الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قاعدة في المحبة
تأليف: شيخ الإسلام ابن تيمية
تحقيق: محمد رشاد سالم
بسم الله الرحمن الرحيم على الله توكلي
فصل في الحب والبغض
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ونشهد أن محمدا عبده ورسوله وحبيبه وخليله وعلى آله وصحبه وسلم تسليما
أما بعد فهذه قاعدة عظيمة في المحبة وما يتعلق بها من جمع الإمام العلامة شيخ الإسلام بركة الأنام بقية السلف الكرام أبى العباس أحمد بن الشيخ شهاب الدين عبد الحليم بن الشيح مجد الدين أبى البركات عبد السلام ابن تيمية رضي الله عنه وأرضاه
قال رضي الله عنه: فصل في الحب والبغض والمحمود من ذلك والمذموم وأصل كل فعل وحركة في العالم من الحب والإرادة فهو أصل كل فعل ومبدؤه كما أن البغض والكراهة مانع وصاد لكل ما انعقد بسببه ومادته فهو أصل كل ترك إذا فسر الترك بالأمر الوجودي كما يفسره بذلك أكثر أهل النظر
وإذا عني بالترك مجرد عدم الفعل فعدم الفعل تارة يكون لعدم مقتضيه من المحبة والإرادة ولوازمهما وقد يكون لوجود مانعه من البغض والكراهة وغيرهما
فأما وجود الفعل فلا يكون إلا عن محبة وإرادة حتى دفعه للأمور التي يكرهها ويبغضها هو لما في ذلك من المحبوب أو اللذة يجدها بالدفع فيقال شفى صدره وقلبه والشفاء والعافية بمحبوب
والمحبة والإرادة تكون إما بواسطة وإما بغير واسطة مثل فعله للأشياء التي يكرهها كشرب الدواء والمكروه وفعل الأشياء المخالفة لهواه وصبره ونحو ذلك
فإن هذه الأمور وإن كانت مكروهة من بعض الوجوه فإنما يفعل أيضا لمحبة وإرادة وإن لم تكن المحبة لنفسها بل المحبة لملازمها فإنه يحب العافية والصحة المستلزمة لإرادة شرب الدواء ويحب رحمة الله ونجاته من عذابه المستلزم لإرادة ترك ما يهواه كما قال تعالى: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى} فلا يترك الحي ما يحبه ويهواه إلا لما يحبه ويهواه لكن يترك أضعفهما محبة لأقواهما محبة كما يفعل ما يكرهه لما محبته أقوي من كراهة ذلك وكما يترك ما يحبه لما كراهته أقوي من محبة ذلك
ولهذا كانت المحبة والإرادة أصلا للبغض والكراهة وعلة لها ولازما مستلزما لها من غير علة
وفعل البغض في العالم إنما هو لمنافاة المحبوب ولولا وجود المحبوب لم يكن البغض بخلاف الحب للشيء فإنه قد يكون لنفسه لا لأجل منافاته للبغض وبغض الإنسان وغضبه مما يضاد وجود محبوبه ومانع ومستلزم لا يكره عليه ونجد قوة البغض للنافي أشد وأحوط
ولهذا كان رأس الإيمان الحب في الله والبغض في الله وكان من أحب لله وأبغض لله وأعطي لله ومنع لله فقد استكمل الإيمان
فالمحبة والإرادة أصل في وجود البغض والكراهة والأصل في زوال البغيض المكروه فلا يوجد البغض إلا لمحبة ولا يزول البغيض إلا لمحبة
فالمحبة أصل كل أمر موجود وأصل دفع كل ما يطلب الوجود ودفع ما يطلب الوجود أمر موجود لكنه مانع من وجود ضده فهو أصل كل موجود من بغيض ومانع ولوازمهما
وهذا القدر الذي ذكرناه من أن المحبة والإرادة أصل كل حركة في العالم فقد بينا في القواعد وغيرها أن هذا يندرج فيه كل حركة وعمل فإن ما في الأجسام من حركه طبعية فإنما أصلها السكون فإنه إذا خرجت عن مستقرها كانت بطبعها تطلب مستقرها وما فيها من حركة قسرية فأصلها من القاسر القاهر فلم تبق حركة اختيارية إلا عن الإرادة
والحركات إما إرادية وإما طبعية وإما قسرية لأن الفاعل المتحرك إن كان له شعور بها فهي الإرادية وإن لم يكن له شعور فإن كانت على وفق طبع المتحرك فهي الطبعية وإن كانت على خلاف ذلك فهي القسرية
وبينا أن ما السموات والأرض وما بينهما من حركة الأفلاك والشمس والقمر والنجوم وحركة الرياح والسحاب والمطر والنبات وغير ذلك فإنما هو بملائكة الله تعالى الموكلة بالسموات والأرض الذين لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون