الفصل الأول: فن الحديث الصحفي

- ‌المبحث الأول: تعريف الحديث الصحفي

- ‌المبحث الثاني: الإعداد للحديث الصحفي

- ‌المبحث الثالث: إجراء الحديث الصحفي

- ‌ تحديد موعد اللقاء:

- ‌ إدارة الْحِوَار:

- ‌ تسجيل الحوار:

- ‌المبحث الرابع: كتابة الحديث الصحفي

- ‌المبحث الخامس: الحديث التليفوني

- ‌المبحث السادس: المؤتمر الصحفي

- ‌الفصل الثاني: فن التحقيق الصحفي

- ‌المبحث الأول: تعريف التحقيق الصحفي

- ‌المبحث الثاني: إعداد التحقيق الصحفي

- ‌أولًا: اختيار فكرة التحقيق

- ‌ثانيًا: جَمْعُ المادة الأولية للتحقيق

- ‌ثالثا: تنفيذ التحقبق الصحفي

- ‌المبحث الثالث: كتابة التحقيق الصحفي

- ‌أولا: قالب الهرم المعتدل المبني على العرض الموضوعي

- ‌ثانيًا: قالب الهرم المعتدل المبني على الوصف التفصيلي

- ‌ثالثًا: قالب الهرم المعتدل المبني على السرد القصصي

- ‌الفصل الثالث: فن التقرير الصحفي

- ‌المبحث الأول: تعريف التقرير الصحفي

- ‌أولا: الفرق بين الخبر الصحفي والتقرير الصحفي

- ‌ثانيًا: الفرق بين التقرير الصحفي والتحقيق الصحفي

- ‌المبحث الثاني: كتابة التقرير الصحفي

- ‌المبحث الثالث: التقرير الإخباري

- ‌المبحث الرابع: التقرير الحي

- ‌المبحث الخامس: تقرير عرض الشخصيات

- ‌الفصل الرابع: فن المقال الصحفي

- ‌المبحث الأول: تعريف المقال الصحفي

- ‌المبحث الثاني: فن المقال الافتتاحي

- ‌المبحث الثالث: فن العمود الصحفي

- ‌المبحث الرابع: فن المقال النقدي

- ‌المبحث الخامس: فن المقال التحليلي

- ‌الفصل الخامس: الحملة الصحفية

- ‌المبحث الأول: تعريف الحملة الصحفية

- ‌المبحث الثاني: التغطية الصحفية للحملة

- ‌المبحث الثالث: نموذج تطبيقي للحملة الصحفية

- ‌المصادر والمراجع:

- ‌محتويات الكتاب:

الفصل: ‌المبحث الثالث: فن العمود الصحفي

نموذج للمقال الافتتاحي المبني على قالب الهرم المعتدل

صورة تسحب اسكنر؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟

1

إذا طبقنا مفاهيمنا النظرية على هذا المقال الافتتاحي لوجدنا أنفسنا أمام الحقائق التالية:

1 الأهرام - 27/ 1/ 1979.

ص: 190

1-

أن المقال شرح وتفسير لخبر هام نشر في اليوم السابق لنشر المقال، وهو عبارة عن مؤتمر صحفي أعلن فيه رئيس الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء أن عدد سكان البلاد وصل إلى 40.5 مليون نسمة بزيادة نصف مليون فرد في خلال خمسة أشهر فقط.

2-

أن مقدمة المقال قامت على إبراز خبر هام يشغل الرأي العام وطرح لقضية هامة تمس مصالح القراء

وعلى وصف مشكلة خطيرة صارت حديث المجتمع.

3-

أن جسم المقال قد تضمن العديد من البيانات والحقائق والأرقام التي تؤيد وجهة نظر الصحيفة في خطورة مشكلة تزايد السكان في مصر.. كذلك فقد قدم المقال عددًا من الحجج التي تؤكد الأثر السلبي لتزايد السكان على مستقبل البلاد حين ذكر: "أن كل تقدم نحققه سوف يبتلع القادمون الجدد من السكان آثاره"، وحين ذكر أيضًا:"أن كل الجهود التي ستُبذل قد لا تحقق غير الحفاظ على المستوى الذي نعيش عليه الآن".

4-

أما خاتمة المقال فقد حوت خلاصة الرأي الذي انتهت إليه الصحيفة في الموضوع؛ وهو: "إن كل أجهزة الدولة مطالبة بأن تتوقف طويلًا أمام اتجاهات الزيادة السكانية الكبيرة التي تحدث في مصر، وأن تواجه هذه الزيادة بحزم لا يجب التهوين منه، وبخطة مهما تكلفت فإنها سوف تحقق عائدًا أكبر كثيرًا مما لو تركنا الأمور تسير كما هي ليزيد تعدادنا بمعدل فرد واحد كل 29 ثانية".

ص: 191

المبحث الثالث: فن العمود الصحفي

العمود الصحفي: هو مساحة محدودة من الصحيفة لا تزيد عن "نهر" أو "عمود"، تضعه الصحيفة تحت تصرف أحد كبار الكُتَّاب بها، يعبر من خلاله عما يراه من آراء أو أفكار أو خواطر أو انطباعات فيما يراه من قضايا وموضوعات ومشاكل.. وبالأسلوب الذي يرتضيه.

وغالبًا ما يحتل العمود الصحفي مكانًا ثابتًا لا يتغير على إحدى صفحات الجريدة.. وينشر تحت عنوان ثابت.. ويظهر في موعد ثابت، قد يكون كل يوم.. أو كل أسبوع1.

ولا بد أن يحمل العمود الصحفي توقيع كاتبه.

وليس من الضروري أن يلتزم كاتب العمود الصحفي بسياسة الصحيفة.. وإن كان من المتعارف عليه ألا يكون معارضًا لهذه السياسة2.

موضوعات العمود الصحفي:

وليست هناك حدود أو قيود على المجالات والموضوعات التي يطرقها كاتب العمود الصحفي

فمن حقه أن يكتب في السياسة أو الاقتصاد أو في مشاكل الحياة الاجتماعية أو في قضايا الفكر أو الثقافة أو في الفن أو الأدب.. ولكن الزاوية التي يتناول بها كاتب العمود الصحفي مثل هذه القضايا تختلف عن الزاوية التي يتناولها به كتاب المقال الافتتاحي أو كتاب الأخبار أو التحقيقات الصحفية أو التقارير الصحفية.

انجليزي يسحب اسكنر؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟

ص: 193

فكاتب العمود الصحفي من الضروري أن يهتم أثناء تناوله لمثل هذه القضايا بالتركيز على كل ما يهم القراء، وأن يخاطب قلوبهم ومشاعرهم وأحاسيسهم؛ بحيث يخرج من تناوله لمثل هذه الموضوعات بالحكمة وبالعبرة والموعظة1.

وعلى سبيل المثال عندما يكتب مصطفى أمين في عموده اليومي "فكرة" بصحيفة الأخبار عن مرور خمس سنوات على خروجه من السجن فينتهي إلى القول:

"إن طعم الحرية لذيذ! إنها تاج على رءوس الأحرار لا يراه إلا المقيدون بالسلاسل والأغلال. إن الجنة مفتوحة الأبواب، والجحيم مغلق الأبواب مليء بالسلاسل والقيود والأغلال. الحمد لله على نعيم الحرية"2.

وعندما يتعرض أنيس منصور في عموده اليومي بالأهرام "مواقف" لأحداث إيران.. لا يعنيه أن يحلل هذه الأحداث، ولا أن يكشف عما وراءها ولا أبعادها أو دلالاتها المختلفة، كما هو الأمر في التقرير الصحفي أو التحقيق الصحفي أو المقال الافتتاحي؛ وإنما هو فقط يقارن بين ما رآه بنفسه منذ سنوات قليلة في طهران حين كان يحوط بالشاه ملوك وأمراء ورؤساء الدول يحتفلون معه بأقدم عرش في التاريخ.. ثم منظر الشاه وهو يترك بلاده وحيدًا إلا من زوجته وعدد من حاشيته3..

الفرق بين العمود

والمقال الافتتاحي:

يلاحظ أن العمود الصحفي يتفق مع المقال الافتتاحي في النواحي التالية:

1-

أن له مكانًا ثابتًا في الصحيفة.

2-

أن له عنوانًا ثابتًا في الصحيفة.

3-

أنه ينشر بانتظام.

1 Cattanach. Norman: Editorial Writer. p.p. 183-185.

2 أخبار اليوم - 27/ 1/ 1979.

3 الأهرام - 3/ 7/ 1979.

ص: 194

ويختلف العمود الصحفي مع المقال الافتتاحي في النواحي التالية:

1-

أن كاتب العمود ليس ملزمًا بالتعبير الحرفي عن سياسة الصحيفة؛ بينما كاتب المقال الافتتاحي ملزم بذلك.

2-

أن العمود الصحفي يوقع باسم كاتبه، في حين لا يوقع المقال الافتتاحي باعتبار أنه يمثل آراء هيئة تحرير الصحيفة كلها، وليس محرر بعينه1.

أسلوب العمود الصحفي:

إن العمود الصحفي يهتم أكثر ما يهتم بكل ما يمس مشاعر القراء وعواطفهم.. لذلك لا بد أن يتوفر فيه شيء من جمال الأسلوب الذي يتميز به الأسلوب الأدبي.. فلا يعيب العمود الصحفي أن يعتني كاتبه بألفاظه، وأن يختار أوقعها على العين وأقربها إلى القلب.. وذلك عن طريق استخدام بعض الصور البيانية والموسيقى اللفظية أو الأخيلة الأدبية.. ولكن بشرط ألا يغرق كاتب العمود في ذلك؛ بحيث يفقد العمود صفته الصحفية ويصبح أدبًا خالصًا.. فهنا يتخطى العمود الصحفي لغة الصحافة التي تتلاءم وطبيعة القراء جميعًا.. إلى لغة الأدب التي هي لغة نسبة ضئيلة من القراء

وفنون الصحافة لم توجد لمخاطبة فئة محدودة من القراء؛ وإنما وُجدت لتخاطب القراء جميعًا مهما اختلفت مستوياتهم الثقافية2.

خصائص العمود الصحفي:

والعمود الصحفي يتميز بالخصائص التالية:

1-

الجمع بين بساطة اللغة الصحفية وسهولتها ووضوحها.. وبين جمال اللغة الأدبية.

2-

أنه يعبر عن التجربة الذاتية للكاتب.

3-

أنه يقوم على أساس وجود علاقة حميمة بين الكاتب والقراء.

انجليزي يسحب اسكنر؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟

ص: 195

4-

أنه يقوم على تطبيق القاعدة الذهبية في الصحافة، والتي تقول: أكبر كمية من المعاني والمعلومات في أقل قدر ممكن من الألفاظ1.

كتابة العمود الصحفي:

يكتب العمود الصحفي كما يكتب المقال الافتتاحي2.. أي: من ثلاثة أجزاء: مقدمة.. وجسم.. وخاتمة.

أولًا: مقدمة العمود الصحفي:

مقدمة العمود الصحفي تشمل مدخلًا أو زاوية، يمهد بها الكاتب لموضوع العمود

وهذا المدخل أو الزاوية يمكن أن يشمل النقاط التالية:

1-

خبرًا من الأخبار أو حدثًا من الأحداث الهامة الجارية، بشرط أن يركز الكاتب على زاوية معينة أثارت انتباهه، ويرى أنها تهم القراء في نفس الوقت، وعلى سبيل المثال يكتب محمد زكي عبد القادر في عموده اليومي بصحيفة الأخبار "نحو النور"، يعلن عن النتائج المتوقعة لمباحثات كامب ديفيد قبل إعلان الاتفاق بيوم واحد فيقول:

"أكتب هذا قبل أن يذاع البيان الختامي لمؤتمر كامب ديفيد، وأيًّا كان البيان وما يمكن أن يتضمنه فإنه طبقًا لكل البيانات والمعلومات والتوقعات لن يكون إلا إذا وقعت معجزة، محققًا للشرعية الدولية وحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره والانسحاب من الأراضي العربية المحتلة"3.

2-

فكرة أو خاطرة أو لمحة أو انطباع يرى الكاتب أنه يحتاج إلى شرح وتوضيح، أو إلى تفسير وتعليق، أو إلى استخلاص العبرة منه، وعلى سبيل المثال يكتب أنيس منصور في "مواقف" يعبر عن خاطرة شخصية فيقول:

انجليزي يسحب اسكنر؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟

3 الأخبار - 18/ 9/ 1978.

ص: 196

"أصبح الإنسان يخجل عندما يسمع قصة حب أو أغنية عشق، أو عندما يرى وجوهًا نضرة تتلون بالنظر وتتوجع بالهمس.

هل أصيبت قلوبنا بالتصلب؟ هل جفت عقولنا؟ هل تطاير ريش أجنحتنا؟

هل تحولنا من طيور عالية الحركة إلى طيور داجنة لاصقة بالأرض؟

لا أظن ذلك.. ولكني أرى أن الدنيا شغلتنا عن جوهرنا"1.

3-

قضية أو مشكلة أو حدث يرى الكاتب أنه يمس مصالح القراء أو يثير اهتمامهم

وللكاتب في الحدث أو القضية وجهة نظر يريد الإفصاح عنها.

ولكن يشترط أن تكون الزاوية التي يتناول الكاتب من خلالها هذه القضية

أقرب إلى اهتمام الناس وتفكيرهم

أو قد تكون الزاوية هي تجربة الكاتب الذاتية مع الحدث أو القضية نفسها.

ولنضرب مثلًا بأنيس منصور أيضًا؛ حيث كتب يعلق على مهرجان القاهرة السينمائي الدولي الثالث "سبتمبر سنة 1978"، فبدأ عموده "مواقف" قائلًا:

"لم أدخل السينما في حياتي إلا بعد أن تخرجت من الجامعة، ودخلتها سرًّا، فقد تعلمت أن السينما والمسرح والجلوس على المقاهي عبث لا يصح

ثم إني لا أقدر عليه.."2.

4-

حكمة مأثورة أو مثل شعبي معروف أو قول لمفكر أو كاتب أو فيلسوف، وأحيانًا يبدأ العمود الصحفي بتصريح هام لشخصية من الشخصيات التي تلعب دورًا في الأخبار اليومية

فيستند إليه كاتب العمود في إبراز الفكرة التي يريد قولها.

1 الأهرام - 30/ 1/ 1979.

2 الأهرام - 26/ 9/ 1978.

ص: 197

ونموذج لذلك ما كتبه كامل زهيري في عموده اليومي "من ثقب الباب"، الذي ينشر يوميًّا في الصفحة الأخيرة بالجمهورية.. حيث بدأ العمود قائلًا:

"توقفت عند خطاب الأستاذ خالد الحسن رئيس وفد فلسطين في المؤتمر البرلماني العربي حين قال: إنه وُلد في يافا ولا يستطيع العودة إليها..

وكثيرون من الفلسطينيين الذين أعرفهم ولدوا على أرض فلسطين -مثل خالد الحسن- ولا يستطيعون العود إليها"1.

ثانيًا: جسم العمود الصحفي:

وهو يضم جوهر المادة التي يحتويها العمود الصحفي.. وقد يشمل النقاط التالية:

1-

الأدلة أو الشواهد أو الحجج التي يؤكد بها الكاتب رأيه.

2-

تفاصيل الحدث أو الصورة الحية أو القصة أو المشكلة أو القضية التي يطرحها الكاتب على القراء.

3-

وعندما يكون العمود عبارة عن سؤال من القارئ وإجابة من الكاتب، فإن جسم العمود الصحفي يتضمن إجابة الكاتب على سؤال القارئ.

ثالثًا: خاتمة العمود الصحفي:

وهي كالمقال الافتتاحي أهم جزء فيه؛ حيث تتضمن رأي الكاتب وخلاصة ما يريد قوله للقراء، وقد تشمل خاتمة العمود الصحفي على النقاط التالية:

1-

خلاصة رأي الكاتب في الحدث أو القضية أو المشكلة التي يعرضها.

2-

العبرة أو الموعظة أو الحكمة التي يخرج بها الكاتب.

3-

النصيحة التي يقدمها الكاتب للقراء بعد أن يجيب على سؤال يقدم له من قارئ في الأعمدة التي يكون موضوعها الإجابة على بعض أسئلة القراء2.

1 الجمهورية - 18/ 9/ 1978.

انجليزي يسحب اسكنر؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟

ص: 198

ويوضح الشكل التالي طريقة كتابة العمود الصحفي المبني على قالب الهرم المعتدل:

رسم يسحب اسكنر؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟

البناء الفني للعمود الصحفي المبني على قالب الهرم المعتدل

ص: 199

نموذج للعمود الصحفي المبني على قالب الهرم المعتدل:

شكل اسكنر؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟

1

- بدأ الكاتب عموده الصحفي بحكمة فقال:

الطريق إلى النار محفوف بالنيات الطيبة. كلمة حكيمة، ويقال: إنها حديث شريف.

- أما جسم العمود الصحفي فقد حشده الكاتب بالأدلة والشواهد والحجج المنطقية التي تؤكد المعنى الذي أراد الوصول إليه من خلال هذه الحكمة:

أي: من الممكن أن يكون الإنسان حسن النية، ومع ذلك يكون ضارًّا تمامًا، كأن تشفق على ابنك المريض فتعطيه طعامًا ممنوعًا. فأنت بمنتهى حسن النية قد أصبته بضرر بليغ!

من مثل ذلك يقال في التليفزيون للشباب: فالشباب لا يعجب الآباء والمربين والساسة ورجال الدين. فهم "متعصبون" أو "متشددون" في دينهم؛ ولذلك لا بد من شفائهم من هذا المرض!

ولقد سمعت أستاذًا فاضلًا يطالب بفتح الساحات الشعبية للشباب؛ لكي يلعب الكرة. فالشباب لديه طاقة هائلة لا يعرف كيف ينفقها. ولا علاج له إلا الرياضة التي تهد حيله. فإذا عاد إلى البيت ارتمى على الفراش نائمًا خامدًا، وبذلك لا يفكر في دينه أو في دنياه؟!

1 الأهرام - 4 مايو سنة 1980.

ص: 200

وهو كلام مفيد؛ ولكنه ليس العلاج، تمامًا كما يصف الطبيب لأحد المرضى أن يتعاطى القطرة مع أنه يشكو من أوجاع في بطنه.

فالقطرة دواء؛ ولكنها ليست لهذا المرض!

وعيب هذا الذي يقال للشباب هو أننا ننظر إليهم على أنهم مرضى شواذ ووحوش ضارية، يجب أن نقلم أظافرها وأنيابها، ونكتم أنفسها ونبدد طاقتها، مع أن الذي نواجهه ليس مرضًا. فهم شباب مؤمن بالله؛ ولذلك فهو متمسك بالقيم الأخلاقية التي يطالب بها الذين هم أكبر سنًّا؛ إذن فالمرض -إن كان هناك- هو التمسك المتشدد بتعاليم الدين. وليس الدين، أي دين. إذن العلاج هو: كيف تخفف قبضهم على دينهم؟ أي: كيف نطلق سراحهم من هذه الأقفاص الحديدية التي حبسوا أنفسهم فيها؟

- أما خاتمة العمود، فقد حملت خلاصة رأي الكاتب في الموضوع، والعبرة أو النصيحة التي يقدمها في الموضوع:

العلاج هو أن نناقشهم، وأن نفكر معهم، وأن نحترم عقولهم، فهم صغار، وكانت لنا أفكار أسخف من ذلك كثيرًا!

أنيس منصور

- أنواع العمود الصحفي:

هناك خمسة أنواع من العمود الصحفي؛ وهي:

1-

العمود الصحفي الذي يغلب عليه الاهتمام بالشئون العامة.. فيتعرض لمختلف القضايا كالسياسة أو الاقتصاد، أو لشئون الأدب والفن، أو لقضايا الحب والزواج والطلاق ومشاكل الحياة الاجتماعية اليومية.. ولكن من الزاوية التي تهم القراء.. وتمس مشاعرهم.. ومن أمثلة هذا العمود في الصحافة العربية: فكرة لمصطفى أمين، ومواقف لأنيس منصور، ومن القلب لمحسن محمد، ومن ثقب الباب لكامل زهيري، وغيرهم.

ص: 201

ونقدم نموذجًا لهذا النوع: العمود الذي كتبه مصطفى أمين عن المشاكل العاطفية للشباب، وذلك في عموده اليومي "فكرة" بصحيفة الأخبار القاهرية.

شكل اسكنر؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟

1

شباب كثيرون يكتبون لي رسائل دامية. كلماتها تذرف دموعًا. سطورها تقطر دمًا. إنها دائمًا القصة الدائمة: طالب أحب طالبة وتعاهدا على الحب إلى الأبد. ولكن الأبد لا يستمر طويلًا! ثم يموت الحب فجأة بالسكتة القلبية في قلب الفتاة، أو تغير رأيها، أو يضغط أهلها عليها لتتزوج العريس "الجاهز" الواقف بالباب!

وكل واحد من هؤلاء يقول: إن الصدمة قد حطمته، وإن الخيانة قضت عليه، بعضهم كره الحياة، وبعضهم كره النساء، وبعضهم أصيب بمرض مزمن، وبعضهم يفكر في الانتحار. وكل هذا كلام فارغ، فليس في استطاعة أي امرأة أن تقضي على رجل. وكل واحد من هؤلاء الشبان سعيد الحظ؛ لأنه لم يتزوج الفتاة التي تخلت عنه. فخير لك أن تتركك المرأة وأنت على شاطئ البحر، من أن تتخلى عنك وأنت في وسط البحر..

وكل واحد منا محتاج لامرأة تصمد معه في العواطف، لا تطير أمام هبوب الرياح. في حاجة إلى جبل يقاوم أعاصير الحياة، لا إلى امرأة من قش يحرقها عود ثقاب، في حاجة

1 الأخبار - 4 مايو 1980.

ص: 202

إلى شريكة حياة تسير معه فوق الشوك، تقتحم الصعوبات، تتغلب على أزمات الحياة. أما الحب الذي لا يصمد للإغراء، ولا يصمد للضغط، ولا يصمد أمام مغريات الحياة، فهو حب زائف.

الفجيعة في الحب لا تجعل الرجل ينتحر؛ بل تجعله يتحدى، ويبدأ من جديد، ويثبت للمرأة التي أحبها أنها هي التي لا تستحقه، فهو يضاعف اهتمامه بدراسته ولا يتخلى عنها، ولا يكره كل النساء؛ لأن امرأة واحدة تخلت عنه. نحن لا نمتنع عن أكل البرتقال؛ لأننا وجدنا برتقالة واحدة مليئة بالدود!

وقبل أن تحكم على امرأة أحببتها اسمع دفاعها عن نفسها. فليس أسوأ من الظالم الذي يحكم على الناس دون أن يسمع دفاعهم. وليس أسوأ من القاضي الذي يحكم وهو غاضب. انتظر حتى تهدأ، وفكر في موقف هذه الفتاة. ضع نفسك مكانها. أنت تتصور أنكما تستطيعان أن تعيشا على الحب. الحب أهم من الغرفة وأهم من المهر وأهم من الطعام. ولكن غيرك يرى أن الحب لا بد أن يجد غرفة يسكنها، ولا بد أن يجد فراشًا ينام فيه، ولا بد أن يجد طعامًا يأكله. إنه من الممكن أن نعيش على الحب وحده شهرًا وشهرين، ونجوع ونتعرى ونتشرد. ولكن بعد الشهرين لن نستطيع أن نقاوم الجوع، ولا بد أن نجد مأوى، ولا بد أن نغطيه خشية أن يصاب بالبرد. ربما تستطيع أن تصبر عشر سنوات حتى تعد نفسك لهذا الزواج، ومن سوء الحظ أن آباء الفتيات وأمهاتهن لا يؤمنون بأن في التأني السلامة

ص: 203

وفي العجلة الندامة. أغلب الأمهات يرغبن في زواج بناتهن في أقرب فرصة ممكنة!

سوف تدهش، أن الحياة سوف تعوضك عما فقدت. ستعطيك الأيام عروسًا أجمل وأذكى وأكثر صبرًا واحتمالًا!

والزوجة الصبورة المؤمنة هي أحسن زوجة في العالم!

مصطفى أمين

2-

العمود الصحفي الذي يغلب عليه الاهتمام بالنقد الاجتماعي اللاذع والقائم على السخرية "المضحكة المبكية" من الظواهر السلبية في المجتمع، مثال ذلك عمود "صندوق الدنيا" لأحمد بهجت في صحيفة الأهرام.. وعمود "1/2 كلمة" لأحمد رجب في صحيفة الأخبار.

ونقدم نموذجًا لأحمد بهجت، وهو عن أزمة المرور في شوارع مدينة القاهرة، ويلاحظ عليه الطابع الساخر المصاغ في قالب شبه أدبي:

ص: 204

صورة تسحب اسكنر؟؟؟؟؟؟؟؟؟

1

3-

العمود الصحفي الذي يقوم على ذكر أسئلة أو خطابات تصل إلى الكاتب من القراء.. ثم يتولى الرد أو التعليق عليها، أو يكتفي بنشر الأسئلة أو الخطابات دون رد أو تعليق بما يعني موافقته على ما جاء بها من أفكار أو آراء.

وأبرز الأعمدة الصحفية التي تقوم على هذا الأسلوب عمود "ما قل ودل" لأحمد الصاوي محمد.. في صحيفة الأخبار.. وهذا نموذج منه:

1 الأهرام - 12/ 4/ 1980.

ص: 205

صورة تسحب اسكنر؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟

1

4-

العمود الذي يقوم على الحوار الذي يخلقه الكاتب، سواء على لسانه أو لسان غيره.. وهو قد يأخذ شكل المونولوج؛ أي: الحوار مع نفسه، أو يأخذ شكل الديالوج؛ أي: الحوار مع غيره.. فمرة يأخذ العمود شكل الحوار بين أستاذ وتلميذه.. ومرة يأخذ شكل الحوار بين عجوز وشاب.. ومرة يأخذ شكل الحوار بين رجل وامرأة.. وفي كل

1 الأخبار - 4/ 5/ 1980.

ص: 206

الحالات فإن الكاتب يحرص على جذب اهتمام القارئ بالموضوع عن طريق التجديد في البناء الفني للعمود.

ومثال ذلك ما كتبه محمد زكي عبد القادر في عموده اليومي "نحو النور" في صحيفة الأخبار عن الإرهاق الذي يعانيه الطلاب في المذاكرة استعدادًا للامتحانات:

صورة تسحب اسكنر؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟

1

1 الأخبار - 4/ 5/ 1980.

ص: 207

5-

العمود الصحفي الذي يقوم على وصف الطرائف والمفارقات.. وهو يهدف إلى تسلية القارئ عن طريق التركيز على الوصف الكاريكاتوري للجوانب الغريبة أو الطريفة في الحياة وفي المجتمع. ومثال ذلك عمود "صباح الخير" الذي يكتبه جهاد الخازن في صحيفة الشرق الأوسط:

صورة تسحب اسكنر؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟

1

1 الشرق الأوسط - 25/ 4/ 1980.

ص: 208

فن اليوميات الصحفية:

اليوميات الصحفية ليست في حقيقة الأمر سوى مجموعة من الأعمدة الصحفية يكتبها كاتب واحد.. ومرة واحدة في الأسبوع.. فالفقرات التي تضمها اليوميات إذا أخذت كلًّا منها على حدة.. لما اختلفت كل فقرة منها عن العمود الصحفي في شيء.. سواء في موضوع اليوميات أو لغتها أو في بنائها الفني القائم على الهرم المعتدل، فموضوعات اليوميات الصحفية يمكن أن تستوعب السياسة والاقتصاد والاجتماع وقضايا الفكر والفن والأدب، وكذلك مشاكل الناس وهمومهم.

ولغة اليوميات تجمع -شأنها شأن العمود الصحفي- بين بساطة اللغة الصحفية وجمال اللغة الأدبية، وكذلك في كونها تقوم على التجربة الذاتية للكاتب.

وقد انتشرت اليوميات الصحفية في الصحافة العالمية والعربية في النصف الأول من هذا القرن.. وخاصة في أوقات ازدهار صحافة الرأي.. ولكن كثيرًا من الصحف بدأت تخلي صفحاتها من هذا الفن الصحفي مع بداية ربع القرن الأخير.. حيث بات من النادر أن تجد صحيفة تفرد مساحة من صفحاتها لهذا الفن. وبعد أن كان فن اليوميات بابًا رئيسيًّا من أبواب الصحف والمجلات العربية -وغالبًا ما تفسح له صفحتها الأخيرة- صار من النادر أن تجد صحيفة أو مجلة عربية ما زالت تحتفظ بهذا اللون من الألوان الصحفية. ويمكن أن نرجع هذه الظاهرة إلى عاملين:

أولهما: أن فن العمود الصحفي صار يؤدي جميع وظائف اليوميات، بالإضافة إلى تميزه بصغر المساحة التي يشغلها من الصحيفة.

وثانيهما: تراجع صحافة الرأي وغلبة صحافة الخبر على الصحافة المعاصرة.

وعلى سبيل المثال فإن الصحيفة اليومية الوحيدة في مصر التي ما تزال تحتفظ بفن اليوميات هي صحيفة الأخبار القاهرية، والتي ما تزال تفسح له مساحة كبيرة من صفحتها الأخيرة.

ص: 209

والنموذج الذي اخترناه من فن اليوميات الصحفية.. هو إحدى يوميات صحيفة الأخبار.. وهو يحتوي على ثلاث فقرات.. كل منها أشبه بالعمود الصحفي.

شكل يسحب اسكنر؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟

1

- في الفقرة الأولى من هذه اليوميات تناول الكاتب بالتعليق والمناقشة قضية ارتفاع الأسعار، وقد وضعها تحت خواطر يوم "الجمعة"، ويلاحظ أن البناء الفني لهذه الفقرة يتماثل تمامًا مع البناء الفني للعمود الصحفي، فقد أثار الكاتب في المقدمة قضية الأسعار؛ حيث ذكر:

الجمعة:

لا نغالي إذا قلنا: إن القاسم المشترك الأعظم في كل حديث يجري بين اثنين أو أكثر في أي مكان من بلادنا هذه الأيام، هو حديث الأسعار وزمامها الذي أفلت، وأحال حياة الجانب الأعظم من أبناء شعبنا إلى عذاب وهم مقيم.

- أما جسم الفقرة، فقد حوى على الأدلة والشواهد التي يؤكد بها خطورة القضية التي يثيرها.. أي: قضية ارتفاع الأسعار:

ولن أحاول أن أعفي المسئولين عن إفلات زمام الأسعار الذي شمل كل شيء؛ بل وأصبح يجري بصورة آلية دون قواعد ولا روابط.. وبلا أسباب أو مبررات في أغلب الأحيان.

1 الأخبار - 21/ 2/ 1980.

ص: 210

بيد أننا لا نستطيع في الوقت ذاته أن نعفي المستهلكين أنفسهم من جانب كبير من المسئولية عن تفشي هذه الظاهرة التي تمس حياة كل فرد منا، فإن موقف اللامبالاة الذي يقفه أغلبنا تجاهها، هو المشجع الأكبر على فتح شهية الجشع الذي لا يرتوي، والذي نرى آثاره في ذلك الارتفاع الحلزوني الذي لا يجد رادعًا يوقفه.

ولست أدعو المواطنين إلى التصدي فرادى للباعة والتجار الجشعين، فإني أعلم جيدًا ما يمكن أن يصيبهم من أذى وعدوان في تلك الحالة، وهو ما يحول دون الإقدام على أي مواجهة مع هؤلاء التجار، وخاصة إذا كان الزبون واهن القوى أو سيدة حريصة على كرامتها.. ومن ثم فإن أسلم الطرق وأكثرها فاعلية في هذا المجال، هو تضافر جمهور المستهلكين في كل حي أو جزء من حي لتكوين جماعة تدافع عن حقوقهم ومصالحهم، وتتصدى بصورة إيجابية لكل محاولة جشعة لاستغلال جماهير المواطنين دون مبرر.

مثل هذه الجمعيات التي تدافع عن المستهلكين موجود في دول عديدة متقدمة، لم يفلت فيها زمام الأسعار بالصورة التي نشهدها اليوم في مختلف مدننا الكبرى والصغرى على السواء.. وكثير من هذه الجمعيات يضم ربات البيوت باعتبارهن أول من يكتوى بموجة الغلاء وارتفاع الأسعار.

ومنعًا لحدوث أي احتكاك مباشر بين جمعيات المستهلكين والتجار، فإن من الأفضل أن تكون مهمة هذه الجمعيات ومندوبيها في البداية مجرد المراقبة ولفت النظر في هدوء

ص: 211

إلى محاولة لاستغلال المواطنين، وفي نفس الوقت إبلاغ المسئولين عن مراقبة الأسعار للقيام بواجبهم لوقف هذا الاستغلال مستخدمين قوة الدولة وسلطانها.

ولا شك أن عدم الالتزام بوضع السعر على كل سلعة، وتقديم إيصالات بثمنها -كما هو الحال في كل دول العالم- يشجع الكثيرين ممن ماتت ضمائرهم على التلاعب في هذه الأسعار، وفقًا لأهوائهم وجشعهم.. والحل هنا هو تشديد العقوبات على عدم وضع السعر فوق كل سلعة مهما كان ثمنها، ففي الخارج نجد هذا السعر موضوعًا في كل شيء يعرض للبيع، ولو كان ثمنه لا يتجاوز بضعة قروش أو ملاليم.

- أما خاتمة الفقرة، فقد تضمنت خلاصة رأي الكاتب واقتراحاته في قضية ارتفاع الأسعار:

شيء آخر نرجوه فيما يتعلق بالحماسة السائدة اليوم حول الأسعار وعلاج ظاهرة ارتفاعها المستمر.. وهو ألا تكون صورة أخرى من أسبوع النظافة، وأسبوع المرور، وأسبوع منع الضجيج

إلخ، ثم يعود كل شيء كما كان.. وألعن!

- أما الفقرة الثانية في هذه اليوميات، فقد حملت عنوانًا فرعيًّا هو "لمسة وفاء تثير الشجون"، ووضعت تحت خواطر يوم السبت، وهي تماثل تمامًا العمود الصحفي الذي يقوم على إبراز الأسئلة أو الخطابات التي تصل إلى الكاتب من القراء، والتي يتولى الرد والتعليق عليها.. بحيث تضمنت مقدمة الفقرة الإشارة إلى رسالة القارئ:

ص: 212

لمسة الوفاء تثير الشجون

السبت:

مست كلمتي عن تكريم العاملين الذين أفنوا زهرة شبابهم وعمرهم كله في وظائفهم عند تقاعدهم وترًا حساسًا لدى الكثيرين ممن مروا بهذه التجربة، وقد أعربوا في رسائلهم عن أحاسيسهم بالمرارة وخيبة الأمل التي أصابتهم بعد أن بلغوا سن المعاش.

- أما جسم الفقرة، فهو يتضمن نص رسالة القارئ أو جانبًا منها، ثم رد الكاتب عليها:

يقول الأستاذ محمد عزازي المسيري من الإسكندرية: لقد هزتني كلمتك بعنوان "لمسة وفاء نفتقدها.." وجعلتني أستعرض سنينًا من عمري جاوزت الثلاثين في خدمة هذا البلد. منها ما يقارب العشرين عامًا في ديوان محافظة كفر الشيخ، هي عمر الحكم المحلي كله. ثم أتذكر أيامًا كانت تدنيني من سن الستين في يونيو 1979، وانتظرت في أمل أن يكون هذا اليوم جديرًا بمن عمل للدولة كل هذا العمر الطويل، وبتقارير لا تقل عن امتياز.. وانتظرت أن يدخل الوزير المحافظ -الذي كان رجل بروتوكول عندما عمل مديرًا لمكتب رئيس الوزراء السابق- مكتبي ليقول كلمة رقيقة بهذه المناسبة، وأن يحذو حذوه وكيل الوزارة السكرتير العام..

ولكن اليوم مر مع الأسف والألم، ومرت كل الأيام حتى اليوم دون أن يحدث شيء من ذلك.

وأستعرض وأنا أقرأ كلمتك أنواعًا من البشر أقيمت لهم حفلات، وقدمت الهدايا السخية التي جمع ثمنها بالأمر من العاملين.. وأتذكر نوعية هؤلاء وسلوكهم.. ونوعية أولئك الذين خدموا بإخلاص وأمانة.. ولم يقل لهم أحد:"شكرًا ومع السلامة".

ص: 213

وتمر الذكريات.. وفي حفل أقامه خريجو كلية فيكتوريا بالإسكندرية، وقد دعيت إليه كأستاذ أمضى عامين فقط مدرسًا بها، ويقف الابن البار العزيز الوزير منصور حسن ليقدمني أكرم تقديم، ويعترف بفضل أستاذه وأستاذ الكثيرين ممن حضروا هذا اللقاء، بكلمات لم أتمن يومًا أن يقال عني ولو بعضها، مما جعل الدموع تترقرق في عيني.

وعزائي الوحيد يا أخي أنني أرضيت الله والأخيار من خلق الله، فأكرمني الله وبارك لي في أسرتي وفيمن علمتهم.. وتكفيني نظرة حب أقرأها في عيون الأحباب في ديوان المحافظة تعبر عما في قلوبهم من عرفان وتقدير.. وكأنها تقول: الله موجود.

- أما ختمة الفقرة، فقد تضمنت رأي الكاتب واقتراحاته حول الموضوع:

أما آن للشيوخ المصريين أن ينالوا من العطف والتكريم مثلما ينال إخوانهم هؤلاء؟ إنني أرجو أن تتبنى أخبار اليوم الدعوة لمؤتمر لشيوخ مصر يعقد في العام القادم.

- أما الفقرة الثالثة والأخيرة في هذه اليوميات، فقد جاءت تحت عنوان "هذا التشويه للروائع العالمية" وهي عن خواطر نقدية يسجلها الكاتب عن إحدى تمثيليات التليفزيون، وقد وصفها تحت خواطر يوم "الأحد"، وقد اختار الكاتب أن يضع في مقدمة هذه الفقرة القضية التي تثيرها هذه التمثيلية.. وهي تشويه التليفزيون للروائع العالمية:

هذا التشويه.. للروائع العالمية:

الأحد:

إن ما أراه الآن على شاشة التليفزيون من حلقات يقال: إنها مأخوذة عن هذه الرواية التي خلدت اسم صاحبتها شارلوت برونتين

ص: 214

منذ كتبتها من حوالي قرن ونصف قرن، رغم أنها إنتاجها الوحيد في عالم القصة.. يثير في نفسي آلامًا شديدة لهذا التشويه العجيب الذي أراه في أحداث القصة التي تناولها المسرح المصري والسينما العالمية والمصرية، ونالت نجاحًا ما زال مشهودًا به في عالم الفن.

- أما جسم الفقرة، فقد تضمن الأدلة والشواهد والحجج التي يؤكد بها الكاتب رأيه، وذلك من خلال الخلفية التي يقدمها عن هذه التمثيلية، وكذلك من خلال رأيه في التشويه الذي أصابها عندما تحولت إلى عمل تليفزيوني:

"مرتفعات ويذرنج" رواية لها ذكرى عزيزة في قلبي ونفسي منذ أن ترجمتها لأول مرة في مصر في مطلع الأربعينات، وقد شدتني بما فيها من صراع العواطف البشرية والانفعالات والتحليل الدقيق لمختلف المشاعر الإنسانية بما فيها من حب ونضال وثأر للكرامة الجريحة.. وقد أشار علي بتقديمها للقارئ العربي يومئذ أستاذي الفنان العريق زكي طليمات، وأحضر لي نسختها الإنجليزية من صديقه المرحوم القصصي الكبير محمود تيمور.

وإذا كان مجرد التذرع بتمصير القصة الخالدة حجة كافية في نظر مَن قاموا بهذا التشويه، فقد كان في الإمكان الالتزام بالأسس التي قام عليها الصراع الأصلي في القصة بصورة أكثر توفيقًا من هذا، إلى جانب عدم التوفيق في اختيار الملابس والعادات والديكور التي تناسب الحياة في الريف المصري في مطلع الثلاثنيات كما أراد مقتبس القصة.

ص: 215

ولست أدري هل كاتب السيناريو هو المسئول عن عدم تقمص أحمد زكي شخصية بطل القصة الأصيلة "هيثكليف" الذي كان يشبه بالجواد البري الجامح أو الإعصار العنيف الذي تدفعه مشاعره الجارفة إلى اكتساح كل شيء في طريقه.

أما محيي إسماعيل، فقد قلب دور شقيق البطلة إلى صورة كاريكاتير هزلية، يقترب بها كثيرًا من شخصية الكوميدي الراحل عبد السلام النابلسي.

- أما خاتمة الفقرة، فقد حوت خلاصة رأي الكاتب في هذه الظاهرة:

وقد يكون ذلك شيئًا يثير البسمة على شفاه المتفرجين؛ ولكنها بسمة سخرية؛ لأن هذا هو أبعد شيء عن هذه الشخصية كما أرادتها شارلوت برونتين في قصتها الممتازة.

- ومن هذا النموذج لفن اليوميات الصحفية يتضح لنا فعلًا أن هذا الفن ليس سوى مجموعة من الأعمدة الصحفية.. وضعت في مساحة واحدة.. وتحت عنوان واحد.. وبقلم كاتب واحد.

ص: 216

‌المبحث الثالث: فن العمود الصحفي

ويوضح الشكل التالي طريقة كتابة العمود الصحفي المبني على قالب الهرم المعتدل:

رسم يسحب اسكنر؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟

البناء الفني للعمود الصحفي المبني على قالب الهرم المعتدل

ص: 190